هل انتهت معركة المرأة؟



فاخر السلطان
2007 / 5 / 23

الثقافة الدينية المهيمنة على حياة الغالبية العظمى من العرب والمسلمين في الوقت الراهن، تستند إلى الفقه التاريخي، حيث ينبع جزء كبير منها من طبيعة العادات والتقاليد التي كانت موجودة في المجتمع الإسلامي آنذاك.
ومما لاشك فيه أن الخطاب الديني الراهن، المهيمن على المجتمعات العربية، قد تبدل من معين لبناء الحاضر، إلى منهج فكري حياتي يدعو إلى العودة للماضي لبناء مجتمع تاريخي بظاهر متسم بالحداثة، الحداثة الشكلية فقط. فالخطاب استفاد من وسائل الحداثة لكنه حذف معظم مفاهيمها ومضامينها التي شكلت الأساس النظري والقاعدة الرئيسية لولادة تلك الوسائل. فالهدف الأول لمنظري تلك الثقافة وذلك الخطاب هو الوقوف بوجه الجهود المبذولة لبناء مجتمعات حديثة الشكل والمضمون معا، حيث يبررون موقفهم هذا على أساس أن المشروع الحداثي يناهض، في أفكاره ومفاهيمه وسلوكه، مشروعهم التاريخي وفهمهم الفقهي الماضوي الضيق عن الدين، ويرون في مشروعهم هذا أنه صالح لكل زمان ومكان بزعم قدرته الإجابة على جميع أسئلة الحياة الراهنة كسؤال حقوق الإنسان وحقوق المرأة، على الرغم من أن تلك الإجابات لن تكون سوى إجابات تاريخية لموضوعات حديثة.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف يمكن الاستناد إلى تلك الإجابات في بناء مجتمع حديث؟ وهل يمكن الاعتماد على فقه ذي أصول تاريخية وعلم كلام لا ينفع لمجاراة الحاضر، في تشكيل واقع حديث؟ وهل سؤال الواقع، حول المرأة أو غيرها، يحتاج إلى مفاهيم حديثة، أم إلى مفاهيم غابرة أكل عليها الدهر وشرب؟
غالبية الرؤى الفقهية الراهنة المنتمية إلى الخطاب الديني تعارض، من خلال سند نصي وفهم تاريخي، الحقوق الحديثة للمرأة، كحقّها السياسي الذي هو جزء لا يتجزأ من الحقوق العامة للإنسان، حيث تستند معارضتهم إلى اعتبار أن حقوق المرأة، وفق المنظور الحديث، لا تنتمي إلى النظرة الاجتماعية التاريخية للدين والمنبثقة عن فقههم. ومن جانب آخر فإن الفقهاء الذين أيدوا حقوقها السياسية، لم يؤيدوها انطلاقا من النظرة الحقوقية والاجتماعية الحديثة، وإنما انطلاقا من تفسيرهم للسند النصّي التاريخي الذي أيد وجهة نظرهم تلك، إذ لولا ذلك التفسير للسند لما أيدوا تلك الحقوق أيضاً. فالاثنان، أي مؤيدي ومعارضي حقوق المرأة، إنما اختلفت وجهات نظرهم انطلاقا من الحجة النصية لكل طرف، والفهم التاريخي للنصوص. إن الخلل في الخطاب الديني، المناهض بعضه لحقوق المرأة وبعضه الآخر مؤيد، أي تناقضه في طرح النص بوصفه حجة لرؤيته، باعتبار أن تفسير النص حماّل أوجه، وبالتالي كل جهة تعتقد بأنها تمتلك الحقيقة المطلقة ومن ثم تلغي رؤية الجهة الأخرى.. إن ذلك الخلل يكمن في أن الخطاب هو خطاب تاريخي يبتعد بمفاهيمه ونظرياته مسافات كبيرة عن مفاهيم ونظريات العالم الجديد الذي نعيش فيه. فالخطاب يصر على الاستفادة فقط من وسائل الحداثة ويتجاهل نظرياتها ومفاهيمها المولّدة والمؤسسة لتلك الوسائل، أي انه يمثل أعلى مراتب الاستغلال: الاستفادة من وسائل الحداثة ورمي مفاهيمها العلمية والإنسانية في سلة المهملات.
فحينما يشخّص ويقرّر الإنسان، من دون أي حيلة أو طمع، ومثلما يجري الآن في كثير من بقاع عالمنا الراهن الحديث، بأن حقوق الإنسان هي قضية لا يمكن لها أن تتجزأ، وأن حقوق المرأة هي جزء رئيسي من حقوق الإنسان وأمر مؤثر في حياة المرأة ما جعلها تتغير وتتطور، وأن حقوقها تلك لا يمكن فصلها عن صور الخير التي توصلت إليها البشرية من خلال عقلائها، فإن هذه النتيجة من شأنها أن تحقق لمبلغيها أمنية المرأة في الحصول على حقوقها في مجتمعاتنا الإسلامية دون انتظار حصولها على سند نصّي تاريخي لذلك. إن أنصار الخطاب الديني إنما سعوا لفصل قضيتين أساسيتين ترتبطان بحقوق المرأة، الفصل بين حقوقها كامرأة وبين حقوقها كمسلمة، واعتبروا هذا الفصل هو السلاح الذي من خلاله يستطيعون أن يواجهوا مفاهيم عالم الحداثة الجديد الداعية إلى تحرّر المرأة من أسر التاريخ ووصاية رجل الدين وإعطائها حقوقها الإنسانية كاملة غير مجزأة. فهم أثاروا مشروعهم الضيق بهدف التفريق بين حقوق المسلمة، وبين جميع نساء العالم، واستندوا إلى الفهم التاريخي الضيق القائل أن الإسلام قد طرح مشروعا متكاملا حول المرأة بما فيه حقوقها السياسية، لكنهم لم يتداركوا أن مشروعهم هذا لن يكون إلا سدا أمام مساعي تحريرها من الوصاية ومن الحرية التي كانت أحد أسس انبعاث جميع الأديان. إن هذا الطرح لا يهدف إلى التقليل من أهمية تاريخية الخطاب الإسلامي أو الإهانة إلى صورته، فهو كان يمثل صورة المجتمع بثقافته واجتماعه، في حين أن هدفنا هو الدعوة للتعامل بإيجابية وواقعية مع الراهن الحديث، ليس بأدواته ووسائله فحسب وإنما بمفاهيمه ونظرياته وعلومه الحديثة.
إن هذا المطلب لا يتعلق بالمرأة الكويتية فحسب، وإنما بوضع المرأة في عموم المجتمعات العربية الإسلامية، وبالذات في منطقة الخليج، التي تشترك خلاله المرأة بمشتركات حياتية وظرفية كثيرة يتحتم خلالها الدفاع عن مصيرها الإنساني المشترك. فعدم قدرة المرأة على قيادة السيارة في السعودية – مثلا - هي صورة مشتركة من صور الظلم الاجتماعي ضد المرأة والمتكئ على التفسير الديني. وهو أحد تجليات الوصاية الذكورية الدينية على المرأة ومشهد من مشاهد "سجن" النساء في المجتمعات العربية والإسلامية وصورة من صور الأغلال التي كبلت يدي مطالبها الداعية إلى الحرية والمساواة بوصفها إنسانة تنتمي إلى هذا الزمان.
إنّ من يدخل بيوت الأسر الكويتية سينبهر من مستوى الظلم الاجتماعي الواقع على الكثير من البنات والنساء، وسوف يستنتج بأن حقوق المرأة السياسية هي جزء يسير من حقوقها الحياتية العامة التي تفتقدها. فالمرأة حرة تماما مثل الرجل، وذات إرادة ومسؤولية، ولا وصاية لأحد عليها، مثلما يريد ويخطط و"يجاهد" الخطاب الديني، حيث يتحجج في تأييد موقفه هذا تارة بالفقه التاريخي الذي عفا عليه الزمن، وتارة بمبررات "المحافظة" و"العادات والتقاليد". فلقد آن الأوان لأن تقود المرأة العربية والمسلمة، وبالذات في المجتمعات الخليجية، نفسها في مختلف المجالات بدلا من أن ترضى بأن يقودها الرجل. ومثلما رفضت المرأة الكويتية – كبداية لطريقها الطويل والشاق - أن تنقاد من خلال مجلس أمة ذكوري، فعلى المرأة الخليجية أن تهدم الطوق الاجتماعي الديني الذي يمنعها من تنفيذ طموحاتها التحررية، مثل منعها من قيادة السيارة تحت حجة أن القيادة "تؤسس للفساد"، أو إجبارها على تنفيذ أوامر ذكورية بحجة المحافظة على العادات والتقاليد. وهذا الرفض والهدم لابد أن يسيرا انطلاقا من قدرة المرأة على تحقيق ذاتها ونجاح تجاربها المتعددة في ذلك بالساحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، سواء على الصعيد المحلي أو الإقليمي أو الدولي، واستنادا إلى مبدأ حقوق الإنسان والمساواة بين الرجل والمرأة، ونبذا لمبدأ الوصاية الدينية المتدثرة بالعادات والتقاليد. فأخطر ما يهدد كيان المرأة وشؤونها، ومن ثم حياتها بشكل عام، هي الثقافة التي تريدها أن تكون متبوعة غير متحررة، قاصرة لا تملك الإرادة، وبالتالي مملوكة غير حرة، وهي ثقافة يتبناها أنصار الخطاب الديني وتيار الفقه الماضوي المنطلق من الرؤية الاجتماعية التاريخية للحياة، حيث يرفض أي رؤية لا تتوافق مع التاريخ ويعتبرها مناهضة للدين.