قضية المرأة والزواج



زهير كاظم عبود
2007 / 5 / 29

الأهداء
الى (( جنــــــــــــان الدخيلي ))

الأنسانة والرفيقة والصديقة والحبيبة
رفيقة الطريق الموحش والوعـــر والجميل
تقاسمنا الجوع والحرمان والخوف والتعب والنجاح والفرح والحزن معاً ، خبأنا أسرارنا ومحبتنا ، جهادنا من اجل الأولاد رفيف ورند وزينب وعلي وعمر .
صنعنا بيتنا سوية ، وعجنا أيام سعادتنا سوية بشراكة حقيقية ، فكنت خير الرفيق والسند والسكينة التي تركن لها روحي فتطمأن وترتاح
زوجتي الحبيبة أم علي
عرفانا لك وأمتناناً لمواقفك ووقفتك وتضحياتك .
زهير كاظم عبود


المرأة والتحولات

شكلت قضية المرأة على الدوام أختلافاً في وجهات النظر ، وتباينا في المفاهيم القانونية والشرعية التي تعنيها بشكل خاص ، ولم يتوقف الحديث عن المرأة وحقوقها خلال الفترة الأخيرة ، مما يؤكد ان هذا الأختلاف يمثل أهتماماً في قضية المرأة وأن أختلفت فيها الدراسات ، وأنسحب هذا الأختلاف على الأصعدة الأجتماعية والفكرية والثقافية والدينية ، ولعل الجانب الشرعي والقانوني من أهم الجوانب التي تتعلق بكيان المرأة داخل بنية المجتمع ، وكما أن التباين في قضية حقوق المرأة والنظرة اليها بين دول الغرب والشرق يبين الفروقات في الحقوق وفي النظرة الأنسانية من خلال تباين القيم والقوانين ، حيث تطورت مفاهيم عديدة تخص المرأة بحكم العامل الزمني بشكل عام ، وبقيت مجتمعات عديدة تتمسك بقيم متخلفة لاعلاقة لها بالشريعة ولابالنظم القانونيــة التي تتعارض مع الإصرار على التمسك بهذه القيم ، بينما استطاعت مجتمعات أخرى أن تتحرر أو تتخلص من الأرث القديم للقيم البالية ، وتمسكت بالقيم الجيدة والأيجابية والمتناسقة مع تطور الزمن والمجتمع .
وفي الوقت الذي يتم توجيه النقد للدول الغربية في حقول قضية المرأة من الدول الشرقية التي تحكمها الأعراف الدينية والاجتماعية ، فأن الدول الغربية تتوجه أيضاً بالنقد لدول الشرق أزاء نظرتها للمرأة ومايتبعها من قضية الحقوق .
وأذ نقر جميعاً دون أختلاف أن للمرأة الدور الأســاس والمهم في بناء المجتمع مع الرجل، وأن تقدم المجتمع لايتم الا بتقدم المرأة ، وهذا التقدم لايمكن تصوره دون المساواة الحقيقية الذي ينعكس على الواقع ، بالإضافة الى تحرير المرأة من قيود التخلف والقيم الاجتماعية البالية التي لاتتناسب مع مكانة المرأة الإنسانية ومع تطور الزمن ، والتي يتم تكريسها لأبقائها ضمن دائرة الجمود والتحجر ، فقد تطور واقع المرأة تبعاً لتحررها من قيود أجتماعية كانت تعيق نزولها الى الساحة العملية ، وتمنع مساهمتها في البناء جنباً الى جنب مع الرجل ، وتحديا لتفسيرات ومواقف من قضية المشاركة والمساهمة قد لاتجد لها حيزاً في عملية تطوير المجتمع العراقي على الأقل هذه الأيام ، بعد ان تمكنت المرأة من إكتساب العلم والمعرفة ، وخبرت العمل وساهمت بشكل فاعل في تطوير المجتمع ، من خلال دورها في البيت أو العمل أوأنخراطها في المؤسسات الفكرية .
على مدى زمن طويل والمرأة العراقية بشكل خاص تعاني من أثار التخلف الاجتماعي الذي تمارسه وتلتزم به شرائح غير قليلة من المجتمع العراقي ، والذي أضر قسم كبير منه المرأة العراقية ، وكان للفترة الحالكة التي عاشها العراق تحت ظل حكومات أجنبية متخلفة جللها الحكم العثماني بأعراف وقيم كرست ابشع معاني الظلم والتهميش لدور المرأة في المجتمع ، كما ساهمت فترة الحكم الملكي وسيادة أعراف وقوانين العشيرة المتخلفة أيضاً محاولة إلغـاء دور المرأة بالقدر الممكن في بنية المجتمع العراقي ، فقد نمت فوق ما توارثه المجتمع أعراف عشائرية وقيم تكرس مصالح أقتصادية جميعها تعبر عن غبن حقوق النساء وظلم المرأة ، ووضعت عوائق وحدود قاسية أمام تطورها وتعليمها وتحررها من قيود العبودية وقيود المفاهيم الظالمة ، غير أن المرأة لم توقف كفاحها وصمودها لتغيير هذا الواقع ، وبالرغم من كل المعوقات فقد ناضلت وقدمت التضحيات في سبيل تغيير هذا الواقع المتخلف وأزالة الظلم المتراكم عليها ، وتحقيقها الانتصارات من خلال دحر بعض أعراف وقيم المجتمع البالية ، ومن خلال إصرارها ونضالها ضد القيم العتيقة التي لم تعد تتفق مع حقوق الأنسان وتطور العصر وتقدم الأمم ، وإبدالها بقيم أكثر أنسانية وتطوراً وقبولاً ، وصيرورة القيم الجديدة قيد العمل والالتزام بديلاً عن الطرح النظري والتمنيات .
وبذلك أستطاعت المرأة ان تتبوأ على الأقل أن تطرح دورها المنشود في المجتمع ، وأن تسجل مكاسب كثيرة تحققت عبر مسيرتها النضـالية الطويلة ، على طريق المساواة في الحقوق ، ومع أن الهمة العالية والإصرار الذي اتصفت به المرأة العراقية قد حقق جانب من جوانب الطموح ، ألا أن المواجهة الشرسـة التي تقودها العقليات المتمسكة بالقيم البائدة والمتخلفـة ، والمتبرقعة في اغلب الأحيان بستائر الدين زوراً وبهتاناً ، ومحاولتها أن تبقي الحال على ماكان عليه ، تحاول أن تنشر الافتراء الذي يقول أن المرأة عقل ناقص ، وأن تعتبرها جزءا من أثاث البيت ، وتابع من توابع الرجل الخاصة أن لم تكن من ممتلكاته الشخصية ، تحت مزاعم الولاية والنقص العقلي وعدم القدرة الجسمانية وضرورات الحماية الرجولية ، وأن تكون مسؤولة وحدها على وجه الخصوص عن الطبخ وتنظيف البيت وغسل الملابس وكيها ورعاية الاولاد باعتبار أن أعمال الخدمة قاصرة على النساء ، لم تزل هذه العقليات قائمة تفرض قيماً بالية تحاول بواسطتها أن تبرقعها وتسوقها لأرضاء أمراضها الدفينة ونظراتها القاصرة تجاه المرأة ، ويمكن للمتابع ان يقر بتأثير القيم والأعراف المتخلفة والسلبية في إضعاف دورالمراة ضمن تلك الفترة ، بتأثير واضح من تلك العقليات المهيمنة على المجتمع ، كما أثرت أيضاً على أمكانية الأسراع والتعجيل في استعادة المرأة لدورها الطبيعي ، لكونها تعيق عملية أكتمال حرية المرأة من القيود التي قيدتها كل تلك الفترات وتمتعها بحقوقها الدستورية بشكل قانوني ، وانعتاقها من دائرة العبوديـة التي تم تحديدها لها ضمن أطار مساحة البيت فقط ، بالأضافة الى كونها تتعارض مع قيم المجتمع المتطور والحضاري المنسجم مع التطور الأنساني ، وانسحبت تلك القيم والعوائق الأجتماعية التي حرصت جهات لها مصالح أقتصادية وعقليات اجتماعية متخلفة أن تتمسك بها وتعمل على ابقائها مسيطرة وملزمة ضمن المجتمع ، لتقف حجر عثرة في طريق تطور ونهضة المرأة العراقية ، وأستغلت السلطات التي تعاقبت على حكم العراق هذه المعوقات ، لتتجاوز أكثر من مرة على حقوق ومكاسب المرأة ، بزعم الالتزام بالقيم الاجتماعية ومجاراة الأعراف العشائرية ، تحت حجة التقيد بتلك القيم والأعراف ، وحتى لاتصير مروقاً وخلافاً لقيم المجتمع تحت مزاعم أحترام قيم المجتمع العربي وتقاليده الموروثة .
ولعل ما جاء بالأعلان العالمي لحقوق الأنسان الصادر في العام 1948 حين أعتبر المساواة بين البشر دون تمييز بسبب العنصر أو اللون أو اللغة أو الدين أو الجنس من الوثائق الدولية الأولى التي أشارت الى المساواة الأنسانية وأنصاف المرأة بوثيقة معتبرة دولياً ، وتلت تلك النصوص التي أوردها الأعلان الدولي قرارات وأتفاقيات أخرى ، ففي 7 تشرين الثاني من عام 1967 أصدرت الجمعية العامة قرارها المرقم 2263 في إعلان القضاء على التمييز ضد المرأة ، وهو بيان رسمي دولي للقضاء على سياسة التمييز بين الجنسين ، أما على صعيد المؤتمرات الدولية التي عقدت من اجل حقوق المرأة ، نذكر منها على سبيل المثال مؤتمر مكسيكو لعام 1975 ، حيث تم أعتبار هذا العام سنة دولية للمرأة ، وهدف المؤتمر الى تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في السلم والتنمية وفي الأسرة والمجتمع وفي فرص التعليم وفي الأجور وفرص التعليم وحق المرأة بحرية الزواج أو الأمتناع عنه كما ورد في شعارات المؤتمر ، وكذلك في احترام جميع الحقوق الإنسانية للمرأة ، كما عقد مؤتمرفي العاصمة الدنماركية كوبنهاكن في العام 1980 تحت شعار المساواة والتنمية والسلم ، وجرى التأكيد على المساواة في العمل والحق في الرعاية الصحية والتعليم وفي إشراك المرأة بصورة متساوية مع الرجل في الحقوق .
وفي عام 1985 عقد مؤتمر نيروبي لمتابعة مسيرة وتطور وضع المرأة وحقوقها في العالم برعاية الجمعية العامة للأمم المتحدة وتنفيذا لقرارها المرقم 53- 136 في 11-12-1980 ، ولوضع خطة للنهوض بواقع المرأة في العالم حتى عام 2000 ، من خلال خطة استراتيجية للقضاء على كل أشكال التمييز وتفعيل دور المرأة في المجتمع . ثم جاء مؤتمر بكين العالمي عام 1995 وهو أوسع مؤتمر عالمي لتفعيل دور المرأة في العالم ، و يدعو لتحقيق المساواة ونبذ التمييز ضد المرأة ، حيث ورد في بيان المؤتمر التأكيد على مبدأ المساواة بين البشر وبين الرجال والنساء في الحقوق طبقا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، وجرى التأكيد على سلسلة من التوصيات بهذا الشأن. ويفترض ان تلتزم الحكومات بهذه القرارات الأنسانية التي خرجت من المؤتمرات بصدد حقوق المرأة ، الا أن السلطات العراقية البائدة من اجل مسايرة التطور الأنساني قولاً لافعلاً عملت على خلق منظمات كارتونية مهمتها الإساءة لدور المرأة العراقية وتهميش دورها النضالي ، والعمل على جعلها آلة تتقبل مايصدر من قرارات وأوامر وتعليمات دون نقاش او اعتراض ، بالأضافة الى مهمة التصفيق للقرارات التي تصدرها هذه السلطات حتى التي تغمط منها حق المرأة الذي كفله الدستور والشرائع والقوانين النافذة من خلال الإساءة إلى دور ومكانة المرأة العراقية بشكل عام والتنكر لدورها ومحاولة الحط من هذا الدور أجتماعياً وسياسياً .
يتجسد هذا من خلال النظرة البدائية المتخلفة التي يحملها عقل الحاكم البائد منذ بدايات الانقلاب عام 1968 ، إذ بدأت سلسلة طويلة من القرارات والأوامر التي يمكن أن تشكل لوحدها مؤشراً على حالة التدني الذي عاشته ولم تزل المرأة العراقية والتي بدأ يعيشها المجتمع العراقي بشكل ملحوظ ، وقد ألتفت قرارات السلطة الجائرة على أعناق النساء العراقيات ، حين أقدمت السلطة عام 1975 وما بعده على اعتبارهن رهائن قيد الحجز لحين تسليم أولادهن وأزواجهن من المعارضين للسلطة أنفسهم ، الموجود منهم داخل أو خارج العراق ودون وجود قضايا تحقيقية ضدهن ، ودون وجود قرارات قضائية تقضي بتوقيفهن أو إسناد تهمة لهن ، بالإضافة إلى عدم وجود مبرر أو سبب قانوني يقضي بإحالتهن الى المحاكم ، حيث تولت الاجهزة الامنية هذه المهمة غير القانونية حصراً ، ومن ثم اتجهت إلى إصدار قرارات تخالف حـق الإنسان في الاختيار والحياة ، والعمل على تحدي القرارات الخاصة بالقانون الدولي ، حين حثت الرجال في العراق على تطليق النساء من المسجلات في سجلات الجنسية على أساس التبعية أو ممن يحملن الجنسية الأجنبية ، ثم أكملت الضغط على الرجال من المتمسكين بزوجاتهم والرافضين الاستجابة للطلاق بتسريحهم من أعمالهم وفصلهم من وظائفهم وقطع أرزاقهم ، ولجأت في بدايات الحرب العراقية الإيرانية إلى أساليب خسيسة تخالف حتى نصوص القوانين التي أصدرتها السلطة نفسها ، حينما لجأت إلى حجز عوائل الجنود الهاربين والمتخلفين عن الخدمة العسكرية كوسيلة من وسائل الضغط غير المشروع على الأفراد الهاربين والمتخلفين من الخدمة العسكرية ، لإجبارهم على تسليم إنفسهم أو بقاء عوائلهم من النساء محجوزات ، وقامت السلطة أيضاً بزج المرأة في عملية عسكرة المجتمع وقسرها على التدريب وحمل السلاح ، وأقدمت على بعثرة العائلة بقواطع الجيش الشعبي من خلال فترات التدريب والخفارات والمعايشة ومن ثم المشاركة في قواطع متعددة الأغراض ، وبأساليب عديدة تقصد أيجاد شروخ في البنية الأجتماعية وداخل البيت العراقي .

أن ماتعرضت له النساء العراقيات من تهجير وتسفير وتفريق للعائلة وتشتيت أفرادها من قبل سلطة صدام ، لايمكن ان يكون سوى حرباً شعواء شنتها السلطة المذكورة لأسباب طائفية وسياسية شوفينية بحتة ، فقد تعرضت النساء الكرديات الى محنة الأبعاد في مناطق صحراوية تتناقض مع طبيعة المناطق التي كانت تعيشها العوائل الكردية ، ومن ثم تم اعدام الرجال وتصفيتهم بأساليب مختلفة ، وبعدها تعرضت المرأة الكردية الى محنة الأنفال التي اراد بها الطاغية صدام ابادة شعب كردستان في العراق ، فسيقت مئات الالاف من تلك النسوة مع أطفالهن الى الموت دون سبب او جريمة سوى أن الله خلقهن كرديات ، وفارقت الآلاف منهن الحياة في هذه الجريمة الأنسانية المروعة ، بالأضافة الى مقاومة العديد منهن السلطة واستشهادهن مع فصائل البيش مركة المقاتلة دفاعاً عن حقوق شعب كردستان العراق وكرامته .
كما ابتليت المرأة الكردية الفيلية بمحنة أنسانية لم يشهدها التاريخ من قبل ، تمثلت في مصادرة أموالها وسحب جنسيتها ورميها على الحدود ، بزعم التبعية تارة ولأسباب أمنية تارة أخرى ، وتم سلبها أطفالها الذين صاروا تجارب للأسلحة الكيمياوية الصدامية ، أو طعاماً لحقول الالغام في الحرب العراقية – الايرانية ، وحجز مئات الالاف من الرجال في سجون ومناطق نائية عن المدن ، وموت الالاف منهم بصمت ودون ضجيج أو قرقعة اعلامية ، تحت مرأى ومسمع العالم الذي أغلق عيونه وصم أذنيه عن هذه الجريمة الإنسانية البشعة لأسباب باتت معروفة ، كما تم أعدام العديد من رجالهن وأولادهن تحت شتى الأسباب ، وتحملت المرأة الكردية الفيلية الضيم الذي لم يتحمله مثلها في العراق الا القليل ، فقد عبرت حقول الالغام والحدود البرية والقفار مشياً على الأقدام تحت أقسى الظروف المناخية وتقلبات الطقس الحادة ، وسكنت الخيام والبراري ، وتعرضت للسرقة والاغتصاب من قبل قطاع الطرق والمجموعات الإجرامية في مناطق الحدود العراقية الإيرانية ، وواجهت الضواري الهائمة والمتوحشة ، ثم انتشرت في أصقاع الأرض مهاجرة بعد ان سكنت المخيمات الايرانية البائسة ردحاً من الزمن .
وأبلت المرأة العراقية بلاءاً حسناً في انتفاضة آذار 1991 ضد سلطة صدام ، غير انها دفعت ثمناً باهضاً بتقديمها نخبة من الشهيدات العراقيات ممن قاومـن جيش السلطة ، بالإضافة الى رحيل الالاف منهن مع اطفالهن ضحية المقابر الجماعية ، بالأضافة الى التشريد الذي حصل لهن في دول الأرض ، ورحيل المئات منهن الى مخيمات اللجوء في أيران والمملكة العربية السعودية .
وبقي حال العراق متدهورا مع النهج الدموي للسلطة الصدامية ، حيث سنت الحكومة حينها قرارات تصادر بها الأموال المنقولة وغير المنقولة لكل النساء المساهمات في الانتفاضة أو اللواتي هاجرن الى مخيمات اللجوء ، وتزامنت تلك القرارات مع قرارات أخرى أصبحت نافذة داخل العراق تبيح قتل المرأة غسلا للعار دون مسائلة قانونية ، ودون أجراء تحقيق قضائي ، ودون حكم من محكمة مختصة ، ولما وجدت السلطة أن هذا القرار يخالف المنطق والعقل والقانون أقدمت على تعديله بقرار أخر يقضي باعتبار القتل لهذا السبب من الظروف القضائية المخففة للحكم لتصل العقوبة بما لا يتجاوز سنوات من الحبس البسيط ، غير أن السلطة نفسها رفضت شمول المرأة المرتكبة لفعل القتل غسلا" للعار بالظروف القضائية نفسها التي قررتها للرجل ، ثم توالت قرارات أخرى تنم عن الظلم والتعسف في تقدير دور المرأة العراقية منها منع السفر دون وجود محرم حتى لو كانت المرأة بالغة لسن الرشد ، أو لكونها موظفة عاملة ، واتجهت السلطة إلى حرمان المرأة العراقية من تولي وظائف مهمة في العراق منها تولي منصب القضاء الذي منعته بعد عام 1985 ، ومنع النساء من تبوء المراكز القضائية ، وقامت السلطة بتنفيذ عقوبة الإعدام بشكل بدائي ودون أدلة كافية أو قرائن قانونية ودون تحقيق أو محاكمة قضائية في محكمة عادلة ومختصة لنساء بتهمة الدعارة والبغاء وأمام بيتها وأطفالها ومحلتها ، بغض النظر عن صحة التهمة من عدمها ، ودون معرفة الأسباب الحقيقية التي دفعتها لهذا الفعل أن صح وقوعه ، وأوعزت الى مجموعة من الحثالــة التي أطلقت عليها ( فدائيو صدام ) لتنفيذ أعدام تلك النسوة بقطع رقابهن بالسيف أمام الناس وأمام بيوتهن وأطفالهن ، غير انها اقدمت على الأساءة لسمعة نساء متهمات بمعارضة السلطة بأعدامهن بنفس الطريقة والتخلص منهن تحت هذه الحجة ،كما طال الأعدام نسوة اتهمن بشتم صدام وعائلته والحزب الحاكم ، وتكدست النساء في سجن الأمن العام والمخابرات والأمن الخاص وبقية أقسام أجهزة الأمن في المحافظات وأكتظ سجن النساء في أبو غريب ومدينة الرشاد بأعداد المودعات بشكل غير أنساني ، ولجأت السلطة إلى حرمان المرأة من تولي الكثير من الوظائف التي تستحقها ومنها على سبيل المثال تولي منصب الوزارة ووكيل الوزارة والمدير العام ورئيس الجامعة وعميد الكلية ومدير المستشفى والكثير من المناصب الأخرى .
كانت المرأة العراقية ترزح تحت ثقل كم هائل من التراكمات الاجتماعية المتخلفة ، التي ورثتها من عهود مظلمة ، وغاية في الانحطاط والتخلف والتدني الأجتماعي والسياسي ، أمتدت بين سقوط الدولة العباسية ولم تنته بفترة السيطرة العثمانية البغيضة ، ومن ثم بما ورثه الحكم الوطني ( الملكي ) الذي قام على اعتاب التخلص من السلطة العثمانية ، وبروز الهيمنة الأقطاعية والعشائرية التي سيطرت على المجتمع في تلك الفترة ، مع ما تحمله وتكرسـه من قيم وأعراف متخلفة بحق المرأة بشكل خاص ، بالنظر للواقع الأجتماعي المتخلف الذي كان المجتمع العراقي يعيش من خلاله ، حيث تتحكم فيه القيم والأعراف التي تفرضها العشيرة والقبيلة وفقاً لما يقرره رجال الدين أنسجاماً مع مصالحهم ومصالح الملاكين والإقطاعيين والشيوخ وتلبية لرغباتهم ومصالحهم ، والمطلع على السيرة التاريخية والسياسية للواقع الذي كان يعيشه العراق في العهد الملكي ، يدرك جيدا التضحيات الجسام والمآثر النضالية التي حققتها المراة العراقية ، والتي توجت في مساندتها وفاعليتها النضالية مع القوى السياسية الوطنية الفاعلة في الساحة العراقية ، ومشاركتها في كل الصعاب ، وتقديمها التضحيات ومساهمتها بشكل فاعل في حركتها السياسية ، من خلال الدور الفعال في أنضمامها للأحزاب العراقية المناضلة ، أوفي مساندتها للرجل أينما كان موقعه العائلي في تدبير وتمشية أمور العائلة ، ودورها البناء في بناء بنية العراق ، وتوجت ذلك بانبثاق ثورة 14 تموز 1958 حيث حقق لها الدستور المؤقت الذي سنته قيادة ثورة تموز بشكله المؤقت ، الحدود الدنيا لما تطمح به المرأة العراقية ، غير أنها حققت القفزة الحضارية السياسية من خلال انبثاق منظمات نسوية ، شكلت حينذاك معبرا حقيقيا ومساندا جماهيريا لعموم نساء الجمهورية لمسيرة العراق الجمهوري في فترة تاريخية جديدة ، وكانت تلك المنظمات بحق مدافع حقيقي عن حقوق المرأة والمطالبة بتطوير واقعها الأجتماعي والسياسي ، وقدمت بعد ذلك مناهج علمية ونظرة عصرية من خلال تقدمها الصفوف للتواصل مع التطور الإنساني ، وحصد العراق من خلال هذا تطوراً في المناهج التعليمية و ارتفاعاً في مستوى المرأة التعليمي والعلمي والاجتماعي ومشاركتها الرجل في العمل اليدوي والميكانيكي والفكري والحضاري ، وصاحب ذلك زيادة في الوعي الثقافي والسياسي للرجل ، وتقديره واحترامه لدور المرأة ، وبرزت من بينهن قيادات نسوية ونضالية لم يزل العراق يفتخر بهن ويتذكرهن بإجلال ، ولعل تبوء المرأة العراقية وزارة من الوزارات لأول مرة في التاريخ العراقي الحديث أشارة الى المستوى الذي توصلت له المرأة العراقية في قضية المساهمة بالبناء السياسي للبلد وتفهم واقع المرأة وحقوقها الأساسية ، والقيمة التي صارت عليها في المجتمع ، وتجسيد ذلك من خلال النظرة المنصفة للمرأة بعد ثورة 14 تموز .
وحين وقع انقلاب شباط 1963 الدموي ، كان من ضمن من استهدف الانقلاب المرأة العراقية ، ولهذا قدمت المرأة العراقية كوكبة من الشهيدات من عضوات الحركات السياسية الوطنية وزوجات الكوادر السياسية والمتعاطفات معها ، وقاومت المرأة قوى اليمين والردة والأرهاب الدموي المتمثل بالهجمة الشوفينية والتسلط الطائفي والفكر التسلطي الذي لايقبل الآخر ، وضحت بنفسها من أجل قضية الشعب العراقي ، وساندت الرجال الذين اكتظت بهم المعتقلات والسجون في رعاية الأسرة والنزول الى ساح العمل لتحصيل لقمة العيش بشرف ، بالأضافة الى المساندة السياسية الفاعلة في تلك الظروف وهي تشد من أزر المناضلين والسياسيين في الثبات والاستمرار بالنضال والتمسك بالمبادئ ، ووقفت موقفا مشرفا ضد قتال قوات السلطة لشعب كردستان العراق وغياب الديمقراطية ، وساهمت المرأة الكردستانية في حمل السلاح وأشكال المساندة لقوات الثورة الكردية ، وقاومت غياب الدستور والقانون والدكتاتوريات في العراق ، واستمرت تعطي الكثير مساندة بذلك الكفاح المرير الذي تخوضه الرجال في صفوف القوى الوطنية في عراقنا الحبيب من أجل الديمقراطية والحرية وسط تقلبات سياسية وسلطات شوفينية وطائفية لا تعبر بالحد الأدنى عن فهمها للقضية الوطنية للعراق ولا تتعاطف مع قضية الشعب ولالمستقبل العراق ، ومع كل هذا فقد حققت الكثير بفعل نضالها المثابر وإصرارها على فرض نفسها في الساحة رغــم الرجعية والدكتاتورية والشوفينية المقيتة والطائفية التي كانت تتحكم بالعراق حينذاك .
وحينما واجهت المرأة سلطة البعث مرة أخرى عام 1968 كانت تدرك أن محنة جديدة ستواجهها مع عقلية تتناقض ومفاهيم الحضارة والتمدن والتطور ، تتستر بالثورية والقومية وتعتمد العشائرية والقيم المتخلفة ، وحاولت دفع عجلة الحياة رغم التضحيات الجسام خدمة للشعب العراقي ، فساهمت في حملة مكافحة الأمية والتطوير العلمي والثقافي للمرآة ، وحينما بدأت المواجهة والخراب الثقافي والسياسي ، شمرت المرأة عن سواعدها ونازلت السلطة بكل أجهزتها وأساليبها الفاشية والدكتاتورية وتخلفها السياسي المقيت ، وسفهت مفاهيمها الظلامية في كافة مناحي الحياة ، فتمسكت بقيمها وأفكارها السياسية وصمدت في الداخل متحدية جور السلطة ورفعت السلاح في كردستان العراق ضد السلطة الغاشمة .
حاولت السلطة حينها إذلال المراة العراقية والإساءة الى سمعتها فزجت بالغجريات في سوق الغناء والرقص الشعبي تحت أسم (( بنات الريف )) وهن بعيدات عن أسم الريف وأعرافه وتقاليده الجميلة ، بزعم رعاية التراث والفولكلور، ثم ألتفت هذه السلطة لتقوم بفرض الغجريات على الساحة الفنية كبديل للطاقات الفارة من جحيم السلطة وأتونها المرعب ، والتي أعلنت معارضتها للسلطة ، فانحطت المقاييس الفنية وتردى الوضع المسرحي والتلفزيوني ، وبدأت السلطة تتعكز على أسماء هجينه ودخيلة على الثقافة ولايمكن أن تقنع العقل بمستواها الثقافي والإبداعي ، كبديل عن الأسماء الناصعة والبارزة في عالم الشعر والقصة والنقد والمسرح ، فأنحط المستوى الفني في الثقافة والفنون بشكل عام .
يقينا أن الحالة الهجينة لايمكن لها أن تستمر ، فهي محددة ومحدودة ومن خلال إصرار النساء على مواصلة المسيرة والنضال الذي يصب في نهر النضال الوطني لقضية خلاص العراق ، ومن خلال استعادة الدور الريادي للمرأة العراقية حتى تستعيد المرأة ليس حقوقها القانونية فحسب بل مكانتها اللائقة وسط المجتمع ، تحت ظل الدستور والقانون الذي يكفل لها المساواة والعدالة في العمل والوظائف وفي كافة مناحي الحياة الأخرى ، وسيفترض العمل على تعديل القوانين التي تفرق بين الرجل والمرأة وإصلاح نصوصها وفقا لذلك ، ويصار الى تحقيق المساواة الدستورية في ظل نظام يكفل حق الأنسان في الحياة الكريمة من خلال حرية الخيار السياسي ، ويعتمد الديمقراطية كمنهج ودليل عمل حين تساهم المرأة بفاعلية في رسم وصياغة القوانين وتفعيل نصوص الدستور وتجسيد ذلك عمليا في نصوص قانون الأحوال الشخصية العراقي الذي يرسم بشكله القانوني العلاقة الأسرية بين الرجل والمرأة ، ويجسد حقوق المرأة الشرعية والقانونية ، بالأضافة الى انه قانوناً جامعاً يستل نصوصه من جميع المذاهب الأسلامية ، فيجمع منها الأصلح والمتناسب مع حالة العراقيين المشتركة دون التقيد بمذهب معين ، وتسري أحكامه على كل المسلمين بغض النظر عن مذاهبهم ومدارسهم الدينية ، وهو يشكل قانوناً جامعاً وملبياً للطلب ويتضمن العديد من النصوص التي تكفل للمرأة حقوقها والذي حاول القرار 137 أن يلتف عليه لأجهاض ماتبقى للمرأة من حقوق وجوبـه برفض شعبي كاسح أدى الى وأده في الحال .
من خلال الدور السياسي الهام الذي تلعبه المرأة العراقية ، بعد تجربة نضالية وكفاح مرير تركت لديها تجربة مهمة في النضال العراقي ، في سبيل الوصول الى حياة أنسانية تليق بالكرامة الأنسانية وتحقق الحلم الأنساني العراقي ، في مشاركتها الرجل بعملية البناء العراقي في كافة المجالات من اجل حياة كريمة للأجيال العراقية القادمة .
من خلال ذلك كانت المرأة العراقية وستبقى الشريحة التي تحظى باعتزاز القوى السياسية الوطنية تساهم بإصرارها المجيد عدم قبول الانزواء في البيوت كجزء لا يتجزأ من الأثاث أو أعتبارها ناقصة للعقل أو تابعة للرجل لاحول لها ولاقوة ، تنفذ الأوامر وتطيع القرارات دون نقاش ، حيث يصار الى تحديد الدور الإنساني للمرأة وتقييد نشاطها وتحجيم قدراتها الخلاقة وتسفيه دورها الحضاري ، بل أصرت المرأة في سعيها للوصول لما يخدم التطور الحضاري للعراق ، واستمرار عطاءها وبقوة يصاحبها الارتقاء بالمفاهيم النضالية ، واستيعابها حقيقة مايعانية الشعب العراقي الصامد بشكل عام والمرأة العراقية بشكل خاص ، والمساندة المستمرة للقوى السياسية الوطنية الفاعلة التي مازالت تقدم التضحيات الجسام من أجل قضية العراق لتطوير مفاهيمه الديمقراطية بأتجاه البناء المستقبلي ، ومن خلال منظمات المجتمع المدني والتجمعات النسوية الفاعلة .
هذا الارتقاء الإنساني والوطني الذي يخدم قضية المرأة أنما يخدم قضية العراق بشكله العام ، وقضية الطفولة والأسرة ومكافحة التمييز والفقر والتخلف بشكل خاص ، ويقينا أن مساهمة المرأة بكل هذا يوسع من دائرة النشاط الإنساني الذي يساهم في دفع عجلة التطور الحضاري للعراق في عملية التحـول الديمقراطي وتوظيف الموارد الاقتصادية التي ينعم بها العراق ، بما يخدم عملية التنمية الشاملة وصولا الى تحقيق المجتمع الذي يسعى الجميع إليه ، بدلا من توظيف الموارد والثروات في النشاط التخريبي والعدوان والأنفاق على الأجهزة القمعية ومحاربة النشاط الوطني والتبذير في بناء القصور الخيالية والجداريات والتماثيل والنصب وفي شراء المواقف السياسية وذمم بعض العاملين في الصحافة والفضائيات .
أزعم أن الدور الذي تقوم المرأة بتأديته يوازي الدور المهم والمؤثر والأساسي الذي يؤديه الرجل أن لم يكن أهم منه ، ودليلنا هو المسيرة النضالية والكفاحية لشعبنا المناضل وحينما تساهم المرأة العراقية فعلا في عملية النضال للخلاص من الدكتاتورية وأعادة بناء الوطن على أسس الديمقراطية والتقدم فأنها تؤسس مجتمعا سعيدا ممتلئا بالقيم والأعراف الجميلة تتساوى فيه المرأة مع الرجل وتتحقق فيه أحلام الطفولة والشباب ويكفل كافة حقوق الإنسان تحت ظل دستور دائم وقوانين تحكم فعلا ، وأذ يمر العراق الان في ظروف صعبة ودقيقة تتطلب أن يكون الجهد النسوي مضاعفاً ومتميزاً ويتناسب مع دقة مايحتاجة الشعب والوطن ، فأن دوراً واضحاً ومتميزاً بدأ يظهر واضحاً فوق الحدث يشير الى أمكانية أن تستعيد النساء بعض حقوقهم المسلوبة تزامناً مع نضالهن وتوحدهن مع نضال الشركاء في الحياة ، وأذا كان يقال أن المرأة نصف المجتمع فأننا نقول أن المرأة عمود المجتمع والإكليل الذي يزين الرؤوس ويكفي أن نقول أن المرأة هي التي تعطي الرجال ، وهي الأم والأخت والزوجة والبنت والحبيبة ورفيقة العمر وشريكة الطريق .
تحملت المرأة العراقية دوراً كبيرا وفاعلاً في عموم الحياة الأجتماعية في العراق و الحركة السياسية العراقية بشكل خاص ، وتحملت الجزء الأكبر من هموم ومحنة هذا المجتمع ، وتحملها جزء كبير من المعاناة التي خلفتها السلطة العراقية البائدة والتي تركت اثارها فوق جسد المجتمع وبدت اكثر وضوحاً وعمقاً في حياة المرأة العراقية ، ويمكن القول أن وقوف المرأة العراقية هذا الموقف البطولي وصمودها بوجه الجلاد تلك السنين يشكل صوره نضالية ناصعة في التحدي والمقارعة والثبات على الموقف والأيمان بقضية حقوق الأنسان .
وتحملت المرأة العراقية من ويلات الحروب العبثية التي أفتعلها النظام والتي أكلت الرجال وفلذات الأكباد ودمرت الأقتصاد وساهمت في أيقاف عجلة الزمن العراقي ، ومن ثم حملات الأعدام والقتل السياسي والمطاردة الهمجية للفكر الآخر ، ومحاولة السلطة البائدة تهميش دور المرأة ومحاولة خلــق صورة هجينة لها وتحويلها الى جزء من أجزاء البيت العراقي ، أضافة الى محاولة خلق منظمات نسوية كارتونية تابعة وذليلة للسلطة أضرت بسمعة المرأة العراقية وسعت الى إضعاف دورها الأجتماعي بشكل ملحوظ خلال فترة السلطة السابقة .
وسعت السلطة البائدة الى محاربة المرأة بقرارات تشريعية تتعارض مع العقل والمنطق والحق وتتعارض مع حقوق الأنسان وحماية الأسرة ، بأن منحت الرجل مكافئة مالية اذا اقدم على تطليق الزوجة أذا كانت من الأصول الأجنبية ، أو أجبار الزوج على طلاق الزوجة المعارضة للسلطة أو الغائبة خارج العراق حتى ولو كانت مع اهلها وبالعكس بأجبار الزوجة طلب التفريق عن زوجها المعارض لسلطة صدام ، أضافة الى القرارات التي تبيح القتل غسلاً للعار أو التي تقضي بأعدام النسوة بحجة تهمة البغاء بقطع الرؤوس بالسيف علناً ، والعديد من القرارات التي تهدف تشتيت الأسرة وتفكيك المجتمع العراقي والأساءة الى المرأة العراقية .
وبالرغم من الظلمة الحالكة التي عاشتها المرأة العراقية وهي تتحمل بصبر قسوة السلطة ، وعذاب الفراق مع الزوج والأبن والأب ، والحرمان الناتج من تشتيت العائلة ، والغربة الطويلة وحياة البؤس والجحيم الذي عاشته في العراق تحت ظل حصار السلطة والحصار الدولي الظالم الذي وقع فوق رأس المواطن ولم يخدش جدران السلطة والطاغية ، مع حصار مادي ومعنوي لايمكن للأنسان تحمله أو الصمود بوجهه ، الا ان المراة العراقية بما عرف عنها من التزامها بقيم وأعراف وتقاليد وخصال نبيلة ، وبما أشتهرت به من مؤازرة للرجل في العمل السياسي في ظل أقسى الظروف والأوقات العصيبة ، لم تتوقف عن العطاء والانتماء السياسي المتعارض مع خط السلطة مع معرفتها بالنتائج التي تقدم عليها متحملة سكاكين السلطة التي لاتعرف غير لغة الموت لمعارضيها ، الا ان هذا لم يوقفها ولاحدد عزيمتها ، ولا أعاق أفكارها النيرة ، ولا قلل من اندفاعها ، فتقدمت الصفوف تقاتل في كردستان العراق ضمن صفوف الأنصار ، وأعتلت المشنقة وهي تطلق هلاهلها العراقية المميزة وهي تعتز بانتمائها السياسي الى أحزاب اليسار ، وتمسكت بالتزامها بأحزابها الدينية والأسلامية المناضلة رغم معرفتها بالنصوص العقابية التي قررتها سلطة الموت لمنتسبي هذه الأحزاب . .
قدمت المرأة العراقية بالأضافة الى الشهداء الذين طرزوا وجه العراق أسماء عبقة من خيرة الشهيدات في الحركة السياسية الوطنية في العراق ، كما تم العثور على مئات الجثث من المدفونات وهن على قيد الحياة ومن المساهمات الفاعلات في أنتفاضة الشعب العراقي في آذار 1991 .
وبعد أن سقط النظام وهرب الدكتاتور الذي كان يرعب الشعب مذعوراً ، ومن ثم تم القبض عليه في حفرته البائسة التي تليق به هارباً ، مختفياً عن أعين العراقيين ، مذعوراً من سخط الشعب وقدره المحتوم ، وبعد أن عاد العراق للعراقيين ، وبالرغم من أن المرأة لم تزل تلملم روحها وتداوي جراحها وتبحث عن جثث أولادها وأخوانها وعظامهم في المقابر الجماعية ، فأنها لم تزل غائبة عن المشاركة الفعالة في قيادة الحركة السياسية ضمن الأحزاب والحركات السياسية العاملة في العراق .
ورغم العدد القليل من النسوة اللواتي تفاعلن مع حركة المعارضة الشعبية لصدام البائد أو من الأعداد التي حضرت بقية المؤتمرات ، فأن هذا لايشكل المساهمة المرجوة للمرأة في العمل السياسي المشترك في العراق الجديد ، ومع أن الأخبار الأخيرة نقلت عن تحرك نسوي ودور جديد للمرأة العراقية ، لتأخذ مكانها الطبيعي في العمل السياسي وفي عملية البناء يبشر بحركة نسوية واعدة تستفيد من تجربة التاريخ العراقي وصور المحنة التي كانت المرأة العراقية جزء منها .
ويقينا أن المرأة العراقية التي ستقوم بتنظيم حالها في منظمات نسوية تتفاعل مع الظرف ، وتساهم في رسم السياسة المستقبلية للعراق ، بما تراه يليق به ويتناسب مع وضعه الأجتماعي والأقتصادي والأجتماعي ، ستجد أن التكاتف والتوحد بغض النظر عن الأنتماءات السياسية او القومية أو الدينية ، يجعل من هذه المنظمات قوة فاعلة وجديرة بالتقدير والأهتمام والأحترام .
وبالنظر للدور الكبير الذي ينتظر المرأة العراقية ، فأن عليها أن تندفع بشكل مضاعف لتقديم التصورات والأطر التي تجعلها وسط عملية البناء دون أن تنتظر من أحد أن يساعدها بهذا الأمر ، فقد كانت المرأة على الدوام هي التي تأخذ زمام المبادرة لتبني منظماتها وتشكيلاتها النقابية فثمة أمور عديدة تهمها وتتعلق بشؤون المرأة والأسرة والطفولة والفقر والتخلف ومايتعلق بها من قوانين ونصوص تهم الأسرة العراقية والمجتمع والأحوال الشخصية ، وبما يشكل مساهمتها في دائرة العلاقات الأنسانية .
ولاخلاف في أن للمرأة دوراً في المجتمع يوازي دورالرجل أن لم يكن أهم منه وأصعب ، ولهذا ينبغي أن لاتغيب المرأة عن الأحداث ، وأن تكون حاضرة من خلال قياداتها النسوية ومنظماتها الفاعلة ، وتشكيلاتها وقياداتها المنتخبة التي تعبر بشكل وطني عن صوت المرأة وعن حقوق المرأة وحضورها في القوانين والسياسة والبرلمان العراقي ما يجعلنا نفتخر على الدوام لدور المرأة العراقية التي ضحت وقدمت وأسهمت وشاركت وساندت وأعطت الكثير لهذا العراق ولم تزل .
ويقيناً أن في العراق من الطاقات والكفاءات النسوية الخلاقة التي ستسهم بدور فاعل وكبير مايكفي في سبيل بناء صرح المجتمع الديمقراطي المنشود ، كما أن على عاتق المرأة العراقية أيضاً تشخيص العلل والخلل الكامن في المجتمع ، وتحديد الظواهر المتخلفة التي تنخر مجتمعنا والتي تعاني منها المرأة أكثر من غيرها ، بحكم أحتكاكها المباشر بهذه الظواهر ، وبحكم خبرتها وتلمسها مثلتلك الظواهر السلبية ، والعمل على أقتلاعها وأجتثاث جذورها تدريجيا وبما يتلائم مع التقبل العقلاني لهذا التغيير وفق خطة مدروسة لذلك .
وأمام صعوبات وتحديات المرحلة الراهنة التي أنتهت معها سلطة الدكتاتورية والطغيان ، يتحتم على المرأة أن تعي الهجمة التي حشدت لها القوى الظلامية والمنتفعة من النظام الساقط ومن أعوان النظام المتسترين بشتى الأوجه والأردية ، بالإضافة الى وقوف العقليات التي تتعارض مع حقوق المرأة الى جانب هذا الجمع ، للنيل من تطلعات شعبنا و إعاقة عملية حصول المرأة على حقوقها الدستورية ، أو تمكينها أخذ دورها الريادي في بناء المجتمع الجديد الذي يناضل من اجله المجتمع كل هذه السنوات .
وخلال الفترة القادمة ضمن الأجواء التي يتناخى بها أهل العراق للتوحد واللقاء ضمن القواسم المشتركة من أجل بناء العراق للجميع ، يصير لزاماً على القيادات النسوية المهنية والسياسية أن تبذل الجهد المضاعف وأن تشمر عن سواعدها تعاضد الرجل والتنظيمات السياسية ، من أجل أرساء دعائم الفعل الديمقراطي والمساهمة الفعالة والأكيدة في بناء سلطة ديمقراطية فيدرالية تضمن حقوق الأنسان في حياة تليق بالعراقيين تضمن لهم الغذاء والكرامة والآمان .
أكد الأعلان العالمي لحقوق الأنسان في نصوص عديدة على مساواة الرجل بالمرأة في الحقوق والواجبات ، وكررت هذه النصوص في المعاهدات والاتفاقيات وكماورد في نصوص البرتوكولات اللاحقة التي أكدت على حسم مسألة مساواة الناس بغض النظر عن الجنس ، وأتفقت المنظومة الدولية للقضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة ، وضمنت تلك الأتفاقيات والأهداف التي أعتقدت بصحتها في قوانينها ودساتيرها ، وصارت قضية حقوق المرأة من القضايا الأساسية التي تدخل ضمن نطاق قضايا حقوق الأنسان ، وأصبحت مقياساً من مقاييس أحترام حقوق الأنسان ، ومدى التزام الدول والحكومات ألتزامها بنصوص القوانيـــن الأنسانية الدولية .
أن التمييز بين حقوق المرأة والرجل لايتنافى فقط مع كرامة الأنسان ، بل يتناقض مع حقيقة الحياة والتلازم الحتمي في عملية التزاوج والتكوين البشري للأسرة والمجتمع ، وكون النساء جزء مهم من عملية التفاعل الأنساني ، والنساء ايضاً طرف من اطراف عملية البناء الوطني في كل زمان ومكان ، وان النساء تمتلك مفتاح من مفاتيح عملية الحياة الأساسية المشتركة ، وأن عملية التمييز تنم عن تدني في التفكير وتخلف في المفاهيم وتردي في فهم الواقع الحقيقي للحياة البشرية ، حين تلجأ الدول المتخلفة والجماعات التي لاتستوعب عملية حقوق المرأة حقيقة ما نصت عليه الشرائع المقدسة ، وماسجلته التجربة البشرية من تطور انساني وحضاري ، وماسجلته الوقائع من أحداث وحقائق تشير الى قدرة المرأة على خوض الحياة الأقتصادية والسياسية والثقافية والأجتماعية بجدارة لاتقل عن جدارة الرجل ، وما أكدته المواثيق والمعاهدات الدولية التي توصل لها المجتمع البشري من خلال المعاناة الأنسانية ، ومن خلال التجربة الأنسانية التي مرت على التاريخ البشري ، ومما يزيد من فعل العطاء الأنساني وكشف للطاقات الأنسانية المبدعة لدى النساء ، ومساهمتها الفاعلة في عملية االتطور والأنماء الأنساني في خدمة بلدها والمساهمة في الرقي نحو الحضارة وخدمة الأنسانية بشكل عام .
أن الأقرار بمساواة المرأة للرجل لاتأتي عبر الأقوال والرغبة والتمنيات ، مالم تقترن حقاً بافعال وممارسة وتطبيق وأيمان وأعتقاد بضرورة نهج المساواة ، و التي يتقبلها العقل والمنطق والواقع ، وبقصد اكتشاف مكامن الفعل والعطاء لدى النساء من خلال المساواة والأعتقاد بها كحقيقة قائمة بعيداً عن الأرث المتخلف من الأفكار والأعراف التي تنكر على المرأة حقوقها وتحاول تصغير حجمها الحقيقي والحط من قيمتها ، وأتاحة الفرصة الحقيقية للنساء لأظهار هذه المكامن التي تنم عن توفرها في جنس المرأة ، والتي ستظهر من خلال الفرص المتوفرة في عملية البنيان العلمي أو الثقافي أو الأقتصادي أو السياسي للبلاد ، وأذ نجـــد أن التمييز قائماً في ميادين كثيرة ، والتصدى لحقيقة المساواة البشرية في الحقوق بمزاعم وحجج لاتجد لها قاعدة وأساس في الحياة بعد أن قطعت الأنسانية شوطاً طويلاً في ترسيخ قيم وحقائق جديدة ومتطورة وأنسانية تليق بالعصر وبالواقع وبالأنسان بشكل عام ، كانت أمم كثيرة قد اعتقدت فعلاً بمساواة المرأة والرجل وطبقتها على واقعها السياسي والأجتماعي والثقافي والأقتصادي لتحلق عالياً في فضاء التطور والرقي والتقدم بعد ان قطعت شوطاً طويلاً في تمتين أنظمتها الأجتماعية والأقتصادية على ضوء ذلك ، في حين أن بلدان لم تزل تعتبر أن المرأة عقل ناقص وانها ضعيفة وبحاجة للمساعدة دوماً ، وان المرأة لايمكن لها أن تكون مثل الرجــل في العطاء والفعل وفي القدرة على القيادة ، فأن تلك البلدان لم تزل تدور في فلك التردي والتخلف والتراجع المريع لميادين الحياة بالرغم من توفر العديد من وسائل وسبل التطور لديها ، وبالرغم من زعمها وتبجحها أحترام حقوق الأنسان ، لكنها تفتقد الى وجود عقلية تؤمن بأن الرجل هو حصيلة التلاقح البشري بين الرجل والمرأة أولاً ، وأن هذه المرأة هي كائن أنساني مهم لايمكن تجاوزه أو الغاء دوره في عملية التطوير الحضاري ، وعليه فأن مساهمة المرأة في البناء الحضاري لاتتجزأ ولاتأتي بشكل خجول او بطيء أو يمكن القول على الأقساط ، وانما تكون يجب ان تكون واضحة وصريحة ومعقولة ودون أهانة للكرامة الأنسانية في غمط الحقوق وأنصاف الحلول .
وأكد قانون الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية على المساواة بين الرجل والمرأة وأوردت المادة 40 منه على ان تكون نسبة 40 في المائة من مقاعد الجمعية الوطنية والمؤتمر الدستوري من النساء ، ورغم أن التحديد ليس له مايبرره ازاء المساواة التي بنشدها مبدأ المساواة ، فأن مهمة وطنية كبيرة تتطلب وعياً وفهماً موضوعياً لقضية المستقبل الديمقراطي في العراق تقع على النساء ، ومما يحز في النفس أن يتم تقليل النسبة الى الربع في مسودة الدستور المطروح حينها للمناقشة والذي أقر بأغلبية العراقيين تحت زعم عدم تقبل المجتمع مساواة المرأة للرجل في البرلمانات القادمة ، وأن الحال سيتطور ليتم تعديل النسبة وفق الموازنة الأعتيادية لنسبة الرجال والنساء في المجتمع مستقبلاً .
وبالنظر للنضال المرير الذي خاضته المرأة العراقية عبر سني كفاحها وصمودها ضد السلطات اليمينية المتعاقبة على حكم العراق ، فأنها تبوءت مركز الصدارة في أداء واجبها الوطني في المشاركة بالعملية الانتخابية لأنتخاب الجمعية الوطنية ، أو ضمن اللجان التي رسمت مسودة الدستور العراقي ، والمساهمة الفعالة في بناء العراق الديمقراطي الفيدرالي الذي طالما حلمت به النســاء المناضلات ، مثلما حلم به الرجال في العراق .
أذ ستكون فرصة تاريخية لم يشهدها العراق من قبل في أن تكون للنساء الفرصة التاريخية في المساهمة الحقيقية المشتركة في البناء وفي تهديم اعراف وقيم بالية طالما أنتشرت مثل الطاعون تغبن حقوق المرأة في العراق ، وتعيق تطورها وأن يكون هذا الهدم بما لايخل بالاديان والمذاهب ولابحقوقها الانسانية ، بالأضافة الى النضال من اجل تحقيق الفيدرالية التي ستكون مطلباً عراقياً مشروعاً لضمان المستقبل العراقي من قبل نساء العراق ستكون الساحة العملية التي تجسد النضال العراقي للمرأة بأعتبارها صيغة من صيغ الحكم الدستوري الجديد في العراق .
ومع التباين الواضح بين دور المرأة في العديد من الدول بسبب التطور التقني والأجتماعي والثقافي ، الا ان مجتمعاتنا العربية والعراقية بشكل خاص لم تزل من المجتمعات الذكورية ، أذ بالأضافة الى أستحكام قيم وأعراف عشائرية حديدية تجد لها أرضية وقاعدة في الممارسة والالتزام والاحترام ، فأن قضايا الأحوال الشخصية ومايدور في أروقة محاكم الأحوال الشخصية أو محاكم المواد الشخصية لغير المسلمين ، لم تزل تعج بمشاكل الأسرة والطلاق والرضاعة والحضانة والمهور والنفقات بانواعها ، كماان المجتمع نفسه لم يزل مختلفاً في أمور عديدة لم يستقر عليها لاالفقه ولاالمجتمع ، لعل من بينها قضية تولي المرأة الأمامة في الصلاة ، أو ان تكون مرجعاً من المراجع الدينية التي يحق لها الأفتاء في مذهب من المذاهب الأسلامية ، أو ان يتم اجبار المرأة على الحمل من زوجها قسراً ، او ان تتبوء المرأة مجلس القضاء وتترأس محكمة الجنايات ، او ان تصير قائداً لحزب أو حركة سياسية أو رئيسا للدولة في بلداننا المتبرقعة بالتخلف بدل ان تكون في الصفوف الاخرى .
واذا كانت قوانين الاحوال الشخصية تستند على احكام الشريعة ، وهي احكاماً غير اساسية ، أذ أن الأحكام الأساسية للأسلام لاخلاف عليها ، ويمكن الاختلاف في صورها تبعا للاجتهاد في الفقة ، فليس صحيحاً ان جميع النصوص القانونية منسجمة مع الشريعة ، وكما ان ليس صحيحا ان كل ماجاء في الشريعة موجودا في النصوص التي تخص قضايا الاحوال الشخصية ، وهي قضايا تنظيمية وقانونية ليس بالضرورة ان تحكــم الالتزام الديني او المذهبي للرجل اوللمراة ، ومن هنا جاء أختلاف الفقهاء ، ومن هنا أيضاً جاء أجتهاد القضاة ، وهو أمر ملزم للقاضي أن يجتهد عند عدم وجود نص ، أو حينما يتعارض النص مع مبدا العدالة والمنطق ، تبعا لثقافة القاضي وعمق معرفته الفقهية والقانونية .
أن بعض ما جاء في القرآن والسنة جاء في ظروف معينة لم تعد موجودة الآن، وعليه تصبح كل الأحكام التي تخص تلك الفترة، مثل الجهاد ورجم الزانية وقطع الأيدي والأرجل من خلاف، أحكاماً معلقة لا يُعمل بها بالوقت الحاضر لاعتبارت عديدة ، مما يوجب أن نجد البديل عنها دون ان نتدخل للسعي الى ألغائها أو نسخها أو أبطالها ، وهذه الأحكام البديلة تتناسب مع العدالة ومع أسس حماية المجتمع وبما لايخل بالألتزامات الأنسانية .
وأذا علمنا أن الفقه يجسد الأجتهاد الأنساني وهو خلاصة فهم الفقهاء للشريعة الأسلامية ، او هو تبسيط للأجتهــاد البشري في ظل الظرف الزماني والمكاني ، وتختلف المدارس الفقهية تبعاًُ لذلك في أحكامها ، ومن الخطأ اعتبار مدرسة واحدة ذات رأي صحيح وأعتبار مادونها خطأ ، حيث أن استنباط الأحكام من خلال الرأي الفقهي الأصلح للزمان والقريب من التطبيق الصحيح والوصول الى اقرب نقطة للعدالة وفق رأي القاضي هو المعيار الأساس .
والفقة ينظم السلوك الأنساني والعلاقات الأجتماعية وفقاً للمفهوم الديني ، ولهذا فأنه قابل للتغيير وقابل للأجتهاد حيث انه يمثل عملية الأحكام التي تنظم سلوك الناس داخل المجتمع ، الشريعة تشمل مختلف أحوال الأنسان في الدين والدنيا والاخرة ، اما العقيدة فتعني الأيمان باطنيا وظاهريا ، اوبمعنى آخر هي السلوك الأنساني وفق ذهن المؤمن ، وكذلك العبادات فأنها قضايا تهذيبية للنفس ، وأن مصدر التشريع الأسلامي القرآن والسنة بأتفاق جميع الفقهاء ومنهم من يقول أعمال العقل ، ومهمة المجتهد تنحصر في أعطاء الرأي بالحكم الشرعي ، وأذ يختلف الحكم من فقيه الى آخر تبعاً لمستوى فهمه للشريعة والفقه ، غير أن الأحكام القانونية الوضعية ثابتة وقد شرعها المجتمع ، وبأمكانه أن يغيرها ويعدلها ويشطب منها مايتوافق مع مصلحته وعصره .
ولهذل فان التشريعات تلزم التطبيق على جميع المسائل التي تتناولها في لفظها او فحواها ، فان لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه يلجا التطبيق القضائي الى اعتماد العرف ، فأن لم يجد فيه يلجأ الى مباديء الشريعة الاسلامية ( الأكثر ملائمة لنصوص القانون ) ، دون ان يتقيد القاضي بمذهب معين ، فأن لم يجد كل ذاك لجأ الى القواعد العامة للعدالة .
كما لجأ المشرع في العراق الى أن يستل أغلب نصوص قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 المعدل من جميع المذاهب ليصبح مرجعاً قانونيا يتم العمل بموجبه ويتم تطبيقه على جميع العراقيين بغض النظر عن مذاهبهم مما سهل عملية تطبيق القانون والوصول الى العدالة بشكل نسبي ، حيث أن القانون لايسجل مذهب العراقي في سجلات الأحوال المدنية ولافي السجلات الحكومية الاخرى ، وقد رأى المشرع العراقي أن يستل النصوص التي تكفل للمرأة وللأسرة العراقية الأسس التي تحمي الأسرة والطفولة وتنظم الحقوق وهي نصوص قانونية قابلة للتطوير والأصلاح من جميع المذاهب دون تخصيص مذهب معين .
وكانت السلطات تتعكز على الفقه في مسيرتها وتمشية أمورها الدنيوية ، بأعتبار أن الملك أو الأمير أو السلطان أو الحاكم هو أمير المؤمنين ، وبالتالي فأنه رئيس الفقهاء بالأضافة الى كونه رئيس السلطة ، وهذا الجمع بين السلطتين منح المسؤول ليس فقط القوة والسند الشرعي ، وانما منحه الوسيلة السهلة للتبرير وفقاً لمصلحة السلطة والحاكم مع وجود وعاظ السلاطين في كل زمان ومكان ، ولهذه الأسباب تردت الفتاوى والأحكام التي عجت بها المجتمعات العربية المتخلفة ، حيث كان العديد منها مايتفق مع سياسة السلطان لاالدين ، أي أن مصلحة السلطة هي الأساس فوق أعتبار مصلحة المجتمع ، مما أدى الى ثبوت وتكريس قيم وأحكام لاتمت للدين الأسلامي بصلة ، ولكنها صارت أعراف ثابتة وراسخة في المجتمعات حتى بعد رحيل (( أمراء المؤمنين )) وأنتهاء زمانهم ، كما أستغلت الطبقات الحاكمة والأقطاع في المنطقة وجود مثل تلك الأعراف لتكريس سطلتها على المجتمعات الريفية وتوظيف المرأة لصالحها كأداة من أدوات الأنتاج وتسويقها على هذا الأساس ، وأمعنت هذه الطبقات في توظيف رجال الدين من اجل تسخير قيم ألصقت بالدين أو أنتقلت الى المجتمع وتم تكريسها بأسم الدين ، لغرض أستغلال المرأة كعامل زراعي أو صناعي يدوي أسوة بكل العوامل الأخرى أسوأ أستغلال .
وأذ بدأت هذه الطبقات تفقد تدريجيا سطوتها وسلطتها ، تمكنت المرأة من التمرد على الأوضاع الأجتماعية الفاسدة والتي لم يكن لها سند من الشريعة والدين ، وأنما كان لها سند من المعتاشين على الدين ومن المتمسكين بالقيم البائدة والبالية حيث يتمسكوا بها ، حرصاً على عدم الولوج في طريق التجديد أو التطور بزعم الأباحية والفساد والأنفلات الأجتماعي .
العديد من الأعراف ما يتعارض مع الشريعة ، ومع هذا التعارض يلتزم به قسم كبير من المجتمع العراقي ، ومع هذا التعارض الصارخ لايتم العمل على شطبه من المجتمع دينياً ، هذا التصادم يصطدم ايضاً بالفقه مما يوجب أن تتم مواجهته بالقوانين ، وينبغي أستئصاله وقلعه من التطبيق الأجتماعي تحت أية ذريعة ، فالأعراف الأجتماعية يجب ان تكون متفقه مع النهج العام لانسانية الأنسان وكرامته وأن تحترم جنسه ووضعه وخصوصاً ما يتعلق منها بالمرأة ، ولهذا فأن الحاجة للتجديد يلزم أن تكون القوانين الخاصة بالآسرة منسجمة مع تطور الحياة العراقية ، ومنسجمة أيضاً مع حقوق المرأة الناهضة بالمجتمع العراقي ، ومع فرصتها في أستعادة حقها من المجتمع الذكوري المفروض قسراً ، وبما تكفل حماية الأسرة وهي نواة المجتمع .
وأذ يراد أحياناً توظيف المفاهيم الشرعية لأغراض تطبيق نظام ديني فأن الأمر يدعو أما الى تطوير بعض العقوبات والمفاهيم وفق ضرورات العصر والحياة الأجتماعية ، او الأفصاح بشكل صريح لثوابت هذا النظام الديني الصارم ، فالعقوبات الجسدية مثل الجلد بالسوط وقطع يد للسارق والسارقة والرجم بالحجارة للمرأة المذنبة أو الجلد لشارب الخمر مهما كانت درجة سكره ( شديدة أو متوسطة أو خفيفة ) ، هذه العقوبات الجسدية تتعارض مع مفاهيم قانونية دولية ولوائح صارت أعراف دولية ، وتتناقض مع المفاهيم الحديثة في العقاب والأصلاح ، بالأضافة الى كون بعض العقوبات أجتهاد ، والأجتهاد كما قلنا يختلف فيه الفقهاء ، فالولاية في عقد الزواج مثلاً هي القدرة على انشاء عقد الزواج نافذاً ، وقد اتفق الفقهاء على ثبوت الولاية للرجل البالغ العاقل ، غير انهم اختلفوا بالنسبة لثبوتها للمرأة ، وحيث ان الأحكام تختلف بأختلاف الزمان والمكان ، ولهذا نجد ان العديد من السلطات التي زعمت انها تقوم بتطبيق أحكام الشريعة الأسلامية أمتنعت وعزفت عن تطبيق هذه العقوبات ، مع انها نصوص واجبة التنفيذ ، فلا تجد أثرا لقطع يد المدان بالسرقة ، ولاتشاهد واقعة لرجم أمراءة ثبت أرتكابها فعل الزنا ، ولاجلد لشاربي الخمر مهما اختلفت درجة سكرهم .

كما تثار اليوم قضية الميراث ومساواة المرأة بالرجل في حصتها من الميراث أن قضية المساواة بين الجنسين من القضايا التي تتصارع عليها القوى العلمانية والاسلامية ، فيرى العلمانيون وجوب المساواة القطعية وبشكل تام في كافة المجالات بين الرجل والمرأة والمساواة دون اي اعتبار للجنس بين البشر ، ويطالبون تطبيق الأعلان العالمي لحقوق الأنسان الصادر بتاريخ 10 كانون الاول 1948 والذي أكد في العديد من مواده على المساواة بين الرجل والمرأة ، وكما اكدت المادة 16 من الأعلان المذكور على حق المرأة بالزواج وتأسيس الأسرة ، وان تتساوى في الحقوق مع الرجل خلال فترة الزواج وبعد أنحلاله . بالأضافة الى التمسك بالأعراف الدولية والتي تتمسك بها الدول في مفاهيم المساواة بين الجنسين ، كما يطالب العلمانيون بأيقاف العمل بمبدأ تعدد الزوجات حيث يعتقدون انه يسيء الى مكانــة المرأة وكرامتها ، كما يطالبون بالحد من صلاحية الرجل بأستعمال الطلاق دون أية أسباب وفي أي مكان .

أما الإسلاميين فأنهم يلجئون غالباً الى نصوص القرآن وبيان تلك المساواة في النصوص بين المرأة والرجل ، كما يستندون على النصوص من ناحية كون الأسلام منح المرأة حقوقاً كاملة ، وأن قضية الميراث والشهادة لاتعني الحط من قيمة المرأة ، كما أن قضية تعدد الزوجات التي أوردها القرآن في آية النساء / 2-3 ليس ضرورة لازمة ، ولاتمتهن المرأة بقدر ما تمنح السبب المنطقي والمقبول لزواج الرجل بأكثر من واحدة ، والقضية ترتبط بالعدالة والمقدرة والسبب المقبول ، أي جائت الأباحة مقترنة بشرط العدل ، وقضية للذكر مثل حظ الأنثيين ليس في كل الايات ففي آيات أخرى تكون للأنثى مثل حظ الذكر ، وأن الفروق البايلوجية الموجودة بين الجنسين هي التي تحتم أحياناً هذا الأختلاف ، وفي فتوى أصدرها ابن باز رئيس هيئة البحوث والأفتاء في المملكة العربية السعودية ، وهو من الفقهاء المتطرفين نشرت في مجلة روز اليوسف المصرية بتاريخ 15 تموز 1996 الصفحة 25 ، حث على منع المرأة من العمل وعدها بمثابة الأمر الخطير ونزولها الى ميدان العمل يعتبر بمثابة الزنا الذي يفتك بالمجتمع ويهدم قيمه وأخلاقه . والى جانب الأختلاف في قضية الحجاب والأختلاط في العمل وفي التعليم وقضية القرار في البيوت ، وقضية العمل مع الرجل منفرداً تأويلاً على قول النبي ( ص ) : ما أجتمع رجل وأمراءة الا كان الشيطان ثالثهما ، أضافة الى مسألة مهمة في قوامة الرجال على النساء .
ما دفع ببعض رجال الدين إصدار فتاوى لاأساس لها من المنطق والعقل تبيح للرجل أن يرضع من ثدي المرأة في مكان العمل حتى يمكن أن تكون هناك ذريعة أو سبب للخلوة الشرعية ، لم تلبث الفتوى أمام الاستهجان والاستخفاف من الناس أن تراجع صاحبها معتذرا لتبدأ فصول فتوى أخرى ، ولم يزل مسلسل الإفتاء مستمرا .
وهي نفس المرأة التي يستوجب النقاش ان نقلب تاريخها بين من يعتقد أنها تصلح لقيادة الأمة وتصير رئيساً وملكاً وأميراً ومديراً ، وبين من ينكر ذلك ويستند على عدم جواز أمامتها ، بأعتبار أن الأمامة الكبرى في الصلاة والفتوى والقضاء والجهاد والحسبة كما يقول ابن خلدون في مقدمته ( الفصل الثاني – ص 241 ) ، لذا فأن أمامة الصلاة تمثل أحدى مهام رئيس الدولة ، وقد أجاز الشافعي أمامتها و بينما منع مالك ذلك ، المرأة التي حكمت الرجال بجدارة وقادت البلاد ، والمراة التي صارت ملكة وأميرة ، اذ يتحدث التاريخ عن بلقيس ملكة سبأ ، وشجرة الدر ملكة مصر ، وأسماء وأروى اللواتي حكمن صنعاء ، وزوجة يوسف ابن تاشفين زينب النفزاوية التي شاركته الحكم بجدارة ، والسلطانة أم ابي محمد حاكمة غرناطة ، وست الملوك التي حكمت مصر في العهد الفاطمي ، والخيزران التي تميزت بشخصيتها ونفاذ احكامها طيلـة حكم زوجها المهدي وأبنها الهادي والرشيد ، وزبيدة زوجة هارون الرشيد ، وغيرهن من النساء التي ذكرهن التاريخ بأجلال وأحترام ، من النساء اللواتي قدن الأمم والبلاد وأثبتن جدارتهن .
لم تزل بعض نصوص قانون العقوبات تبيح الاعتداء على المرأة ، فقد نصت المادة 41 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 على أستعمال الحق ، وحددت فقرات هذه المادة عدم وجود جريمة للفعل أذا وقع وفقاً لهذه الفقرات ومنها مانصت عليه الفقرة ( 1 ) منه حول تأديب الزوج لزوجته .
أن هذا النص لايتحدث عن المساواة ، بل ويشذ عن المنطق حين يعطي الحق بالتأديب للرجل دون المرأة ، ولم يحدد القانون معنى ( التأديب ) .
كما اشار قانون العقوبات في الباب الخامس – المادة 128 منه على الاعذار القانونية التي تخفف الفعل الجرمي ، وعد النص المذكور ارتكاب الجريمة لبواعث شريفة عذراً مخففا ، بمعنى قيام الجاني ( الرجل ) بأرتكاب جريمتة بباعث شريف بقتل ( المرأة ) حتى يستفيد من هذا الظرف ، ولكن النص لم يتحدث عن المرأة التي ترتكب القتل لباعــث شريف دون أن تستفيد من النص .
كما اشارت المادة 409 من قانون العقوبات بمعاقبة الرجل الذي يفاجيء زوجته او أحدى محارمة في حالة تلبس بالزنا ، او وجودها في فراش واحد مع شريكها فقتلهما في الحال او قتل احدهما او اعتدى عليهما او على احدهما اعتداءا افضى الى الموت او الى عاهة مستديمة ، ولم يتحدث النص عن ارتكاب المراة الجريمة اذا وجدت زوجها يرتكب فعل الزنا وفي بيت الزوجية او على فراش الزوجية ، ولم تستفد المراة من هذا النص .
بالأضافة الى كون القانون يعتبر الرجل الذي يمارس الجنس مع البغي شاهداً عليها لتجريمها الفعل المخالف للقانون .
هذه النصوص تشير بما لايقبل الشك الى السطوة الذكورية للنصوص ، او هي القوامة التي امكن تطويعها بهذا الشكل .
ويقول أبن كثير في شرح الاية الخاصة بأباحة الشريعة الأسلامية للرجل ان يتزوج بأكثر من واحدة ، حيث كان العربي قبل الأسلام يتزوج بعشرة نساء أو أقل ويتخذ من الأماء والعبيد محضيات دون تقييد بالأضافة الى ماملكت يمينه من النساء فيقول :
(( وَإِنْ خِفْتُمْ" أَنْ لَا "تُقْسِطُوا" تَعْدِلُوا "فِي الْيَتَامَى" فَتَحَرَّجْتُمْ مِنْ أَمْرهمْ فَخَافُوا أَيْضًا أَنْ لَا تَعْدِلُوا بَيْن النِّسَاء إذَا نَكَحْتُمُوهُنَّ "فَانْكِحُوا" تَزَوَّجُوا "مَا" بِمَعْنَى مَنْ "طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلَاث وَرُبَاع" أَيْ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثًا وَأَرْبَعًا وَلَا تَزِيدُوا عَلَى ذَلِكَ "فَإِنْ خِفْتُمْ" أَنْ لَا "تَعْدِلُوا" فِيهِنَّ بِالنَّفَقَةِ وَالْقَسْم "فَوَاحِدَة" انْكِحُوهَا "أَوْ" اقْتَصِرُوا عَلَى "مَا مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ" مِنْ الْإِمَاء إذْ لَيْسَ لَهُنَّ مِنْ الْحُقُوق مَا لِلزَّوْجَاتِ "ذَلِكَ" أَيْ نِكَاح الْأَرْبَع فَقَطْ أَوْ الْوَاحِدَة أَوْ التَّسَرِّي "أَدْنَى" أَقْرَب إلَى "أَلَّا تَعُولُوا" تَجُورُوا )) .
أن فعل الأمر في هذه الاية ليس أمر إباحة وليس أمر إلزام فهناك سؤال يطرح نفسه هل الأصل في التعدد الوجوب أم الإباحة ؟ بمعنى هل الإسلام يوجب أن يتزوج الرجل بأكثر من زوجة واحدة أم أنه يبيح له ذلك فقط ؟ .
الأصل في تشريع التعدد الإباحة وليس الوجوب ، ومن المعروف إن الإسلام لا يفرض التعدد لكنه يسمح به والمقصود من تعدد الزوجات أنتكون هناك مشروعية لهذا الزواج المتكرر مع أمراءة ثانية ، بالأضافة الى وجوب المقدرة المالية ، وبعكسه يعتبر أمتهاناً لكرامة المرأة وكيانها الأنساني .
وفي مقالة منشورة على صفحة الحوار المتمدن للكاتب عامر الحلو بعنوان حقوق المرأة في المجتمعات العربية والأسلامية http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=33040
(( ( واذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قتلت..) _ القرآن
تقول أحد النصوص القرآنية :"واذا بشر احدهم بالانثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون.."
لو تأملنا في النص القرآني أعلاه نستطيع أن نستقريء وضع المرأة قبل الأسلام أو ما يسمى ب (عصرالجاهلية) .. فقد أعتاد العرب على وأد المواليد الأناث .. و من يبشر أحدهم بولادة أنثى له يتوارى من القوم بعد أن يشعر بالحزن و العار ويكاد يدفن رأسه في التراب خجلا وفقا لما تخبرنا به الآية القرآنية التي تصور حقا و بشكل رائع ذلك الوضع الأجتماعي المهين الذي عاشته المرأة في جزيرة العرب قبل ظهور الأسلام.. و يمكننا القول أن أخلاق المجتمع البدوي الذكوري النابعة من الظروف القاسية للصحراء القاحلة الشحيحة الموارد كانت وراء ذلك الوضع المهين للمرأة بسبب حاجة القبائل الصحراوية الى الرجال في الحروب والغزوات المتتالية التي تشنها ضد بعضها البعض في تنازع البقاء !!!
وأذا نظرنا بشكل موضوعي الى ماجاء به الأسلام من تعاليم نجد أنه قد ساهم في نقل موقع المرأة الأجتماعي الى مرحلة أكثر رقيا و منحها بعض الحقوق التي رفعت من شأنها و جعلت منها كائنا أنسانيا يتمتع بالكرامة والتقدير وفقا للحدود المسموح أو الممكن التفكير فيها داخل الأطار العقلي والمعرفي لتلك الفترة التاريخية ..
وردت العديد من النصوص القرآنية التي تنظر الى المرأة من وجهة نظر أكثر أنسانية وأكثر عدالة :
( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءا...)
( ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو انثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا..)
( المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر..)
( ومن آياته أن خلق لكـــــم من أنفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة...)
( من عمل صالحاً من ذكر أو انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون.)
لا نريد هنا أن نبتعد عن القراءة التأريخية للنص القرآني وهي الطريقة الوحيدة لأكتشاف أفاق التطور الحضاري الذي وصلت اليه الديانة الأسلامية في نقلها المجتمع بشكل عام الى مرحلة أنسانية جديدة تحترم الكثير من حقوق الأنسان و منها حقوق المرأة .. ولكن ذلك لن يمنعنا من نقد النظرة اللا تاريخية للنصوص التي تعتبر ( تلك النصوص من قرآن وسنة وفقه ... ) قوانينا أبدية تصلح لكل زمان و مكان لا يجوز قرائتها في سياقها التأريخي .. وأسطرتها الى الحد الذي يجعل البعض من المتحمسين من المثقفين الأسلامويين لا يملون من تكرار مقولة أن الأسلام قد منح المرأة كامل حقوقها .. وليس بعد ذلك من حقها المطالبة بالمساواة مع الرجل أو المطالبة بحقوق أضافية غير شرعية لم تمنح لها أصلا ( لا في القرآن ولا في السنة ولا في الفقه الأسلامي ).. وليس من مصلحتها ولا من مصلحة نظام الأسرة ولا من مصلحة المجتمع عموماأن تطالب المرأة (بحقوق المساواة التامة مع الرجل ) والتي جاءت بها أفكارالحداثة و لوائح حقوق الأنسان !!!
يروى عن الرسول في أمره أوليــــاء أمر النساء في أستئذان البنت في الزواج ..:( استأمروا النساء في أبضاعهن ) ، قيل : فإن البكــــر تستحي أن تَكَلمّ ؟ قال: ( سكوتها إذنها ) .
و يروى انه " جاءت فتاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تقول : إن أبي زوّجني من ابن أخيه ؛ ليرفع بي خسيسته، وأنا كارهة . فدعـــا رسول الله أباها ، وجعل الأمر إليها ، فقالت : يا رسول الله قد أجـزت ما صنع أبي ؛ ولكن أردت أن تعلم النساء أنْ ليس للآباء من الأمر شيء." ... وقد ورد في السيرة الحلبية أن خولة بنت ثعلبة أستوقفت عمر بن الخطاب فقالت له : قف يا عمر ، فوقف لها ، ودنا منها وأصغى إليها ، وأطالت الوقوف وأغلظت له القول : "هيه يا عمر! عَهِدتك وأنت تسمى عُميراً وأنت في سوق عُكاظ ترعى القيـان بعصاك ، فلم تذهب الأيام حتى سُميت عمر ، ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين ، فاتق الله في الرعية ، واعلم أنه من خاف الوعيد قَرُب عليه البعيد ، ومن خاف الموت خشي الفوت ، فقال لها الجارود : قد أكثرت ، أيتها المرأة ، على أمير المؤمنين ، فقال عمر : دعها."..
و قد منح الأسلام حقوقا وصلت الى درجة الأعتراض والأحتجاج على النص القرآني .. " .. فحين شعرت أم سلمة أن الوحي يخاطب الرجال ، هبت مسرعة إلى رسول الله تقول : يا رسول الله يُذكر الرجـــال في الهجرة ولا نُذكر ؟ فنزل قول الله تعالى : ( فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض ) ." ..
أي أن المرأة في زمن نزول الوحي على محمد كانت تناقش وتحتج على نص منزل فيأتي الوحي بنص آخر .. من هنا نقرأ تأريخية النص الذي يستجيب للمتغيرات والتحولات والتطورات والأحتجاجات والمناقشات !! وبعد أنقطاع الوحي وبعد أن جمع النص القرآني بين دفتي مصحف تحول الى نص ثابت ومغلق ونهائي !!! و بعد تدوين ما يسمى بالسنة النبوية والمرويات الشفوية التي تدعى بالأحاديث بعد قرن ونصف من وفاة الرسول أزدادت وطأة سلطة النصوص على المجتمع الأسلامي .. حتى جاء الشافعي فوضع سلطتين أضافيتين هما ( الأجماع والقياس ) بعد أن جعل من ( القرآن والسنة ) أصولا نهائية وثابتة و مصدري التشريع الوحيدين دونما أي مراعاة لتغير الظروف التأريخية والأجتماعية التي حدثت بعد خروج العرب المسلمين من جزيرتهم الصحراوية وأحتكاكهم بالحضارات الأخرى و دخول شعوب غير عربية في الأسلام !!!
وهكذا تحول الأسلام على يد الفقهاء الى سلطة قاهرة من النصوص الثابتة الجامدة .. حتى جاء زمن المتوكل العباسي المدعوم من الأقوام التركية البدوية فتحالف مع أحمد بن حنبل وحارب الفكر المعتزلي والتعددية الفقهية والعقلية والفلسفية التي شهدتها الحضارة العربية والأسلامية فدخل الأسلام مرحلة الأنحطاط والجمود النهائي الى يومنا هذا .. أي مايقارب الألف عام !!!
أن التشريعات الأسلامية التي تخص ( المرأة ) أصبحت شديدة الوطأة والقهر و قد أثرت بشكل سلبي على تطور المجتمع العربي والأسلامي .. فتدهور وضع المرأة أجتماعيا وأقتصاديا وسياسيا حتى تحولت الى مجرد (أداة أو شيء )لتلبية الرغبات الجنسية للرجل ..
تقول الباحثة الأنثروبولوجية د.شهلا حائري :" الزواج في الاسلام هو عقد تبادل يتضمن نوعاً من الملكية . ففي مقابل بعض المال او المقتنيات الثمينة التي يدفعه الرجل للمرأة , يمتلك حقاً حصرياُ في الاتصال بها جنسياً . وتتفق جميع مدارس الفقه الاسلامي على اعتبار الزواج كعقد . وعقد التبادل هذا , يقع في صلب الزواج الاسلامي , ويعتبر شرعياً في نظر الشريعة والدين الاسلامي ."
وترى الدكتورة حائري أن هناك نظرتين سائدتين حاليــــا عن المرأة متناقضتين ظاهريا !!
".. يتبنى وجهة النظر الاولى معلقون معاصرون ملتزمون ايديولوجياً بالاسلام واغلبهم من الرجال يسعون الى الدفاع عن الاسلام في مايسمى وجهة النظرة الغربية الشائعة الى المرأة المسلمة على انها في موقع متدن .
ويستند هؤلاء الفقهاء الى القرآن الكريم والسنة النبوية اي الى المصدرين المقدسين للشريعة الاسلامية وبالتالي تتشابه طروحاتهم وتبريراتهم ,فهؤلاء لا يؤكدون ان الاسلام رفع من شأن المرأة ومنحها موقعاً اعلى في المجتمع بالمقارنة مع نساء الجاهلية ( اي مرحلة ما قبل الاسلام ) فحسب , بل انه اكثر الاديان تقدمية بالنسبة الى المرأة . ويشيرون الى ان الاسلام حرم وأد البنات , وحد من تعدد الزوجات , ومنح المرأة حصة من ميراث اهلها , واعطاها الحق في ابرام العقود التجارية وادارة ممتلكاتها وفقاً لما تشاء .
تتبنى وجهة النظر الثانية رؤية اكثر تاريخية لتأثير الاسلام على دور النساء ووضعهن , ويتبنى وجهة النظر هذه نساء مسلمات متعلمات وعصريات وبعض الرجال , خلافاً لوجهة النظر الاولى , تبدو وجهة النظر الثانية اقل تجانساً , وتعيد سبب تراجع وضع النساء المسلمات الى عدد من المتغيرات : استمرار تقاليد سابقة على الاسلام , نمط الانتاج الاقتصادي , الحجاب والعزلة المفروضة على النساء , الفصل بين الجنسين , والنقص في التعليم وما شابه ذلك . ويستند المثقفون المؤيدون لوجهة النظر هذه ايضا الى القرآن الكريم بشكل اساسي , لكنهم يحاذرون التركيز على الدين كعامل وحيد مسؤول عن الواقع الدوني للنساء في البلدان الاسلامية . وعلى اي حال فانهم يعتبرون تأثير الدين الاسلامي لم يكن ايجابياً بالنسبة للمرأة لجهة تمكينها من تحقيق ذاتها وتطوير اوضاعها . ويشيرون الى ان حصة المرأة من الميراث هي نصف حصة الرجل والى انه يحظر عليها تولي القيادة او القضاء او الاشتراك في الحروب ، واكثر من ذلك يقولون ان نشاطات المرأة المتزوجة تخضع دوماً لرقابة زوجها وسيطرته ، باختصار يقولون ان الاسلام وضع المرأة في مرتبة دنيا مما اسهم في " تشيئها " في المجتمع ." .. أي تحولت المرأة الى ( شيء ) !!
وهناك من الأسلامويين من يقول بمساواة المرأة بالرجل في الاسلام مع الأعتراف ببعض الفروقات المبررة (ان المرأة أضعف من الرجل) !!!
يقول الكاتب حليم بركات:" اعتبر الشيخ محمد عبده إن الاسلام ساوى بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات ولكنه قدّمه عليها درجة.. وعرف (درجة) بأنها تعني القيادة أو الرياسة التي تقتضيها ضرورات توزيع العمل في الحياة الاجتماعية، إذ (لابد لكل اجتماع من رئيس... والرجل أحق بالرياسة لأنه أعلم بالمصلحة، وأقدر على التنفيذ بقوته وماله، ومن ثم كان هو المطالب شرعاً بحماية المرأة والنفقة عليها، وكانت هي مطالبة بطاعته في المعروف). في ضوء هذا التعريف يفسر محمد عبده الآية القرآنية (الرجال قوامون على النساء) يقوله أن (المراد بالقيام هنا هو الرياسة التي يتصرف فيها المرؤوس بارادته واختياره، وليس معناها أن يكون المرؤوس مقهوراً مسلوب الارادة لايعمل عملاً إلا ما يوجهه إليه رئيسه، فإن كون الشخص قيماً على آخر هو عبارة عن ارشاده والمراقبة عليه في تنفيذ ما يرشده إليه،... أن المرأة من الرجل والرجل من المرأة بمنزلة الأعضاء من بدن الشخص الواحد، فالرجل بمنزلة الرأس والمرأة بمنزلة البدن)."
نشر قاسم أمين سنة 1899 كتاباً في تحرير المرأة، ربط فيه بين دور المرأة في المجتمع و(اصلاح أخلاق الأمة) . ويقول الكاتب حليم بركات :" رأى ( أي قاسم أمين ) في هذا الكتاب إن النظام القائم يقوم على احتقار القوي للضعيف وامتهان الرجل للمرأة، ففقدت حقوقها الضرورية للقيام بدورها في المجتمع. وقد اعتبر قاسم أمين أن مركزة المرأة يتحسن بالتربية التي تشمل اعداد المرأة لكسب الرزق بالاضافة إلى القراءة والكتابة والعناية بتدبير المنزل.. وقد سخر أمين من المعتقدات السائدة حول المرأة واقترح أن يتحجب الرجال أنفسهم طالما يظنون أن المرأة تستسلم بسهولة لجاذبيتهم التي لا تقاوم، وأن يكون لها حق الرجل في الطلاق.
ونزّه قاسم أمين الاسلام عن امتهان حقوق المرأة في هذا الكتاب واعتبر أن الشريعة ساوت المرأة بالرجل إلا في حالة تعدد الزوجات، وكان حذراً فلم يقل بمنح المرأة حقوقها السياسية، واعتبر أن المرأة بحاجة إلى وقت طويل من التثقيف قبل أن تصبح جديرة بالاشتراك في الحياة العامة. رغم ذلك آثار كتابه هذا عاصفة من التهجم والتأييد، فرد على نقاده بكتاب ثان حول المرأة الجديدة تجاوز فيه موقفه الأول معتمداً على العلوم الاجتماعية بدلاً من النصوص والمراجع الدينية، ومصراً على استقلال الانسان في التفكير والارادة والفعل، وعلى اعتبار حرية المرأة أساساً لجميع الحريات الأخرى. ثم انه في هذا الكتاب أظهر العلاقة بين اضطهاد المرأة والاضطهادات الأخرى في المجتمع فقال: (فانظر إلى البلاد الشرقية، تجد أن المرأة في رق الرجل، والرجل في رق الحاكم. فهو ظالم في بيته، مظلوم إذا خرج منه). وهو اضافة إلى ذلك يرفض (تحري الكمال في الماضي، حتى في الماضي الاسلامي، وإذا كان له أن يوجد، فسيوجد فقط في المستقبل البعيد)."
وتفضح الطبيبة المصرية نوال السعداوي الازدواجية الأخلاقية في علاقة الرجل بالمرأة في المجتمع العربي المعاصر، ( فالأب الذي يضرب ابنته لأنها حادثت زميلاً لها يخون زوجته في معظم الأحيان. والأخ الذي يتظاهر بالتدين بالنهار يمد يده في الليل ليلمس جسد أخته الصغيرة ). وتتجلى هذه الازدواجية أيضاً من خلال القيم التجارية السائدة التي تشجع (عرض أفلام الجنس والرقصات العارية وأجساد النساء وتأوهات المطربين والمطربات ليل نهار في الراديو والتلفزيون وعرض الأفخاذ والنهود العارية في صفحات المجلات. ويصبح علي البنت المصرية أن تحل وحدها المعادلة الصعبة. عليها أن تتشبع بهذه الأفلام والصور والأصوات الصارخة بالجنس والشبق، وعليها في الوقت نفسه إلا تتأثر بها). وتعتبر السعداوي أن علاقة الزوج بالزوجة تشبه علاقة السيد بالعبد فلا تختلف (ملكية الرجل للمرأة كثيراً عن ملكية السيد للعبد. فالرجل يشتري المرأة بمقدم الصداق، وينص عقد الزواج في أول بنوجه على أن الزوجة ملك لزوجها واجبها الطاعة المطلقة. وتخدم الزوجة في بيت زوجها بغير أجر فإن عصيت أو تذمرت أو مرضت أو وهنت باعها الرجل بحقه المطلق في الطلاق). وتدعم السعداوي استنتاجها هذا بالعودة إلى نص المادة (67) من مواد قانون الزواج في مصر الذي يقول (لاتجب النفقة للزوجة إذا امتنعت مختارة عن تسليم نفسها بدون حق، أو اضطرت إلى ذلك بسبب ليس من قبل الزوج. كما لاتستحق النفقة إذا حبست ولو بغير حق، أو اعتقلت، أو غصبت، أو ارتدت، أو منعها أولياؤها، أو كانت في حالاة لايمكن الانتفاع بها كزوجة). كذلك تذكر السعداوي انه كما كان العبيد يخصون لتفرض عليهم العفة فقد كانت الإناث في المجتمع المصري تجرى لهن عملية الختان التي هي أشبه ما تكون بالاخصاء لفرض العفة عليهن. ولأن (الرجل يشتري المرأة بالزواج لتخدمه وتكون أداة أمتاعه ووعاء ينجب أطفاله فهو يختار تلك الفتاة التي تصغره في السن بأعوام كثيرة ليظل جسدها شاباً قادراً على الخدمة والانجاب طوال حياتها معه). وفيما يتعلق بتغيير وضع المرأة وتحريرها ترى السعداوي (إن تحرير المرأة لايمكن أن يحدث في مجتمع رأسمالي، وان مساواة المرأة بالرجل لايمكن أن تحدث في مجتمع يفرق بين فرد وفرد، وبين طبقة وطبقة. ولهذا، فإن أول ما يجب أن تدركه المرأة أن تحريرها إنما هو جزء من تحرير المجتمع كله من النظام الرأسمالي)..." !!
أن الدكتورة السعداوي التي كرست حياتها و قلمها لقضية تحرير المرأة أنطلقت من نظريات الفكر الماركسي كركيزة وحيدة أو أساسية لكل الطروحات والأفكار التي نادت بها .. و على الرغم من أن تلك الطروحات تشكل جزءا من الحقيقة فأن تحسين وضع المرأة أقتصاديا وأستقلالها ماديا لا شك أنه أحد العوامل الرئيسية للمساعدة في تحررها .. ولكننا نختلف مع الدكتورة السعداوي في دعوتها الى تحرير المجتمع من النظام الرأسمالي كوسيلة وحيدة لتحرير المرأة .. فقد حصلت المرأة في المجتمعات الغربية الرأسمالية على حقوق مساوية للرجل الى درجة كبيرة جدا .. فلا دخل للرأسمالية كنظام سياسي أقتصادي في أستعباد المرأة ...
نحن لا ننكر وجـــود ما يعرف بـ ( النظام الطبقي الهرمي السائد في المجتمع العربي )..الذي يقوم على أستغلال الطبقة الغنية القليلة للغالبية العظمى من الشعب الفقير الكادح والمحروم ماديا وما يترتب على ذلك من عوامل القهر والأذلال وأمتهان كرامة الأنسان والذي ينعكس سلبا في نظرة المجتمع الى المرأة كونها أضعف حلقات المعدومين والممتهنين والمضطهدين والعاجزين ... ولكن ذلك النظام الطبقي الهرمي ليس وحده من يتسبب في أستغلال وأضطهاد المرأة .. فهناك عوامل أخرى عديدة ومنها النظام الأسري الأبوي الهرمي والذي يجعل من الأباء أسياداً داخل الأسرة فتحرم المرأة من حقوقها الأنسانية و يحرم الأطفال من حقوقهم أيضا .. فيتسلط الأب على الأم والذكر على الانثى والكبير على الصغير !!! وهناك العامل السياسي القائم في الأنظمة الديكتاتورية الشمولية التي تحتقر الأنسان رجلا كان او أمرأة .. وغياب النظام الديمقراطي و حقوق الأنسان في غالبية الدول العربية والأسلامية لا يقل أهمية عن التأثير السلبي للنظام الطبقي أو النظام الأسري الهرمي ..
وهناك أيضا النظام الهرمي الديني وتسلط رجال الدين المتشددين والمتطرفين على عقول مساحة كبيرة من الناس رجـــالا ونساءاً ، والتلاعب الآيديولوجي الذي يقوم به الكهنوت الأسلامي المنتفع من إبقاء الاوضاع على ما عليه ، وفي منع وعرقلة عملية التحرر الفكري والفلسفي والعقائدي ومايترتب على ذلك من أستلاب وقهر أجتماعي يدفع ثمنه الرجال والنساء والأطفال ..
أن تحرير المرأة عملية صعبة ومعقدة .. فليس بالسفور تتحرر المرأة أو بالتعليم أو بالذهاب الى العمل أو بمنع تعدد الزوجات ( كما في تونس مثلا )!!.. و قد تكون تلك خطوات أيجابية على الطريق ولكنها تبقى غير كافية للتحرر والأنعتاق الحقيقي ...
ان المجتمعات العربية والأسلامية بحاجة الى ثورة فكرية شاملة أو زلزال (تسونامي) فكري لكي تتحرر رجاله ونساؤه وأطفاله.. فالعقل العربي الأسلامي الخاضع لسلطة النصوص الدينية الجامدة ولسلطة كهنوت رجال الدين ولسلطة الحزب الواحد والحكم الديكتاتوري لن يستطيع أن يفكر أو يبدع أو يساهم في صناعة الحضارة الأنسانية ما لم يتعرض تراثه و ماضيه و مقدسه الى نقد علمي تاريخي يضيء الجوانب الخفية والمظلمة التي تعيقه في تقبل وهضم مفهوم الحداثة و مباديء الحرية والديمقراطية وحقوق الأنسان وممارستها في الواقع السياسي والأجتماعي .. وقد نحتاج الى أجيال وأجيال حتى نتحرر فعليا وندخل التاريخ بكل آفاقه الرحبة والواسعة ... فلا تطور ولا أبداع لمجتمع ما بدون تحريره فكريا وعقليا.... ولا تحرير لمجتمع بدون تحرير المرأة !!! ))
ان الواقع العملي يثبت اساءة كثير من الرجال لاستعمال حقهم في التعدد والزواج بأكثر من واحدة دون اى اعتبار لما يطلبه الشرع من عدالة وانفاق وحسن تربية الاولاد ، ودون اى مراعاة للزوجة التى يتزوج زوجها بأخرى ، او اى اعتبار لمشاعرها ولحقها فى الاعتراض على ذلك ، بالاضافة الى عدم وجود اسباب منطقية تدفع بالرجل للزواج من زوجة ثانية او ثالثة ، وحيث ان حق الرجل غير محدد في الزواج بأكثر من واحدة ولحد الرابعة دون اى رقابة من المحاكم والأمر متروك لضميره وفهمه للعدالة ، فاننا نرى وضع بعض القيود والضوابط التي تحمي الأسرة والمجتمع من أساءة أستعمال هذا الحق .
ويقول الكاتب نصر حامد ابو زيد في الصفحة 226 من كتابه دوائر الخوف أصدار المركز الثقافي العربي 2000 بصدد تعدد الزوجات :
(( ولكن يعاد الان طرح مسألة تعدد الزوجات على استحياء احيانا وبشكل سافر احياناً اخرى ، .. فالدفاع عن تعدد الزوجات في سياق المساجلة يقوم على افتراض ضمني فحواه ان الغرب هو المقياس الذي تقاس عليه الامور ، وهو منطق معاكس تمام المعاكسة لمشروع النهضة على اساس حضاري مستقل ومتميز ، بل هو نقيض له )) .
ولم تزل أشكالية تغيير ديانة أحد الزوجين لاتجد لها الحل المنطقي المقبول والأنساني ، أذ أن قانون الأحوال الشخصية العراقي نص في المادة 18 منه على أن إسلام أحد الزوجين قبل الاخر تابع لأحكام الشريعة في بقاء الزوجية أو التفريق بين الزوجين ، وفي أحيان كثيرة يصار الى لجوء أحد الزوجين الى أعتناق الأسلام لأحداث ضرر بالزوج الاخــر وليس أيماناً بالأسلام كديانة ، وانما اتخاذ الدين كوسيلة .
ومن جانب آخر لم تزل أيضاً قضية المرأة غير المسلمة حين يتم الحكم على زوجها المسلم بالردة ، ممايوجب أن ينسحب الحكم الشرعي عليها فيفرقها عن زوجها دون أرادتها ورغبتها .
وغني عن القول أن التحول من الدين الأسلامي الى ديانة أخرى يعد أرتداداً يوجب العقاب ، وهو غير جائز بالرغم من التبجح بنصوص دستورية تمنح الأنسان الحق في الحرية الدينية وحرية العقيدة والفكر .
كما يلجأ بعض رجال الدين المتشددين في الفترة الأخيرة أحياناً الى تكفير بعض الكتاب والمفكرين ، وأصدار الفتاوى التي تقضي بأعتبارهم مرتدين وبالتالي أستباحة دمائهم ، ثم ينسحب الأمر على الزام الزوجة بأعتبار زواجها من المرتد باطل وعليها أن تنسحب من دار الزوجية وتنسحب من زوجها بغض النظر عن رغبتها وأرادتها .
كما يختلف الفقهاء في بقاء أو عدم بقاء المحضون عند أختلاف الدين ، فقضي المالكية والحنفية بعدم أشتراط أتحاد الدين في أهلية الحضانة ، بينما أشترطها الفقه الشافعي والجعفري والحنابلة وأبن قيم الجوزية ، وطرح فريق ثالث قال به ابن حزم الأندلسي انه لايشترط اتحاد الدين أثناء فترة الرضاعة وأنما يشترط بعدها .
أن هذه الاراء تضع قضية الأختلاف في الدين الأساس الذي تتعامل به مع المحضون ، دون أي اعتبار لوضعه الأنساني ،ولهذا جائت النصوص القانونية منسجمه مع أتجاه الفقه لتحرم الصغير من والدته أذا أختلف معها الزوج دينيا .















المرأة والزواج قديما وحديثاً


(( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً
لتسكنوا أليها وجعل بينكم مودة ورحمة ))

صدق الله العظيم

عقد الزواج من العقود الرضائية التي تشترط القبول والإيجاب الصريح من المتعاقدين في مجلس العقد وهما الرجل والمرأة البالغين ، أو أن يتم العقد بين من يقوم مقامهما قانونا وشرعا ، ويجب أن يتطابق الإيجاب مع القبول وأن يكون العقد غير معلق على شرط ، و من شروطه الأخرى ما يجب أن تتوفر في المتعاقدين من شروط البلوغ والعقل والرضا ، وأن تكون المرأة حرة غير معقودة تحت رجل آخر بعقد زواج آخر شرعي ، ومحل العقد الذي يقوم على أساسها هو العلاقة الزوجية أي الغاية أو النتيجة الهادفة الى أنشاء العقد ، والغاية من عقد الزواج هي إنشاء أسرة أو عائلة والمساهمة الفعالة الشرعية والقانونية في بناء المجتمع بين رجل وأمراة يكونون نواة لهذه الأسرة .
وينتج عقد الزواج آثار عديدة ومهمة ، أذ يترتب عليه النسب والمواريث والمحارم والأصهار بالأضافة الى أمور أجتماعية عديدة .
و ذكر الفقهاء المسلمون أن الزواج أنواع منها دائم ومنقطع وملك يمين ونتحدث في هذه العجالة عن الزواج الدائم .
ويعتبر الزواج بالنسبة للشريعة الإسلامية أكمالاً لنصف الدين ، كناية عن الدعوة لأكمال بناء الأسرة ، بأعتبارها الأساس الذي يقوم عليه المجتمع ، وتلميحاً على المساندة والتعاضد بين الشريكين في بناء الأسرة ومواجهة أعباء الحياة العائلية سوية بين الرجل والمرأة ، فالنقص في الدين لدى الرجل والمرأة هنا لايأتي من نقائص في أداء الفروض والموجبات ، وانما جاء بسبب عدم أرتباطهما ببعض لتكوين الأسرة عماد المجتمع ، ودفعاً للمساهمة في بناء لبنة من لبنات المجتمع الذي يتكون من مجموع الأسر ، وتذكر الآية 32 من سورة النور (( وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وأمائكم أن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله )) وقد قال رسول الله ( من سنتي التزويج فمن رغب عن سنتي فليس مني ) وورد في صحيح البخاري قوله ( ص ) ( يا معشر الشباب من أستطاع منكم الباه فليتزوج ، فأنه أغض للبصر وأحصن للفرج ) .
وعلى هذا الأساس أعتبر بعض من العلماء أن الزواج فريضة على المسلم عليه إكمالها بعد بلوغه وتوفر شروطها حال حياته .
وعقد الزواج يتم بين رجل وأمراة القصد منه المساهمة في بناء الأسرة وإنجاب الأولاد بشكل شرعي وقانوني ، ولذا يصار الى الإشهار في الزواج وتسجيله وتصديقه في سجلات الدولة ، وأصل معنى الزواج ( زوج ) أي أثنين ويقال الزوج البعل وخلافه الفرد و كما تأتي أيضاً بمعنى النمط الذي يطرح على الهودج واللون من الديباج ونحوه ويقال للاثنين زوجان ويقال للرجل زوج وللمرأة زوجة والرجل المزواج أي كثير الزواج ، وكما يأتي معنى تزوجــــه النوم أي خالطه النعاس ( القاموس المحيط ص 246 ) ، ويتحدد القصد نحو الرجل والمرأة لما يعني ذلك من شراكة في الحياة وتأسيس حياة مشتركة قوامها الرجل والمرأة يتقاسمان السراء والضراء وتسمى المرأة المتزوجـــة بأنها شريكة العمر بالنظر لمعنى الحياة المشتركة بين الرجل والمرأة وكفاحهما الطبـــيعي في الحياة من أجل قيام عائلة مشتركة قوامها الرجل ( الأب ) والمرأة ( الأم ) بقصد إنجاب الأولاد والمساهمة في تكوين المجتمع من خلال الأسرة والمساهمة في أتشاء جيل قويم واعتماد التربية الصحيحة ، والرجل والمرأة في هذا الخصوص يشكلان العمود الأساس في عملية عقد الزواج الذي تسميه الشرائع والفقه عقد النكاح ، باعتبار أن أصل الفعل ( نكح ) أي تزوج ثم مال المعنى الى أن يكون النكاح مرادفاً لمعنى الجماع الجنسي بين الرجل والمرأة ، و لذا أصبح القصد من كلمة نكح بمعنى جامع أي قام بالعملية الجنسية الطبيعية مع المرأة ، ويصار المعنى الى النكاح في عقد الزواج الشرعي والقانوني بالوطء والفراش كما عبر عنه بعض الفقهاء وبالاتصال لدى البعض الآخر ، ويأتي معنى نكح النعاس عينه أي غلبها ونكح المطر الأرض أعتمد عليها .
وصار البعض يطلق على عملية عقد الزواج بعقد القرآن ، وأساسها الاقتران ببعض أي أن يجتمع رأسي الرجل والمرأة على فراش واحد وتحدث الخلوة بصيغة الحلال الشرعي .
ويباشر الزوجان بالعقد أن كانا بالغين عاقلين أي أن تقوم المرأة بتزويج نفسها ، ويجوز أن يتم العقد من وكيليهما أن كانا راغبين بذلك بوكالة معتبرة ، أو كانا قاصرين لاتصح تصرفاتهما مباشرة دون أوليائهما ، وفي مسألة أن يكون الوكيل نفسه وكيلاً عن الزوج والزوجة في ذات العقد والتصرف القانوني هنا مثار خلاف بين الفقهاء فمنهم من يتفق بجواز ذلك ومنهم من يعتبر ذلك خللا في العقد ، على أن المتفق عليه هو عدم جواز أن يكون الزوج أصيلاً عن نفسه ووكيلاً بزواجه من المرأة بقبولها .
ويمارس بعض الأولياء حق الولاية على المرأة بأن يتولى عقد زواج من كانت تحت ولايته ، ولايمارس الولي ولايته مالم يتم ذلك بتفوبض ورضا من المرأة ، وشروط الولي من كان له على المرأة ولاية أبوة أو تعصيب أو إيصاء أو كفالة ، وينبغي أن يكون عاقلاً وبالغاً ومسلماً .
وتستأذن اليتيمة التي لاولي لها فأن سكتت فهو أذنها ، أما أذا أبت فلاجواز عليها .
ويشترط في صحة عقد الزواج أن يكون غير معلق على شرط ، كما أن توفر الرضا شرط ضروري من شروط صحة العقد وركن من أركان الانعقاد ، كما لا ينعقد صحيحاً أذا شابته شائبة الخطأ ، ولا ينعقد أيضاً أذا كان العقد قاصداً غير المعنى الحقيقي لعقد الزواج ، ولو تضمن العقد شرطاً باطلاً أو ممنوعاً أو محرما بطل الشرط وصح العقد ، على أن الشروط المقبولة محترمة ولازمة للطرفين .
ولا يشترط الشهود في صحة العقد في الزواج أذ من الممكن أن يتم العقد صحيحا دون شهود ، مع أن الراجح أن يكون هناك شاهدين عدلين حاضرين مجلس الزواج ، وأتفقت الشافعية والحنابلة على أن النكاح لاينعقد الا بشاهدين ويقع باطلاً كل عقد لم يحضره الشهود ، و دأبت المحاكم في العراق عند مباشرة أعمالها الى توثيق حضور شاهدين في عقد الزواج الرسمي الجاري من قبل محاكم الأحوال الشخصية في العراق ، يتم تسجيل أسميهما وهويتهما في سجل عقود النكاح بعد أن يوقعا بالشهادة أمام قاضي محكمة الأحوال الشخصية المختص ، حيث يتم أصدار وثيقة عقد النكاح مصدقة من قاضي محكمة الأحوال الشخصية .
ويصار الى الأشهار في عملية الزواج بقصد معرفة أكبر عدد ممكن من الناس بهذا الزواج وبهذه العلاقة الشرعية ، أي معرفة أن تكون فلانة بنت فلان زوجة شرعية لفلان بن فلان ، ولهذا بقيت الأعراف السائدة في أقامة حفلات الزفاف والاحتفال بتمام عقد الزواج ممتدة الى يومنا هذا بالرغم من اختلافها جوهريا وتبدلها نوعياً عما كانت طقوسها وأعرافها في الأزمنة القديمة ، وصار الحال الى أن تقوم عائلة الزوج أو الزوجة أوكلاهما باحتفالات الخطوبة وكذلك احتفالات الزواج .
فأذا تم الجماع بين الرجل والمرأة دون عقد شرعي أو قانوني سمي زنا وفجور وعهر وتواصل جنسي في غير حالة الزواج الشرعي ولوكان برضى المرأة ، وأن كان الجماع بثمن دون عقد زواج فأن الرضا في هذه الحالة تشوبه شائبة لأن محل العقد ممنوع قانوناً ومحرم شرعاً ومرفوض أنسانياً حيث يسمى بغاء ودعارة وفجور ولا يدخل في باب عقد النكاح الشرعي والقانوني لا الدائم ولا المنقطع .
فأذا ولدت المرأة نتيجة هذا الفعل أي بنتيجة الأتصــال الجنسي دون زواج شرعي سمي الوليد ( سفاحاً ) ، وسفح الدم كمن أراقه وأرسله ، وجاءفي لسان العرب : (( التَّسافُحُ والسِّفاح والمُسافحة: الزنا والفجور؛ وفي التنزيل: مُحْصِنينَ غيرَ مُسافِحين؛ وأَصل ذلك ، تقول: سافَحْته مُسافَحة وسِفاحاً، وهو أَن تقيم امرأَةٌ مع رجل على فجور من غير تزويج صحيح؛ ويقال لابن البَغيِّ: ابنُ المُسافِحةِ؛ وفي الحديث: أَوّلُه سِفاحٌ وآخرُه نِكاح، وهي المرأَة تُسافِحُ رجلاً مدة )) ، والمرأة تسمى مسافحة والرجل يسمى زاني ، كما تسمي العامة من أهل العراق الوليد بنتيجة العلاقة الجنسية غير المشروعة ( بالنغل ) أي الأبن غير الشرعي بنتيجة العلاقة الجنسية غير الشرعية بين رجل وأمراة ، ومعنى النغـل الأديم وهو فسد في الدباغ ( راجع القاموس المحيط للفيروز آبادي الصفحة 1374 ) .
ومرتكب فعل الزنا يعاقب بعقوبـة شديدة أذا كانت المرأة متزوجة ( أو محصنة ) ، والعبرانيون سبقت العرب في رجم الزاني و الزانية ، مثلما كان أهل الجاهلية يرجمون الزانية دون الزاني ، وجاء الأسلام ليؤكد الحكم الشرعي بمعاقبة المحصنة أذا زنت مع رجل غريب وبغير معرفة زوجها ، بقوبه تعالى في سورة النور الأية 2 ، (( الزانية والزاني فأجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولاتأخذكم بهما رأفة في دين الله أن كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين . )) ، الا أن القرآن عاقب من يرمي المحصنة دون أثبات في الاية 4 من نفس السورة ، (( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فأجلدوهم ثمانين جلدة ولاتقبلوا شهادتهم أبداً وأولئك هم الفاسقون . )) .
وكان العرب في الجاهلية يلحقون نسب ولد البغي الى أمه إذا ولدت دون أن تنسبه إلى أحد أو ثبت اختلاط نسبه نتيجة لكثرة المتعاطين معها جنسياً في طهرها ، ويكون الولد رقيقاً لمن يملك رقبة الأم له كامل الحق في أن يبيعه وقد يبقيه في ملكه وقد يهديه للغير ، وقد أبطل الأسلام كل هذا ، وألحق الأبناء بأبائهم الزناة ، وكان الحديث الشريف ( الولد للفراش وللعاهر الحجر ) النظرية الشرعية التي تحرم الزنا وتعاقب المرأة الزانية وتتمسك بإنسانية المولود حتى وأن كان وليداً نتيجة معاشرة غير شرعية .
وجعل الأسلام للزنا بين المحصن والمحصنة حدود تصل الى عقوبة الرجم والجلد كعقوبة جسمانية بسبب أرتكاب الفاحشة وممارسة فعل الزنا ، حيث أن الأصل أن الإنسان مدفوع لإشباع غريزته الجنسية وهي غريزة قوية تسيطر على الإنسان مما يستوجب تنظيمها وتقويمها بما يتناسب مع أن يضع لها حدوداً وإطار يحددها وينظم أصولها ، وقد وجد الزواج لتنظيم حياة الناس وتشكيل الأسرة وتكوين المجتمع ، ولابد من حصانة الأسرة وحمايتها بحصر العلاقة الجنسية بين الزوج والزوجة ، وبهذا فقد كان تنظيم هذه الغريزة وبهذا الشكل المعقول هو موقفاً يتوسط الكبت في العلاقة الجنسية أو الانفلات في رغبتها دون حدود أسوة بالحيوانات التي لاتنظم رغبتها ومشاعرها الجنسية فتطلقها دون حدود ودون ضوابط ، وقد أجمعت الأديان السماوية على تنظيم الحياة الجنسية للأنسان من خلال الزواج والرباط المقدس والضوابط التي تضعها فحرمت جميعها الزنا والأتصال الجنسي بالزوجة من غير زوجها أو من الزوج بغير الزوجة تنظيماً للحياة وللنسل البشري أيضاً الذي يحول المنع دون أختلاط الأنساب بين الناس .
ومن الغريب أن نجد العديد من القوانين الجزائية العربية والتي تستمد بعض أسسها من الشريعة الإسلامية التي تعاقب الزاني والزانية ، تقوم هذه القوانين بالنص على معاقبة المرأة ( الزانية ) على فعل الزنـــا في الوقت الذي يترك الرجل ( الزاني ) حراً وطليقاً وربما شاهداً في الحالات الأخرى ، مثلما تقوم نفس القوانين بتجريم النساء المتخذات البغاء مهنة لهن وأعتبار الرجل الذي يمارس الفعل الجنسي معهن شاهداً ضدهن في القضية ، وزيادة في تكريس الظلم على المرأة لا يوجد نص قانوني يعاقب الرجل على الفعل ، مع أنه من ناحية التقدير والوزن يماثل الفعل التي تمارسه المرأة فهي تبيع جسدها من أجل المال وهو يشتري اللذة الجنسية بالمال وكلاهما يكمل الأخر ، ولولا الرجل وماله لما لجأت المرأة الى بيع جسدها للغير بالمال مهما كان .
مثلما تمنح القوانين الحق للرجل في الأقدام على قتل زوجته أو أحد محارمه أذا وجدها متلبسة بالزنا أو في وضع يثير الشك ، حيث يستفاد الرجل من الظروف القضائية المخففة أذا قتل المرأة في هذه الحال ومن هذه الظروف أذا قتل المرأة التي تكون من محارمة غسلاً للعار ، لكن نفس القوانين لم تحرك ساكناً بصدد حقوق المرأة في نفس المجال ، فلم تعط الحق للمرأة بالاستفادة من نصوص الظروف القضائية المخففة للعقوبة أذا أرتكبت المرأة الجريمة بدافع غسل العار ، أو أذا وجدت زوجها متلبساً بالزنا مع أمراءة غريبة وعلى فراش الزوجية ، أو وجدت زوجها وثمة رجل آخر يمارس معه فعل اللواط وفي دار الزوجية أو أن أحد محارمها يمتهن اللواط أو مأبون مما يولد خللا ونقصاً في شرف وسمعة العائلة وفق الأعراف العراقية والشريعة الإسلامية السمحاء ، أو أن زوجها يدير شبكة للدعارة دون أن نجد تبريراً لذلك .
ولهذا فأن العديد من هذه النصوص والتي تغبن المرأة وتمنح الحماية للرجل هي نصوص ذكورية لاأثر للمرأة وحقوقها فيها تطغي عليها سمة العادات والتقاليد القديمة والتي تغيب عنها الحقوق الإنسانية المتساوية بين المرأة والرجل مما يستوجب أعادة النظر في العديد منها على ضوء المتغيرات الحديثة وعلى أساس الشريعة الإسلامية بشكل حقيقي وأمين من خلال الاختصاصيين في القانون وعلم الاجتماع وعلم النفس للتوصل الى حلول ناجعة بدلاً من هذه النصوص التي أكل عليها الدهر وشرب .
هذه النصوص والتي أستندت على الأعراف والتقاليد التي أصبحت غير منسجمة مع تطور الحياة الإنسانية والمطالبة بحقوق الأنسان وحقوق المرأة بشكل خاص دون اخلال بالنصوص الدينية في الكتب المقدسة ، مما يستدعي أن تكون عملية إعادة النظر في التفسيرات من المهمات الإنسانية المشتركة والتي تتم فيها مراعاة الطرفين .
و حدد النص القرآني العقاب الذي يستوجب أيقاعه على من ترتكب الفاحشة من النساء وشروط ثبوت هذه الفاحشة بقوله تعالى في الآية 15 من سورة النساء .
( والتي يأتين الفاحشة من نسائكم فأستشهدوا عليهن أربعة منكم فأن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلاً . ))
حيث تشترط لتطبيق هذا النص أن تكون المدانة قد تزوجت قبل ارتكاب هذه الفاحشة ، وأن يشهد على حقيقة العمل الجنسي أربعة شهود معروفين بالصدق والأمانة ، وأن يروا ذلك العمل الجنسي بشكل لاشك فيه ولا يكتفي فيه برؤية المتهمين عاريين وملتصقين .
أما في الحالة الطبيعية فأن الأولاد نتيجة طبيعية لهذا الاتصال الجنسي المشروع وبالتالي فهم النتيجة الطبيعية في الاستمرار الطبيعي للنسل البشري ونظرية التناسل والبقاء التي تدعو لها الأديان والعقائد السماوية ، وينسب الولد الى أبيه باعتباره هو الباني للأولاد أما الزوجة فأنها تشكل وعاء لتهيئة وتربية نطفة الرجل لحين الولادة ، لذا فهي مشروع لاستقبال نطف الرجال بشكل شرعي والقيام بواجبات الحمل والولادة بشكلها الطبيعي ومن ثم الإرضاع والرعاية والحضانة لحين البلوغ الشرعي أو القانوني حيث تقوم بكل ما يستوجبه مركز الأم من واجبات تجاه تنشئة ورعاية الطفل ولهذا فقد أناط القانون رعاية الصغير بالأم بأن أعتبر هذا الأمر حقاً مفترضاً مالم يقم الدليل على خلافه .
قال الشاعر العربي :

بنونا بنو أبناؤنا وبنو بناتنا أبنائهن الرجال الأباعد

أما في الحالة غير الطبيعية للاتصال الجنسي والحمل والولادة فقد كانت العرب قديماً تنسب الولد بأسم أمه ، أو أن المرأة هي التي تختار أسم والده من خلال علاقتها الجنسية السابقة به ، وفي الوقت الحاضر تقوم الدوائر الحكومية المختصة بإيواء اللقطاء والأبناء غير الشرعيين كما تقوم بالمحافظة على الطفل وهويته ورعايته والعمل على اختلاطه وتأهيله كعضو نافع واعتيادي ضمن المجتمع .
وكما يجوز زواج الرجل المسلم من المرأة الكتابية التي تختلف معه في الدين تبعاً لنظرة الإسلام الى أهل الكتاب ومعاملته الخاصة بهم ، ويتم عقد الزواج مع بقاء الزوجة على دينها أن شاءت ذلك ، الا أن أولادهما يكونون على دين الأب ، كما لا يجوز زواج المرأة المسلمة من الرجل غير المسلم حتى ولو كان كتابياً مالم يشهر ويعلن إسلامه ، وفي غير ذلك يكون الزواج باطلاً ويترتب على ذلك أن يكون أولادهما سفاح غير شرعيين نتيجة هذا البطلان .
مثلما لا يجوز زواج المسلم من المرأة عديمة الدين السماوي حتى تؤمن تأسيساً على ما ورد بنص الآية 221 من سورة البقرة في قوله تعالى (( ولاتنكحوا المشركات حتى يؤمن .. )) ، كما لا يجوز أيضاً زواج الفتاة المسلمة من عديم الدين السماوي حتى يؤمن .
ونهى الدين الإسلامي اقتراب الرجل من المرأة عند فترة الحيض ، حيث ثبت علمياً ما أوردته نص الآية 222 من سورة البقرة من كون المحيض أذى للرجل والمرأة ، وطلب القرآن الكريم من الرجال اعتزال النساء أي بمعنى عدم الاقتراب منهن جنسياً حتى يتطهرن .
وكان العرب في الجاهلية لا يسمحون للمرأة الحائض أن تساكنهم في نفس الدار حيث يستوجب عليها أن تعتزل في دار أو غرفة أو خيمة منفصلة حتى تنتهي فترة حيضها أو طمــثها ، وكانوا يمنعون المرأة من زيارة الكعبة , أو الطواف بها أو زيارة الآلهة وملامستها أذا كانت في حالة الحيض ويحذرونها من أخفاء الأمر خشية من بطش الألهة ، ولم تزل لحد الان هذه الطريقة متبعة في مسألة منع النساء الحائضات من زيارة قبور الأولياء والصحابة .
وكان قسم من العرب من يعتزلها بداره وقسم يعتزلها في دار مستقلة لاتقرب حتى من طعامهم أو شرابهم اليومي حيث لاتشاركهم فيه .
ومنذ القدم أوجد الإنسان موانع نفسية وشرعية وعرفية في الزواج منها زواج الأصل بالفرع أو العكس بالنظر لعلاقة الدم و تقديسا للعلاقة الروحية بين هؤلاء ، وبشكل عام فأن الزواج بين المحارم لايقع وأن وقع فهو باطل ومحرم .
والمحرمات قسمين ، اما لسبب أو لنسب .
فالسبب هو الرابطة السببية التي اوجدتها المصاهرة والرضاع ، وأما النسبية فالأم وأن علت والأخت وبناتها نزولا والعمة والخالة وان علتا والبنت وان نزلت .
فتكون المحرمات من النساء زوجة الأب سواء طلقها في حال حياته أو مات عنها ، والأم والجدة وأن علت من ناحيتي الأم أو الأب ، والبنت وبنت البنت وأن نزلت ، والأخت شقيقة كانت أو أخت لأب أو أخت لأم ، والعمة أخت الأب سواء كانت من ا لأب أوالأم ، والخالة شقيقة الأم لأب أو لأم وبنات الأخ وبنات الأخت .
وهناك قسم من النساء محرمات بسبب الرضاع تأسيساً على ما ورد بنص الآية 22 من سورة النساء حيث ورد فيها (( حرمت عليكم ..... وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة )) .
ورد في الحديث الشريف ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) فيتم إنزال الرضاع الى منزلة النسب ، وكل عنوان يحرم من النسب فهو يحرم أذا حصل من الرضاع ، وفي هذا تفصيل أذ أن من شروط الرضاع أن تحصل أموراً عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر : -
أن يكون الرضاع يوماً وليلة بشرط أن يكون الرضاع متواصلاً غير منقطع برضعة أخرى .
أن يرضع الطفل خمسة عشر رضعة كاملة من نفس الثدي متواصل وغير منقطع ويذهب بعض الفقهاء الى كون الرضعات خمس مشبعات .
أن يكون الرضاع بحيث أنبت اللحم وشد العظم فلو أكل الرضيع أوشرب شيئاً آخر لم تتحقق حرمة الرضاع .
والربيبة التي وردت بنص الآية المذكورة أعلاه هي بنت الزوجة المدخول بها من زوج آخر ، ويشترط الدخول لتحقق المـــنع في هذا الزواج فأن لم يتحقق الدخول بين الرجل وأم الربــيبة فيصح زواج الرجل بالبنت .
وتعتبر الربيبة بحكم البنت التي يشرف على تربيتها الزوج ( زوج الأم ) ويصبح مسؤولا عنها ويعتبر بحكم والدها بوجود والدتها تحته أذا كان قد دخل بها ، فأن لم يتحقق الدخول فتكون البنت في حل من التزامها بهذا المنع ويمكن لها أن تتزوج الرجل بعقد زواج شرعي وفق الأصول .
وكان الرجل يتزوج العديد من النساء دون تحديد لعدد معين من النساء ، إضافة الى عدم وجود ضوابط تحكم هذه الزواجات ، مثلما كان يحق للرجل أن يمتلك العدد الذي يشاء من النساء (( الإماء )) والتي هي ملك للرجل وليس لهن حقوق الزوجات الا في حالة عتق رقبتها وتحريرها وأن يختارها زوجة حقيقية له ، حتى جاءت الأديان اليهودية والمسيحية فحددتها بزوجة واحدة ، غير أن الإسلام ألغى هذا الإطلاق في عدد الزوجات بين المجتمع الذي أنتشر فيه ، أذ حدد في الأية رقم 2 من سورة النساء قوله تعالى
(( وأن خفتم الا تقسطوا في اليتامى فأنكحوا ما طاب لكم من النســـاء مثنى وثلاث ورباع فأن خفتم الا تعدلوا فوحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى الا تعولوا )) .
وأصبح بذلك من حق الرجل الزواج ما طاب للأنسان من النساء مثنى وثلاث ورباع ، أي أن الأسلام أباح للرجل الزواج من النساء لحد أربعة للمصلحة العامة للمجتمع ، ولحاجة الفرد للزواج بأكثر من واحدة ورغبة في إكثار النسل أو لمرض في الزوجة يمنعها من الإنجاب أو غيره من الأسباب ، وأباحة للرجال في قدرتهم الجنسية غير الاعتيادية في الحلال ودرءا من الوقوع في شرك الحرام والخطيئة ، إضافـــة الى قول الرسول ( ص ) : (( تزوجوا فأني مكاثر بكم الأمم غداً في القيامة )) ، لكن الدين الإسلامي أشترط لهذا الزواج شرطين مهمين أولهما قولــه
( فأن خفتم الا تعدلوا فواحدة ) أوما ملكت أيمانكم من الأماء أذ لَيْسَ لَهُنَّ مِنْ الْحُقُوق مَا لِلزَّوْجَاتِ ، والشرط الثاني هي القدرة المادية في الأنفاق والأشراف على الزوجات المتعددات ، أذن يفهم من هذا أن الديانة الإسلامية وضعت ضوابط وشروط صعبة للزواج المتعدد ولم تبح الزواج المتعدد بشكل مطلق وكيفي أذ أشترطت العدل ولم تترك الأمر وفق رغبة ومزاج الرجل ، وهذه مسألة نسبية متروكة تقديرها للعبد الذي سيحاسبه الله يوم القيامة فتحقيق العدالة أمر منوط بضمير الإنسان ، ولذا يتردد العديد من الرجال في دخول المسلك الذي ينيط بهم مهمة تقدير العدالة فأذا خاف الفرد أو خشي من عدم موازنة أو عدل في تصرفاته وأعماله بين الزوجات عاد الى أصل النص ( فواحدة ) ، ومن هذا المنطلق فأن الدين الإسلامي أحاط بمجموع المشكلة أذ لم يغمط حق الرجل ولاحق المرأة فأباح للرجل التعددية في حدود صعبة وشروط وضعها في ضمير المسلم .
حيث أن نفقة الزوجة في مال زوجها ، والأصل أن نفقة كل أنسان في ماله الا الزوجة فنفقتها على زوجها حيث أن الرجل مكلف شرعاً وقانوناً بالأنفاق على الزوجة وتعني نفقة الإطعام والكسوة والسكن والفراش والغطاء وسائر ما تحتاجه بحسب حالتهما الاجتماعية ، وتستحق الزوجة النفقة من زوجها وأن كانت ذات مال معلوم ، وقد مالت بعض القوانين الى ربط الزواج بأكثر من زوجة واحدة بموافقة القاضي والمحكمة الخاصة بالأحوال الشخصية التي تشترط أضافة الى الإمكانية المادية والتعهد بمراعاة المساواة بين الزوجات فأنه يشترط وجود سبب مقبول يدعو لأعطاء الأذن بالزواج من زوجة ثانية .
غير أن العديد من الذين يبغون الالتفاف على نصوص القانون واستغلال الإباحة الشرعية ، يقومون بتطليق نسائهم طلاقاً رجعياً وتسجيل هذا الطلاق بالأتفاق مع الزوجة الأولى أو دون اتفاقها أودون موافقتها أحياناً ، ومن ثم القيام بعقد زواج جديد على أمراءة جديدة وبعد إكمال مستلزمات العقد وتسجيلة في المحكمة وفقاً للقانون واستقرار المرأة الجديدة تحتهم ، قاموا بأعادة الزوجة الأولى إلى عصمتهم دون عقد جديد أذا لم تنته العدة وفي حالة انقضائها بعقد جديد ، وبهذا فقد خسروا طلقة واحدة لكنهم ربحوا الزواج من زوجة ثانية دون الدخول في تفاصيل متطلبات نص المادة الثالثة من قانون الأحوال الشخصية التي اشترطت الحصول على الأذن من قاضي محكمة الأحوال الشخصية بالزواج من زوجة ثانية .

كان الرجل قبل الأسلام يمكن أن يتزوج الأختين معاً في زمن واحد ويسكنهن في دار واحدة ولا يوجد ما يمنع من أن يضمهما فراش واحد ، أي أن بأمكان الرجل أن يخطب أختين لتكونا زوجتين له في وقت واحد أو أن يتزوج الأخت ولم تزل أختها تحته وفي عصمته ، وعلى هذا الأساس سيكون الأخوة هم أولاد الخالة في نفس الوقت ، الا أن الأسلام نهى عن ذلك بأن أعتبر الجمع بين الأختين في نفس الوقت حرام في نص الأية 23 من سورة البقرة التي حرمت الزواج من الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت والأمهات المرضعات والأخوات من الرضاعة وأمهات الربائب التي في حجر الإنسان من المرأة التي دخل بها ، وحلل الأبناء من زواج الأختين المجتمعتين معاً قبل هذا التحريم ، لكنه نهى عن هذا الزواج في أخر الآية بقولة ( وحلائل أبناؤكم الذين من اصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين الا ماقد سلف أن الله كان غفوراً رحيماً . ) .
وحرص الدين الإسلامي على صلة الأرحام وعدم تقطيعها ولهذا أكد على عدم جواز أن تكون الأخت ضرة لأختها أي لايجوز الجمع بين الأختين ، وبهذا يتم أحداث شقاق وخصام وكراهية بين الأختين .
ونقل عن الرسول الكريم ( ص ) قوله ( لا يجمع بين المرأة وعمتها ولابين المرأة وخالتها ) ، وقال (ص) ( انكم أن فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم ) . أضافة الى نص الآيتين 22و23 /النساء التي حرمت الجمع بين الأختين ، وكذلك لا يجوز الجمع بين الأختين الرضاعيتين .
والنكاح بقصد الاستمتاع وبناء البيت الأسري وتكوين العائلة وهي عماد المجتمع ونواته ، تستحق فيهما المرأة أجورها التي حددتها الأعراف والشرائع بالمهر او الصداق ، وهو ما تعارفت عليه الأمم منذ القدم ، وكان المهر يعد علامة من علامات منزلة المرأة أو المكانة أو العشيرة ، وكانت العرب لاتمنح المرأة الأسيرة مهراً لأنها تكون في حق المملوك ، وأن الآسر يبطل الزواج السابق لها ، بمعنى أذا كانت المرأة متزوجة ولها زوج وأولاد من ذاك الزوج ووقعت في الآسر فأن زواجها هذا يصبح باطلاً وتصبح هي في حل من التزاماتها ، وبأمكان من وقعت في آسره أن يتزوجها أو يزوجها لمن يشاء ، أو يعتقها ويتمتع عليها بكل الحقوق التي تمليها الأعراف والقوانين في ذلك الزمان دون أن يكون لها حق الاعتراض عليه .
والأصل أن المهر يكون حقاً من حقوق المرأة ، وهي تتصرف به كما تشاء ولها أن تأخذه معها الى بيتها ، غير أن الأعراف لم تمنع الأب أو الأخ من أن يأخذ مهرها قديماً وقد نهى الأسلام عن ذلك أذ أكد على كون هذا المهر حق شخصي من حقوق المرأة ، ولم تزل بعض الأعراف تلزم عائلة الزوجة أن تأخذ معجل مهرها وتعتبره حق من حقوق والدها أو عمها أو شقيقها مقابل تربيتها والأنفاق عليها ، ولهذا فقد سمي البعض هذا الجزء المقتطع من المهر بالحلوان وكانت العرب قديمــاً تسميه ( النافجة ) ، ولهذا يقولون بارك الله للرجل في النافجة والتي كانت على الأغلب من النوق والخيول التي يحتاجها الرجل في ذلك الزمان ، الا أن مثل هذا الأمر تبدل مع بقاء بعض المجتمعات تتمسك به ، حيث تقوم بعض العوائل بأخذ ما يقدم للفتاة من حقوق ، ويمكن لهذه العائلة أن تعطي كل المهر أو جزء منه للبنت أذا شاءت ذلك .
وبالمقابل توجد العوائل التي تعطي أبنتها كامل مهرها وتزيدها مالاً منها إكراما لها وتعزيزاً لمكانتها لدى زوجها وبين أهله وعشيرته ، وهذه الأمور من المسائل التي تتعلق بقدرة العائلة المالية ومكانتها الاجتماعية .
والحق الشرعي المقرر للمرأة يدعى بالمهر أو الصداق وهو ركن أساسي من أركان عقد الزواج ، وبموجب عقد الزواج تملك المرأة المهر المسمى بالعقد ويتحقق لها حقها في المهر الكامل بالدخول الفعلي ، ويسقط نصفه أذا حدث الطلاق قبل الدخول ، وليس لهذا الصداق سقوف محددة أو شروط غير أنه يعني حق المرأة التي يدفعه الرجل ضمن عقد الزواج مقابل استمتاعه بها .
وقد يتم تجزئة المهر بما تم التعارف عليه المهرين المعجل الواجب الدفع قبل حلول الدخول والنكاح والاستمتاع ومهر مؤجل باق بذمة الزوج ديناً يتم تسديدة وفق مدة يتفق عليها ، وقد يكون المهر عينا أو ديناً أو منفعة مثلما يجوز أن يكون من غير مال الزوج ، مثلما يجب أن يكون معلوم متعين بالوصف او بالمشاهدة غير معلق على شرط أو آجل أذ يصح العقد حينها ويسقط الآجل ، وقد تمضي المدة دون أن تطالب المرأة بدينها المؤجل بعد استحقاق المدة ، وقد تعفي الرجل من هذا الدين فيتحلل منه ، وقد يبقى بذمته بعد وفاته فيكون لها أن تستوفيه من ميراثه قبل توزيع الأنصبة والحصص على الوارثين ،
والمهر في اللغة : هو صداق المرأة وهو ما يلتزم الزوج بأدائه إلى زوجته حين يتم عقد زواجه بها. أمهر المرأة: جعل لها مهراً أو سماه لها، وزوجها من رجل على مهر. المهر: في الأصل قيمة ما يعطى للزوجة عند الزواج بها .
والصداق: مهر الزوجة وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه( ولا تغالوا في الصدقات) أي المهور.‏
أصدق الرجل المرأة: جعل لها صداقاً سماه لها، أعطاها الصداق ـ تزوجها على صداق.‏
وعرف قانون الأحوال الشخصية‏ في اغلب البلدان العربية
1ـ المهر: هو ما التزم به الزوج بأدائه لزوجته ولا حد لأقله ولا لأكثره وترك التحديد للزوجين.‏
2ـ وكل ما صح التزامه شرعاً يصلح أن يكون مهراً وبالتالي هو كل ما كان مقوماً بمال من العقارات والأراضي والمنقولات والمجوهرات والسيارات وحتى يمكن ان يكون مهراً يجب تسجيل ذلك في عقد الزواج.‏
3ـ وهذا الحق بالمهر يستحق للزوجة ابتداء من تاريخ عقد الزواج الصحيح.‏
4ـ حق الزوجة في مهرها لا تبرأ ذمة الزوج منه إلا بدفعه إليها بالذات إن كانت كاملة الأهلية ما لم توكل وكيلاً عنها وتسجل ذلك في وثيقة الزواج.
‏5ـ أجاز القانون للزوجين الاتفاق على دفع المهر بكامله حين العقد أو تأجيله كما أجاز لهما تعجيل قسم منه(عرف بالمهر المعجل) وتأجيل القسم الثاني (عرف بالمهر المؤجل).‏
6ـ أضفى القانون صفة الدين الممتاز على المهر فهو يأتي بعد دين النفقة المستحقة وذلك لما للمهر من صلة بالحياة الزوجية ومنعاً لمزاحمة الدائنين للزوجة في استيفاء مهرها.‏
أما المهر المعجل غير المقبوض :‏
أجاز القانون للزوجين كما ذكرنا بتعجيل قسم من المهر، وهذا القسم المعجل بالأصل على الزوج تسديده حين إبرام عقد الزواج إلا أنه وبنتيجة الظروف الاجتماعية والاقتصادية والإسراع في الزواج مهما كانت النتائج والصعوبات دفعت كثيراً من الناس إلى تسجيل المهر غير المقبوض وباق في ذمة الزوج.‏
وفي حال دفع الزوج المهر المعجل كان المتعارف عليه أن تقوم عائلة الزوجة بتجهيز ابنتهم فكانوا يقبضون المهر المعجل ويدفعون من أموالهم الكثير لتسديد قيمة الأشياء الجهازية، وربما ضعف المهر أحياناً تباهياً وتفاخراً أمام الناس بزواج ابنتهم وتجهيزها، وكانوا يحملون هذه الأشياء الجهازية لمنزل الزوج وأحياناً بالأهازيج والأفراح ، حتى إذا ما وقع خلاف في المستقبل بين الزوجين وأدى ذلك للطلاق فكانت الزوجة تعود لدار أهلها محملة بالأشياء الجهازية التي استعملت وربما بليت في دار الزوجية وفقدت قيمتها، في حين أن قيمتها كانت مهر الزوجة وما دفعته عائلتها أيضاً من أموال فقدت كلها وعادت الزوجة بهذه الأشياء البالية والتي ربما لا تجد لها مكاناً فارغاً في دار أهلها عادت الزوجة بخفي حنين من لدن زوج نكر الجميل والمعروف.‏
صحت بعض العائلات لهذا الموضوع، ونظراً لما تعانيه من ظروف كما ذكرنا، فرأت أن يتحمل الزوج تجهيز منزله كما يحب ويريد ومن أمواله الخاصة لا علاقة لها بالمهر ومقابل مبلغ بسيط(أحياناً ملبوسات البدن) وفي هذه الحالة وعلى اعتبار أن المهر سيسجل في العقد غير مقبوض فما كان يكترث بمقدار المهر مهما كثر وكان يفرح بما أوتي من فرج على حد تفكيره من أنه تخلص من المهر وسيتم زواجه دون أن يدفع المهر الكبير أحياناً.‏
ويقوم الزوج بتجهيز منزله من أمواله في حين أن أهل الزوجة احتفظوا لابنتهم بكامل حقوقها التي منحها إياها الشرع والقانون ويتم الزواج وتمر الأيام حتى إذا ما وقع خلاف بين الزوجين أضحى الزوج أسير القانون.‏
الآثار القانونية للمهر المعجل:‏
1ـ أجاز القانون للزوجة طلب معجل مهرها الباقي بذمة الزوج في أي وقت تشاء وتريد دون أية معارضة أو ممانعة.‏
2ـ لها أن تحجب نفسها عن زوجها حتى سداد مهرها المعجل و يعد امتناع الزوجة عن زوجها بحق مادام الزوج لم يدفع معجل المهر أو لم يهيئ لها المسكن الشرعي وتلزمه في هذه الحالة دفع النفقة الزوجية شهرياً ومهما طال أمد الخلاف أمام القضاء هذا إضافة إلى نفقة أربعة أشهر سابقة للادعاء وهذه النفقة مستحقة وشملها الحبس التنفيذي كما سيأتي.‏
3ـ أكد القانون على الزوجة بعد قبض معجلها أن تسكن مع زوجها والعكس إذا لم تقبض معجلها لا تسكن مع زوجها.‏ وهذا الحق يهدد الزوج منذ بداية عقد الزواج.‏
4ـ يسقط حق الزوج في طلب متابعة زوجته لدار الزوجية والمسكن الشرعي ولا يسمع طلبه إلا بعد تسديد المهر المعجل غير المقبوض.‏
5ـ لا تسري أحكام التقادم على المهر المعجل ولو حرر به سند مادامت الزوجية قائمة.‏
6ـ عد القانون أن كل دين يرد في وثائق الزواج أو الطلاق هو من الديون الثابتة بالكتابة ويراجع بشأن تحصيله دائرة التنفيذ مباشرة
7ـ عندما تحصل الزوجة على قرار مبرم بإلزام الزوج بتسديد مهرها المعجل غير المقبوض وكذلك النفقة التي استحقت لها أن تضع هذا القرار بدائرة التنفيذ وتطلب تنفيذ القرار بإخطار الزوج بتسديد المبلغ المحكوم به خلال مدة يتم تبليغه بموجبها .
وفي حال امتناع الزوج عن تسديد ما حكم به تطلب الزوجة من رئيس التنفيذ بأحكام التشديد على الزوج بالحبس كوسيلة من وسائل أجبار المدين على تسديد الدين .‏
8ـ إن الحبس التنفيذي لا يعفي الزوج من دفع معجل المهر وبأنه حبس مدة محددة في قانون التنفيذ ولم يعد للزوجة الحق بمطالبته بما هو محكوم به.‏
إن حق الزوجة في طلب مهرها وملاحقة الزوج بالحجز عليه في أي وقت، وكلما علمت بأن له أموالاً ولو لدى الغير وحتى في ميراثه إذا تحقق وذلك عملاً بأحكام القانون والقرارات النافذة .‏
تأكيداً لما جاء في المواد الخاصة بالمهر في قانون الاحوال شخصية لا تبرأ ذمة الزوج منه إلا بدفعه لها كما ذكرنا.‏
يتضح أن مثل هذا الزواج غالباً لا يدوم فالزوج مهدد بدفع المهر المعجل غير المقبوض ولا مناص من تسديده ولو بعد الحبس التنفيذي ويبقى هذا المهر كسيف يهدد هامة الزوج في كل حين.‏
فمن أراد أن يتغلب على المصاعب المالية تحاشياً لغلبة الزوجة له وسوقه إلى السجن وإنهاء الحياة الزوجية، دفع المهر المعجل فمن تجنب المزالق، حفظ كرامته.‏
( المهر المعجل وآثاره ) http://www.syrianlaw.com/Law18.htm
هذا بالإضافة الى استيفائها حصتها الشرعية التي حددها الأسلام وفق نص الآية 11 من سورة النساء التي حددت حصة الزوجة التي ليس لها ولد من الزوج بالربع فأن كان لها ولد فلها الثمن من التركة بعد أن تخرج منها الوصية والديون المستحقة الدفع قبل توزيع سهام الورثة من التركة .
(( ولكم نصف ماترك أزواجكم أن لم يكن لهن ولد فأن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أودين ولهن الربع مما تركتم أن لم يكن لكم ولد فأن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أودين وأن كان رجل يورث كلالة أو أمرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فأن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصي بها أودين غير مضار وصية من الله والله عليم حليم )) .
ومن الأخطاء الشائعة في التصرفات أن يقوم بعض الناس بتسمية كتاب الله أو سورة منه كمهر للزوجة كدلالة على التواضع أو الاستخفاف بالمهر ، أن المهر أو الصداق ينبغي أن يكون مالاً متقوماً مملوكاً خالصاً شرعاً وقانوناً للزوج لايهم أن كان كثيراً أو قليلاً ذهباً أو فضة نقود أو مال متقوم ، لكن كتاب الله وسورالقرا ن المجيد ليست من هذه ولا يملكها الرجل حتى يعطيها ، لذا فأن العقود القائمة على هذا الأساس عقود ناقصة ويعتريها الشائبة و الخلل الذي يؤدي الى بطلانها أن لم يتم أدراكها في تسمية المهر أو الصداق للمرأة من المال المادي الحقيقي الذي يتحدد مقداره حسب الوضع الاجتماعي والمادي للزوج والزوجة وقد تدخل العقارات والأراضي الزراعية في المهور . اوز
وزززوووال
والمهر يجب ان يكون له قيمة بشرط رضى المتعاقدين عليه سواء أكان دفعة واحدة أو أقساطا .
وقد نهى الإسلام من خلال الأحاديث الشريفة المنقولة عن الرسول ( ص ) من الغلو في المهور أو المبالغة فيها ، ولم تزل عوائل كثيرة تخالف ذلك من ناحية الغلو في المهور والمبالغة في الصداق بقصد المظهر الاجتماعي أو المباهاة والتفاخر .
وقد رسم الأسلام الطريق في الزواج من الكتابيات والمشركات والمؤمنات فقال تعالى في الآية 221 من سورة البقرة .
( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون الى النار والله يدعو الى الجنة والمغفرة بأذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون . )
كما ورد في الحديث الشريف ( إياكم وخضراء الدمن ) فقيل يا رسول الله وما خضراء الدمن قال المرأة في منبت السوء .
وتتزوج المرأة بعد أن يتقدم الخاطب أو عائلته لخطبتها من وليها أو من أحد أشراف عائلتها أوعين من أعيان عشيرتها أو منها شخصياً مباشرة ، ويعتمد هذا الزواج على موافقة المرأة وقبولها ، وفي أحيان أخرى في المجتمعات المتخلفة لاتتم استشارتها حيث يقرر والدها أو شقيقها أو جدها الصحيح أو القيم الشرعي عليها الموافقة على تزويجها لمن يراه كفأ لها ومتناسباً ومقبولاً لديهم من الناحية الاجتماعية والسلوك العام والمهنة التي تؤهله للزواج من الفتاة ، ويراعى في ذلك بما يتناسب مع شهادة الفتاة وتعليمها وثقافتها ووظيفتها ووضعها الاجتماعي ، أما في الوقت الحاضر فيتم مفاتحة الفتاة باعــتبار أن المسألة تخصها ، وباعتبار أن حياتها المشتركة مع الرجل هي التي تقررها وتقدرها وتحدد قابلية إنسجامها لتحقيق سعادتها ومستقبلها بعد أن يتم شرح الأمور والمسائل التي يتوجب أن تعرفها العائلة عن المتقدم للزواج منها ووفقاً لسمعته وسمعة عائلته الأجتماعية والتي لم يزل المجتمع الشرقي يوليها أهتماماً كبيراً ، أذ يتم السؤال من المعارف والأصدقاء ومن جيران الخاطب عن سمعته وسمعة عائلته ، وتتم استشارة الفتاة في المدن والحواضر وترتبط موافقة الأهل بموافقتها ، أما في الأرياف والقرى المتخلفة والعشائر المتمسكة بالعادات والتقاليد القديمة فلا يؤخذ رأي المرأة في الزواج في الكثير من الحالات وذلك عرف بائد وقديم ويغبن حق المرأة في المشاركة بالحياة وأختيارها .
وقد تتزوج الفتاة دون أن تكون قد شاهدت الزوج أو تعرفت عليه ، ومثل هذا بالنسبة للرجل الذي من الممكن أن يكون قد سمع بأسم الفتاة وعشيرتها وأهلها دون معرفته بها أو مشاهدتها لها ، وقد لاتشكل مشكلة في المجتمعات الفقيرة والمتخلفة والعشائرية التي تعتقد ان الزواج فرض لابد منه ، أو انه أكمال لمستلزمات المعيشة اليومية للأنسان من أنجاب الأولاد والطبخ وتهيئة مستلزمات البيت في غياب الزوج العامل أو ستراً للحال كما يسميه بعض ، لكن المشكلة تتعقد في المدن أو حين تكون مواصفات الزوج أو الزوجة لا تتطابق مع ذوق أو فهم الطرف الآخر وتدخل في قناعاته وتلك طامة كبرى تنتهي دائماً بمأساة أنسانية يكون ضحيتها على الأغلــب اما المرأة أو الأطفال أن ولدوا نتيجة عدم تطابق وعدم إنسجام الزوجين حيث تنتهي علاقتهما بالأنفصال .
ولا يتحدد فارق العمر بسنوات محددة بين الزوجين ، ويبقى ذلك مناطاً بموافقة الفتاة أو الأهل على الزواج أذا كان هناك فارق واضح بين عمر الزوجين ، الا أنه على الأغلب تتحدد هذه وفق اعتبارات اجتماعية أو مادية أو خاصة للقبول على أتمام العقد رغم الفارق الملحوظ في العمر بين الزوجين ، أضافة الى كون البيئة الاجتماعية والظروف الشخصية والمكانية تتدخل في هذه المسألة أيضاً ، ومن الغريب أنه يمكن للرجل أن يتزوج الفتاة التي تصغره بسنوات عديدة ، بينما يعيب على الرجل أن يقترن بالمرأة التي تكبره بسنوات عديدة ، وهذا الأمر من القيم والأعراف البالية التي بدأت تندثر ولايلتزم بها أحد بأستثناء القلة من الناس في الوقت الحاضر .
ومن الأعراف التي كانت سائدة في المجتمع العراقي قديماً أن أبن العم يستطيع أن يتزوج أبنة عمه دون الحاجة الى رضاها أو الى خطبتها ، فأعراف المجتمع حددت له حقاً عرفياً ثابتاً في زواجه من أبنة عمه التي ليس لها الخيار سوى بالزواج منه أو رفضه وسواه ، ويستطيع أن يمنع زواجها من أي كان ، فأذا امتنعت عن القبول بالزواج منه بقيت عانساً مدة حياتها الباقية ، وله أن ينهي عن زواجها من الأغراب أي أن يعلن عدم موافقته ويمنع بذلك زواجها من أي شخص غريب أو قريب غيره ، فلا يتقدم الى خطبتها أحد احتراما لرغبة أبن عمها أو خشية من التصادم معه أو مع عشيرته وأهله ، بما يسمى اليوم ( النهوة ) وقد يصل التحدي بالأمر أذا أقدمت الفتاة على الزواج من الغريب قبل أن تتم ترضية وأقناع أبن العم ، سواء تم العقد شرعاً وفي المحكمة الشرعية أم حصلت حالة الخطف وبما تسمية المجتمعات الريفيــة ( النهيبة ) بإرادة الفتاة ورغبتها ، حيث يفسر العمل على أنه تحدي لأبن العم أو للعشيرة والأهل ، وعاراً عليها بين العشائر مما يتطلب الأمر أن يتم البحث عنها ، وهذا الأمر يؤدي في الكثير من الحالات الى أن يقوم أبن العم بقتل الزوج الجديد أو الفتاة نفسها أو حدوث مأساة أنسانية أو مجزرة بشرية ليس لها ما يبررها سوى التقاليد البالية والأصرار على التمسك بالعادات العتيقة المخالفة مع تطور الإنسان وحقوقه الشرعية والقانونية ومتعارضة مع تطور المجتمعات الإنسانية وتطوير عاداتها وأعرافها بما يليق بتطورها الحضاري والأنساني وبما تقرره الأديان السماوية والشرائع .
أن هذه العادات والأعراف لم تزل موجودة لحد الان وتتم ممارستها الا انها موجودة بشكل ضيق بين أوساط المجتمعات العشائرية والريفية المتخلفة ، وبين أوساط تجمعات الفقراء لأسباب اقتصادية واجتماعية .
وكان منتشراً بين قبائل العرب قبل الأسلام زواج الرجل من زوجة أبيه بعد وفاته ، فأذا توفي الرجل وكانت له زوجة يحق لولده من غيرها بالطبع أي من زوجة أخرى أن يخطبها ، وذلك بان يحضر الى مجلسها عند وفاة ابيه ويلقي عليها ثوبه فتكون قد انتقلت من ملك ابيه الى ملكه، فهو أحق بأن يتزوجها بمهرها ، وهذه العادة كانت منتشرة بين القبائل العربية في يثرب والمدينة أما في بقية القبائل فلم تكن عادة ألقاء الثوب منتشرة وأنما يترتب للولد حق عرفي مقرر بين القبائل ، وله في هذا الشأن أن يتزوجها شرعاً وأن يزوجها لغيره ممن يراهم أكفاء لها ، مثلما له الحق في أن يأخذ مهرها أو أن يمنعها قطعاً من الزواج فتبقى تحت رعايته دون زواج حتى تموت ، كما يحق للأخوة في حال عدم رغبة الأخ الكبير في الزواج من أمراة أبيه أن يعلنوا رغبتهم بالزواج منها الا أنهم يدفعون لها مهراً جديداً قبل الدخول .
وتذكر كتب التاريخ القديم أن هذه العادة كانت منتشرة بين الرومان والسريان والعبرانيون الذين أستمروا بالعمل وفق ماورد فيها حتى بعد حدوث السبي الأخير على اليهود ، مثلما كان مشهوراً في ذلك الزمان زواج العديد من الأخوة زوجة واحدة وتكون الزعامة بينهم لكبيرهم ، وتكون لكل رجل عصا يستطيع أن يغرزها خارج خيمة المرأة للدلالة على وجوده في خلوة مع المرأة وكعلامة تمنع دخول الآخرين عليهما في خبائهما أو غرفتهما .
ويسمى هذا الزواج ( زواج الضيزن ) ، الا أن أكثر كتب التاريخ تتحدث كون هذا الزواج مكروه عند أكثر العرب بالرغم من ممارسته من قبل البعض دون عيب أو مثالب اجتماعية ، ولذلك أصبح هذا الزواج ممقوتا أي مكروها عند الكثير من أبناء العرب وأطلقوا عليه أسم ( زواج المقت ) ، وتذكر كتب التاريخ أن ثلاثة رجال من بني قيس بن ثعلبة تناوبوا بالزواج على امرأة أبيهم .
منع الأسلام هذا الزواج حيث أعتبر زوجة الأب بمثابة الأم أضافة الى رابطة المصاهرة والنسب والرضاع ، وكون أولاد الزوجة المذكورة هم أشقاء لأولاد المتوفى ، وحرم مثل هذا الزواج وأعتبره باطل بطلان مطلق ، أذ ورد نص الآية 21 من سورة النساء التي جاء فيها :
( ولا تنكحوا ما نكــح آباؤكم من النـساء الا ماقد سـلف أنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلا ) .
كما أعتبرت العرب قبل الأسلام أن زواج الرجل المتبنى من محارم المتبني باطل باعتباره أصبح ولداً من أولاد الرجل الذي تبناه ويتمتع بكل الحقوق ويحمل أسمه ، حتى جاء الأسلام وأعتبر التبني لغاية إنسانية ولايمكن أن يدخل المتبني في صلب الرجل المتبني حقيقة أذ أنه غير ذلك .
ومنح القانون للرجل الذي يتبنى أحد الأطفال بواسطة محكمة الأحداث أن يمنحه أسمه في سجلات الدولة فيتم تسجيله على أساس انه ابنه ، مما يجعله أبناً قانونياً يستحق بموجب هذا أن يرث من أبيه المسجل في سجلات الدولة معه ، في حين أن الشريعة لاتمنح الولد المتبنى حقوقاً وسهاماً في الأرث تؤدي الى أن يرث الرجل الذي تبناه أو الذي أضافه الى أسمه في سجلات الدولة ، وبهذا لاينافس ورثة المتوفى الحقيقيين بالأرث بأي شكل كان .


لا تعتبر الخطبة زواجاً وأنما تدخل في باب مشروع الزواج ومقدمة لعقد الزواج أو الترتيبات اللازمة للأتفاق على أتمام مراسيم الزواج الشرعية والعرفية والقانونية .
ومن أنواع الزواج عند العرب الزواج الاعتيادي الذي نألفه في هذا الزمن والذي كان نفسه منذ القدم وذلك بأن يختار الرجل زوجة له وفق رغبته بشرفها أو بثقافتها أو أخلاقها أو سمعتها أو مالها أو جمالها أو مكانتها أو سمعة عائلتها ، ومن الممكن أن يكون هذا الزوج من أبناء عشيرتها أو من أقربائها أو أن يكون غريباً عنها ، ومن أنواع الزواج الأخرى زواج الشغار الذي كان منتشراً في الجزيرة العربية بشكل واسع وقد أنعكست آثاره وتقاليدة الى يومنا هذا .
ويكون زواج الشغار بأن يقوم الرجل بتزويج أبنته أو أخته مقابل أن يزوجه الأخر أبنته أو أخته دون صداق لكليهما ، والشغار بالكسر تزويج الرجل بأمراة على أن يزوج أخرى لوليها دون مهر فصداق كل واحدة منهن بضع الأخرى ، وقد يختص بها الأقارب وأصل الكلمة في القاموس المحيط الصفحة 535 أن شغر كمنع رفع أحدى رجليه وشاغر الرجل المرأة شغوراً أي رفع رجلها للنكاح ، ويقول الرجل للرجل شاغرني , وفي هذا الزواج يشترط ولي أمر البنت أن يزوجها لخاطبها أذا مازوج الخاطب أخته أو أبنته لوالد الفتاة ، ويسمى مثـــــل هذا الزواج في العراق ( زواج الكصة بالكصة ) أي زواج المثل بالمثل ، ولم تزل مناطق فقيرة عديدة من العالم العربي يمارس فيها هذا النوع من الزواج بين الناس ، وهو زواج يتبادل به الرجلين أمرائتين بقصد الزواج دون مهور لهن وهو بمثابة المقايضة والتبادل ، وبالرغم من الاستهجان والمقت الذي يلاقـيه مثل هذا الزواج بين الناس ، والدعوة الى النهي عن أتباع أسلوب هذا الزواج وطريقته ، الا أنه في الحقيقة لم يزل تتم ممارسته بين الفـقراء في الأرياف والمجتمعات النائية و المتخلفة اجتماعيا .
وقد أجمع الفقهاء من كل المذاهب الإسلامية من كون زواج الشغار بجعل أمراة مهراً لأخرى باطل شرعاً .
ومن الزواجات التي لم تزل تتمسك بها بعض العشائر والمجتمعات المتخلفة زواج الفدية ، أي أن يتم الحكم في مسألة عشائرية بألزام المحكوم بتقديم مبلغ من المال وأمراة من أفراد عائلته الى المحكوم له ، والفتاة التي تعطى كفدية يمكن الزواج منها دون رغبتها ودون مهر ، مثلما يمكن أن تبقى بخدمة عائلة المحكوم له دون زواج ما بقيت على قيد الحياة تقوم بخدمتهم وتنفيذ احتياجاتهم وفق الأصول الاجتماعية مع ما تلقاه من عنت وقسوة واضطهاد واحتقار من العائلة التي تخدمها ، ويحق لهذه العائلة أن تعيد الفتاة الى أهلها أو تعتقها لوجه الله أو أن تقوم بتزويجها من أحد أولادها حتى وأن كان متزوجاً وليس لها رأي أو خيار في الموافقة من عدمها .
وخلال الفترة المنصرمة من التاريخ كانت العرب تقوم بالقتال والحروب وتشن الغارات فيما بينها وتقوم بالاستيلاء على الأسرى من الرجال والنساء ، أما الرجال فيصيرون عبيداً ويتم تملكهم من قبل الأسياد ويباعون ويشترون ويتم أهدائهم وعتقهم من قبل سيدهم وفق قانون العبيد السائد والضوابط والقوانين العرفية التي تتحكم به ، أما النساء فكن يتخذن إماء أو خادمات ، ويستطيع السيد أن يستمتع مع أي واحدة منهن دون قيد أو شرط أو اعتبار وحتى دون موافقة الأسيرة لأنها ليس لها أن تمتنع عنه لأي سبب ، ويحق للرجل أن يتزوجها بمهر أودون مهر ، مثلما يحق له أن يعتق رقبتها ويحررها من العبوديــة ويسمى هذا الزواج ( نكاح الظعينة ) .
ومن غرائب الزواج التي كانت منتشرة بين قبائل العرب قبل الإسلام هو ( نكاح الأستبضاع ) ، وغرابة هذا الزواج أن ينتظر الرجل من زوجتة بعد أن تنتهي من دورتها الشهرية وتطهر من طمثها بأن يقوم زوجها بإرسالها الى شخص معين من أشراف العرب وشجعانهم وفرسانهم وحكمائهم وكرمائهم ، ويقول لها أستبضعي منه ، أي احملي منه ، وبعد أن تستبضع من الرجل الثاني يتم اعتزالها من قبل زوجها حتى يستبان حملها وتلد الولد ، ويمكن للزوج أن يصيبها خلال فترة حملها أذا أحب ذلك ، والغاية التي يبررها هذا الزواج هو حاجة المجتمع العربي حينذاك الى الأولاد الأقوياء والفرسان الشجعان و الحكماء الأذكياء أضافة الى العامل المادي في مسألة بيع الرقيق ، والأكثار من النسل الذكوري المتميز والمعروف النسب .
ولايمكن حدوث مثل هذا الزواج في العصر الحاضر بالنظر لتبدل القيم والمفاهيم والخصوصيات التي تحيط بالحياة ، ولو صار هذا الأمر لأعتبر الناس الزوج قواداً أو ديوثاً يترتب على المجتمع استنكاره وعدم أحترام سلوك الزوج ووصم المرأة بالبغاء والأحتقار ، ويلحق أولادهما العار والشنار في المجتمع الذي يعيشون ضمنه ، غير أن قيم ومفاهيم قديمة تختلف بالتأكيد عن قيم ومفاهيم اليوم .
وزواج المتعة هو زواج حقيقي غير أنه زواج مؤقت ومحدد المدة أي منقطع بعكس الزواج الاعتيادي الذي لاترد فيه مدة محددة أو أن تكون النيـــة في مدته دائمة ، مع أن الزواج الاعتيادي يمكن أن يتحلل فيه الزوج أو الزوجة خلال أي مدة أو أي وقت وذلك بفسخة أو بالطلاق الواقع منهما أو بالمخالعة الواقعة من الزوجة والتي تعني أن تخلع الزوجة نفسها من الرجل مقابل بذلها مال معين كأن تتنازل عن كامل مهرها أو عن جميع حقوقها الشرعية مقابل موافقته على خلعها من حياته ، وزواج المتعة له أحكام وشروط محددة وهو موافق للشرع وللعرف والقانون ويقع في حالة سفر الأنسان الى مناطق بعيدة وانقطاعه بها عن أهله مدة من الزمن ، كما كانت العرب تمارسه عند ذهاب الجيوش مدة طويلة للقتال في البلاد الأخرى وتحرير البلدان ونشر الدين الإسلامي عند قيام الفتوحات الإسلامية مما يجعل الأنسان بعيداً عن أهله وزوجه ، فيتم اللجوء الى الزواج المؤقت الشرعي والذي ينتج نفس نتائج الزواج العادي من ناحية الميراث والبنوة والحلال والحرام والواجبات ، غير أن هذا الزواج محدد بمدته وينتهي بانتهاء الآجل المحدد حيث تعتد المرأة بعده قبل أن تتمكن من الزواج برجل آخر ، ويتحقق للمرأة ألمهر وكل الحقوق الشرعية الأخرى .
ويؤسس زواج المتعة على نص الآية 24 من سورة النساء في القرآن الكريم بقوله تعالى ( والمحصنات من النساء الا ما ملكت أيمانكم كتب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما أستمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن فريضة ولاجناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة أن الله كان عليما حكيما . )
وكان العرب قبل الأسلام يمارسون نوعاً من الزواج يسمى ( نكاح البدل ) ، وهو أن يتبادل الزوجان بالنساء ، وهذا الزواج يعتمد على موافقة الرجال فقط ويكون دون مهر ، وقد يكون بمدة محددة يتفق عليها مؤقتاً ، وكما يكون دائمياً ، وقد يكون بموافقة النساء ويحدث أيضاً أن يتم دون موافقتهن ورضاهن . ولم يقتصر هذا الزواج على العرب قبل الأسلام فقد مارسته أمم كثيرة ، ولم يزل الغرب يمارسه بشكل علني وبرعاية قانونية مادامت تقترن برضا الأزواج بالوقت الذي منعه الأسلام ونهى عنه وعده من المحرمات وأعتبره المجتمع من التصرفات التي تنم عن العهر والتخلي عن الشرف والمباديْ والأخلاق .
وزواج الرهط كان معروفاً عند العرب قبل الأسلام أيضاً ، وهو وأن لم يكن بالمعنى الحقيقي للزواج الا أن آثاره ونتائجة توحي بأنه يشابه الزواج ، وهو أن يدخل عدة أشخاص على أمرأة واحدة ويتم ممارسة الفعل الجنسي معها من قبل الجميع برضاها ، فأذا حملت أختارت منهم رجلاً فيلحق نسبه اليه دون أعتراض ، ويمكن تسميته بتعدد الأزواج ووجود أمراة واحدة بينهم يتمكن من الاتصال معها أي كان منهم فأذا كانت على طهر وحملت من أحدهم لها أن تختار من تراه قد حملت منه ، أما في الوقت الحاضر فأن وجود أمراة مع عدد من الرجال يعد بمثابة الحفل الجنسي وفيه يحق لجميع الرجال ممارسة الفعل الجنسي معها دون أن تتمكن من تسمية أحدهم أذا حملت لأن القوانين لا تجيز مثل هذا الاجتماع وتعتبره باب من أبواب الدعارة التي تتم فيها معاقبة المرأة دون الرجل الا أذا كان قد مارس السمسرة ( القوادة ) في الفعل المذكور .
والبغاء يعد أقدم مهنة في التاريخ عند النساء ، وكان البغاء مقدساً تمارسه المرأة في المعابد قديما ، ولم يبق البغاء المقدس بتطور الزمن ، فقد تبدل بتبدل انماط الحياة. وتقول المدونات القديمة أنه يتم احتجاز العذارى في المعابد إذ كانت وظيفتهن الترفيه عن الكهنة من جانب ومضاجعة الحجاج من جانب آخر لقاء اجر، وقد تطور البغاء المقدس فأصبح من حق البغي المقدسة ان تحتفظ بجزء من مال بغائها ليعينها عند الزواج الذي تتخلص معه من مهنتها .
كثير من سراة اليونان في العصور القديمة يستخدمون إماءهم كذلك في البغاء للإنتفاع بأجورهن، كما أن العهد القديم يحدثنا عن البغايا من الإماء وغيرهن، وعن البغاء على أنه نظام معترف به ومنتشر انتشاراً كبيراً لدى قدماء العبريين، ومع أنه كان ينظر في روما للبغايا نظرة احتقار، وكانت أسماؤهن تدون في القوائم العامة للتشهير بهن، فان البغاء كان منتشراً انتشاراً كبيراً في معظم المدن الرومانية، وقد ظل البغاء منتشراً عند مشركي العرب حتى بعد ظهور الإسلام حتى نزلت سورة النور الاية 33 : ((ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصناً لتبتغوا عرض الحياة الدنيا )) .
وكانت البغايا عند العرب قبل الأسلام يرفعن الرايات الحمر فوق منازلهن أو خيامهن أو في الأسواق حيث كان البغاء ظاهرة من ظواهر المجتمع الجاهلي المباحة للرجل أن يمارسها دون تحفظ ودون ضوابط عرفية أو قبلية اجتماعية ، والبغايا هن اللواتي يجاهرن بالزنا ويتكسبن منه ، وبيوت الدعارة مفتوحة للجميع ، يقصدها الرجل لقضاء متعة مؤقتة مقابل مبلغ من المال يتفق عليه بين الرجل والمرأة ، وكانت النساء البغايا معروفات وأماكنهن معروفة أيضاُ ، فأذا حملت المرأة وولدت دعت الرجل ونسبت الولد اليه دون أعتراض منه ، ورغم أن المرأة مشروع واضح للبغاء ، وهي مهنة من المهن التي تمتهنها المرأة البائسة لاحباً بالممارسة الجنسيــة وأنما طريقاً لتحصيل المال وكسب العيش ، بأن تعرض حالها للرجال بشكل مشاع ليمارسوا الفعل الجنسي معها ويتمتعوا بجسدها مقابل أجور يسلموها لها تتعيش منها أو تدخرها لنوائب زمانها المقبلة ، وهذه المهنة على مدى الزمن الطويل لم تكن مهنة محــترمة ولاكانت من تقوم بها محترمة أجتماعياً أو مقدرة بين قومها ومنطقتها بالرغم من كونها مطلوبة وتتم ممارستها في شتى الأزمان والأمكنة ، وأطلق العديد من الكتاب أسـم ( زواج صاحبات الرايات ) مع أنه لم يكن زواجاً بالمعنى الصحيح ، وكانت قسم من النساء من الأماء اللواتي كن يعملن في مهنة البغاء لحساب أسيادهن وكن يحتفظن بأولادهن نتيجة الاتصال الجنسي مع الرجال ، ويذكر أنه بعد قيام الأسلام كان لعبد الله بن أبيّ ست جوار خصصهن للبغاء وضرب عليهن الضرائب، فشكا بعضهن ذلك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنزلت الأية التي تحرم أن يتم أكراه الفتاة على البغاء ، وكانت المرأة البغي لا تأخذ من الأجور الا قليلها وما يسد رمقها ، في حين يستحوذ السيد على الجزء الأكبر من المال .
والبغاء بحكم الفجور لاتقربه المرأة الحرة ، ولهذا كانت أغلب البغايا في التاريخ القديم من الأماء ، وكانت المهنة تشكل عيباً وخلاص لدى المرأة ، في حين لا يشكل عيباً للرجل الذي قد يتبجح به أو يتفاخر بعدد بغاياه في جلسات السمر والخمر ، وأطلقت ألقاب كثيرة على البغي أشهرها اللقب الذي أطلقه العرب قديما وبقي في التداول الشعبي وهو أن تطلق عليها كلمة ( القحبة ) ، والتسمية مأخوذة من كون المرأة كانت تسعل لتلفت النظر من كونها جاهزة لفعل البغاء مع الرجل ، فهي تؤذن طلابها بقحابها ويعني سعالها ، مثلما يقال عن البغي بالزانية أو الفاجرة .
وقد وردت أحاديث كثيرة في ثواب من يتزوج البغي ويسترها في بيته وكسبها مع التزامها الخلقي والاجتماعي والديني ، غير أن القرأن الكريم أورد نصاً بمعاقبة الزاني والزانية بأن يجلد كل منهما مائة جلدة مع توصية المؤمنين بأن لاتأخذهم بهما رأفة وشدد على ضرورة أن يشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ليتذكروا ن ومن ثم نزلت الاية الكريمة التي تحرم الزواج من الزانية ( الزاني لاينكح الا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها الا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ) .
وأكد الأسلام على النهي عن أمتهان البغاء أو أكراه الفتاة على عمل البغاء ، وبغت المرأة بمعنى عَهَرَتْ وزَنَتْ، وقيل: البَغِيُّ الأَمَةُ ، فاجرة كانت أَو غير فاجرة، وقيل: البَغِيُّ أَيضاً الفاجرة ، حرة كانت أَو أَمة. وفي التنزيل العزيز: (( وما كانت أُمُّكِ بغيّاً )) ، أَي ما كانت فاجرة ، ويقال: جاءت بَغِيَّةُ القوم وشَيِّفَتُهم أَي طَلِيعَتُهم. والبَغْيُ: التَّعَدِّي. وبَغَى الرجلُ علينا بَغْياً: عَدَل عن الحق واستطال.الفراء في قوله تعالى: قل إنما حرَّم ربِّي الفواحشَ ما ظهر منها وما بطن والإثم والبَغْيَ بغير الحق، البَغْي الإستطالة على الناس؛ وقال الأَزهري:معناه الكبر، والبَغْي الظُّلْم والفساد، والبَغْيُ معظم الأَمر.
وجاء في لسان العرب لأبن منظور بالصفحة 4363
(( ورجل قَحْبٌ، وامرأَة قَحْبة: كثيرة السُّعال مع الهَرَم؛ وقيل: هما الكثيرا السُّعال مع هَرَم أَو غير هَرَم؛ وقيل: أَصل القُحاب في الإِبل، وهو فيما سوى ذلك مستعار. وبالدابة قَحْبة أَي سُعال. وسُعال قاحبٌ: شديد. والقُحابُ: فساد الجَوْف. الأَزهري: أَهل اليمن يُسَمّون المرأَةَ المُسِنَّة قَحْبةٌ. ويُقال للعجوز: القَحْبةُ والقَحْمَةُ؛ قال: وكذلك يقال لكل كبيرة من الغنم مُسِنَّةٍ؛ قال ابن سيده: القَحْبةُ المُسنة من الغنم وغيرها؛ والقحْبةُ كلمة مولدة. قال الأَزهري: قيل للبَغِيِّ قَحْبة، لأَنها كانت في الجاهلية تُؤْذِن طُلاَّبَها بقُحابها، وهو سُعالها. ابن سيده: القَحْبة الفاجرة، وأَصلُها من السُّعال، أَرادوا أَنها تَسْعُلُ، أَو تَتَنَحْنَحُ تَرمُزُ به؛ قال أَبو زيد: عجوز قَحْبةٌ، وشيخ قَحْبٌ، وهو الذي يأْخذه السُّعال )) ، والبيوت التي تعمل بها البغايا كانت تدعى ( المواخير ) وهي جمع ماخور وهو بيت الريبة ، ومن يلي ذلك البيت ويقود إليه ( القاموس المحيط ص 608 ) ، وتعني أيضاً بيوت الفسق ومجالــس الخمرة وبيوت اللذة وسميت بأسماء عديدة منها ( المنزول أو النزل ) ، وكانت هذه المواخير موجودة في العديد من المدن والقرى وعلى طرق التجارة بين المدن حيث يبيت المسافر ويستأجر فتاة لقضاء ليلته معها ، وكانت هذه البيوت معلومة مفتوحة للجميع .

ومن المعلوم أن الديانة اليهودية والمسيحية قد تطابقتا مع الديانة الإسلامية في معاقبة الزاني والزانية .
كما كان سابقاً ولم يزل معمولاً به بين الناس في الوقت الحاضر زواج الأخ الأصغر من زوجة أخيه أذا توفي عنها زوجها ، وفي هذا الزواج حفظ لعائلة وأولاد المتوفى وحفظ للعائلة عموماً وبشرط أن يتم بموافقة الزوج و الزوجة ورضاها وبعد أن تنتهي فترة عدة الوفاة .
والعدة تعني تربص المرأة الذي يفارقها زوجها بطلاق أو وفاة وهي قسمان ، منها عدة الطلاق وعدتها ثلاثة أشهر أو قروء تأسيساً على الآية 228 من سورة البـقرة (( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ، ولايحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن أن كن يؤمن بالله واليوم الآخر )) ، وعدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام تأسيساً على الآية 234 من سورة البقرة (( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً )) .
وعدة المطلقة ثلاثة قروء وردت بنص الآية 228 من سورة البقرة ، مثلما ورد بنفس الآية عدد الطلقات التي يحق للرجل استعمالها بحق زوجته .
والطلاق كان شائعاً بين العرب قبل الأسلام وقد أباحته الديانة اليهودية التي أجبرت الزوج أن يطلق زوجته أذا ثبت عليها جريمة الزنا أو الفجور حتى ولو قبل بها الزوج ، كما حثت الزوج على تطليق زوجته التي لم تلد له بمضي عشر سنين ، أما الديانة المسيحية فقد خالفت الديانتين اليهودية والإسلامية حيث منعت الطلاق وحرمته تأسيساً على ما ورد بالإنجيل (( ما يجمعه الله لا يفرقه الإنسان ) ، ولكنه أباح التفريق لعلة الزنا وقد اختلفت المذاهب المسيحية في التفريق والطلاق .
وحيث أن للرجل أن يطلق زوجته ثلاث طلقات متباعدات ، وهو الطلاق الرجعي ، والمتفق عليه شرعاً أن الطلاق الرجعي لايرفع قيود الزوجية ولايزيل ملك الزوج عن الزوجة ، ولايرفع حلاً مادامت العدة قائمة ، فأن هذا الطلاق لايجعل المطلقة محرمة على مطلقها ، فيحل له الأستمتاع بها مادامت هي في عدتها ، فيصير الأمر مراجعة لها فتعود الى ذمته ويعود الزواج كما كان بعد أن يخسر الزوج طلقة واحدة من رصيدة ، وأذا حدث أن توفي أحد الزوجين خلال فترة العدة وقبلأنقضائها ورث الآخر ، ويستطيع الرجل أن يعيد زوجته الى عصمته خلال فترة العدة ( عدة الطلاق ثلاث حيضات أو قروء ) وتنتهي العدة قبل ذلك بالولادة ، وقبل انتهاء هذه الفترة المذكورة دون عقد جديد ودون مهر جديد أيضاً ، غير أنه لايستطيع أن يعيدها بعد انتهاء فترة عدتها الا بمهر وعقد جديدين وبموافقتها ، وهكذا فأن الفرق بين تمكن الزوج من أعادة زوجته الى عصمته خلال فترة العدة دون عقد ومهر جديد ، بينما أذا أنقضت فترة العدة في الطلاق الرجعي يمكن له أن يعيدها بشرط موافقتها وبعقد ومهر جديدين ، أما عند وقوع الطلقة الثالثة فيقع الطلاق بائناً بينونة كبرى فتحرم المرأة على الرجل حينها ، فلاتحل له ولايمكن أن يعيدها الى عصمته مالم تنكح زوجاً غيره ويفارقها بوفاة أو طلاق ، تأسيساً على الآية 230 من سورة البقرة (( فأن طلقها فلاتحل له من بـعد حتى تنكح زوجاً غيره فأن طلقها فلاجناح عليهما أن يتراجعا أن ظـــنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون )) .
ولجأ بعض السذج من الناس الذين يستعجلون أيقاع الطلاق على زوجاتهم وتكرار هذا الطلاق منهم حتى يتجاوز الطلاق الثالث ، مما يؤدي بالتالي الى أنفصام الرابطة الزوجية شرعاً وقانوناً بينهم وبين زوجاتهم ، فيلجئون الى استئجار شخص ما ليحل مشكلة الطلاق البائن بينونة كبرى بعد ان أصبحت زوجاتهم محرمة عليهم لاتحل الا بعد ان ينكحها زوجاً آخر ويفارقها بطلاق أو وفاة ، ووجد هؤلاء حلاً بائساً بأن يتقدم الشخص المذكور( المستأجر ) ويتم العقد على الزوجة المطلقة بعقد شرعي نافذ ولكن العقد صوري لا يفيد النية الحقيقية في الزواج ، وقد يتم الدخول بالزوجة وقد لايتم الدخول بها ، ويلزم الأتفاق أن يقع الطلاق في أقرب فرصة ليستعيد الزوج الأول علاقته المفقودة مع الزوجة ، بعد أن يأخذ الزوج المؤقت أجوره ويسمى هذا الزواج ( نكاح التجحيش ) أو ( التيس المستعار ) أو ( زواج المحلل ) وهذا العقد وأن تضمن الشكلية في ترتيبات العقد الا انه لم يفيد المعنى ولذا فأن هذا العقد الأخير باطل ، لأن محل العقد غير حقيقي ، فالعقد يفقد ركنه الأساس مالم يكن بقصد حقيقي للزواج من الأمراءة بقصد أنشاء رابطة زوجية ، ومع ذلك فأن بعض يمارسه ويقوم بالأستناد اليه في حل قضية طلاقاته المتكررة التي يوقعها على زوجته .
فالزواج من الثاني إذا حصل بشرط تحليلها لزوجها الأول فهو حرام عند جمهور الفقهاء لقول ابن مسعود: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلّم المحلّل والمحلّل له) رواه الترمذي. ولقوله أيضاً: (ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: هو المحلّل، لعن الله المحلّل والمحلّل له) رواه ابن ماجه والحاكم ووافقه الذهبي.
ومن الطلاق الذي كان ينهي العلاقة الزوجية بين العرب قبل الإسلام قول الرجل للمرأة (( أنت عليً كظهر أمي )) أو قوله (( ألحقي بأهلك )) أو أن يقول لها (( حبلك على غاربك أو فارقتك )) ، أو أن تقول المرأة لزوجها (( أنت عليًُ كظهر أبي )) ، وأصل الكلمة من الطلق وهو وجع الولادة والطالق السائب أو المخلى سبيله ، ويبدو أن ألفاظ الطلاق كانت تتزامن مع الزمن واللغة التي تتداولها الناس الا أن العرب قديماً استقروا على أن يكون للرجل ثلاث طلقات يوقعها على زوجته ومفارقتها له لتحرم عليه فلا يستطيع أعادتها لعصمته ولو بعقد جديد .
وطَلَّق الرجل امرأَته وطَلَقت هي، بالفتح، تَطْلُق طَلاقاً وطَلُقَت، والضم أَكثر؛ عن ثعلب، طَلاقاً وأَطْلَقها بَعْلُها وطَلَّقها. وقال الأَخفش: لا يقال طَلُقت، بالضم.
ورجل مِطْلاق ومِطْليق وطلِّيق وطُلَقة، على مثال هُمَزة: كثير التَّطْليق للنساء. وفي حديث الحسن: إِنك رجل طلِّيق أَي كثير طَلاق النساء، والأَجود أَن يقال مِطْلاق ومِطْلِيق .
وجاء الأسلام ليرفض طلاق الظهار لكونه غير حقيقي ولايفيد المعنى الذي حدده الأسلام باللفظ الواضح وبالمعنى المراد منه أنهاء العلاقة الزوجية ، الا أن الأسلام أكد على حق الرجل في الطلقات الثلاث حيث تصبح زوجته محرمة عليه مالم تتزوج رجلاً غيره ويفارقها هذا الزوج بوفاة أو طلاق .
والطلاق حق من حقوق الرجل يستعمله متى شاء مادامت العصمة في يده ، فأن كانت العصمة بيد المرأة حق لها أن تطلق نفسها منه بعد توفر الشروط القانونية للطلاق ، ، و يمكن للزوج ان ينيب غيرة فى طلاق زوجتة او يعطى للزوجة الحق فى التطليق لنفسها و لها ان تشترط ذلك فى العقد عند الزواج .
مثلما يحق للزوجة الكارهة أن تخــلع نفسها من زوجها مقابل بذلها كل أو جـزء من حقوقها الشرعية ، ولايسري هذا الخلع على الزوج الكاره لزوجته ، وسمي بالخلع لأنه يقضي بأن تخلع المرأة نفسها خلعاً من حياة الرجل مقابل أن تدفع من حقوقها قسماً أو كلية للرجل الذي يجب أن يوافق على هذا الخلع ، وأن وقع الخلع فأنه يقع طلاقاً بائناً بينونة صغرى وتفرقت المذاهب بين من أسقطت حقوقها الشرعية من أجل مخالعتها من قبل زوجها لا يجوز لها أن تعود لترجع عن هذا البذل ، تأسيساً على مبدأ أن الساقط لا يعود وباعتبار أنها بذلت بأرادتها من مالها لقاء فك علاقتها الزوجية ، فيكون خلعه أياها نزعاً منه لها ، في حين تفرد المذهب الجعفري من بين بقية المذاهب الإسلامية في أبقاء حق الرجوع عن البذل خلال فترة العدة للزوجة التي خلعت نفسها حيث يحق لها أن ترجع عن البذل خلال فترة عدتها ، وينقلب حينها الطلاق البائن بينونة صغرى الى طلاق رجعي وتضمن المرأة حقوقها ، أما أذا أنقضت فترة العدة فيكون الطلاق بائناً بينونة صغرى وليس للمرأة أن تعود للمطالبة بحقوقها التي بذلتها مقابل خلع نفسها من عصمة الزوج .
وتكون صيغة المخالعة بأن تقول الزوجة لزوجها خلعت نفسي منك يا زوجي فلان بن فلان على بذل محدد وواضح وصريح فيجيبها الزوج قائلاً قبلت منك يا زوجتي فلانة بنت فلان هذا الخلع لقاء بذلك لي الحقوق المتفق عليها والمحددة ، ويلحقها بكلمة وأنت طالق .
ان الشريعة الاسلامية كما اعطت الحق للرجل في انهاء الحياة الزوجية بالطلاق ، وفي المقابل اعطت هذا الحق للمرأة بإنهاء الزواج بالخلع ولكن مقابل ان تفتدي نفسها ، والخلع في اللغة يعني النز ع ، ومن شروطه أن يكون الزوج أهلاً لأيقاع الطلاق الخلعي ، وأن تكون الزوجة محلاً للطلاق وأهلاً للتنازل عن المال المبذول ، وأن لايكون أي عيب من عيوب الأرادة ، وأن يكون البذل على مال ، وان يكون التراضي بين الطرفين .
ومن شرائط الطلاق ان تكون الزوجة عاقلة و طاهرة ليست في حالة الحيض أو النفاس ، ويقع صحيحاً طلاق الغائب أذا كان حاضره شاهدين عدلين يكونان حاضرين فعلاً ويسمعان صيغة الطلاق الواقع .
كما لايحق طلاق الهازل والسكران ، ولا يقـــع الطلاق بلفظة الحلف ، والطلاق المعلق على شرط باطل أيضاً ، كما أن الطلاق بالثلاث في مجلس واحد يقع طلاقاً واحداً بائنا بينونة صغرى ولاتقع ثلاث طلقات حتى وأن قالها الزوج ثلاث مرات أو أنه قال أن زوجته طالق بالثلاث .
وقضية تعليق الطلاق على أمر معين فإن جمهور العلماء يوجبون فيه الطلاق إذا حصل المعلق عليه، ومنهم من فرق بين أن يقصد به الحالف مجرد التهديد فتلزمه كفارة يمين إذا حنث ، ومن يقصد حقيقة الطلاق فتطلق الزوجة .
ومن الأسباب التي تبيح للمرأة أن تطلب التفريق عن زوجها بقرار من الحاكم الشرعي أو المحكمة هو كون الزوج من الشاذين جنسياً ، وكلمة الشذوذ عامة تعني الخروج عن المعروف و الصحيح في كل الامور ، فيقال شذ فلان اذا خرج عن العرف ، وأن تكون للرجل الرغبة في آتيان الفعل الجنسي مع رجل آخر أو أن يقوم رجل آخر بالعمل الجنسي معه كأن يكون الرجل مصاباً بمرض ( الابنة ) أي أن يكون مأبوناً وهو الرجل الذي يرغب أن تفعل به الفاحشة ، وكذلك أن يأتي الرجل المرأة من دبرها خلافاً لطبيعة العملية الجنسية ودون موافقتها ورضاها ، وكان العرب في الجاهلية يمارسون العملية الجنسية الشاذة مع النساء دون قيد أو تحديد ويسمون الفعل ( التحميض ) والتفخيذ ، حتى جاء الأسلام وحرم آتيان فعل الشذوذ ، والحقيقة أن فعل الشذوذ الجنسي والذي يسمى جزافاً ( اللواط ) نسبة الى قوم لوط حيث أشتق الفعل من أسمه ، وهم الذين كانوا يأتون الرجال ويصدون عن النساء ويمارسون العمل الجنسي المخالف للطبيعة البشرية بأن يأتوا الرجال من أدبارهم ويحثون على هذا الفعل الفاحش ، وكان يعيش بينهم النبي لوط ( ع ) الذي نهاهم عن آتيان الفاحشة فلم ينـتهوا فنزلت بحقهم الآية الكريمة (( أنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين ، أنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتـــون في ناديكم المنكر )) ( الآية 28 من سورة العنكبوت ) و ( ولوطـــاً أذ قال لقومه أتاتون الفاحشة وأنتم تبصرون * أنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون ) ( الآية 53و54 من سورة النمل ) ، مثلما يحق للرجل أن يقوم بطلب التفريق عن زوجتــــه أذا كانت تمارس الشذوذ الجنسي مع النساء وتسمى العملية ( السحاق ) .
ولدلالة مفهوم الشذوذ صور ومعان عديدة واسعة منها مجامعة الحيوانات وكون الشخص يرغب في إيذاء المرأة قبل الممارسة الجنسية أو أن صوراً خارجة عن حدود العقل والمألوف تمارسها المرأة أو يمارسها الرجل ، وجميع الممارسات المقززة والشاذة فهي جميعها تدخل في باب الشذوذ .
كما توجد عدة أسباب تنهي العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة منها عدم أنفاق الزوج على زوجته ، حيث أن القاعدة أن نفقــة الزوجة على زوجها التي تكون تحت عصمته ، وكذلك أذا غاب الزوج غيبة منقطعة أكثر من ثلاث سنوات ولم يعرف له مكاناً محدداً ولم يعلم أن كان حياً أو ميتاً رفعت أمرها الى الحاكم الشرعي الذي يمهلها مدة سنة فأن أنتهت جاز لها طلب التفريق منه .
كما يحق لها أن تطلب التفريق أذا كان الزوج مصاباً بمرض معد أو لا يرجى شفاءه أو مرض أعدم عقله وألم به مرض نفسي ، وهذا الحق قليل الاستعمال عند الزوجات اللواتي يقدسن حياتهن الزوجية ويضحين من أجل ازواجهن .
مثلما يحق للمرأة أن تطلب التفريق من الرجل أذا أحدث لها الزوج ضرراً بليغاً وأصبحت تخشى على حياتها منه .
وكانت نساء العرب قبل الأسلام تتخذ من بعض الرجال ( اخدان ) أي أصدقاء وكان هذا جائز عرفاً على أن يكون الخدن ( الصديق ) واحداً ، ويحق للرجل أن يتخذ المرأة خدنا له في غير حال الزواج علناً أو سراً بموافقة المرأة ، أي أن تتخذ المرأة من رجل معين صديقاً وخليلاً وعشيراً ، وليس في هذا العقد مهر وخطبة أو عقد زواج بالرغم من كونه كان يشتمل على ترتيبات اللقاء الجنسي بين الرجل والمرأة ، ولايعد عيباً في شريعة المجــتمع الجاهلي أن تتخذ المرأة خدن لها من الرجال ، إنما العيب أن تخفي علاقتها أو يخفي الرجل علاقته مع المرأة . فأذا تحولت هذه العلاقة وتطورت الى علاقة زواج سمي العقد ( نكاح الأخدان ) .
وكان العرب يتخذون لجواريهم أخدان يختلون بها ، ويحق للخدن أن يتصل بالجارية بعلم سيدها وموافقته ويختلي بها في داره أو دار سيدها أو في مكان آخر يمكن أن يعرفه سيدها .
وقد منع الأسلام اتخاذ الأخدان ونهى عن ذلك بقوله تعالى في الآية 4 من سورة المائدة ( اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم أذا أيتتموهن أجورهن محصنين غير مسفوحين ولامتخذي أخــــدان ومن يكفر بالأيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين ) وقوله في الآية 24 من سورة النساء ( ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات والله أعلم بأيمانكم بعضكم من بعض فأنكحوهن بأذن أهلهن وأتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسفحت ولامتخذات أخدان فأذا أحصن فأن آتين بفاحشة فعليهن نصف ماعلى المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم ) .
كما كانت هناك حالة مشابهة لحالة المخادنة وهي ( المضامدة ) ، وذلك بأن تتخذ المرأة المتزوجة رجلاً آخر لها غير زوجها تتصادق معه وتواكله وتنام عنده وقد تمارس معه العمل الجنسي بعلم ومعرفة زوجها وقد يكون لها أكثر من ضمد ، وغالباً ما تلجا النساء الى مثل هذا في زمن المجاعات والقحط والأزمات .
ومن أنواع الزواج التي أنتشرت في المجتمعات الأسلامية والعربية في الوقت الحاضر :
الزواج العرفي :. يقوم الزواج العرفى على مجرد اتفاق الشاب والفتاة على الزواج سواء أمام أصدقائهم أو أى شاهدين أو حتى بدون شهود أحياناً ، وتتم كتابة ورقة يوقعها الطرفان تقول أنهما اتفقا على الزواج ، ولا يحتاج هذا النوع من الزواج إلى تسجيل رسمى أمام المأذون أو فى محكمة الأحوال الشخصية ، فهى عبارة عن ورقه تسمح للطرفين بممارسة كافة الحقوق المسموح بها لأى زوجين. وتتميز هذه الورقة بأنها غير مكلفة، ولا تحتاج إلى أى إجراء من أجراءات التوثيق. كما أن هذا النوع من الزواج لا يلزم الطرفين بأى أعباء، حيث يقيم الشاب فى بيت أهله، والفتاة فى بيت أهلها، ولا يلتقيان إلا عندما تكون لديهما الرغبة فى اللقاء لإشباع غرائزهما. ويتم اللقاء فى العادة فى بيت أحد الأصدقاء أو الصديقات.
ويرى البعض ان الزواج العرفى نوعان أولهما مجرد ورقة غير موثقة ولاتلزم بأية حقوق ، والثاني يراه عقد صحيح شرعاً تتوفر فيه أركان الزواج الصحيح لكنه يفتقد الى التوثيق فقط .. وهو مايعرض حقوق المرأة للضياع .
أما زواج المسيار ففي هذا العقد تتمتع فيه الزوجة بكافة حقوقها الزوجية من ميراث وتلتزم بالواجبات الزوجية الا انه من حقها أن تتنازل بموافقتها عن بعض حقوقها في النفقة والسكن والمبيت .
ولابد أن تتوفر فيه الشروط التالية :
أن يكون بمعرفة أهل الزوجة، وأن يباشر الولي العقد، وأن يتوفر فيه شرط الاشهار المحدود، الذي يتضمن معرفة ولي الزوجة واهلها بهذا الزواج، غير أنه لم يشترط تنفيذ شرط الاشهار الكامل لصحة الزواج.
زواج المسيار يحرم المرأة من حق المبيت والنفقة ويعرضها لغدر الايام ، وتبقى المعاشرة الزوجية دون أعلان .
وهناك انواع من الزواجات منها الزواج المدني وهو الزواج الذي لايعترف بالموانع الشرعية ويتم تسجيله بالدوائر المدنية أو الكنائس ويتم أصدار وثيقة رسمية بأجراه ، والزواج السري أشبه ما يكون بزواج المسيار غير انها جميعا تخضع في صحتها لنفس الشروط التي أوردناها سابقاً في شروط عقد الزواج .
وضمن هذه الدراسة الموجزة و المختصرة نستطيع أن نلمس تأثير مانقلته المجتمعات الجاهلية القديمة وماأستطاعت الديانة الأسلامية وبقية الديانات التي نزلت قبل ذلك من ترتيب العلاقات الإنسانية وتشذيب العلاقات الجنسية لصالح تكوين الأسرة والمجتمعات والمحافظة على القيمة الأنسانية في العلاقة و تنظيم عقود الزواج وترتيبها ووضع الضوابط والشروط الإنسانية ، مثلما نتلمس ترابط سلبي وامتداد لعادات وتقاليد تخالف الحقوق والشروط الإنسانية لم تزل قبائل ومناطق تمارسها وتعدها من الأعراف التي لايمكن الخروج عليها .
ومن زواجات البدع التي تنتشر اليوم في مصر ونشرتها على الأنترنيت صفحة موقع للكبار – الزواج السري ، الزواجات التالية :

زواج الكاسيت :
تحول الزواج العرفى بعد فترة إلى موضة قديمة، وحل محله موضة الزواج بشرائط الكاسيت. ومن خلال هذا الزواج لا يحتاج الطرفان إلى كتابة ورقة أو لشهود أو غيره من تلك الأعباء !!! التى رأى الشباب أنها تعوقهم. وأصبح من المعترف به، أن يقوم الشاب والفتاة الراغبان فى الزواج بترديد عبارات بسيطة كأن يقول الشاب لفتاته أريد أن أتزوجك، فترد عليه بالقبول بتزويج نفسها له. ويتم تسجيل هذا الحوار البسيط على شريط كاسيت. وبعدها يمارس كل منهما حقوقه الزوجية كأى زواج عادى.

زواج الوشم :
ومع التطور الذى يشهده العالم، تطورت الأساليب التى يمارسها الشباب فى الزواج، فظهر الزواج بالوشم. واشتهر هذا الزواج عن طريق قيام الشاب والفتاة بالذهاب إلى أحد مراكز الوشم ويقومان باختيار رسم معين يرسمانه على ذراعيهما أو على أى مكان يختارانه من جسميهما. ويكون هذا الوشم بمثابة عقد الزواج. وبموجب هذا الوشم يتحول الشاب والفتاة إلى زوج وزوجة لهما الحق فى ممارسة كافة الحقوق الزوجية.

زواج الطوابع :
أما آخر صيحة من صيحات الزواج المنتشرة هذه الأيام فهى عملية الزواج بالطوابع. ويتم هذا الزواج عبر اتفاق الطرفين على الزواج، ويقومان بشراء طابع بريد عادى. ويقوم الشاب بلصق الطابع على الجبين. وبعد عدة دقائق يعطى الطابع للفتاة التى تقوم بدورها بلصق الطابع على جبينها. وبهذا تنتهى مراسم الزواج. ويتحول بعدها الشاب إلى زوج، والفتاة إلى زوجة. وسط تهنئة وفرحة الأصدقاء الذين يساعدونهما على تحمل تكاليف الزواج عبر توفير مكان لهما ليلتقيا فيه بخصوصية، وليمارسا علاقتهما الزوجية بدفء، وخصوصية بعيدا عن العيون المتربصة.

وبات الأمر أكثر وضوحاً بعد تقنين عقود الزواج وشروطها وضوابطها وقواعدها وأسس العقد الذي يحكمها ويحدد مسارها الإنساني ضمن نصــوص قانونية احتوتها قوانين الأحوال الشخصية في البلدان العربية ، وإضافة الى العقوبات التي وضعتها السلطات بخصوص عدم تسجيل واقعات الزواج بين الأفراد والحث على تنظيم هذه الواقعات لغرض تنظيم أحوال المجتمع وحقوق الأفراد ، الا أن عوائق كثيرة لم تزل تحد من عملية إشهار الزواج وتسجيله قانوناً ، منها على سبيل المثال كون البنت قاصرة أو أن الزوج قاصر وقد وقع زواجهما فعلاً قبل تسجيله في المحكمة وأنطباق الشروط القانونية عليه ، أو أن زواجاً آخر وقع دون حصول موافقة المحكمة المختصة وأسباب أخرى لامجال لسردها في هذه العجالة ، أضافة الى وجود أعراف وتقاليد لم يزل المجتمع يتمسك بها دون أن يلتفت القانون اليها ويعيرها أية أهمية ، مثل العقود التي يجريها الشيوخ والملالي للناس قبل أن يتم العقد في المحكمة والعقود الجارية بين الأطفال في الريف وعقود النساء نتيجة الفصل العشائري بما تسمى بالدية أي التعويض عن حوادث القتل بين افراد العشائر ، والكثير من القضايا التي لامجال لبحثها في هذه الدراسة .
ومن النصوص القانونية المتعارضة مع تحقيق العدالة ماورد في متن قانون الأحوال الشخصية العراقي النافذ من معاقبة الرجل المتزوج من زوجة والذي لم يقم بتسجيل عقد زواجه في المحكمة المختصة ، بالحبس مدة لاتقل عن السنة وفق المادة العاشرة من قانون الأحوال الشخصية ، دون أي اعتبار لمصير المرأة المتزوجة من هذا الرجل ، أضافة الى كون الفعل المقترف على فرض صحته لايعدو أن يكون الا من المخالفات التي لاترتقي بها العقوبة الى الغرامة أو الحبس البسيط لمدة لاتتجاوز الشهر ، كما أن نص الفقرة الثالثة من نفس المادة يعاقب الرجل المتزوج من زوجة ثانية مع قيام الزوجية دون أذن المحكمة المختصة بالحبس لمدة لاتقل عن الثلاث سنوات دون أي اعتبار لعائلتي الرجل وانقطاع مصدر رزقهما وضياع مستقبل أطفالهما بل وضياع الزوجة الثانية .
أن معالجة هذه المخالفات بأحكام تفرط بوحدة العائلة وتحول دون مسيرتها الطبيعية بأحكام تسلب حرية الرجل وحرمانه من العمل بحجة مخالفة التعليمات أمر لا تقره الشريعة ولا يريده القانون ، وهو معالجة ناقصة وغير فعالة ، والنصوص التنظيمية لايمكن أن تكون نصوص عقابية مجردة والا تتحول الى معالجات قاصرة ولاتفي بالغرض المطلوب وتجعل من المشكلة متفاقمة بدلاً من حلها وتبسيطها .
أن قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959 المعدل النافذ في العمل الآن بحاجة الى مراجعة وتدقيق ، كما أن نصوصه التنظيمية بحاجة الى مواكبة تطور العصر والمجتمع ومواكبة التغيرات التي حلت على العراق بعد هذه السنوات ، وذلك بأعداد دراسات ميدانية من قبل المختصين في علم الاجتماع والقانون بغية التوصل الى نتائج أكثر تماساً مع الواقع الاجتماعي الذي يعيشه المواطن العراقي في الوقت الحاضر .













المرأة والنكاح المنقطع ( المتعة )

من الأمور التي تثير تساؤل العديد من الأخوة والأخوات ، والتي يراد التفصيل بها وفقاً لماورد في كتاب الله عزوجل وفي سنة رسوله الكريم بما يبسط فهم قضية المتعة وتحليلها وتحريمها وأيقاف العمل بها أو بقاء النص مباحاً للمسلم أن شاء عمل به وأن شاء عزف عنه وفقا لأرادته وظروفه ، وبالنظر للأختلاف في تفاصيلها وبقائها لدى البعض ومنع العمل بها بين بعض الفرق الأسلامية ، فقد أختلف الناس عليها بين من يؤيد بقائها وفق نصوص واضحة تبيح العمل بها ، حيث يقول هؤلاء انه لم يرد مايتناقض معها أو يلغيها أو ينسخها ، و بين فريق آخر يرى أن العمل بها تم ايقافه بنصوص قرآنية لاحقة أو بأحاديث للرسول الكريم أوقفت العمل بها وقد جرى الأتفاق على منع العمل بها وأعتبارها باطلة ، في حين يرى فريق آخر أن الزمن تغير وتغير الزمن هو الذي ابطل وأوقف العمل بالضرورة التي كان زمان آخر يمليها ويبيحها للناس ، في حين هناك من يرى أن يوافق على العمل بها في ظل الظروف القاهرة ويمنعها في الظروف الطبيعية ، ولذا فقد تأتي هذه الكلمات المختزلة للمعاني والوجيزة البحث بفائدة من خلال مناقشة قضية المتعة وتبسيطها بالشكل الذي يمكن للمطالع معرفة جوانبها العريضة دون أن نزعم اننا نتعمق في تفصيلاتها الفلسفية والشرعية والمنهجية التي يمكن للباحث أن يدخلها ويسهب في تحليلها وتفصيلها فهي تشكل وجهة نظر متواضعة .
ولغرض تأسيس القاعدة التي نناقشها ينبغي علينا الرجوع الى السند الذي يتم الأستناد اليه في قضية المتعة ، وذلك في قول الله تعالى في محكم كتابه المبين في الآية 24 من سورة النساء
(( فما أستمتعتم به منهن فآتوهن آجورهن فريضة )) .
وتأتي ( ما ) هنا موصولة تعود على المرأة ، والضمير ( به ) يعود الى ما ، أي على المرأة التي أستمتعتم بها ، والآجور هنا فريضة نتيجة الزواج والأمتاع ولايمكن للرجل عدم أعطاء الآجــور للمستمتع بها وفق المقدار الذي تم التراضي عليه .
وهناك من يطلق على زواج المتعة ( النكاح المنقطع ) تفريقاً له عن الزواج الدائم غير المحدد المدة .
والمتعة تعني بالأضافة الى معناها المعروف عدة معان في اللغة ، فانها تدل على الزواج المؤقت ، وانها عقد زواج شرعي بين رجل وأمراءة بمهر معين وبمدة معينة ومحددة سلفاً .
وهذا العقد من العقود الرضائية التي تشترط الأيجاب والقبول الصحيح ، ويتطابق الأيجاب مع القبول وأن يكون العقد غير معلق على شرط وأن تتوفر في المتعاقدين صفتي العقل والبلوغ .
وجاء في الصفحة 985 من القاموس المحيط للفيروز آبادي ، أن المتعة بالضم والكسر أسم للتمتيع ، وأن تتزوج أمرأة تتمتع بها أياماً ثم تخلي سبيلها ، كما جاء في لسان العرب لابن منظور مادة (متع) وقد ذكر الله تعالى المتاع والتمتع والاستمتاع والتمتيع في مواضع من كتابه ومعانيها وإن اختلفت راجعة إلى اصل واحد ، وجاء في المنجد في اللغة بالصفحة 745 متع بمعنى مايتمتع به من الصيد والطعام .
وهو بالمعنى المجرد عقد مكتمل الشروط وصحيح الأنعقاد ولاشائبة تتخلله ، وهو عقد زواج تتوفر فيه أغلب شروط الزواج غير المحدد المدة من أيجاب وقبول ومن وجود مهر وشهود يستحب وجودهم في عقد المتعة ولايشترط وينتج نفس الاثر غير انه يختلف عنه في تحديد المدة أذ أن زواج المتعة ينتهي بأنتهاء الآجل فينفسخ بأنقضاءه بخلاف الدائم الذي لاينتهي الا بالطلاق أو نحوه ، ولايجوز الزواج في المتعة بغير المسلمة والكتابية ولايجوز التمتع بذات الزوج ، أي أن تكون مفترقة عن زوجها أو أن خللاً شرعياً شاب طلاقها ، وأن لاتكون المرأة في العدة من زواج سابق وأن لاتكون من الزانيات المشهورات ، كما لايجوز التمتع بالأمة على الحرة الا بأذنها ولايجوز الجمع بين الأختين ، ووفق هذا العقد تحل المرأة للرجل خلال المدة المحددة للعقد فقط ، أي يحل أن يستمتع كل منهما بالآخر ضمن المدة التي تم تحديدها بالعقد .
ومن نتائجها أن يلحق بها الولد ولايقع بها طلاق ولالعان ولاظهار وتعتد المرأة بعد أنقضاء الآجل بحيضتين أو بخمسة وأربعين يوماً وعلى قول آخر بستين يوماً وعند الوفاة بأربعة أشهر وعشرة أيام ، كما أن المولود يرث ابويه ولو وهب الرجل للمرأة المدة قبل الدخول ثبت نصف المهــر ولو اخلت المرأة ببعض المدة سقط بنسبته ، ولو ظهر بطلان عقد زواج المتعة فلامهر قبل الدخول و أما بعده فأن لها المهر ، واما توارثهما ففيه خلاف بين أن ترثه مع الشرط أو ترثه بعدم الشرط أو أن لاترث مع وجود الشرط .

وذكر العاملي في وسائل الشيعة في الجزء 14 بالصفحة 451 أنه يجوز التمتع بأكثر من أربع نساء وأن كان تحت الرجل أربع زوجات ، والأشكال في الأمر أن اعتبرنا المتعة عقد زواج مؤقت لكنه حقيقي فيصير من حق الرجل الزواج بأربع والتمتع بأربع وذلك الأمر يخرج عن المعقول والمقبول ، خصوصاً أذا ماأعتبرنا الرجل مضطر الى الالتزام بعقد الزواج المؤقت ( المتعة ) لظروف خاصة ، مع تحديد النص الملزم بالزواج من اكثر من واحدة حتى أربعة .
وفي جواز التمتع بالبكر يقول السيد الخوئي في منهاج الصالحين الجزء الثاني في باب عقد المتعة – الصفحة 372 مسألة 1303 يحرم عقد المتعة على غير الكتابية من الكفار ، والآمة على الحرة من دون أذنها وبنت الأخ والأخت من دون أذن العمة والخالة ، ويكره على البكر وعلى الزانية أذا كانت مشهورة بالزنا فالأحوط لزوماً ترك التمتع بها .
وعن الأمام الرضا ( ع ) وفق ماورد في وسائل الشيعة نفس المصدر الصحيفة 460 أتقوا الأبكار فأن أمرها شديد .
وكل علاقة عقدية مشروعة بين الرجل والمرأة سواء بالعقد غير محدد المدة او في النكاح المنقطع يعتبر زواجاً شرعياً يبيح للرجل أن يستمتع بالمرأة والعكـس صحيح ، وتنتهي مدة الأباحة الشرعية بأنقضاء المدة المحددة في العقد دون أن يصار الى أجراءات أو الفاظ معينة مثل التي يستوجب أن تكون في الزواج الدائم ، كما يمكن أن تنقضي العلاقة المشروعة في عقد المتعة ( النكاح المنقطع ) أذا وهبها الرجل ماتبقى من المدة وفي كلا الحالتين لاعدة على المرأة وأن كان بعده ولم تكن غير بالغة ولايائسة فعليها العدة وهي على الظهر حيضتان . ( تحرير الوسيلة – الجزء الثاني – ص 291 ) ، وبدون هذه العقود تصبح العلاقة بين الرجل والمرأة محرمة شرعاً ولاتنتج النتائج التي تصير في عقود الزواج المنقطعة أو الدائمة ، غير أن الزواج الدائم وأن كان غير محدد المدة بالأمكان قطعه والتخلص من ألتزاماته العقدية بأيقاع الطلاق أو التفريق بين الرجل والمرأة سواء بالتراضي والأتفاق أم كان من جانب الرجل أو من جانب المرأة أن كانت العصمة بيدها .
ولاخلاف على تفسير الآية التي حللت نكاح المتعة والتي وردت ضمن سورة النساء بكلمات واضحة وصريحة .
ووفق تصور الدين الأسلامي لكافة مناحي الحياة الأنسانية ومعالجته العقلانية للعديد من الأمور الحساسة وفق نظرة تقدر حاجة الفرد الأنسانية وبما يضمن التماسك الأجتماعي ، ولهذا فقد نظر الأسلام للحاجة الجنسية من انها غريزة بشرية وضعها الله في خلقه ، وأن ممارستها بالشكل المنظم والشرعي ضرورة أنسانية يميليها وجود المجتمعات وتكوين الأسرة وأشباع الغريزة الأنسانية بشكل راقي وواضح دون لبس أو غموض أو سرية بالنظر لعدم تمكن الأنسان رجلاً كان أو امرأة أن يؤجل أو يشطب هذه الغريزة من حياته .
ولأن الأنسان منجذب نحو بني جنسه فلايمكن التواصل بين الانسان والحيوان ، مثلما لايمكن التواصل بين أبناء الجنس الواحد لعدم وجود فائدة أجتماعية في المجتمعات أضافة الى مايسببه هذا الأنحراف الخطير والشذوذ في الجنس من مساويء وأمراض وطرق نحن لسنا في معرض التعرض لها مما يؤدي الى أنحلال المجتمعات وتفسخها وأنتشار الأوباء والقيم الرديئة والممارسة المعاكسة للمنطق الطبيعي ، وانقلاب المفاهيم الصحيحة للجنس الأنساني .
وعليه كان لابد للدين الأسلامي أن ينظم العلاقة الأنسانية ويوضح ماهو شرعي منها ويفرقها عن الأفعال المخالفة للشريعة .
وليس اروع من أن يتعمق الأسلام في وصف العلاقة الأنسانية بشكل لايمكن أن يوصف أو يختزل العلاقة الأنسانية المشروعية ، مثل ما أوردها في كتابه الكريم (( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة أن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون )) .
وفي تلك المعادلة ينبغي التمعن في المعادلة الأنسانية التي أكد عليها النص القرآني التي تشير الى خلق الزوجين ضمن الحالة الأنسانية لأستكمال انسانية الأنسان فدون الرجل لايمكن للمرأة أن تؤدي دورها السايكلوجي ودون المرأة لايمكن للرجل أن يؤدي دوره ، والحاجة متبادلة لكلا الجنسين لأستكمال عملية التلاقح البشري بالشكل الطبيعي ، وتلك الحاجة الفطرية الموجودة لدى الجنس البشري تختزلها جملة جعلنا لكم من انفسكم أزواجاً .
وتعني السكينة أن تترك النفس قلقها وأضطرابها ، والسكينة من السكون وهو أستقرار الأنسان وعدم أضطرابه
وليس فقط الزواج وتلبية الحاجة الأنسانية في المساهمة بقيام المجتمعات والتكاثر البشري المشروع وتأسيس الاسرة ، انما تكمن الحقيقة في ( السكون ) وهو الأستقرار النفسي والهدوء الروحي والأطمئنان العميق الذي يشعره كلا من الرجل والمرأة حين يجد كل منهما أنشداده وأنجذابه الى الآخر ، كما أن تعاونهما وأنسجامهما في القرار وأشتراكهما في ملمات الحياة ورعايتهما للأسرة وتأمين مستقبلها كل هذا يدخل في باب السكون والمودة والرحمة والتواصل وأيجاد روابط جديدة من خلال هذه العلاقة بين الرجل الغريب عن المرأة ليصبح من أقرب اقرباء الأسرة وتترتب عليه ألتزامات ويصير عليه محرمات في أسرة الزوجة كل هذه الأمور تتشكل بعد أن يصير الرجل زوجاً للمرأة وتصير المرأة زوجة للرجل .
وهذه العلاقة الأنسانية وأن كانت تلبي الحاجة والغريزة لدى الرجل والمرأة الا انها تتوجه توجيها روحياً في تشكيل الجنس البشري النتيجة الطبيعية لهذا الألتقاء وتكون الأسرة الثمرة الطبيعية لهذا اللقاء والأرتباط الأنساني .
وبعد كل ذلك قام الأسلام بتنظيم الحياة الزوجية حيث حدد شروط الزواج ومحرمات الزواج وانهاء العلاقة الزوجية والآرث بين الزوجين والحقوق المترتبة على الطرفين في حال انهاء العلاقة الزوجية .
وقد اورد المنصور بن الحسين الطبرسي في كتابه (( مجمع البيان في تفسير القرآن )) عن تفسيره لآية المتعة مايلي :
(( فمن المتعين أن يحمل الاستمتاع المذكور في الآية على نكاح المتعة لدورانه بهذا الاسم عندهم يوم نزول الآية سواء قلنا بنسخ نكاح المتعة بعد ذلك بكتاب أو سنة أو لم نقل فإنما هو أمر آخر.
وجملة الأمر أن المفهوم من الآية حكم نكاح المتعة ، وهو المنقول عن القدماء من مفسري الصحابة و التابعين كابن عباس و ابن مسعود و أبي بن كعب و قتــادة ومجاهد و السدي و ابن جبير و الحسن و غيرهم، و هو مذهب أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
ومنه يظهر فساد ما ذكره بعضهم في تفسير الآية أن المراد بالاستمتاع هو النكاح فإن إيجاد علقة النكاح طلب للتمتع منها هذا ، و ربما ذكر بعضهم أن السين والتاء في استمتعتم للتأكيد ، والمعنى: تمتعتم.
وذلك لأن تداول نكاح المتعة بهذا الاسم و معروفيته بينهم لا يدع مجالا لخطور هذا المعنى اللغوي بذهن المستمعين.
على أن هذا المعنى على تقدير صحته و انطباق معنى الطلب على المورد أو كون استمتعتم بمعنى تمتعتم، لا يلائم الجزاء المترتب عليه أعني قوله: «فآتوهن أجورهن»، فإن المهر يجب بمجرد العقد، و لا يتوقف على نفس التمتع و لا على طلب التمتع الصادق على الخطبة و إجراء العقد و الملاعبة و المباشرة و غير ذلك، بل يجب نصفه بالعقد و نصفه الآخر بالدخول ))
أما العلامة محمد حسين الطباطبائي فقد أورد تفسير الآية 24 من سورة النساء في كتابه (( الميزان في تفسير القرآن )) بما يلي :
((قوله تعالى: «فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة» كان الضمير في قوله: «به» راجع إلى ما يدل عليه قوله: و أحل لكم ما وراء ذلكم «و هو النيل أو ما يؤدي معناه، فيكون «ما» للتوقيت، و قوله «منهن» متعلقا بقوله: «استمتعتم» و المعنى: مهما استمتعتم بالنيل منهن فآتوهن أجورهن فريضة.
و يمكن أن يكون ما موصولة، و استمتعتم صلة لها، و ضمير به راجعا إلى الموصول و قوله «منهن» بيانا للموصول، و المعنى: و من استمتعتم به من النساء الخ ....
والجملة أعني قوله: فما استمتعتم «إلخ» تفريع لما تقدمها من الكلام - لمكان الفاء - تفريع البعض على الكل أو تفريع الجزئي على الكلي بلا شك فإن ما تقدم من الكلام أعني قوله «أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين» كما تقدم بيانه شامل لما في النكاح و ملك اليمين، فتفريع قوله: فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن عليه يكون من تفريع الجزء على الكل أو تفريع بعض الأقسام الجزئية على المقسم الكلي )) .
أما آيــــة الله السيد محمد الحسيني الشيرازي فقد أورد تفسيره ضمن كتابه ( تفسير تقريب القرآن ) عن الآية 24 من سورة النساء بما يلي :
(( 170 - في الكافى على بن ابراهيم عن ابيه عن ابن ابى عمير عن على بن الحسن ابن رباط عن حريز عن عبدالرحمن بن ابي عبدالله قال: سمعت ابا حنيفة يسأل أبا عبدالله عليه السلام عن المتعة فقال: عن أى المتعتين تسأل؟ فقال: سألتك عن متعة الحج فأنبئنى عن متعة النساء أحق هى؟ فقال: سبحان الله اما تقرأ كتاب الله عزوجل فما استمتعتم به منهن فآتوهن اجورهن فريضة فقال أبوحنيفة، والله لكأنها آية لم أقرأها قط .
171 - عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد وعلى بن ابراهيم عن أبيه جميعا عن ابن أبى نجران عن عاصم بن حميد عن أبى بصير قال، سألت ابا جعفر عليه السلام عن المتعة فقال، نزلت في القرآن، (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة). )) .

كما جوز الأمام الخوئي في كتابه ( منهاج الصالحين ) الجزء الثاني في الصفحة 372 عقد المتعة وضمن مسائله على شروطها ومبطلاتها .
وهذا الرأي الذي يتمسك به الفقهاء يعارضه قسم آخر من فقهاء المسلمين غير الأمامية ويستندون في أقوالهم على عدة أمور منها :
أن آية المتعة وهي من الآيات المدنية التي نزلت بعد الهجرة كانت مباحة ثم تم تحريمها بنسخها بآية ثانية (( والذين هم لفروجهم حافظون الا على أزواجهم أو ماملكت أيمانهم فأنهم غير ملومين ) وفق ما وردتا في سورتي المؤمنون وسورة المعارج .
والمتمعن في هذه الآية يجد انها مكية ولايمكن قبول أن تكون الآيات المكية ناسخة للمدنية ، كما أن زواج المتعة زواجاً حقيقياً ثانيا وتستند على نص ثابت وواضح وحقيقي ولم يرد في كتاب الله مايشير حقيقة أو صراحة الى منع هذا الزواج أو نسخه أو ابطال العمل به او النهي عن العمل به .
مع أن الآيـــة الكريمة (( وأحل لكم ماوراء ذلك أن تبتغوا بأموالكم غير مسافحين )) وهذا التقييد في حل النساء يرتبط بالمهر وأن تكون المرأة محصنه من غيرسفاح .
هناك من يقول أن نكاح المتعة كان جائزاً في أول الأسلام ثم وردت الأحاديث الصحيحة بالأجماع تؤكد على تحريمه ، ولم يخالف هذا التحريم الا فئة قليلة ، والمتمعن بدقة يجد أن الأجماع على بقاء نفاذ النص دون نسخ أو نهي لذا فلايجوز نقضه الا بنص يوازيه في القوة وينسخه ، وهو مالم نجده في الآيات القرانية التي تلته .
ويذهب الأمـــام الرازي في كتابه التفسير الكبير – الجزء العاشر أثباتاً لحرمة المتعة من أن الوطء لايجوز الا في الزواج ، ويروى عن الخليفة عمر بن الخطاب ( رض ) انه قال
(( متعتان كانتا على عهد رسول الله ( ص ) انا انهي عنهما )) .
ما أورده مالك على أن الرسول ( ص ) نهى عن متعة النساء وأكل لحوم الحمر الآنسية .
وروي عن الرسول ( ص ) أنه قال (( متعة النساء حرام )) وأنه قالها في غزوة حنين بالرغم من عدم ايرادها في كتب المغازي والسير والتاريخ وحتى ضمن الأحاديث المتناقلة والمقطوع بصحتها عن النبي ( ص ) . ويستدل المخالفين من المرويات في كتب التاريخ ماورد على لسان الصحابي سلمة بن الأكوع ( رض ) حيث قال : (رخص لنا النبي ( ص ) عام أو طاس ( ويقصد حنين ) ثم نهى عنه ) .
وحتى لو أسلمنا جدلاً على صحـــة القول المنسوب الى الصحابي سلمة بن الأكوع ( رض ) فأن هذا يدلل على أن المتعة كان يتم العمل بها لغاية السنة الثامنة للهجرة ، وبعد هذا لم يرد مايؤيد صدور التحريم والنسخ بعد عام أوطاس .
ولم ينكر أحد أن المتعة كانت موجودة في الأسلام ومباحة للجميع بشروطها ، غير أن الخلاف صار بعدئذ في بقاء النص غير منسوخ أو في منعها وألغائها من قبل النبي ( ص ) أو من قبل الخليفة عمر بن الخطاب ( رض ) .
ومن تدقيق لما أورده الرسول الكريم في خطبته الداعية وهي خطبة تتضمن العديد من القضايا المهمة التي تهم الأمة والأسلام وتحث على الأمتناع عن نواهي ومحرمات ووصايا وأشارات بليغة في قضايا الزواج والأستمتاع والحقوق وختمها بكلمته الكبيرة ( اللهم هل بلغت ) .
ولم يرد ضمن هذه الخطبة العصماء مايفيد تحريم المتعة أو التذكير بالنهي عن المتعة ولم يثبت بالقطع أو بالبرهان أن الرسول الكريم لمح أو اشار أو أكد على مايخالف أو يقيد النص الذي ورد بتحليلها .
وينسب لأبن حزم الأندلسي أسند منع المتعة الى الأمام علي ( ع ) ، فيما أسنده غيره الى أبن عباس ( رض ) ، وجاء في صحيح مسلم – الجزء الثاني ص 1023 ما أوردناه سابقاً من حديث ينسب الى الصحابي سلمة بن الأكوع ( رض ) .
وهناك من يفسر الآية التي وردت في سورة النساء بخصوص المتعة على أساس انها لاتقصد النكاح المؤجل أنما تشير وفق مدلولها الخاص اللغوي الى الزواج الدائم ، وهناك من يقول أن الرسول الكريم كان قد نادى في غزوة خيبر في السنة السابعة للهجرة (( يا ايها الناس أني آمرتكم بالأستمتاع من هذه النساء ، الا وأن الله قد حرمها عليكم الى يوم القيامة ، فمن كان عنده منهن فليخل سبيلها ، ولاتأخذوا مما اتيتموهن شيئاً )) .
وورد في صحيح مسلم – الجزء الثالث ص1023 عن أبي نضرة قال : كنت عند جابر بن عبد الله الأنصاري فأتاه آت ، فقال أبن عباس وأبن الزبير أختلفا في المتعتين ، فقال جابر فعلناهما مع رسول الله ( ص ) ثم نهانا عنهما عمر فلم نعــد لهما .
كما ورد في صحيح مسلم – الجزء الثالث ص885 قال عمر لن أوتي برجل نكح أمراة الى أجل الا رجمته بالحجارة .
وأورد الفخر الرازي صاحب التفسير الكبير ومفاتيح الغيب في الجزء العاشر ص50 أن المراد بحكم المتعة عبارة عن أن يستاجر الرجل المرأة بمال معلوم الى آجل معين فيجامعها ، واتفقوا على انها كانت مباحة في أبتداء الأسلام وقد اخنلف السواد في اباحتها من عدمه فمنهم من يقول القول بالأباحة المطلقة ومنهم من قال انها تحل للمضطر كما تحل الميتة والدم والخنزير له ، وأما الثالثة فتقول بأباحتها وعدم نزول ماينسخها .
وذكر الراغب الأصفهاني في كتابه ( المحاضرات ) الجزء الثاني ص 94 أن عمر صعد المنبر فقال : ايها الناس متعتان احلهما الله ورسوله لكم وأنا احرمهما عليكم وأعاقب عليها .
وبالرغم من أعتقادنا تمسك الخليفة عمر بن الخطاب ( رض ) بالنصوص القرآنية وبالأحاديث والسيرة النبوية ، فلم يرد مايؤكد انه خالف ذلك ، ونستطيع أن نستل من كتب السيرة ماوصلنا عند طلـــب عثمان بن عفان ( رض ) قبل ان يصير خليفة منه أن يرد الحكم بن العاص الذي نفاه النبي ( ص ) عن المدينة ، ورفضه التوسط لأعادته ، لتمسكه بعدم مخالفة ما أمر به رسول الله ، كما أنه اجتهد بدفع الدية لأقارب المرأة وأن المرأة لاترث من دية زوجها شيئاً وحين تم أخباره بمخالفة ما سبق أن قرره الرسول الكريم عاد عن رأيه .
ويقول القرضاوي في كتابه الحلال والحرام في الأسلام بأن زواج المتعة لايتحقق فيه المعنى والثمرة النفسية التي وردت في سورة النحل الآية 72 (( والله جعل لكم من انفسكم ازواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمت الله هم يكفرون )) ، ويذكر أن الرسول الكريم كان قد أجازه قبل أن يستقر التشريع ، وأن السر في أباحته أن المسلمين كانوا في في فترة أنتقالية من الجاهلية الى الأسلام ، وكان الزنا منتشراً في الجاهلية ولما اقتضتهم الدعوة أن يسافروا للغزو والجهاد كانوا بين أقوياء الأيمان وضعفائه ، فاما الضعفاء فخيف عليهم أن يتورطوا في الزنا وأقبـح به فاحشة وسـاء سبيلا ( ص 291 ) ويسترسل القرضاوي في القول بأن الرسول ( ص ) تدرج في تحريم الفروج فأجاز عند الضرورة المتعة وأن الرسول أذن للمسلمين بمتعة النساء في فتح مكة ، فلم يخرج حتى حرمها وفي لفظ من حديثة (( وأن الله حرم ذلك الى يوم القيامة )) .
وعلى ذمة القرضاوي فأن مايراه عامة الصحابة أنه تحريم بات لارخصة فيه بعد أستقرار التشريع وخالفهم أبن عباس فرأى انها تباح للضرورة ، ثم لما تبين لأبن عباس أن الناس توسعوا فيها ولم يقتصروا على موضع الضرورة أمسك عن فتياه ورجع عنها .
ومن مراجعة تفسير الصحابة والتابعين كأبن عباس وأبن مسعود وأبي بن كعب وقتادة ومجاهد وأبن جبير والحسن نرى انهم جوزوا نكاح المتعة بما ثبت انه من القرآن ولم يثبت نسخها بالقرآن ولافي السنة ويمكن أن نعتبر ماورد في تفسير القرطبي من قول لعمر ( رض ) متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا انهي عنهما وأعاقب عليهما متعة الحج ومتعة النساء ، واتفق العديد من المفسرين على هذا الحديث والخطبة كما ورد في تفسير الرازي والبيان والتبيان وزاد المعاد وأحكام القرآن وتفسير الطبري وأبن عساكر .
كما أن المتعة وهي زواج مؤقت تنتج نفس الفعل المراد من الزواج في ولادة المرأة وألحاق الولد بأبيه كما حصل حين تمتع الزبير من أسماء بنت أبي بكر فولدت له عبدالله بن الزبير وعروة بن الزبير وقد ورثاه بعد مقتله .
ولم نجد مايسند قول القرضاوي في التدرج في تحريــم الفروج من قبل الرسول ، بالأضافة الى أن النصوص الواردة لاتأتي بشكل مؤقت الا بعد أن تنسخها آية أخرى وذاك ليس على الله بعسير .
يقول الدكتور جمال عطية والدكتور وهبة الزحيلي في كتابهما تجديد الفقه الاسلامي الصادر عن دار الفكر – بيروت 2002 ص 176 أنه لايصح الزواج المؤقت ولازواج المتعة ويصح ماسمي حديثا بزواج المسيار .
ويمكن القول أن كل حديث ورواية عن تحريم المتعة موضوعة ولو كانت المتعة محرمة لما أباحها النبي ولما أمر بالعمل بها .
ولايمكن القطع بنسبة منع العمل بأباحـــة المتعة الى الخليفة عمر بن الخطاب ( رض ) ، ولكن يمكن أن يكون في بدء الاختلاف الذي بدأ يأخذ صور أكثر أتساعاً بين المسلمين في بداية عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان ( رض ) ، ومن ثم تطور الخلاف على أشده في زمن الحكم الأموي ومالحق الأمة من أحاديث منحولة ومنسوبة ومزورة في زمن باتت فيه الفتوى بأمر السلطان ووفق مزاجه ورغبته .
ويتمسك أصحاب أباحة المتعة في دليل يسنده نص قرآني (( وأحل لكم ماوراء ذلك أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين ، فما أستمتعتم به منهن فآتوهن آجورهن فريضة ولاجناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضــــة أن الله كان عليماً حكيماً )) .
وينكر عليهم منكروا الأباحة بحجة أن نص آخر ورد في كتاب الله يؤكد نسخ الآية السابقة
(( والذين هم لفروجهم حافظون الا على أزواجهم أو ماملكت أيمانهم فأنهم غير ملومين ، فمن أبتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون )) .
ولكن المنطق يلغي ذلك الأنكار ويضعف قوته ، لأن سورة المؤمنين التي وردت بها الآية المدعي بالنسخ هي آية مكية بينما الآية التي وردت بها المتعة ضمن سورة النساء مدنية ، والآيات المكية تتقدم على الآيات المدنية ولايمكن بأي حال من الأحوال أن يكون المتقدم ناسخاً للمتأخر .
وهناك حالات عديدة لاترث فيها المرأة من زوجها بالرغم من كونها متزوجة منه فالقاتلة تحرم من ميراث زوجها وكذلك المرتدة والذمية أيضاً لاترث .
ومهما كان الخلاف والزعم بالقطع فقد رخصت المتعة للمضطر أو لعدم تمكن المرء من الزواج الدائم وتخفيفا للعسر الذي يعانيه الأعزب ومكافحة النفس الآمارة بالسوء وعصمتها عن الزنى ، كما أن الغاية التشريعية التي وردت بها الآية الكريمة خروج المقاتلين لنشر الدعوة والقتال في سبيل الدين في بلاد قصية وبعيدة عن بلدانهم وبقائهم مقطوعين ودرءا عن الخوض في الأمراض والوباء وأنتقال ذلك الى الأولاد والخلف أو اللجوء الى الحرام ومخالفة الشريعة والنصوص ، وعلاجاً سديداً لمن لايتمكن من ضبط الشهوة وسيطرة الغريزة الجنسية عنده وعدم القدرة على الأستغناء اليومي عن ممارسة الفعل الجنسي ووجود طاقة جنسية كامنة لابد لها من تبديد يليق بأنسانية الرجل او المرأة ووقاية من الأندفاع لأرتكاب معصية الزنى وأمتهان البغاء عند المرأة ، وبقاء المتمتعان على دينهما وألتزامهما بالشريعة وعدم مخالفة أحكامها وبالنتيجة فان المتعة التي أوردها الله تعالى في محكم كتابه المبين رحمة للأمة وعلاجاً فعالاً للمجتمعات ووقاية أكيدة من الهدم الأجتماعي ، وممارسة أنسانية تحت المشروعية وفي الضوء ورد على أرتكاب الزنا والبغاء في الظلام والسر وتحت سيطرة النوازع المريضة وتوظيف العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة وفق عقد شرعي طويل الأمد او قصير الأمد دائم أو منقطع .
أن الخضوع المطلق للأسلام يوجب على المسلم أن يعتقد حقاً بوجوب الألتزام بالنصوص القرآنية والتمسك بسريانها الزمني ، مادام المرء يعتقد انه دين الحق والهداية وأن القرآن نزل لأصلاح المجتمع الذي كان غارقاً في جاهليته ووثنيته وتسيطر عليه الأعراف الأباحية والتقاليد الداعرة والقيم الظالمة ، ومن هنا نسجل الأجماع على أن ماورد بجواز المتعة في سورة النساء الآية 24 كان لحل هذا العقد ، وحين يرد نص في القرآن فأنه يفصل ذلك بأختزال الكلمات ومالم يرد نص آخر يحرم العمل بالنص السابق أو ينسخ النص أو يلغي الأباحة أو يحددها ويشترط عليها شروطاً جديدة ، فيصبح النص الآخير هو الملزم ، لكن المتصفح لأيات كتاب الله لن يعثر على شيء من هذا ، ومع أن العمل في هذا النص أصبح بالرغم من الأباحة التي يوفرها للرجل الا ان نطاقه ضيق جداً لأسباب تتعلق بالمجتمع والحياة الزوجية ومتاعب الدنيا ، الا انه زواج حقيقي منقطع بمدة معلومة ، على أن لايغيب عن بالنا أن حتى الزواج الدائم هو في الحقيقة منقطع أما بأيقاع الطلاق أو بالتفريق بعد مدة معلومة بين الزوجين ، وزواج المتعة من الممكن أن يتم تمديدة مرات عديدة حتى يصير زواجاً دائماً .
ونجد ان الأختلاف في وجهات نظر لايقع على وجود أو عدم وجود هذا الزواج حيث أنه وارد بشكل واضح وصريح في الكتاب المبين ، وحيث لاأجتهاد في مورد النص فأن الأختلاف في مسألة النسخ من عدمه ، وفي مسألة بقاء الاباحة في العمل به أو القطع لأنتهاء الظروف والمدة بأعتبار أن الزمن الذي وردت فيه الأباحة قد تغير ، كما أن الغاية الأساسية منه ليس الزواج وأنما التمتع بالمرأة وهو ليس غاية أساسية من غايات الأسلام ، وانما هي غاية ذاتية لاتتعلق بالشريعة مع أن الواجب يقتضي تنظيمها ، وفي كل هذه الأختلافات نجد أن الزواج المنقطع كما ذكرنا سابقاً هو زواج حقيقي مرتبط بمدة معلومة ينتهي بها أو يتم تمديده بعدها ، في حين أن الزواج الدائم لاتعرف لحظة أنتهاءه سواء بالفسخ أو بالطلاق أو بالتفريق أو بالوفاة ، الا أن محل العقد الذي يقوم على أساسها عقد الزواج هو العلاقة الزوجية أي الغاية أو النتيجة الهادفة الى أنشاء العقد ، والغاية من عقد الزواج هي إنشاء أسرة أو عائلة والمساهمة الفعالة الشرعية والقانونية في بناء المجتمع بين رجل وأمراة يكونون نواة لهذه الأسرة فهل يهدف عقد المتعة الى أنشاء الرابطة الزوجية وأنشاء الأسرة أم يراد به قضاء حاجة مؤقتة لم يجد لها بعض الفقهاء غير أن تستمر الظروف التي كانت مطبقة قبل 1400 سنة في مجتمع يختلف زمانيا ومكانيا بشكل كبير عن مجتمعنا في الوقت الحاضر .





التفريق بين الزوجين لتحول أحدهما عن الإسلام


أصدرت بعض المحاكم العربية التي تعتمد قوانين الأحوال الشخصية الخاصة بالمسلمين قرارات أحكام بحق مواطنين تقضي بالتفريق بين الرجل وزوجته اجباراً دون رغبتهما في الأنفصال والتفريق ، و تعتبر هذه الأحكام من أحكام الحسبة ، وهي الدعاوى التي تكون المصلحة فيها هي حق الله أو فيما كان حق الله فيه غالباً كالدعوى بأثبات الطلاق البائن وبالتفريق بين زوجين زواجهما فاسد أو اصبح زواجهما فاسداً لسبب ما ، وهذه القرارات في الحالات الواقعة في العراق في الحقيقة تسندها النصوص القانونية الموجودة في متن قانون الأحوال الشخصية العراقي النافذ ( المادة 18 من القانون ) وهي نفسها التي توجب على المحكمة أن تحكم بالتفريق بين الزوجين في حال أرتداد الزوج أو الزوجة ، كما تقضي بأبطال أي زواج آخر للمرتد لذا فأن المشرع العراقي اعطى هذا الحق للمحاكم المدنية أو محاكم الأحوال الشخصية في العراق ، وبالتالي حصر البت في مثل هذه القضايا من قبل المحاكم حصراً أي لايمكن الأعتداد والرجوع الى مراجع قضائية أخرى أو الى هيئات أو مجالس دينية أخرى مهما كانت منزلتها ، و يجدر الأشارة الى ان مشروع قانون الأحوال الشخصية العربي الموحد جاء خالياً من مثل هذه النصوص .
وهناك من يدفع بأن لا وجود لمثل هذا الحق والأختصاص للمحاكم بأعتبار أن هذا الأمر من أختصاص التطبيقات الشرعية والفقهية ، وبالتالي لايقيدها بعدم النظر في البت بدعاوى الحسبة بعد تفويض من أصحـــاب العلاقة أو ممثل الحق العام ، ويرى أن الهيئات الشرعية والمجالس الدينية هي الأقرب الى التطبيق الواقعي منه الى القضاء الشرعي الرسمي ، وهناك من ينكر الأمر لأنعدام المصلحة وعدم وجود الأختصاص أصلاً لكلا الطرفيبن ، الا أن رأيا آخر يقول أنه يجوز للفرد أي فرد أن يرفع دعوى الحسبة بأعتبار أن هذا الحق هو من حقوق الله وبموجبه توجد مصلحة مفترضة مما يوجب على المحاكم البت في الطلب والدعوى بأعتبار أن لرافع الدعوى مصلحة قائمة ومباشرة وفق القانون .
أن عمل الحسبة يكون تطبيقه في مجال الشريعة والفقه وفي القوانين التي تعتمد نصوصها على أحكام الشريعة الإسلامية و تتحدد نصوصها بشكل حرفي ومقيد بأحكام الشريعة ، أما أن تكون هذه النصوص تعتمد في بعضها على الشريعة الإسلامية بينما تعتمد بعضها على الأجتهاد أو قواعد العدالة أو القوانين الأخرى ففي الأمر وجهة نظر ، لأن تطويع النصوص لصالح النص الفقهي غير المكتوب أو النص غير المعمول به عملياً يعتبر تجاوزاً على النص ومخالفة للقانون ، أذ لا أجتهاد في مورد النص فأن لم يوجد نص تشريعي حكمت المحكمة بمقتضى العرف ، وحين تقوم المحكمة بتطبيق مباديء الشريعة الاسلامية فانها لاتتقيد بمذهب معين ، وتقوم بتطبيق المباديء الاكثر ملائمة للنصوص ، وحين لايمكن ذلك تلجأ الى تطبيق قواعد العدالة ، وأن كان الأمر يتجه لتجسيد فكرة الشريعة أو الفقه حيث يتعارض ذلك مع مبدأ أن لاأجتهاد في مورد النص .
حيث أن ماورد في نصوص كتاب الله لاخلاف ولانقاش عليه ويعتبر من باب الحقائق المسلم بها ، ويقع الخلاف في قضية تحليل مضمون النص واسلوب التطبيق على القضية المعروضة وفقاً لهذه النصوص .
وفي قانون الأحوال الشخصية العراقي الذي يحتوي على عدد من النصوص التي تبيح للمرأة طلب التفريق عن زوجها لأسباب حددها النص حصراً مع انها لم ترد في النصوص القرآنية ولافي الأحاديث النبوية ، وهذه النصوص صور قانونية قد لايسندها الشرع وربما تتطابق معه في أحيان أخرى ، مثلما أباح للرجل طلب التفريق عن زوجته لأسباب حددها أيضاً ، وقد تضع السلطات التشريعية نصوص لتفريق الزوجة عن الزوج بحكم العوامل الأقتصادية أو الزمنية غير موجودة في الشريعة .
و تمتنع المحاكم عن البت في القضايا التي يرفعها ممن لامصلحة له أو ممن ليس طرفا في القضية المرفوعة بأعتبار أن الدعوى هي طلب شخص حقه من آخر أمام القانون وأن تكون له مصلحة مشروعة في الدعوى وفقاً لنصوص قانون المرافعات المدنية ، وتقوم المحكمة في هذه الحال برد دعوى المدعي لعدم توجه الخصومة .
بمعنى أنه على سبيل المثال لو أوقع رجل مسلم الطلاق للمرة الثالثة على زوجته فتصبح زوجته محرمة عليه حتى تنكح زوجاً آخر ويفارقها هذا الزوج بطلاق أو وفاة ، غير أن الطلاق الأخير الثالث اذا لم يعرفه أحد ولم يتحدث عنه الزوجين وبقيت علاقتهما الزوجية مستمرة وأن كانت محرمة ومنفسخة شرعاً وأستمرار زواجهما قد انقطع بالطلاق الثالث ، الا أن علاقتهما تبقى لايعرف بها الا هما والله عز وجل ، ولهذا فلايمكن أن تتدخل المحكمة لتفسخ عقد زواجهما أو تقوم بالتفريق بينهما بالنظر لعدم وجود الدليل وعدم وجود دعوى مقامة من شخص له مصلحة قائمة في حكم المحكمة من هذه العلاقة أذ بقيت علاقة العبد بالله مستترة لايعرف بها المخلوق .
وهذه النصوص التي حددها المشرع لا يجوز تجاوزها أو تحميلها أكثر من معانيها الدالة عليها ، كما أن محاكم الأحوال الشخصية غير مختصة بتحديد مسائل الحرام والحلال أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أذ تتحدد في اختصاصها العملي ضمن إصدار الأحكام والفصل في القضايا الشخصية بين المسلمين من العراقيين أو تطبيقاتها القانونية في الإشارة الى النصوص الوضعية التي وضعها المشرع ، أي انها تتقيد بأحكام النصوص الموجودة في القوانين النافذة ، وفي حالة عدم وجود نص يعالج القضية أو المسألة المعروضة ، يصار الحال الى قيام القاضي بالبحث والتحري والتدقيق والتمحيص وصولاً الى أسس الشريعة الإسلامية والسوابق القضائية والأحكام المتشابهة المكتسبة درجة البتات ، ومن ثم الى قواعد العدالة العامة لاستخلاص الحكم القانوني العادل منها .
أي بمعنى أن هذه المحاكم هي محاكم قانونية قضائية أكثر منها دوائر إفتاء أو مجالس فقهية دينية لطائفة أو لمذهب معين بالنظر لكونها تقضي بين جميع المواطنين من المسلمين دون النظر الى مذاهبهم الأسلامية .
ومع أن رجوع المسلم عن ديانته أو تحوله نحو دين آخر يعتبر جريمة من الجرائم الشرعية في الحكم الشرعي وفي الدول التي تعتمد الأسلام ديناً رسمياً للدولة ، لكن المحكمة سوف تقف عاجزة امام الحالة لكونها لن تجد نصاً يعاقب المواطن المرتد عن دينه عقوبة جزائية في متن قانون الأحوال الشخصية أو في قانون العقوبات النافذ .
وكمثال لواقعة ننقل مايلي :

(( رفعت السيدة فاطمــة دعوى ضد أمين السجل المدني في دائرة ألأحوال المدنيـة س، مدعيــه رغبتها في تبديل اسمها من فاطمــه الى سوزان، ودينها من مسلمــة الى مسيحيــة، ومطالبــة تثبيت ميثاق زواجها الكنائسي المبرم في كنيســة ــ ببغداد سنــة 1984؛ فرفض أمين المسجل المدني الطلب لعدم وجود قاعـدة قانونيــة يستند عليها، حيث أستأنفت المدعيــه لدى دائرة استئناف بغداد، أرتأت المحكمــه من تدقيق الأوراق ان المدعيــه شرعت بتبديل دينها وهو ما يتعارض مع تعاليم الدين الأسلامي كونــه جريمــة من جرائم الحدود، فقررت لأحالة أوراقها الى الأدعاء العام لرفع القضيــة ضد المدعيــه امام محكمة جنايات بغداد، وبعد أجراء المحاكمة حكمت جنايات بغداد على المدعيــه بالأعدام شنقاً حتى الموت بناء على حكم الشريعــه ألأسلاميــه المتفق عليــه بالأجماع لدى جميع المذاهب والمعروف بالردة والأرتداد عن الأسلام ، وبناء على استنباط الحكم بموجب المادة الدستوريــة النافذه كون الأسلام شريعــة المجتمع؛ فرفعت القضيــة للتميز حيث طعنت المتهمة بالحكم أمام التمييز والتي أصدرت قرارها بتصديق قرار الحكم لتنفيذ عقوبــة ألأعدام في المدعيــه كونها اقترنت بمسيحي بما يخاف قانون ألأحوال الشخصية ، وشرعت بألأرتداد عن دينها وهو ما يخالف النظام العام وألآداب؛ ولغرض تنفيذ عقوبة الأعدام رفعت القضيــه لرئيس الجمهوريـــه للمصادقــه عليها ـ على حكم ألأعدام ـ شرع الأخير بتحويل الموضوع لمجلس شورى الدولــة طالباً مشورتــه؛ فصدر قرار مجلس شورى الدولــه لسنــه 1987 ((لا أذكر رقم الشورى لكنــه موجود في المجموعة الفقهيـة المنشورة عن المجلس في دائرة الشؤون القانونية ))، فأرتأى المجلس بان المدعيــة او المتهمــة بهذه الحالــة قامت بأرتكاب مخالفــة لقانون ألأحوال الشخصيــة النافذ لسنــه 1959 بزواجها من غير مسلم، وعليــه فالزواج باطل، اما طلبها بتغيير اسمها فهو جائز اما طلب تغيير دينها فهو غير جائز كونــه غير منصوص عليــه كحريــة قانونيـــة في قانون الأحوال الشخصية وقانون الأحوال المدنية النافذين في العراق ؛ وامــا حكم الأعدام فهو غير جائز كون ألأحكام الجنائيــة لا تنفذ إلاّ بنص صريح، ولا تأول إلاّ لصالح المتهم، وعليــه فيرىالمجلس ابطال الزواج، والغاء حكم الأعدام وبــه ما امر رئيس الجمهوريــة حينئذٍ )) .
( نقلاً عن الدكتور سامر الناصر – استاذ القانون الدستوري في جامعة القديس بطرس بمدريد – اسبانيا مقالة منشورة في صفحة القانون العام بالأنترنيت )

ومع غرابة الحكم الجزائي المذكور لعدم وجود نص قانوني ضمن نصوص قانون العقوبات ، يعاقب بأعدام المتحول أو المرتد من الديانة الأسلامية الى ديانة أخرى سوى الحكم بالتفريق وأنهاء العلاقة الزوجية ، وأن أيقاع الجزاء شرعياً وليس قانونياً ، اذ تفتقر النصوص القانونية الواردة في متن قانوني العقوبات أو الأحوال الشخصية لمثل هذا الحكم ، حيث لاجريمة ولاعقوبة الا بنص ، فيكون التأسيس والأستناد على نصوص لاتفيد التخصيص وسندها باطل والله اعلم .

أن العديد من النساء من غير المسلمات يقدمن متعمدات عند حدوث خلاف بينهن وبين ازواجهن على أعتناق الدين الأسلامي ليس أعتقاداً وأيماناً بالأسلام ، انما بقصد الأضرار بالرجل وأيقاع حكم التفريق الشرعي والحصول على قرارات حكم من محاكم الأحوال الشخصية بالتفريق الأجباري ويتبعه حق حضانة الأولاد ، ويصدر الحكم فعلاً تبعاً لرغبة الزوجة التي أسلمت ، لعدم جواز بقاء الزوج مسيحياً أو يهودياً أو صابئياً أو أيزيدياً أو أي ديانة أخرى بينما تكون الزوجة قد أعتنقت الأٍسلام ، كما أن مسألة معرفة نية المرأة ومقاصدها الضميرية لاتستطيع ولاتتمكن المحكمة او القاضي معرفتها قطعاً فهي من الأمور المتروكة لضمير الأنسان ، أذ ماعلى القاضي الا الحكم بالتفريق بين الزوجين اذا بقي الزوج متمسكاً بدينه ، بينما يجوز للرجل المسلم الزواج من امراءة كتابية مع بقائها على دينها ، الا أن الاولاد يتبعون دين الأب دون دين الأم ولا يتطلب الأمرأبداء رغبتهم أو موافقتهم قانوناً في الدول الأسلامية التي تتبع قضايا الشريعة في مثل هذه الأمور .
وذهبت بعض المراجع الفقهية الى تفسير ( لاأكراه في الدين ) من أن لاتكرهوا احداً على الدخول في دين الأسلام ، فلايفيد الدخــول مكروهاً أو مقسوراً ( الامام الحافظ بن ابي الفداء اسماعيل الدمشقي – الجزء الأول من كتابه تفسير القرآن العظيم – الصفحة 294 ، وجاء في ( مجمع البيان في تفسير القرآن ) للطبرسي – المجلد الأول / الصفحة 362 من أن الله لم يكره الناس في الدين والعبد مخير فيه لأن ماهو دين في الحقيقة من افعال القلوب اذا فعل لوجه وجوبه فأما مايكره عليه من أظهار الشهادتين فليس بدين حقيقة .
وجاء في كتاب ( الميزان في تفسير القرآن – للطباطبائي ) الجزء الثاني / الصفحة 342 أن الأكراه هو الأجبار والحمل على الفعل من غير رضى ، وقد نفى الله الدين الأجباري .
والأكراه بمعنى حمل المرء على الأعتقاد والأتيان بما لايريده ولايؤمن به ودون ارادته أذعاناً لقوة المكره وفعله .
اما السيد قطب فقد اورد في كتابه ( في ظلال القرآن ) الجزء الثالث /ص291 أن قضية العقيدة كما جاء في هذا الدين ، قضية اقتناع بين البيان والأدراك وليست قضية أكراه وغصب وأجبار ، وأذا كان هذا الدين لايواجه الحس البشري بالخارقة المادية القاهرة ، فهو من باب أولى لايواجهه بالقوة والأكراه لأعتناق هذا الدين تحت تأثير التهديد أو مزاولة الضغط القاهر والأكراه بلا بيان ولاقناع أو اقتناع .
ويعرض الأستاذ الدكتور محمد سليم العوا في مقالة له منشورة على الانترنيت بعنوان ( عقوبة الردة تعزيراً لاحداً ) على صفحة الأسلام وقضايا معاصرة مايلي :
((آيات القرآن الكريم في شأن الردة :
ورد ذكر الكفر بعد الإيمان -أي الردة- في القرآن الكريم في بضع عشرة آية. عبَّر القرآن الكريم في بعضها بلفظ "الردة"، وفي بعضها بتعبير "الكفر بعد الإسلام".
أما تعبير الردة، فقد ورد في قوله تعالى: "… وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُوا وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" (البقرة: 217). وفي قوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأمْرِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ" (محمد: 25 – 27 )
وأما تعبير الكفر بعد الإيمان، فقد ورد في قوله تعالى: "مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآَخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآَخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ" (النحل: 106 – 109). وفي قوله تعالى: "أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ" (البقرة: 108). وفي قوله تعالى: "كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ " (آل عمران: 86– 90). وفي السورة نفسها نجد قوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ لَن يَضُرُّوا اللهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" (آل عمران: 177)
ويرد التعبير بالكفر بعد الإيمان أيضًا في سورة النساء في قوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً" (النساء: 137). وفي سورة التوبة: "لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ" (التوبة: 66) .
ويرد التعبير بالكفر بعد الإسلام في سورة التوبة أيضا في قوله تعالى: "يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ" (التوبة: 74)
ومن بين هذه الآيات الكريمة نلاحظ أن آية واحدة هي مما نزل في مكة من القرآن الكريم، وهي الآية: 106 من سورة النحل، في حين أن الآيات الأخرى هي آيات مدنية، نزل بها الوحي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المدينة بعد الهجرة، وبعد أن أقام الرسول الدولة الإسلامية، وكان هو حاكمها، وكان الإسلام قانونها الذي يخضع له رعاياها من مسلمين وغير مسلمين بحكم الاتفاق الذي أبرمه الرسول مع أهل المدينة ومواطنيها عند الهجرة، وهو وثيقة أو صحيفة المدينة ، وبحكم السيادة الفعلية والقانونية للإسلام في الدولة.
وعلى الرغم من ذلك فإن الآيات الكريمة التي قدمنا نصوصها لا تشير من قريب أو من بعيد إلى أن ثمة عقوبة دنيوية يأمر بها القرآن لتُوقَّع على المرتد عن الإسلام، وإنما يتواتر في تلك الآيات التهديد المستمر بعذاب شديد في الآخرة، ويُستثنى من ذلك ما أشارت إليه آية سورة التوبة رقم: 74، التي يتضمن نصها الوعيد بعذاب أليم في الدنيا والآخرة.
وعلى الرغم من ذلك فإن هذه الآية لا تفيدنا في تحديد عقوبة الردة؛ لأنها إنما تتحدث عن كفر المنافقين بعد إسلامهم. ومن المعلوم أن المنافقين لا عقوبة دنيوية محددة لهم؛ لأنهم لا يُظهِرون الكفر، بل يخفونه ويظهرون الإسلام. والأحكام القضائية في النظام الإسلامي إنما تُبنى على الظاهر من الأعمال أو الأقوال، لا على الباطن الذي انطوت عليه القلوب أو أسرَّته الضمائر. وفي ذلك يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنما أنا بشر، وإنه يأتيني الخصم، فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض، فأحسب أنه صدق فأقضيَ له بذلك، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار، فليأخذها أو يتركها".
وهكذا، فإننا لا نجد في النصوص المتعلقة بالردة في آيات القرآن الكريم تقديرًا لعقوبة دنيوية للمرتد، وإنما نجد فيها تهديدًا متكررًا، ووعيدًا شديدًا بالعذاب الأخروي. ولا شك في أن مثل هذا الوعيد لا يرد إلا في شأن معصية لا يُستهان بها. يكفي أن الله سبحانه وتعالى قد وعد المؤمنين بمغفرة الذنوب جميعا، في الوقت الذي توعد فيه من كفروا بعد إيمانهم، ثم ازدادوا كفرًا بأنه لن يغفرَ لهم ولن يهديهم سبيلاً. فالردة في حكم القرآن الكريم معصية خطيرة الشأن وإن لم تُفرض لها آياته عقوبة دنيوية. ))

ويعتبر المرتد مرتكباً لأمر نهى عنه الله والشارع ، والتحريم يكون لذات الفعل فيلزم صاحبه بالعقاب في الدنيا تنطبق عليه الحدود ، حيث أن الله جعل لكل شيء حدود ، كما أن الإسلام أكد على أنه لاعقوبة بلا جريمة ولاعقوبة على جريمة دون إثبات .
أي بمعنى أن المسلم لا يحق له أن يتحول عن دين الاسلام الى دين آخر مهما كانت الأسباب والتبريرات ، ويمكن للعراقي غير المسلم أن يتحول من دينه القديم الى دين سماوي آخرغير الأسلام وفي أي وقت يشاء كان يتحول من المندائية الى المسيحية أو من اليهودية الى المسيحية وبالعكس غير انه لايحق له بعد أن يتحول الى الإسلام أن يتحول الى دين آخر أو أن يعود الى دينة القديم مهما كانت الأسباب والظروف .
وعقوبة المتحول من الدين الإسلامي الى دين آخر هي القتل ، تأسيساً على الاية الكريمة ((...ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )) . وفي الحديث أن عقوبة المرتد القتل (من بدّل دينه فاقتلوه) وكذا (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث) وذكر التارك لدينه المفارق للجماعة ، والمرتد وإن كان كافراً فإنه يقتل حداً ، ويفترض ان تكون الدولة هي المسؤولة عن تطبيق العقوبـــة ، وفي هذا الأمر أختلاف ، فقد ورد في روح المعاني للألوسي الصادر من دار أحياء التراث العربي في بيروت الصفحة 160 (( إن عبد الله بن أبي سرح كان يكتب لرسول الله - صلى الله وعليه وسلم - فأزله الشيطان – أي ارتد – فلحق بالكفار ، فأمر به رسول الله - صلى الله وعليه وسلم - يوم فتح مكة أن يقتل ، فاستجار له عثمان بن عفان رضي الله عنه فأجاره النبي )) ، أذ من غير المنطقي أن يتم التطبيق من قبل العامة من الناس بأعتبار أن الدولة هي الممثل الرمزي للمجتمع .
وهذا المسلم يحق له أن يتزوج من أمراة مسلمة ، كما يحق له الزواج من غير المسلمات ممن يعتنقن دين سماوي آخر لغاية اربع زوجات ، غير أنه لا يحق له الزواج من زوجة غير كتابية او عديمة الدين السماوي حتى تؤمن وتعتنق أحد الأديان السماوية .
غير أن الأمر الشرعي يقضي بعدم جواز زواج المسلمة من غير المسلم ويعد العقد باطل شرعاً مع جواز العكس ، فأذا تحول الرجل المسلم الى دين آخر أصبحت زوجته محرمة عليه وأصبح الزواج منفسخاً وباطلاً لعدم وجود الجواز الشرعي والقانوني والفقهي ، بالنظر لانعدام أهم شروط العقد ، مع وجود النص القانوني الذي يبيح للمحكمة أن تحكم بالتفريق بين الرجل وزوجته لهذا السبب .
أن الأمر يبدو أكثر تعقيداً في حال تحول المرأة المسلمة عن دينها نحو دين كتابي آخر ، في هذه الحالة فأن الزواج باقي صحيح ولم يطرأ عليه شيء بالرغم من ارتداد الزوجة ، حيث أن العبرة في بقاء الزوج على دينه لأن تحول الزوجة الى دين غير الأسلام باطل وهذه وجهة نظر بعض المفسرين .
أن رأياً حاسماً وقاطعاً يقضي بأبطال الزواج أذا أرتد أحد طرفي عقد الزواج ، فأذا أرتدت المرأة عن الأسلام فأن العقد بينها وبين الزوج يصبح باطلاً ، وصارت المرأة محرمة شرعاً على الزوج لأنفساخ الرابطة العقدية والشرعية بينهما .
غير أننا نتسائل هل أن محكمة الأحوال الشخصية في العراق تتدخل بناء على دعوى يرفعها المدعي العام بأعتباره ممثلاً للحق العام أو أن القاضي يقبل الدعوى حتى ممن ليس له مصلحة أو علاقة في طرفي الدعوى ، ثم يطرح تساؤل آخر نفسه حين يقول من يمثل المصلحة الشرعية في قضية التفريق ؟؟ أي بمعنى أكثر وضوحاً من يمثل الحلال والحرام ومن يمثل الحق الألهي في الأقتصاص من الأفراد ؟؟ وأذا كان النهي عن المنكر هو طلب وليس قسراً على الأنسان الذي سيخضع للحساب في الآخرة فلم يتم ترك الكثير من معاصي الناس وأرتكابهم المحرمات والمحظورات والآثام ويجنح الى المطالبة بتفريق زوجين على أساس أنهما خالفا شروط عقد الزواج أو الوقوع في الحرام الشرعي ؟
وفي حالة التحول الديني من الإسلام الى ديانة آخر يطلق عليه في الشريعة الارتداد وتطبق عليه عقوبة الحسبة والحد المنصوص عليه في كتاب الله .
وللارتداد شروط يجب مع توفرها أن ينتج عقابه ، منها العقل والبلوغ وكون التصرف صادراً عن غير أنفعال أو غضب أو جهالة وكون النية في الارتداد تظهر بشكل مادي ملموس أي أن المرتد يقصد الارتداد فعلاً لاقولاً ، وفي غير تلك الحالات يكون التصرف غير منتج ولغواً ليس بذي قيمة ولا ينتج أثره ولاتتم المعاقبة عليه .
ومن الجدير بالتعرض الى أن المحكوم بالردة لايحق له أن يتزوج بأمرأة مسلمة أو غير مسلمة كما لاتتزوج المرتدة مسلماً أو غير مسلم أذ أن من نتائج الردة وحكمها أن يكون المحكوم بمثابة المعدوم ومن الفرق الأسلامية أن توجب الفرقة بمجرد تحقق الردة دون أنتظار لقرار من القاضي وكما أن ردة الرجل عند بعض الفقهاء تقضي الفرقة دون طلاق أو فسخ وعند غيرهم بطلاق .
وأذا كان قرار عدم جواز المرتد أو المرتدة من المسلم يقع في دائرة عمل الشريعة الأسلامية ، فكيف نلزم من كان خارج هذه الشريعة اذا تم الزواج بين المرتد وبين أمرأة من غير الديانة الأسلامية أو زواج المرتدة رجل من غير المسلمين ؟ وكيف يمكن سريان أبطال هذا الزواج ؟
ولكن بعض محاكم الأحوال الشخصية العربية وهي تطبق عقوبة الحسبة وتوقع الحد على مواطن مسلم فأنها في الحقيقة انما تقضي بشكوى وليس دعوى لأن أطراف الشكوى هما المخبرين الذين يزعمون حدوث ضرر وأرتداد لمواطن مسلم أو مواطنة مسلمة ، كما أن الدعوى تعني طلب شخص حقه من أخر أمام القضاء ، والمواطن المذكورالمدعي في الدعوى لايصلح أن يكون خصماً في الدعوى لأنه لايترتب عليه أثر من الحكم الصادر بالنتيجة ودون أن يستطيع المواطن المذكور أن يتحجج بأن الزواج المنعقد المراد فسخة بسبب الزعم بالأرتداد يتعلق بالنظام العام والأداب أو انه يمس حرية العقيدة والمعتقد ، ويزداد الأمر التباساً حين تتهم السلطة السياسية المواطن المذكور من خلال أراءه وأفكاره أو مناقشته لأفكار فقهية أو فكرية على أساس أنها تشير الى ارتداده وخروجه عن الإسلام ، وهو رأي يحتمل الصح والخطأ والتأويل لأن القضية تتعلق بحقوق الله تعالى عز وجل وهي حقوق لاتتعلق بالفرد ولايمكن لمواطن أن يدعي تمثيلها على أشخاص معينين حيث أن حل الزواج وتحريمه تعود الى الله عز وجل مناط أمر مطابقته للشريعة وعدم أخلاله بشروط العقد وعلاقة العقد بالشريعة الأسلامية مناطة بالانسان وكل أنسان مسؤول عن فعله ، وقد تشير عبارات ساقها الكاتب السياسي أو المعارض للسلطة في مقالة أو كتاب أو قد يصدر منه فعل يشير ويدلل على صدق ارتداده ، فأن طلب السلطة من المحكمة إيقاع الردة عليه هي دعوى سياسية ولاتتوفر فيها شروط الدعوى الشرعية التي تختص بالنظر فيها محاكم الأحوال الشخصية ، فأذا جنحت المحكمة للأستجابة الى طلب السلطة السياسية جانبت شروط الدعوى المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية ، وأذا استجابت لطلب السلطة بالتفريق فقد أخرجت القاضي عن أختصاصه بالتقيد بالنصوص القانونية والتجاوز على أحكام وفتاوى المراجع الدينية المتخصصة في معالجة قضايا الحلال والحرام .

حيث أن المحكمة ستقضي بحكمها أول ما تقضي بردته والتفريق بينه وبين زوجته ، وحيث لم تكن زوجته طرفاً في الشكوى وأمتد الحكم الشرعي لها ، فكان من الأولى إدخالها كشخص ثالث والاستماع الى وجهة نظرها ورأيها في القضية ، كما أن قيام المحكمة بالاستجابة الى رأي السلطة وإصدار الحكم بتأكيد كفر الإنسان بالإسلام وارتداده عنه تحميل في غير محله ، لأن النيات في القلوب لايعلمها آلا الله ، وأن ما يصدر عن الناس من كتابات وأفكار وبحوث لايعني بالضرورة ارتدادهم ، لأن البحث العلمي لاينتهي ولايتضائل ولايقف عند حدود .

أن صدور قرار فقهي من مؤسسة دينــــية تحميل في غير محله بسبب كونها غير مختصة في التشريع القضائي ، بالنظر لتحددها في عملها الشرعي والفقهي الخاص وأن قرارتها غير ملزمة ، إضافة الى كون تلك المؤسسات الشرعية والفقهية تبحث تلك الأمور وتتحمل وزر فتاويها أمام الله ، وهي توضيح وتبصير بأسس وطرق الالتزام الديني ، منها المراجع الدينية المعتمدة في البلدان العربية ومجالس الإفتاء والأزهر على سبيل المثال لا الحصر .
ومن المعروف أن النصوص الشرعية لايجوز مخالفتها ويكون الاجتهاد فيها ممنوعاً بنص قطعي ( لاأجتهاد في مورد النص ) ، كما تكون هذه النصوص الشرعية ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان بعكس بقية النصوص القانونية التي يضعها المشرع باعتماده أساسها على العرف والتقاليد والزمان والمكان ، ولهذا يكون الاجتهاد والتأويل في النصوص الشرعية غير ممكن أمام الاجتهاد والحركة والتأويل في النصوص القانونية التي تكون اكثر مرونة ومطاطية في التفسير والفهم .

أن الأجتهاد انما يصح في موارد ظنية الدلالة والسند حيث لا يكون المراد قطعيا ، لذا فأن الأحكام الصادرة بتفريق الزوج عن زوجته قراراً قضائياً تصدره محكمة الأحوال الشخصية ، ولاعلاقة له بالضرورة بالحكم الشرعي لعدم صدوره من المرجعية الدينية المتخصصة بذلك ، وبإمكان المرجع الديني أن يفتي بتكفير المواطن المسلم أذا ظهرت فعلاً أعمال وأفعال أو تصرفات أو دعوات تدلل على هذا الأمر ، إضافة الى ضرورة توافر شروط العقل والبلوغ والغاية الهدف الأساس التي أصبح المواطن يريدها .
وفي باب المرتد يقول المرحوم السيد أبو القاسم الخوئي في كتابه منهاج الصالحين – المعاملات الصفحة 353 المسألة 1714 (( أن المرتد قسمان فطري وملي ، فالفطري من أنعقدت نطفته وكان أحد ابويه مسلما ثم كفر وفي اعتبار اسلامه بعد البلوغ قبل الكفر قولان اقربهما العدم وحكمه أنه يقتل في الحال وتعتد آمراته من حين الارتداد عدة الوفاة ...)) .
اما المرتد الملي وهو ما يقابل الفطري فحكمه انه يستتاب فان تاب والا قتل وينفسخ نكاحه لزوجته فتبين منه ان كانت غير مدخول فيها وتعتد عدة الطلاق من حين الارتداد ان كانت مدخولا فيها .
أما المرأة المرتدة فلاتقتل ولاتنتقل أموالها عنها الى الورثة الا بالموت وينفسخ نكاحها فان كانت مدخولا بها اعتدت عدة الطلاق والا بانت بمجرد الارتداد وتحبس ويضيق عليها وتضرب أوقات الصلاة حتى تتوب فان تابت قبلت توبتها ولافرق بين ان تكون عن ملة او عن فطرة . )) .
أذن الحكم الشرعي الذي يورده السيد الخوئي بحق المرتد ، أن قبل الحكم بالتوبة ، فأن تاب فيعدم كل حكم ويعاد الحال الى ماكان عليه ، بمعنى أن التوبة تعدم الحكم .
بينما يذكر الدكتور عبد الكبير العلوي المدغري في الصفحة 50 من كتابه ( المرأة بين احكام الفقه والدعوة الى التغيير ) الصادر عام 1999في المغرب (( اذا أرتدت الزوجة فان الزواج لايفسخ مخافة ان تكون انما اظهرت الردة وهي تخفي إيمانها توسلا الى فراق الزوج الذي لم تعد تطيق عشرته او تفضل عليه غيره . ))
وميزان القبول هو النية التي لا يعلمها الا الله ، فقد يمكن أن ينكر الفرد ارتداده ويجاهر بالأيمان وهو بعكس ذلك في قلبه لأن الأعمال بالنيات ، وأن الله قال في محكم كتابه الكريم أن الله لا ينظر الى صوركم وأنما ينظر الى قلوبكم ، وأمراض القلوب لا يعلمها الا الله فكيف تسنى للحاكم الشرعي أن يعرفها ويغوص في أعماقها ليطلق حكمه بقتل أنسان وتفريق زوجته عنــه وفق اجتهاد يتحمل وزره حتى يوم الدين .
ولا يغيب عن بال الإنسان أن التشريعات القانونية من وضع البشر وتبقى هذه التشريعات غير متطابقة مع التشريعات السماوية لأنها محصورة في المصلحة المادية والسياسية ، وتصدر القوانين إستنادا الى الأعراف والتقاليد السائدة في مجتمع معين وفي زمن معين ، والقوانين تتغير بتبدل الأزمان ، وهو مالا يمكن أن يتطابق مع ثبات النصوص الشرعية التي تصلح لكل الأزمان .
وحكم التوبة غير وارد في أحكام الأحوال الشخصية في القانون العراقي النافذ ، بالرغم من أيراده في الحكم الشرعي ، فالمحكمة الشرعية حين تصدر حكمها بالتفريق بين الزوجين لأرتداد أحدهما عن الأسلام فأنها لن تعيد النظر بالغاء قرارها اذا قدم المرتد طلباً يخبرها انه تاب عن الردة ، أو كان القرار قد اكتسب الدرجة القطعية ، وهنا يجب التخيير بين تطبيق النص القانوني وبين النص الشرعي ، فيصار الى تطبيق النص القانوني دون الشرعي ، حيث أن النصوص القانونية هي المعمول بها وأن خالفت النصوص الشرعية في الوقت الحاضر بأعتبار أن العقوبة في النصوص القانونية تقع مادياً من قبل السلطة المطبقة للقانون بينما تقع أوزار العقوبات للمخالفات الشرعية على نفس العبد يحاسبه الله عــــز وجل عليها يوم الحساب .

فعلى سبيل المثال لا الحصر أن بيع التمر والعنب لعمل الخمر حرام آلا ان القانون العراقي يعتبر البيع حلالا مادام العقد صحيح ومستوفياً شرائطه القانونية من بلوغ وعقل وصحة محل العقد من وجهة نظر القانون ، وعليه فأن هذا العقد ينتج كل أثاره حين تكون هناك دعوى أمام المحكمة المدنية ، لكن الحاكم الشرعي لايسمع مطلقاً الدعوى المتعلقة ببيع التمر لصنع الخمر مطلقاً أو التي تؤدي الى نتيجة من نتائج الفعل المحرم في الشريعة .
كما أن بيع اليانصيب يعتبر بيعاُ قانونياً ويمكن لمشتري بطاقة اليانصيب أن يقبض المبلغ المعلن عنه عند فوزه بالبطاقة الرابحة بأعتباره أنه تحقق عقداً صحيحاً بينه وبين المؤسسة المشرفة على بطاقات اليانصيب ، بينما تحرم الشريعة شراء وبيع بطاقات اليانصيب وتعتبرها باباً من أبواب المقامرة ، كما أن القانون على سبيل المثال لم يمنع شرب الخمر حيث أن نص المادة 386 من قانون العقوبات العراقي النافذ عاقبت شارب الخمر بشرط ( أن يكون سكراناً في حالة السكر البين وفي محل عام واذا أحدث شغباً وأزعاجاً للغير ) وبغير تلك الحالة لاجريمة قانوناً على مجرد شرب الخمرة التي تعاقب عليها الشريعة وتعتبرها من المحرمات ، لابل أن الدولة هي التي تبيع الخمرة في متاجرها وأسواقها الحكومية وتمنح الأجازات الرسمية التي تنظم بيع وأستيراد الخمور في بلدانها .
كما أن زواج الرجل من أمراة كانت تعمل بغياً لا يعتبر جريمة يحاسب عليها القانون ويتم العقد دون النظر الى ماضي المرأة وسلوكها مادامت شروط العقد متوفرة ، ومادامت المرأة قد تركت أمتهان البغاء كوسيلة للعيش و مادام الزوج يتحمل التبعات الأجتماعية والتقاليد والأعراف التي تحكم المجتمع الذي يعيشه ، ومادام مقتنعاً بأرتباطه بمثل هذه المراة بقصد الأقتران لأنشاء عائلة ، بينما تعاقب الشريعة البغي بعقوبة جسدية هي الجلد مائة جلدة ، وتطول الأمثلة الدالة على عدم تطبيق النصوص الشرعية بشكل حرفي في النصوص القانونية .




























المؤلف في سطور
زهير كاظم عبود
حاصل على البكلوريوس في القانون من كلية القانون والسياسة – جامعة بغداد
عمل معاوناً قضائياً و محققاً عدلياً في المحاكم
عمل في المحامـاة وعمل قاضيا في المحاكم العراقية
متخرج من المعهد القضائي العراقي 1984/1985
عضو اتحاد الكتاب في السويد

محاضر في كلية القانون بالأكاديمية العربية المفتوحة بالدنمارك
عضو نقابة الصحفيين في كردستان العراق
يكتب في الصحف العراقية ومواقع الأنترنيت
أصدر الكتب التالية:
1- لمحات عن اليزيدية – بغداد - دار النهضة 1994 / لندن 2000
2- لمحات عن الشبك – لندن دار الرافـــد 2000
3- ليلة القبض على رئيس الجمهورية – مجموعة قصص قصيرة - دار المنفى – السويد 2002
4- جمهورية الغجــر – قصة- دار لارسا السويــــد 2003
5- البهتان في اسلام ابي سفيان – السويد 2003
6- كتابات في القضية الكردية والفيدرالية وحقوق الانسان – دار دراسات كردستانية السويد 2004
9- مخابرات صدام وأغتيال الشيخ طالب السهيل شيخ بني تميم – لندن دار الحكمة 2004
10- لمحات عن سعيد قزاز – وزارة الثقافة – أقليم كردستان – السليمانية 2004
11- الأيزيدية.. حقائق وخفايا وأساطير – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت 2004
12- نظرة في القضية الكردية والديمقراطية في العراق – دار دراسات كردستانية – سكتهولم 2005
13 – النقاط المهمة في الدستور العراقي القادم – دار حمدي للنشر والطباعة – 2005
14 - طاؤوس ملك / كبير الملائكة لدى الأيزيدية – دار سردم للنشر والطباعة - 2005
15- عدي بن مسافر مجدد الديانة الأيزيدية – المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت 2005
16- محاكمة صدام – دار فيشونميديا – السويد / دار حمدي للطباعة والنشر - السليمانية
17- الشبك في العراق – دارايزيس للأبداع والثقافة 2006- دار هافبيون المانيا 2006 ودار سردم – السليمانية 2006
18- الأرهاب في العراق – دار دراسات كردستانية – السويد 2006 / دار ئاراس اربيل 2006
19- التنقيب في التاريخ الأيزيدي القديم – دار سبيرز – دهوك 2006
أصدر في العراق دراستين قانونيتين بأشراف وزارة العدل :
التحقيق الأبتدائي وأجراءاته 1986
اليمين في القانون العراقي 1992
وله تحت الطبع :
1- قضية الدجيل ونهاية صدام
2- المسؤولية القانونية في قضية الكورد الفيليين
3- أوراق من ذاكرة مدينة



الفهرست

الأهداء
المرأة والتحولات
الزواج قديما وحديثا
الزواج المنقطع ( المتعة )
التفريق بين الزوجين لتحول احدهما عن الأسلام
الفهرست