التخلف يتوسع ويتحدى ..والأفكار التقدمية تنكمش..!!

ناظم ختاري
khatarykhalil@yahoo.de

2007 / 12 / 20

لا يسعني في بداية هذه السطور إلا أن أعبر عن سخطي الشديد لما يقترفه نفر لا شعور ولا ضمير لهم من جرائم بحق أبناء مجتمع بحاجة إلى من يعمل على تدوير عجلته لتمكينه مواصلة الحياة واللحاق بالتمدن والحضارة ، فبدل أن ينحى هؤلاء هذه الوجهة التي تتطابق مع روح العصر ، تواصلوا وهم يشرعنون التخلف دستوريا عبر ما يسمى بقانون الأحوال الشخصية الخاص بالإيزيدية الذي طرح بعض مواده في استفتاء عام أي تلك المتعلقة بقضية المرأة وحقوقها في جانبا الميراث والمهر اللذان يحددان مكانتها في المجتمع من جديد ، فإذا كانت المرأة الأيزيدية في ظل عدم وجود قانون خاص للدولة العراقية تشرعن للمرأة مساواتها الكاملة مع الرجل ، تتمتع أحيانا بشيء من الاحترام لهذا السبب أو ذاك وارتباطا بتغلغل الأفكار التقدمية بين أبناءها وتزايد تأثيرها في مرحلة نهاية الستينيات وبداية السبعينيات وقبولهم لما كان يطرحه أصحاب هذه الأفكار من حلول بصدد الأوضاع الاجتماعية وخصوصا حقوق المرأة ومساواتها بالرجل والتي بدأ يتقبلها الرجل الأيزيدي في تلك المرحلة ، فإنها تتعرض اليوم وعلى يد مرجعية دينية غارقة في التخلف حاولت شرعنة استمراريتها باستحداث هيئة استشارية في خطة شاذة ، إلى أكبر عملية سلب حقوق في ظل تراجع تأثير تلك الأفكار التقدمية في صفوف أبناء المجتمع لأسباب لست بصددها هنا . عبرت عن موقفي بِشأن هذه الهيئة في مقالتين سابقتين ، لم ولن يكون بإستطاعة أحد في العراق القيام بمثل هذه الشرعنة إلا عندما يتصور إنه يعيش في أفغانستان طالبان . وهذا ما يزيدني اندفاعا لتجريم هذه العملية التي يقف وراءها عدد من الرعناء في هذه الهيئة الاستشارية ، ينتمون إلى جيل من مثقفي التخندق في حفرة التخلف الذكوري، الذين يعاكسون التطور والحضارة ويطبلون ويزمرون ليس لشيء إلا للكذب والنفاق والتخلف ، إلى جانب عددا من ما يسمى بمنظمات مجتمع مدني تتخذ من الوضع الحالي في كوردستان وعملية تسييس النفس سندا لنشاطها الذي يساهم في قهر أبناء المجتمع والذي يئن تحت وطأة مفاهيم مغلوطة يروج لها هؤلاء دون وازع من ضمير.

هنا لابد من العودة قليلا إلى الوراء . أقصد سنوات قليلة ، ولا أقصد عقودا أو قرونا ، عندما بدأ الحديث يكثر حول ضرورة البحث في المرجعية المبهمة المسؤوليات ، التي تشد قبضتها على الشؤون الدينية والدنيوية وهي لا تجيد تركيب جملة لغوية واحدة في العربية أو الكوردية ، ولكنها تجيد بتفوق كل فنون التخلف ولا تأبه بحاجات الناس ومشاكلهم ، لتأكد لنا بشكل جلي إن هذه المرجعية وضعت نفسها في مأزق حاد عندما وجدت إنها أمام تحديات إجتماعية وأسئلة كبيرة تتعلق بمستقبل أبناء هذا المجتمع ، وراحت تتخبط هنا وهناك دون أن تجد سبيلا لحل مشاكلهم ، فتارة لجأت إلى إشراك البعض المثقف المتخندق في حفرة الذكورية المتخلفة لقيادة تغييرات لم تتحقق أبدا ، وأخرى عملت على تقويض كل جهد يستهدف إصلاحات جذرية تتطلبها المرحلة الحالية لكي يستطيع أبناء هذا المجتمع مواكبة المتغيرات الاجتماعية الحاصلة والتي تتسارع وتيرتها ويزداد تأثيراتها عليهم بحكم احتكاكهم المباشر بكل تلك المتغيرات سواء تلك التي تحصل على أرض الوطن أو تلك التي قطعت أشواطا متقدمة في العالم الغربي الذي أصبح الملاذ الأكثر أمنا لهم والأكثر قبولا ليس فقط بسبب قدرته على توفير حماية أرواحهم من شرور إرهاب طالهم منذ قرون ، أو توفير ظروف إقتصادية مستقرة فحسب ، بل بسبب قدرته على إحتضانهم ورغباتهم في التعبير عن شخصيتهم الاجتماعية الحرة . التي لم تتوفر شروط ظهورها في ظل مجتمع أقتيد أبدا نحو التخلف المزمن من قبل مرجعيته المتمثلة بالإمارة التي لا شأن لها غير سحق كرامة أبناء هذا المجتمع .

وآخر ما ابتدعته هذه المرجعية في السنة الماضية هو تعيينها لفرقة من أناس في ما يسمى بالهيئة الاستشارية لا يحتكمون إلى العقل حتى في قبولهم لهذه الوظيفة فكيف بهم وهم يقررون بشأن قضايا مجتمع يبلغ تعداده ما يقارب الـ 700000 وخصوصا في جوانبها القانونية ، ومما لاشك فيه كان الغرض من هذه الخطوة تحقيق عدة مسائل ، ومن بين أهمها ، وكما أشرت في أعلاه ، هو شرعنة استمرارية بقاءها وعدم المساس بصلاحياتها و هيكليتها وشكل قيادتها لهذا المجتمع الذي يعد أفسد نموذج من نماذج القيادة والتي تحصر بين يديها الأمور الدينينة والدنيوية وكأننا لما نزل في العصور البدائية ، وغائبين عن عصر تتحقق فيه القوانين المدنية ويجري فيها فصل الدين عن الدولة أي فصل الدين عن السياسة أيزيديا ، فحتى في ظل الدولة الدينية هناك فيها من الساسة يرسمون توجهات شعوبهم ، وأنا هنا لا أقصد أن أنفي بأن الدين لا يتدخل في شئون الدولة في ظل هذه الأنظمة بل أريد أن أقول إنه يقف عقبة كأداء أمام تطورها ، ولكنه في كل الأحوال يعد النموذج الأيزيدي هو الأفسخ والأكثر غرابة وشذوذا . هذا من جانب ، ومن جانب آخر كان الهدف من وراء الخطوة أيضا هو امتصاص نقمة الشبيبة المتحمسة للإصلاحات وغلق الطريق أمام الحلول الموضوعية التي أصبح العديد من شرائح المجتمع الأيزيدي يتطلع إليها بفضل جهود نخبة مثقفة بذلتها بإخلاص خلال طرحها لحلول تقدمية من أجل مستقبل أفضل لأبناء مجتمعهم .

والأكثر خطورة من هذين الجانبين ، هو وجود رغبة شديدة لدى الطرفين أي المرجعية من طرف والهيئة الإستشارية من الطرف الآخر، الدمج بين الدين والسياسة ولكل من الطرفين مقاصد في ذلك ، فأعضاء الهيئة الإستشارية ما كانوا في أي وقت إلا باحثين عن جاه ونفوذ ومنافع .

فإذا كانت المرجعية أبان الأنظمة القمعية المتعاقبة غير قادرة على التعبير عن تخلفها قانونيا بحكم قوانينها ( الأنظمة) القمعية وعدم فسح المجال للخصوصيات الدينية فإنها اليوم وللأسف الشديد تتوغل في ممارسة هذا الشكل من التخلف عندما تمعن في سن قانونا خاصا بالأيزيدية تحت مسمى قانون الأحوال الشخصية الأكثر سلبا لحقوق المرأة والأكثر تخلفا حتى من المشاريع التي كانت تقدمها الأحزاب الشيعية العراقية في نشوة انتصاراتها ، وأمام أنظار حكومة الأقليم التي تتدعي العلمانية والدفاع عن حقوق الإنسان بنصفيه "المرأة "و"الرجل ".

وبعد هذا لابد من التأكيد على إن هناك عدة عوامل ساعدت على تدهور الوضع الاجتماعي بين الأيزيدية بشكل حاد وتراجع الفكر التقدمي بين أبناءه ، ومن هنا دعونا أن نخوض سريعا في أهمها .

- عملت المرجعية على توسيع مصدر قراراتها بشأن المرأة ، إذ كانت القضية الوحيدة المطروحة على بساط إجتماعاتها ومؤتمراتها والتي كانت تصطدم بعقبات ناتجة من عدم موضوعية وجدية هذه القرارات ، فإذا كان الأمير في السابق يصر على وحدانيته في كل أمور الدين والدنيا والبت فيها ، فإنه عمل في الفترات الأخيرة على بناء قاعدة عريضة يضع عليها قراراته المؤجلة الغير المتنفذة عن طريق أشراك وجهاء ومتنفذين ومخاتير ورؤساء العشائر في اجتماعاته التي كانت تتمخض عنها هذه القرارات وهذا ما كان يزيدها ( القرارات ) عدم انسجامها مع تطلعات المجتمع الأيزيدي ، ولابد من القول كان هناك عددا من المثقفين أكثر أمية من هؤلاء مع مرجعيتهم يجري زجهم في عملية اتخاذ مثل هذه القرارات .

- الأوضاع التي استجدت في كوردستان أثر الانتفاضة الآذارية وفرت إلى حدود معينة حرية قيام منظمات مجتمع مدني ، التي لعبت دورا سلبيا عبر هذه السنين الطويلة ، و لم تتجرأ أن تطرح نفسها بديلا ثقافيا ديمقراطيا تقدميا عن ثقافة اجتماعية متخلفة نمت وتوسعت على يد هذه المرجعية الأمية مع هيئتها الاستشارية حتى قبل تعيينها ، بل ساهمت إلى حد بعيد على ترسيخ التخلف الديني بين أبناء المجتمع من خلال فتح المدارس الدينية الغير خاضعة لإدارة تدريسية علمية وصحيحة ، إلى جانب طرح قضايا اجتماعية في نفس الاتجاه في المناسبات المختلفة ، كالاجتماعات الموسعة والندوات الجماهيرية والاحتفالات التي يطغي عليها الطابع الديني ، بشكل مثير ، علاوة على أنشطة ثقافية وعلاقاتية تنصب في هذا الاتجاه أيضا ، وهي تتناقض بشكل حادا مع مبادئ الديمقراطية بحكم قدرتها على قطع أشواط في إخضاع الفرد الأيزيدي للروحانيات وربطه بالفكر الديني وما إلى ذلك من الخرافات .

- مساحة حرية النشر الواسعة بعد سقوط النظام الدكتاتوري وخصوصا بعد انتشار الأعلام الالكتروني خصصت إمكانيات إضافية لقوى التخلف على نشر أفكارها وتغلب على طابعها العام التشدد الديني والدعوة إلى العنف بشكل عام وضد المرأة بشكل خاص ، كما ظهر عند جماعة سمت نفسها بسرايا ( طاووسي ملك ) التي خونت الكثيرين وتوعدتهم وشكلت تهديدا حقيقيا ضد المرأة عندما وقفت بوجه حريتها تحت هذا الاسم المقدس .

- ظهور حركات وتنظيمات سياسية بين الأيزيدية اعتمدت الدين بالدرجة الأساسية ، شأنها شأن الأحزاب الإسلامية بدأت تقود المجتمع نحو التشدد والعنف والتخلف والخرافات .

- تراجع حاد في نسبة المؤيدين للأفكار التقدمية والأحزاب التي تتبناها والمدافعة عن حقوق المرأة ومساواتها ، وأعبر هنا عن استغرابي وأسفي الشديدين لعدم قيام لجنة محلية ده شت الموصل للحزب الشيوعي الكوردستاني بفعاليات تحد من هذا التخلف الإجتماعي من خلال وقوفه إلى جانب حقوق المرأة وغيرها من القضايا المرتبطة بهموم الناس التي ينبغي عليها أن تتصدرها والنضال في سبيل تحقيقها .

- إذا كان الوضع هكذا بالنسبة إلى مصادر القرار الأيزيدي والمؤثرة فيه ، فإن الحكومة الكوردستانية تتحمل مسئوليتها إزاء هذا التخلف الذي برز بشكل واضح في الاستفتاء الأخير بشأن ميراث المرأة ومهر الفتيات في القرى والمجمعات الخاضعة لإدارتها منذ انطلاقة الانتفاضة الآذارية (خانك ، شاريا ، باعذرة) فقد كانت النتائج الذكورية المريعة هناك دليلا واضحا وفق ما هو منشور على عمق التخلف الاجتماعي الذي يعانيه الأيزيديون ومنظمات المجتمع المدني الفحولية الناشطة في هذه المجمعات السكنية ، وهذا ما يزيدني إلحاحا لدعوة برلمان كوردستان إلى إقرار دستور مدني علماني هدفه الأول والأخير الإنسان الكوردستاني ، قادرا على حمايته وغلق الطريق على كل من يريد العبث بحقوقه وخصوصا نصفه الحيوي ( المرأة).

ولا شك كان لكل هذا التراجع والتدهور المريعان في الفكر الإجتماعي بين أبناء المجتمع الأيزيدي الذين يتعرضون إلى ضغوط شديدة للشعوذة الدينية وظهور العشرات من الأشخاص رجالا ونساءا يمارسونها تحت مسمى أصحاب الكرامات ( كوجه ك وفه قرا) والعديد من قراء قصائد وأبيات دينية والأسفار دون أي فهم لمقاصدها في المآتم والدواوين أثره السلبي العميق على الشخصية الأيزيدية وشكل تكوينها الناشئ بعد التغيرات السياسية في العراق حيث ترافق كل هذا مع الاستفتاء الأخير الرجعي النتائج والذي يشكل صدمة قوية لأصدقاء الأيزيدية من كل ناحية بسبب نتائجه الحزينة و إذ تؤكد الحياة إن الجرائم التي ترتكب من قبل قطعان تنتمي إلى هذا التخلف الإجتماعي ، هو ذاته التخلف الذي يقف وراء جريمة قتل دعاء بتلك الطريقة الوحشية والتي كانت أحدى نتائجه الصارخة ، ولابد من التأكيد بأنها تعتبر امتدادا لجرائم كانت ولما تزل ترتكب على الدوام بحق المرأة في المجتمع الأيزيدي كما في مجموع المجتمع الكوردستاني ، أفضعها جرائم حرق النساء التي تقيد في الغالب ضد ( البريموس) رغم اختفاءه لفترة ما ، أو قنينة الغاز بديلا عنه .

إذن هذه الجرائم هي نتيجة لكل ما ذكرناه ولكنها لازالت القوانين تعتبر مرتكبيها أشخاصا ، لا يمكن معها محاسبة النظام الاجتماعي أو السياسي . ولكن ألا يعد الاستفتاء على قانون الأحوال الشخصية الخاص بالأيزيدية ولاسيما بندان منه خاصان بحق المرأة بالميراث وقضية المهر بشكل استفزازي واستثناءا والنتائج المتمخضة عنه جريمة اجتماعية تتحمل مسؤوليتها المرجعية زائدا هيئتها الاستشارية وكذلك كل المجتمع وبكل شرائحه مع منظمات المجتمع ألفحولي التي تنشر تخلفا ، وفي حالة إقراره في برلمان كوردستان وفق نتائج هذا الاستفتاء يعد جريمة سياسية يتحمل ممثلو الشعب في البرلمان والمسئولين في السلطات الإدارية والحزبية مسئولية تشريعها وتنفيذها ، وجريمة قانونية تتحملها سلطات القضاء عواقبها ....؟؟؟

إذن نحن أمام تدهور مريع في العلاقات الاجتماعية ، وأمام أكبر حملة سلب حقوق للمرأة في المجتمع الأيزيدي . وليس على من تعز عليه كرامة مجتمعه وكرامة أفراد هذا المجتمع وكرامة المرأة فيه إلا أن يقف في وجه نتائج هذا الاستفتاء الذي نجم عن تخلف اجتماعي شديد وذلك من خلال .

1- الدعوة الصريحة لإلغاء المهر تماما في جانب النقد والإبقاء على رمزيته ، ولا يمكن أن يتعدى هذا الرمز اصغر فئة نقد ورقية سواء كان في العراق أو في المهجر.

2- الدعوة الصريحة لإلغاء التمييز في توزيع تركة المتوفى بين ذويه نساءا ورجالا .



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة