الضحية لا تعترف



محمد أبوعبيد
2007 / 6 / 6

يصطدم العقل بصعوبة التصديق من مشهد انسلاخ الفاعل عن انسانيته. والد ينقض على ابنته مثل فريسة يعتدي عليها جنسيا ً , أو شاب على شقيقته . سفاح القربى أو زنا المحارم ,كالمرض الصامت يفتك بعدد من الأسر العربية وإن كان ليس مقتصرا عليها فحسب . وردّ الفعل عليه لا يتخطى , في العادة الهمس , وإن كانت عاقبة الإفصاح آونة هي القتل .


مسكينة هي الضحية . في معظم الحالات هي قاصر , هي المجني عليها , وهي المطلوب منها أن تكتم السر وإلا فأنها وإياه في القبر لمشترِكان , والسر مرهون إفشاؤه بأمر الضحية . أما الأحياء من حولها , أقرباء وغرباء , كل ما زكنوه أو عرفوه أنها انتحرت ...ماتت بفعل مرض لم يفصح الأهل عنه ..أو قُتلت على خلفية ما يسمى " جريمة شرف " بعد أن " جلبت العار" لأهلها – كما يُقال في العادة - .وذو العار الحقيقي لعله يقرأ عن الحادثة ,على رائحة قهوته , في الصحيفة التي تناولتها كخبرفي اليوم التالي . هو قد يكون صاحب عاريْن : اغتصابها وقتلها .
تنعدم الإحصاءات التي تشير إلى الحجم الحقيقي لتفشي هذه الممارسة التي لا ترضاها شريعة دينية ولا دنيوية . ومردّ ذلك خوف الضحية من الوأد في حال شكواها , أو " الإقامة الجبرية " في حال نجواها . ولا إغفال هنا عن أن القوانين المتعلقة بهذه الجريمة غير واضحة , ويمكن للمرء أن يستشف هذه الضبابية من خلال مسميات تصف مثل هذه الفعلة النكراء على أنها " جرائم مخلة بآداب الأسرة " . فضلا ً عن أن شريحة عريضة تجد لنفسها العزاء في إنكار حدوث ذلك , بل تذهب إلى حد اتهام من يتحدث عن " زنا المحارم " بأن في الأمر مبالغة أو تشويها ًلسمعة المجتمعات العربية . ما انفك البعض يتلذذ في رسم صورة ناصعة البياض لواقع غير محصن من نخر السوس .
في أحد الأصقاع العربية ,تشير إحصائية إلى أن 75 % من حالات الاعتداء الجنسي هي من أفعال الأب , الأخ , العم , الخال , أو والد الزوج . والضحايا من قُصّر الجنسيْن . هي إحصائية لا تشمل إلا الحالات المعلن عنها , أو التي تم الهمس بها في مجلس هنا أو مقام هناك . ولعل ما يُبقي الضبابية سيدة الموقف هو عدم وجود حماية كافية للضحية في حال قررت – أو قرر- الصرخة ورفع الصوت عاليا ً جليا ً , إلى جانب النقص في المؤسسات المعنية بهذه الظاهرة .
يمكن للمرء أن يتخيل كيف للموبوء بهذه الفعلة النكراء أن لا يرتد عن أفعاله في حال كتمت الضحية السر الذي يمكن وصفه بالقنبلة الموقوتة الملفوفة على خصرها, والتي يتحكم بتوقيت تفجيرها الفاعل الجاني . حينها لا غرابة أن نسمع عن قصة فتاة ظل يغتصبها والدها أو شقيقها لسنوات خمس , أو يزيد , إلى حين افتضاح الأمر ولو على حساب روحها وحياتها .
ألمْ يأنِ للذين يهتزون ويرتجفون من هذا " السفاح " أن يتحملوا جزءا من المسؤولية , ويؤازروا ويدعموا من حملوا على كواهلهم مسؤولية إنشاء جمعيات توفر الملجأ الآمن , وتدعو " العدالة " إلى عدم التهاون البتة في جرائم من هذا النوع , بدءا بتغيير المسمى "جرائم مخلة بآداب الأسرة " , وصولا ً إلى قوانين تعاقب الجاني , أياً كانت صفته , على أنه مغتصب وقاتل إذا قتل من بعد أن اغتصب . لعل " العدالة " حينها تصبح اسما ً وافق المُسمّى.