لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة... وإشكالية الفهم

عبدالحكيم الفيتوري
dr_elfitouri@yahoo.co.uk

2008 / 5 / 10

جاء في صحيح البخاري عن أبي بكرة(1)أنه قال:(لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن فارسا ملكوا ابنة كسرى قال: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)وبناء على هذا الحديث انعقد الاجماع على حرمة تولي المرأة الإمامة العظمى،والاتفاق على عدم ولايتها الولايات العامة كالوزارات وديوان الحسبة والمظالم والقضاء(2)،وصار شرط الذكورة شرطا إساسيا في الولاية الكبرى في الفكر السياسي الإسلامي(3)!! وإذا ما أردنا أن ننظر إلى هذا الحديث من خلال المنهج المتبع في سلسلة مقالات السنة هذه،والذي يقوم على ضرورة التمييز بين(إسلام النص وإسلام التاريخ)وترسيم حدود دائرة(الواجب والمباح)وفك الاشتباك بين(الشكل والمضمون)،فينبغي علينا أن نتناول هذا الحديث عبر ثلاث نقاط ،أولها معرفة مكانة المرأة في القرآن الكريم،وثانيهما أسباب ورود الحديث،وثالثهما مكانة الحديث من الهيكل الجديد لتقسيم السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم .

النقطة الأولى:مكانة المرأة في القرآن الكريم:

لم يدع استعراض القرآن الكريم برؤيته المقاصدية الانسانية مجالا للشك في أن أحد مهماته الكبرى كانت ضرورة محاربة التمييز والتفريق الذي عانت منها المرأة في تاريخ الجاهليات قبل الإسلام ،لذلك نجده ينص على أن المرأة تشارك الرجل في أصل الخلقة(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء)وهي تشاركه في أصل التكليف والمسؤولية الشرعية من إيمان وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان ،وحج البيت ،ومن هجرة وجهاد وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر(والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض،يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله ، اولئك سيرحمهم الله )وهي تشاركه في مجالات الأعمال المباحة كلها(فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى،بعضكم من بعض)ومن ثم تشاركه في الجزاء والعقاب في الدنيا والآخرة(ومن يعمل من الصالحات من ذكر وأنثى وهو مؤمن فاولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا)(من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة)وهي مستقلة عن شخصية الرجل تماما(للرجال نصيب مما اكتسبوا،وللنساء نصيب مما اكتسبن)(إن المسلمين والمسلمات..)(ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الانهار..)(يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم ..)كذلك فهي تقاسم الرجل قيادة البيت الأسري كلا في مجاله(الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من أموالهم)والقوامة في الاستخدام القرآني كما جاءت في ثلاث مواضع(الرجال قوامون)و(يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط)(يا ايها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط)فهي تعد إحدى صفات المؤمنين رجالا ونساء،وتعني القيام على أمر هذا الدين وفق منهج الشرع،والالتزام بالعدل والقسط،أما في البيئة الذكورية فالقوامة لها دلالات تغايرالاستخدام القرآني تماما فهي تعني القوة والغلبة لممارسة حق التهميش والسلب لحقوق المرأة وشخصيتها !!

وقد دون القرآن الكريم لنا ممارسة المرأة الأعمال الدعوية والتنظيمية والتجارية والرسالية والسياسية عبر تاريخ الأنبياء السابقين،كزوجة إبراهيم عليه السلام،وأم موسى،وبنات شعيب،وإم مريم،ومريم (النبية على قول)،وزوجة نوح وفرعون،ونقف عند مثال واحد برز فيه نجاح مرأة لقيادة سلطة عليا،وذلك من خلال قصة بلقيس ملكة سبأ التي كانت على رأس هرم المملكة(إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم)،وكانت صاحبة عقل وحزم(قالت يا أيها الملؤا أفتوني في امرى ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون،قالوا نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين)وقد تمهد القول عند أهل فن التفسير على أن ورود قصة ما في القرآن الكريم بدون تعقيب وتعليق تفيد الإقرار وصحة الاستدلال بها (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين).

وأخيرا نود أن نذكر بأن سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم قد جاء في ثناياها اسماء لنساء لمعن في فنون كثيرة،كالسرية والتنطيم ،والهجرة والجهاد،والبيعة السياسية الكبرى(بيعة العقبة)،والتجارة والسياسة،والعلم والدعوة، كأمثال السيدة خديجة،وأم جميل،وهند،وأم نسيبة،وأم طلحة،وأم الشفاء،وأم سلمة،وعائشة صاحبة الجمل وعملها السياسي العسكري رضى الله عنهن جميعا.

النقطة الثانية:ورود الحديث :

1- لابد أن نذكر بإيجاز ملخص ما جاء في صحيح البخاري ،وفتح الباري ،ومصنف ابن أبي شيبة ،وتاريخ الطبري ،وتاريخ الإسلام للذهبي وغيرها عن ذكر أسباب سياق الحديث ونسقه العام حيث تجمل هذه المصادر الأحداث والتطورات التي أحاطت بسياق هذه الحديث وهي مما تسهل علينا الإمساك بالمقدمات التاريخية والاسباب الاجتماعية والسياسية لفهم هذا الحديث ،فإن الحديث قد قيل يوم معركة الجمل وما أدراك ما يوم الجمل ،تلك المعركة التي كانت بعد مقتل الخليفة عثمان،وانفراط عقد المسلمين ،وإيقاد الفتن بين الاخياروالتي تذبذب فيها ولاء الأمة السياسي بين ولاية علي ومعاوية ؛الأمويين والطالبيين،فكان مما كان أن تقدم طلحة والزبير لعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها على أن تقوم بعمل سياسي لإصلاح ذات البين ورأب الصدع بين دمشق والبصرة،والمطالبة بالقصاص من قتلة عثمان ،وقد تم الاتفاق على ذلك وتم تجييش الناس حول هذه القضية،وانطلق الجميع صوب مدينة البصرة مقر خلافة على ،وحالما التقى الجمعان لم يلبثا أن تنازع ونشبت الحرب بين الجمعين فراح ضحية تلك المعركة ثلاثة عشر ألف قتيل(كما قال الذهبي)،وفي هذه الاجواء التدافعية الملأى بأغبرة المعركة وتنازع السلطة جاء ورود حديث(لن يفلح قوم ولوا امرهم امرأة)،علما بأن راوى الحديث ابن أبي بكرة كان من مؤيدي أصحاب الجمل(عائشة)قبل أن يهزموا!! فقد أخرج ابن أبي شيبة عن أبي بكرة أنه قيل له:(ما منعك أن تقاتل مع أهل البصرة يوم الجمل؟فقال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:يخرج قوم هلكى لا يفلحون قائدهم امرأة في الجنة. فكأن أبا بكرة اشار إلى هذا الحديث فامتنع من القتال معهم ، ثم استصوب رأيه ذلك في الترك لما رأى غلبة علي)!!

ولجملة هذه الاعتبارات وظروف الفتنة التي ورد في سياقها الحديث يمكن القول بأنها تمهد السبيل إلى فهم هذا الحديث على أساس أنه تنصيص سياسي أكثر منه نص شرعي،زد على ذلك فإن هذا الحديث لم يذكر لعائشة أم المؤمنين قبل المعركة حتى تراجع نفسها عن مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم وهي من فقهاء الصحابة،كما تم ذلك لبعض الصحابة حين ذكروا بعد نشوب المعركة بنصوص تشير إلى عدم صحة قتال علي وقد استجابوا لذلك التذكير ومن أمثال هؤلاء الزبير فعندما خلى به علي يوم الجمل قال له:أنشدك الله هل سمعت رسول الله يقول وأنت لاوي يدي:لتقتاتلنه وأنت ظالم له ثم لينصرن عليك..)فقال نعم ثم رجع عن مقاتلته ،ولا يخفى أن الزبير وطلحة هما أصحاب فكرة خروج عائشة كرمز سياسي وهما فارسا المعركة من الناحية العسكرية .كذلك لو كان لعلي علم بعدم ولاية المرأة لما توانى لحظة واحدة عن الاستدلال والاحتجاج به على عائشة أم المؤمنين لكي ترجع من حيث أتت كما فعل مع الزبير وقد كان علي في أمس الحاجة إلى نص يفك الاشتباك ويحفظ الدماء ،بيد أنه تعامل مع عائشة بعد المعركة بما أخرجه أحمد والبزار بسند حسن من حديث أبي رافع أن رسول الله قال لعلي بن أبي طالب:إنه سيكون بينك وبين عائشة أمر، قال :فأنا أشقاهم يا رسول الله ؟ قال:لا ولكن إذا كان ذلك فأرددها إلى مأمنها)وكان منه ذلك حيث ردها بعد انتهاء المعركة إلى مأمنها مع أخيها عبدالرحمن .

2-ولعل في رواية أبن أبي شيبة عن أبي بكرة لما سئل:(ما منعك أن تقاتل مع أهل البصرة يوم الجمل؟فقال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:يخرج قوم هلكى لا يفلحون قائدهم امرأة في الجنة).دلالة وبيانا على أن الرواية إخبارية تصف طائفة تنهزم وتخسر معركة ما ،ومن أوصاف هذه الطائفة أن قائدها امرأة من أهل الجنة،واللطيفة في هذا الحديث أنه وسم الطائفة بالهلكة وعدم الفلاح في المعركة إلا أنه قد أضفى على قائدتها(قائدهم امرأة)وصف القيادة ولم يسلبها ذلك الوصف مما يفهم منه أن سياق الحديث كان متوجها صوب تصويب الجيش المنتصر وقربه من الحق وليس إدانة لقيادة المرأة للجيش المنهزم !!

من خلال ذلك يمكن فهم دلالة حديث(لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)على أساس أنه حديث أخباري وليس إنشائي وذلك بالنظر إلى المحتوى التاريخي وعلاقة الفعل السياسي وردوده ،فقد كان سياق الحديث بعد مراسلة الرسول صلى الله عليه وسلم قيادات العالم بالدعوة الجديدة وكان كسرى ضمن أولئك الملوك الذين كاتبهم النبي ،فلما وصله كتاب النبي وقرأه مزقه،فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمَّزقوا كل ممزق .وبعد فترة من الزمان تناقلت الأخبار إلى مسامع رسول الله بأن كسرى قد مات فملكوا ابنته بوران ،فقال صلى الله عليه وسلم (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)!!

واللافت للنظر أن مكاتبة النبي صلى الله عليه وسلم لـ(كسرى ابرويز)ملك فارس كانت السنة التاسعة من الهجرة كما أشار إلى ذلك البخاري(*)،ثم تولى ابنه(شبرويه بن كسرى ابرويز)الذي هلك لثمانية أشهر من مقتل أبيه،ثم وتولى أبنه(أردشير)وكان طفلا ابن سبع سنين وقتل بعد سنة ونصف من ملكه،ثم ملكوا(بوران)بنت(شيرويه بن كسرى بن برويز)،وهكلت لسنة وأربعة أشهر من حكمها!! والذي استوقفني في دراسة هذا الحديث أن مراسلة كسرى كانت العام(9)هجريا،ثم تولى أبنه لمدة(8أشهر)،ثم أبنه الآخرلمدة(عام ونصف)وهي في مجموعها تصل إلى(عامين وشهرين)،ثم تولت بعد تلك الحقبة(بوران)بنت شيرويه لمدة(سنة وأربعة أشهر)،أي أن مدة حكم الذكورمن آل كسرى امتدد من العام(9)إلى ما يقرب العام(11)هجريا!!والمتفق عليه أن النبي–فداه أبي وأمي-قد انتقل إلى الرفيق الأعلى السنة(10)هجريا أي قبل تولي بنت كسرى الحكم بعامين!! ومن هنا فأن التأمل في جملة هذه المعطيات يسهل السبيل لفهم الظروف الملموسة التي أحاطت بسياق هذه الحديث ونسق التعاطي معه والفهم المغلوط الذي تأسس عليه عبر إجيال إسلام التاريخ !!

النقطة الثالثة: ينبغي فرز السنة من الحديث .

دعونا جدلا نتصور هذا الحديث أنه لا يخالف الرؤية الكلية المقاصدية للقرآن ،وليس به شذوذ ولا علة في متنه،فهل يمكن لنا إعادة تصنيفه ضمن الهيكلية الجديدة للسنة النبوية بأقسامها الثلاث السنة(التشريعية)التي تفيد الوجوب،والحديث (قيادي+ جبلي)يفيد الإباحة ؟ وهذا التصنيف يهدف إلى إعطاء رؤية كاملة لإسلام النص من مختلف نواحيه بنظرة شاملة هدفها التوصل إلى الاتجاهات الرئيسة التي كونت أحداثه وأكسبته صفاته الاساسية،وهذه الرؤية تمنح العقل قدرة على تمييز النص الملزم من غيره،واستعراض ومناقشة ما جاء في إسلام التاريخ من إجماعات وفق مسارب النص الملزم ودلالاته ،وتسهل عليه بموجبها وضع التفاصيل في محلها المناسب من الهيكل واعطاءها قيمتها الدلالية الحقة،ومن ذلك الاجماع على حرمة ولاية المرأة والتأكيد على سلب حقها السياسي والاجتماعي !!

والسلام

(1)أبو بكرة الثقفي الطائفي صاحبي جليل رضي الله عنه،وقصة عمر مشهورة في جلده ،ثم استتابهم(ابا بكرة،ونافعا،وسبل) ، فأبى أبو بكرة أن يتوب ،وتاب الآخران، فكان إذا جاءه من يشهد يقول:قد فسقوني.مات في خلافة معاوية بالبصرة.(سير أعلام النبلاء ، للذهبي:3/6)

(2)أبو حنيفة كان يرى جواز توليهاا ولاية القضاء فيما تشهد فيه ، والطبري أجاز لها أن تكون حاكما على الاطلاق ،وقد انكر نسبة هذا القول إليه ابن عربي وغيره !!

(3)انظر:الأحكام السلطانية لأبي يعلى الفراء ، والماوردي .

(*)قال الحافظ ابن حجر صنيع البخاري يقتضي أنه كان في سنة تسع، فإنه ذكره(أي حديث ابن أبي بكرة) بعد غزوة تبوك. قلت:ويقوي أن مكاتبة الملوك كانت في سنة تسع وليس في سنة سبع بأن جميع من بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرسل رجعوا جميعا قبل وفاته غير عمرو بن العاص ،بما يعني أن سنة واحدة قد غطت جل مدة غياب المبعوث ذهابا وإيابا عاد عمرو ، أما لو قلنا سنة ستة أو سبع يعني أن المبعوث قضى قرابة أربعة سنوات وهذا لا يستقيم



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة