هل كان يجب أن تموت بدور؟

محمود الباتع
elbatie@hotmail.com

2007 / 7 / 6

وبدور هذه طفلة مصرية من محافظة المنيا بصعيد مصر ، وافاها أجلها المحتوم في وقتٍ مبكر جداً في عامها الحادي عشر ورحلت مأسوفاً على طفولتها التي لم تكتمل وعلى شبابها الذي لم يأتِ وذلك أثناء إجراء عملية ختان طبي في إحدى العيادات وراحت ضحية لجهل الآباء وتخلف وانحطاط المجتمع وكذلك مكابرة المشايخ والمفتين وعنادهم الأعمى لتذهب شهيدة العفة المزعومة وفداء لبنات جنسها ممن حكم عليهن قدرهن بأن يولدن في مثل تلك البيئة المتخلفة.
وهل كان من الحتمي موت هذه الطفلة المفجع حتى يستفيق فضيلة مفتي الديار المصرية مولانا الشيخ "الدكتور" علي جمعة ليصدر فتواه التي تأخرت أربعة عشر قرناً من العناد والتناحة بتحريم ختان البنات عندما قال لافض فوه يوم الأحد الموافق 24/06/2007 "إن عادة الختان الضارة التي تمارس في مصر في عصرنا حرام" .. ؟ يا سلام .. !
وهكذا وبكل بساطة وبعد أن ذهبت الطفلة في شربة ماء (أو ضربة مشرط لا فرق) إلى مصيرها الذي لم يكن ليكون محتوماً إلا بفضل تعامي هؤلاء "العلماء" عن واقع كان يعرفه الملايين من المصريين وغيرهم، وأكاد أقطع بالجزم أن ألوفاً غيرها قد سبقنها على نفس الطريق ولم يلتفت إلى مصيرهن أحد ليستيقظ ضمير فضيلته ذات تجلي ويكتشف أنها عادة ضارة وأيضاً أنها حرام.
لطالما كنا نصدم ونستغرب ونستهجن هذه العادة المقيتة في الوقت الذي كان علماء العبوس ومشايخ تقطيب الجبين إياهم يتحفوننا بفتاوى ودروس عن فضيلة ختان الإناث وعن كونه مكرمة بل وأكثر من ذلك من أنه سنة مطهرة من الواجب المستحب اتباعها حتى نضمن للفضيلة والعفة مكاناً بين بناتنا حالما يبلغن سن الانحدار الحتمي عندما تلفهن لعنة الشباب بخطيئة الأنوثة لتشب الصبية منهن وقد تطهرت من رذيلة الشهوة وتحصت من مهاوي الشبق اللعين ، ولكن يا ترى هل سادت بعد هذا كله الفضائل وانقرضت بفضله الرذائل ؟
وكيف تسنى لما كان من السنة المطهرة أن يصبح بين عشية وضحاها أمراً محرماً ؟
وإذا هذا كان حراماً فهل من يخبرنا كيف كانوا يدافعون عنها باستماتة كل هذه المئات من السنين ؟
لا نريد فذلكات عن الاجتهاد وأجر المجتهدين فإذا كان بإمكان العلماء بالجهالة أن يجتهدوا فمن باب أولى أنه حقٌ لكل عاقل أن يجتهد ويستفتي قلبه وعقله قبل أن يجودوا عليه باجتهاداتهم ، وبالتأكيد لم يكن من رحمة الله بالأطفال على الأقل أن تكون السنة المطهرة عبارة عن مبضع ملوث يعبث في أجساد البكارى.
لقد أفتتنا قلوبنا وعقولنا منذ أزمنة بقبح هذه العادة التي لا أعرف لها أصلاً ولكنها نمت وترعرعت في تربة الجهل والانحطاط الحضاري هي التي أبقت عليها حية حتى اليوم والداهية المرة أنها عاشت كل هذه القرون متدثرة بدثار الدين الذي خلعه عليها لابسوا الجبة والقفطان والوكلاء الحصريون للعناية الإلهية والناطقون المفوضون باسمها للأسف والحزن الشديدين.
لطالما صدعنا المشايخ الأفاضل في إعمال فقههم وعلمهم في قضايا يبدو أنهم لا يفقهون في غيرها فبعد قرون كان محور الفتاوى يدور حول أمور الطهارة والنجاسة وآداب الاستنجاء والحيض والنفاس نجدهم وقد طوروا أساليب تفكيرهم لتتناول بالتكفير والشطب كلاً من التفلج والنمص وإزالة الشعر من بدن المرأة وما إليها من عمليات التجمل والتزين التي اعتمدتها النساء منذ الأزل واعتبار هذه الأعمال من المحرمات لما فيها من تغيير لخلق الله ، ليصلوا بنا إلى وضع بول الرسول ولعابه في سلال بركتهم المزعومة حتى انتهوا أخيراً بتلك الفتوى الهزلية لإرضاع الكبير، أما في ما يتعلق بالجريمة التي لا زالت ترتكب يومياً بحق الإناث بإرسالها إلى مذبح الفضيلة ميتة على قيد الحياة عبر اجتثاث ذلك الجزء الحساس من جسدها فهي ربما من باب إضفاء بعض التحسين على ما خلقة الله الذي فاته ذلك على مايبدو فلم يأت كما أراده الله في أحسن تقويم !
هنا أعطي لنفسي الحق في أن أتساءل لماذا كل هذا الاهتمام المتزايد من المشايخ بجسد المرأة دون غيره لتنسحب عليه كل الفضائل الإيمانية وكأن القرآن الكريم لم ينزل إلا من أجل هذا الجسد ليصبح المقياس الأوحد الذي تقاس به العقائد بعد أن حصرها فقهاء الضلالة هؤلاء ومريديهم ودراويشهم من حولهم فيه؟
تعرفون أيها السيدات والسادة أن الفضيلة إن لم تنبع من المكنون الوجداني للإنسان امرأة كان أو رجلاً فلا شيء بإمكانه أن يوجدها ، وأن المثل الأخلاقية إذا لم تغرس في لاوعي الناشئة عن طريق التربية والإقناع منذ الصغر فلا شيء في يمكنه أن يكسبهم إياها ، وإذا لم يمكن إيجاد لجام من الضمير على الغرائز الطبيعية للإنسان فليس ثمة ما في الدنيا ما يمكنه أن يمنع انفلاتها في الكبر ، وليخبرني أحدٌ ما عما آلت إليه الأمور في الغرب بعد اعتماد حزام العفة الذي في أوروبا لقرون خلت ، فهل كان هناك ضامن آخر للطهر والعفاف والفضيلة غير الأخلاقيات والمثل النابعة من القناعة الداخلية للإنسان ؟
لقد أخبرنا الأنبياء جميعاً أن الطهارة هي طهارة النفس وأن البصيرة هي التي تقود البصر وأن السرائر توجه الغرائز وأن الضمير ومقدار الإيمان هو الذي يضع للإنسان طريقه في الحياة ، وغير ذلك لا شيء.
إن الأزمة هي أزمة ثقافة اجتماعية وبيئة فقيرة الوعي الإنساني والديني هي التي سمحت لهؤلاء وغيرهم من الجهلة أن يكونوا قيادة وطليعة في مجتمعاتنا والغوغاء يلهثون ورائهم للأسف ، فكم من المنزلقات يريدون لأتباعهم أن ينزلقوا فيها وكم من الضحايا يجب أن يموت وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً قبل أن نكتشف بعد ألف سنة أو نحوها أننا كنا وكانوا من قبلنا على ضلالٍ مبين؟
ورحـم الله بدور وكل من كان مثلها رحمة واسعة !



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة