الحجاب بين دعوتين

علي الخياط
ali_khaeeat@yahoo.com

2008 / 10 / 24

منذ بداية القرن العشرين شغلت وطننا العربي معركة حامية بين انصار التقاليد الاسلامية المحافظين على هويتها وبين دعاة التطوير والتحرر، والمطالبين بسفور المرأة ونزع حجابها وتعرية المراة، اما انصار الاسلام والمحافظين عليه يرون ان الحجاب هو النموذج الامثل التي ينبغي ان نصونه ونحافظ على منهجه وحدوده في اتباع الشريعة الاسلامية لذلك يعتبرون ان الحجاب يعطي للمراة قوة وجمال وهيبة ويحافظ على المراة الذي تعتز به وتحافظ عليه ،وفي حياتنا وتقاليدنا الاسلامية المستمدة من الاسلام جيل بعد جيل ونستمد منه اصالتنا الاسلامية، وكما ذكر في القرآن الكريم هناك العشرات من الآيات الصريحة التي تحكم بالحجاب منطوقاً ومفهوماً بقول عزّ اسمه:
(قل للمؤمنين يغضّوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون* وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنّ ويحفظن فروجهنّ ولا يبدين زينتهن...).
ويقول سبحانه: (وقرن في بيوتكنّ ولا تبرجن تبرّج الجاهلية الاولى...) (...والحافظين فروجهم والحافظات) إلى العديد من آيات الكتاب العزيز التي تؤكد على تشريع الحجاب ووجوبه على النساء باعتباره حكماً شرعياً ملزماً وجزءاً من الاسلام والايمان،.ان الدعوة إلى السفور في العراق بدأت منذ العشرينات؛ حيث وجدت لها أرضًا خصبة لدى البعض من الذين تأثروا بالغرب وانفتاحه المشين على الاخر(الرجل والمرأة) وبدعة وخدعة المساواة ،وحقوق المرأة المسلوبة وعبوديتها رفعوه شعارا لانحلالهم وخاصة الشاعرين (جميل صدقي الزهاوي) و(معروف الرصافي) والمعروفان لدى الجميع بانحلالهم الاخلاقي وبعدهم ونفورهم من التعاليم الاسلامية والاخلاقية.
،فالزهاوي يذكر في إحدى مقالاته أنَّ المرأةَ المسلمةَ مهضومةٌ؛ لأنها وهي في الحياة مقبورة في حجابٍ كثيفٍ يمنعها من شمِّ الهواء، ويمنعها من الاختلاط ببنات جنسها وابناء جلدتها مما يحعلها ان تكون بعيدة عن الاستئناس معهن، والتعلم منهن في مدرسةِ الحياة الفسيحة، وراحَ يعدد مضارَّ الحجاب، بأنه سببٌ من أسبابِ الجهل، ويعزو عدم اكتشاف المسلمين اليوم لأمرٍ جديد إلى حجابِ النساء، ويدعو إلى كسرِ سلاسل العادات، ورفع الحجاب.وختَم مقاله بقوله: "وليس ذلك بثقيلٍ إذا أتوه من بابِ الحكمة، فأشاعوا مضارَّه، ورفعوه تدريجيًّا، وإلا دارت عليهم الدائرة، وانحطَّ المجتمعُ فلم يقدر أن يزاحم الغربيين المشمِّرين للسعي في طريق الارتقاء"، ثم أنشد:

أَخَّرَ المسلمين عن أمم الأرضِ حجابٌ تشقى به المسلمات

لكنَّ (الزهاوي) لم يقف عند ذلك الحدِّ؛ بل نظم قصيدةً قال فيها :

أسفري فالحجاب يا ابنةَ فهرٍ هو داءٌ في الاجتماع وخيمُ

ثم قال في قصيدته التي أعلن فيها حربه على الحجاب:

مزِّقي يا ابنةَ العراق الحجابَا وأسفري فالحياةُ تبغي انقلابا
مزقيه وأحرقيه بـــلا رَيْثٍ فقد كان حارسًا كذابا
زعموا أنَّ في السفور سقوطًا في المهاوي وأَنَّ فيه خرابا
كذبوا.. فالسفور عنوانُ طُهرٍ ليس يلقى مَعَرَّةً وارتيابا
اما الحروب الاخرى على الحجاب في وطننا العربي (المسلم)فكثيرة ومتشعبة ،فالسلطات التونسية شنت حملتها ضد الحجاب والمحجبات، خاصة في محافظة "بنزرت" الشمالية، حيث منعت عشرات المحجبات من ارتياد المدارس والمعاهد.وامام مسمع ومرأى العالم الاسلامي،والمدافعين الذين هدروا باعلى اصواتهم حين منعت المحجبات من الدراسة في فرنسا العلمانية او منعت من بعض الحكومات الاوربية،ولكن لم نسمع لهم صوتا ،حين منعت في الديار الاسلامية وهذه هي قمة النفاق،فيما أكد مصدر حقوقي بلجنة الدفاع عن المحجبات في تونس، أنَّ مدير المعهد الأعلى للدراسات التكنولوجية بالمحافظة ، منع أكثر من 60 طالبة محجبة من الدخول إلى المعهد. كما هدد المحجّبات بالطرد النهائيّ من المعهد، إن لم يخلعن كل أشكال تغطية الرأس؛ الأمر الذي أثار بلبلة في صفوف الطلبة. مما اضطر هؤلاء المحجبات ان يتجمعن أمام المعهد، مما أجبر الكاتب العام إدخال بعضهن إلى مكتبه للتفاوض، قبل أن يتّفق مع عدد منهنّ على تغيير شكل حجابهن، وارتداء زيّ تونسي حتَّى يتسنَّى لهن الدخول ومزاولة دراستهن. ونقل عن اللجنة التونسية دعوتها لوقف ما أسمته "الانحدار المشين الذي يمسّ القيم الدينية والوطنية للشعب التونسي"، ومراجعة هذه الممارسات التي لا تخدم البلاد وتساهم في تأبيد الشرخ بين الحاكم والمحكوم. اما في (المحروسة) مصر ومعقل الاخوة المسلمين وجامع الازهر، صرح فاروق حسني- وزير الثقافة المصري حول الحجاب، ووصفه له بأنه عودة إلى الوراء، وقوله إن النساء بشعرهنَّ الجميل كالورود التي لا يجب تغطيتُها وحجبُها عن الناس!! ونصب نفسه مفتيًا يقدم أحكام الإسلام إلى الناس.
وقال الوزير إنه لن يعتذر؛ لأنه- على حدِّ قوله- لم يخطئ، وإن ما قاله يُعتبر رأيَه الشخصيَّ، وطالَبَ بالتخلِّي عن ثقافة نفي الآخر وإرهابه،و أكدت لجنة الحريات التابعة الى نقابة الصحفيين المصريين منع مذيعات يعملن في القناة الخامسة للتلفزيون المصري المخصصة لمدينة الأسكندرية من الظهور على الشاشة بسبب أرتدائهن للحجاب وأعلنت اللجنة تضامنها مع المذيعات وللعلم فقد وصل عدد المذيعات اللواتي تحجبن الى ( 24 ) مذيعة على صعيد التلفزيون المصري وقد تم تحويل بعضهن الى العمل الأداري أو الأعداد لبرامج تقدمها مذيعات اخريات،وفي سوريا تقدمت أهل طالبة في الصف الأول الإعدادي بدعوى ضد إدارة مدرسة في حلب بسبب قيامها بطرد الطالبة لارتدائها الحجاب، وذكرت المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان أنه في بداية العام الدراسي قررت الطالبة (يارا برو) وضع الحجاب ودخلت المدرسة بزيها الجديد ؛ لكن المدرسة طردتها ، وبعد محاولات حثيثة لإعادة الطالبة إلى المدرسة، لم تقبل الإدارة عودتها إلا إذا نزعت الحجاب،وهكذا في الكثير من البلدان الاسلامية التي تعاني من اضطهاد للحجاب والاسلام وتحت انظار ورعاية الملوك والروؤساء العرب الغيورين على ارضاء اليهود واعداء الاسلام، فكثيرًا من المفكرين العرب ينكرون الحجاب كفريضة إسلامية من منطلق علمانيتهم، والذين يعيشون هذا الهاجس أصبح لديهم عقدة متأصلة ومتشعبة ضد الإسلام، على كافة المستويات الفكرية والثقافية والاجتماعية وحتى السياسية والاقتصادية والرمزية، لدرجة أنهم يؤيدون ما يفعله( الغرب ) ضد المحجبات المسلمات هناك، رغم أن الأمر في هذه الحالة إنما هو مسألة حرية شخصية في اختيار الزي، لا أكثر ولا أقل.،واكثر الكتاب قد سخروا أقلامهم وجهودهم لتشويه الحجاب.. وتحرير المرأة ـ زعموا ـ وهم ينادون في مجلاتهم المشبوهة.. وقنواتهم الهابطة بحرية المرأة.. وكأنّها تعيش حالة من الاستعباد والمهانة ويصورونها بجلبابها وكأنّها ارتكبت منكرًا لاسامح الله وهم ـ كما هم ـ يرددون شعارات لطالما صرح بها الغرب ورددوها بعده مثل الببغاء.. فقد قالت آنا مليجان: "ليس هناك طريقة لهدم الإسلام أقصر مسافة من خروج المرأة سافرة متبرجة. ويقول غلادستون أيضا: لن يستقيم حال الشرق ما لم يرفع الحجاب عن وجه المرأة ولانعرف الرقم الحقيقي من الاموال الغربية التي تدفع الى بعض الكتاب والمفكرين العرب من اجل توسيع حملتهم الشعواء على المرأة المسلمة والحجاب والاسلام ككل .



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة