رياح الأنوثة تهب على الفدرالية الدولية لرابطات حقوق الإنسان



إقبال الغربي
2007 / 5 / 17

لأول مرة منذ تأسيس الفيدرالية الدولية لرابطات حقوق الإنسان وقع أخيرا انتخاب السيدة سهير بلحسن لرئاستها. و تتمتع هذه المنظمة العريقة بوزن و بثقل كبيران ضمن المجتمع المدني العالمي وهي تضم 141 رابطة للدفاع عن حقوق الإنسان تنتمي إلى ما يزيد عن 100 دولة من جميع أنحاء العالم.
وقد تأسست الفدرالية سنة 1922 و تتتالى على إدارتها رؤساء كلهم فرنسيون و لكن في مؤتمر الدار البيضاء سنة 2000 و لأول مرة في تاريخها انتخب لها رئيس إفريقي هو الأستاذ المحامي سيديكي كابا و استمر هذا التوجه الحديث بانتخاب امرأة تونسية ذات ثقافة عربية و إسلامية شغلت منصب نائب رئيس الفدرالية لعدة سنوات .
و تهتم الفدرالية بالدفاع عن الحقوق المدنية و السياسية و أيضا عن الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و قد خاضت نضالات ضد بعض الشركات المتعددة الجنسية للدفاع عن مصالح الطبقة العاملة أو لحماية البيئة و المحيط و ذلك تأكيدا منها على مبدأ تكامل حقوق الإنسان . .و لا شك أن انتخاب امرأة على رأس الفيدرالية سينعكس ايجابيا على النضالات النسوية التي تخوضها نساء العالم من اجل المساواة بين الجنسين و ضد التمييز وضد العقوبات البدنية و خاصة حكم الرجم البغيض و للحد من جرائم الشرف في العالم العربي .
و تعتبر اليوم حقوق الإنسان عقدا اجتماعيا عالميا يحدد علاقة الحاكم بالمحكوم بل إن "شريعة حقوق الإنسان " هي اليوم المعيار الكوني و الخط الأحمر الذي لا يمكن لأي إرادة شعبية أن تتخطاه دون أن تفقد شرعيتها الدولية. إن احترام هذه الحقوق هو الذي يعطي للديمقراطية شرعيتها النهائية و يحمي في نفس الوقت سيادة الشعب من الانزلاق في طغيان الأغلبية. و بتعبير آخر إن حقوق الإنسان يفترض منها أن تكون بمثابة سد شرعي يحول دون دوس أي إرادة عامة حقيقية أو افتراضية لفضاء الحريات الفردية .
فقد علمتنا التجارب التاريخية الأليمة أن الطريق إلى جهنم مرصع بالنوايا الحسنة و أن الأحلام الوردية أن الديمقراطية يمكن أن تفرز أعداء الديمقراطية . ذلك ان الدساتير العادلة لا تعرف نفسها بنفسها. و لهذه الأسباب تمثل حقوق الإنسان حاجزا أخلاقيا و قانونيا ضد الانحرافات الشمولية لإرادة الغوغاء. و بالتالي يجب أن يكون تطابق أي سلطة مع الميثاق العالمي لحقوق الإنسان هو شرط الاعتراف بها و تبنيها من طرف المجتمع الدولي و أيضا الشهادة لها بأنها عادلة و بأنها ديمقراطية فعلا لا قولا.
و قد تأسست فكرة حقوق الإنسان من مقولات بعض الفلاسفة أمثال جون لوك (1632-1704) الذي أكد على الحقوق الطبيعية للإنسان أي حقه في الحياة و الحرية و المساواة و الملكية . و قد تأثر به المفكر الفرنسي منتسكيو (1679- 1755) الذي أكد على فصل السلطات الذي يوفر أسباب الانتقال من طور الرعية إلى طور المواطنة كما ندد هذا الأخير بالاستعمار و بالعبودية إذ اعتبر الإنسان قيمة مطلقة مهما كان جنسه أو لونه أو دينه . اما الفيلسوف الفرنسي فولتير (1694-1778) فقد كرس حياته للنضال من اجل الحرية و التسامح و ضد الاستبداد السياسي و الديني المنافي لحقوق الإنسان . و قد جسد جون جاك روسو (1712-1778) فكرة حقوق الإنسان في مقولة العقد الاجتماعي .
واعتبر كانط (1724-1804) حقوق الإنسان غاية في حد ذاتها أساسها القيم الأخلاقية التي تقوم عليها المجتمعات واعتبر هذه الحقوق لا معطى فطرى و طبيعي بل مكسبا و بناءا يجسد انتقال البشرية من الهمجية إلى الحضارة و من البربرية إلى الثقافة .
و اليوم يمثل الميثاق العالمي لحقوق الإنسان مكسبا كونيا لجميع البشرية و ذلك بقطع النظر عن نشأته الاروبية أو الغربية . فهو بالرغم من انتماءه الجغرافي يمثل في جوهره يجسد انعتاقا من رق الروابط العتيقة التي سادت الثقافة الغربية و يمثل قطيعة شاملة مع التراث الغربي و مع تقاليده و مؤسساته التقليدية . طبعا ترسيخس الكرامة الإنسانية العابرة للخصوصيات الدينية و الثقافية فهو يؤكد على حق الإنسان في الحياة و سلامة شخصه و كذلك في حرية التملك و الرأي و الفكر و التعبير و التجمع و التنقل و الضمير و المعتقد و العمل و على ضرورة حمايته من الإيقاف التعسفي و التعذيب و ضمان قضاء عادل له يقوم على أساس أن كل متهم يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونيا بمحاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه . طبعا ترسيخ حقوق الإنسان مثله مثل الحداثة مشروع لم يكتمل بعد فهو مسار تاريخي معقد و متشعب يقترح مجتمع إنساني بديل متحرر من الرعب .