المرأة والازدراء المركب (1-5)

عبدالحكيم الفيتوري
dr_elfitouri@yahoo.co.uk

2008 / 6 / 20

المرأة والازدراء المركب (1-5)

" حديث العقيقة نموذجا "

روى أحمد والترمذي والنسائي وابن أبي شيبة وغيرهم من أهل الحديث روايات كثيرة منسوبة إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام تقرر مبدأ تفضيل الذكر على الأنثى، وتمييزه على الانثى منذ ولادته، ومن ذلك تفضيله للذكر على الأنثى في العقيقة(=العقيقة هي اسم الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم السابع من ولادته).حيث جاء في الرواية،أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة. (1) والمشكل الذي تطرحه هذه الرواية بطرقها المتعددة وأسانيدها المختلفة، أن الاسلام المنزل جاء بالتمييز بين الذكر والأنثي، والحط من قيمة الأنثى لصالح رفعة مكانة الذكر ومنزلته، ومعلوم بالبديهية أن الإسلام المنزل رسالة تحرر وانعتاق، وثورة على الأعراف الجاهلية، خاصة تلك الأعراف التي تحتقر الأنثى لجنسها منذ قدومها لهذه الدنيا إلى مغادرتها، فقد كانت المرأة قبل الإسلام ترزخ تحت وطأة الظلم الاجتماعي والحيف الثقافي، إلى أن جاءت الرسالة القرآنية بقيمها الإنسانية حيث ساهمت في تعديل صورة المرأة وإعادة تشكيلها وفق قيم القرآن ومبادئه الانسانية ، ولكن ما لبثت هذه الصورة أن رجعت القهقري إلى سيرتها الأولى وذلك بتأثير الروايات وفكر الرواة في حقبة إسلام التاريخ .

وقبل الولوج في صلب الموضوع لابد من التأكيد على أن سلة الروايات ومسالك الاسانيد متراكمة ومزدحمة لدرجة التناقض والتباين غير الممكن. ولا يمكن فك الاشتباك وقراءة الموضوع إلا من خلال تحكيم القرآن، والعقل، والواقع في هذه السلة المزدحمة بالاسانيد والمتون المختلفة والمختلقة. لذا فقد وزعت هذه المقالة على نقاط أساسية،الأولى: البحث عن أصل فكرة العقيقة في العهد القديم،وعند العرب قبل الإسلام.والنقطة الثانية: البحث عن فكرة العقيقة في القرآن والرواية.النقطة الثالثة: عرض صورة المرأة كما جاءت بها الرواية ولكن بلغة فنية مسرحية.ثم الخلاصة.

النقطة الأولى: فكرة العقيقة في العهد القديم.

تقديم القرابين الحيوانية سنة من سنن البشر منذ قدم الانسان، بل هنالك مجموعة بشرية في التاريخ الغابر كانت تقدم الإنسان قربانا عوضا عن الحيوان كما صنع الفراعنة مع نهر النيل. ولكن هنالك حقيقة فلسفية لابد من مراعاتها وهي أن العقل الانساني قد تطور إلى أطوار متعددة؛ من عقل فطري إحيائي، مرورا بالعقل التقابلي، ومنه إلى العقل البرهاني، وصولا إلى العقل المقاصدي؛ الذي يعد بمثابة العقل الختامي في سلم تطور العقل البشري. وفي المقابل تدرج الوحي والشرائع في خط سهمي متحرك باعتبار مراحل تطور العقل الانساني ضمن إطاره الزماني والمكاني .(2)

كما يمكن تصور هذا التطور العقلي والتدرج التشريعي بالقراءة السهمية لفلسفة القربان والذبائح عند البشر من خلال نظرة فلسفية لفكرة العقيقة في العهد القديم ،حيث أنه قد اخذ مبدأ القربان عن ديانات الشرق القديمة، وطور ذلك بما يناسب معتقداته الدينية، والأنساق الاجتماعية التي كان يتحرك من خلالها ويؤثر فيها، حيث قسم الذبائح إلى أقسام متنوعة ، وبأهداف ومقاصد متعددة، وباسماء مختلفة، فهناك أنواع من الذبائح كـ(الهدي،والنذر،والكفارة،والعقيقة)تقدم بمقاصد متعددة بغية الحصول على رضى الله سبحانه وثوابه،أو خوفا من عقابه، أو طلبا للنجاة من مكروه، أو شكرا لنعمة، أو دفعا للبلاء، أو إيفاء بنذر وغير ذلك من الغايات المعلومة عند أصحاب الديانات السماوية.

ومن ضمن تلك الذبائح في العهد القديم ذبيحة العقيقة التي تقدم بمناسبة المولود بغية شكر الإله على نعمة المولود وسلامته. فقد جاء ذكر مقاصد العقيقة في سفر اللاوبيين من ضمن الذبائح المشروعة، فبعد أن قسم الذبائح إلى قسمين ذبائح المحرقات،وذبائح الخطية.قال: فالذبائح المحرقات: تذبح وتوضع على النار فتأكلها النار جميعها حتى تتحول إلى رماد ولا يأكل منها الكاهن ولا الإنسان الذى قدمها ولا أحد من البشر على الإطلاق، كلها للنار، أى كلها للرب. هذه تمثل غرضا معينا ليس هو فداء الإنسان إنما إرضاء الله الغاضب على الخطية.أما ذبائح الخطية: هذه تقدم فداء عن الإنسان حتى لا يموت الإنسان. وذلك لأن الخطية كان لها نتيجتان،إحزان قلب الله، وهلاك الإنسان.(3)

ولا يخفى أن مقاصد ذبائح الخطية تتفق مع مقصد(العقيقة) من حيث أنها تقدم فداء عن الانسان حتى لا يموت المولود، وشكرا للرب على سلامة المولود. واللافت للنظر أن لهذه الذبيحة(العقيقة)في العهد القديم من مراسم وطقوس اشبه بتلك الطقوس التي كانت عند العرب وجاءت بها بعض الروايات والاسانيد، من هذه الطقوس ما هو مرتبط بالذابح ، ومنها ما هو مرتبط بالذبيحة ومكانها، جاء في سفر اللاوبيين(مقدم الذبيحة يضع يده على رأس الذبيحة شاعراً أنها تنوب عنه).(..كان دم الذبيحة يرش أولاً على المذبح الذى لدى باب خيمة الإجتماع (مذبح المحرقة)وكان الكاهن فقط هو الذى يرشه؛ فرش الدم للتكفير للمغفرة من عمل الكاهن فقط، ويرش الدم على حائط المذبح، وفى بعض الذبائح يرش الدم على الحجاب وأسفل المذبح إشارة إلى أن المذبح تأسس بالدم، ولولا الدم ما كان هناك مذبح، وإشارة إلى أن الصلوات التى تصلى على المذبح تأخذ قوتها من الدم. فى ذبيحة الخطية كانوا ينضحون من الدم على الحجاب سبع مرات إشارة إل أنها كفارة كاملة فرقم 7 يشير للكمال.(4)

واللافت للنظر أن رواية حديث(العقيقة) جاءت مشبّعة لحد كبير بذات الطقوس والمراسم التي جاء ذكرها في العهد القديم من معاني تلطيخ المكان، ورش الحجاب، ونضحه بالدم سبع، لتحقيق مقاصد العقيقة من اعتاق المولود وشفاعته لوالديه، وكفارة كاملة، كما قال الفقهاء: إن الولد محبوس عن الشفاعة لوالديه حتى يعق عنه، وهذا دليل وجوب العقيقة.وهذا مذهب جمهرة من السلف كأحمد وعطاء، والخطابي، والبيهقي وغيرهم. وهناك من رأى أن الناس يعرضون يوم القيامة على العقيقة كما يعرضون على الصلوات الخمس.كما نقل ابن حزم عن بريدة الأسلمي وفاطمة بنت الحسين. أيضا جاء ذكر طقوس تلطيخ رأس المولود بدم عقيقته قريبا من طقوس العهد القديم وعرب الجاهلية، حيث نقل الراوي رواية عن رسول الله( كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم السابع ويحلق ويدمَّى).(5) فهناك من رد هذه الزيادة(ويدمى)، ولكن ثمة من قبلها وصارت مذهبه كالحسن البصري، وقتادة من التابعين، وابن حزم، وقول عند الحنابلة !!

ويضيف أبو هريرة نقطة إيضاحية-بحكم مرافقته لكعب الأحبار-(6)بأن العقيقة كانت معروفة في شريعة موسى عليه السلام، فقد رفع إلى رسول الله رواية جاء فيها(إن اليهود تعق عن الغلام كبشا ولا تعق عن الجارية، فعقوا عن الغلام كبشين وعن الجارية كبشا).(7) والملاحظ أن معادلة الرواية هي ذات المعادلة التوراتية ولكنه بصيغة معدلة،بمعنى أن العقيقة في العهد القديم كانت بمعادلة، خروف واحد على الذكرولا شيئا على الأنثى(=1-0)وفي رواية أبي هريرة بمعادلة(2-1)خروفان على الذكر وواحد على الأنثى، مما يعني أن التمييز بين الذكر والأنثى في كلا المعادلتين لازال قائما، فقط المعادلة الأولى منسوبة للعهد القديم، والمعادلة الثانية منسوبة بطريق الرواية لرسول الله ، مما يشير إلى أن أصل فكرة العقيقة التي جاءت بها الرواية توراتية المنزع !!

يتبع



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة