هل العباءة سجن النساء المنشود من قبل جمهرة من رجال الدين؟ نحو موقف أكثر حزماً وجرأة لصالح المرأة في العراق!

كاظم حبيب
khabib@t-online.de

2004 / 2 / 29

لم تسترد المرأة حتى الآن تلك الحقوق البسيطة التي تحققت لها بنضالها في أعقاب ثورة تموز 1958. ولم ينتظر هؤلاء الذين يريدون حرمان المرأة من حريتها وحقوقها الديمقراطية طويلاً إذ سرعان ما بدأوا الهجوم قبل أن تبدأ المرأة المطالبة بحقوقها المشروعة والمغتصبة, فكان القرار البائس رقم 137 الذي ألغي أخيراً بنضال المرأة جنباً إلى جنب مع الرجل. وكان هذا الانتصار البسيط انتصاراً للمرأة والرجل في آن واحد, أو بتعبير أدق انتصاراً للمجتمع كله. لقد كان ذلك القرار بمثابة البدء بالهجوم على حرية المجتمع بأسره على وضع الناص, وخاصة المرأة في قوالب غير مرفوضة أصلاً من قبل المجتمع, ولكنها فرضت عليه عبر السنين وعير تقاليد بالية. إن بعض رجال الدين يريدون حبس المرأة في سجن أسود وفرض قواعد وضعية لم تعد مقبولة في القرن الحادي والعشرين لم يتنحدث عنها أو بها القرآن بأي حال من الأحوال. جاء الإلغاء بتاريخ 27/2/2004 بمثابة مكسب مهم للمرأة العراقية. ولكن على المرأة أن لا تتوقف عند هذا المكسب وتعتبر المسالة وكأنها قد انتهت, إذ سرعان ما سيشن هؤلاء جولة جديدة وبصيغ مختلفة صراعاً ضد المرأة, فهم مهووسون بخنق حرية المرأة ووضعها خلف الحجاب وتسليط هيمنتهم عليها في البيت والعمل والجامعة والشارع وفي كل مكان. إن كفاح المرأة العراقية قد بدأ الآن وعلينا أن نقف معها ونناضل من أجل حيتها, وهي جزء من حريتنا أيضاً نحن الرجال. 
بدأ أمين العاصمة الذي عين من قبل السيد بريمر عمله بفرض ارتداء الحجاب على النساء العاملات في أمانة العاصمة في بغداد. ويبدو أن هذا الرجل قد تصور نفسه أحد هؤلاء الذين سيقدم خدمة لأولئك الذين يسيطرون اليوم على الشارع العراقي ويفرضون ما يريدونه بقوة والتهديد والسلاح, تماماً كما يفعل البعض حين يرسلون أزلاماً من الأوباش لتأديب عميد كلية ما بالفلقة أو لتهديد أستاذ جامعة ما بالقتل أو تهديد الطالبات اللواتي لا يردن ارتداء العباءة بالعقاب. وهؤلاء يذكروننا بصاحب الثلاثية الراحل والمعروف باسم أبو "الذباب والفرس واليهود" الذي كان يرسل أوباشه لصبغ سيقان البنات اللواتي كن يرتدين التنورة العادية وكان يريد لهن أن يلبسن التنورة الطويلة, إنه الدكتاتور الصغير خير الله طلفاح, خال الدكتاتور المخلوع صدام حسين. ولم يبق أمين العاصمة الجديد سوى 24 ساعة في منصبه فالسيد بريمر "حفظه الله ورعاه!" أصدر أمره السليم بإزاحته عن منصبه, وإلا لكان طامة على العراقيات والعراقيين, فمن يبدأ عمله ضد أمه وأخته وزوجته وعمته وخالته ..الخ ويسعى إلى سجنهن اجتماعياً وسياسياً لا يرجى منه خيراً ولا نفعاً لأهالي بغداد العاصمة ولا لشعب العراق كله.        
أود في هذه المقالة القصيرة أن أوجه نداءاً للمرأة العراقية, للأخت والأم والبنت والقريبة, إلى الرجل العراقي يتضمن الرؤية التالية:
لنناضل معاً من أجل حرية وحقوق المرأة كاملة غير منقوصة, تماماً كما وردت في لائحة حقوق الإنسان الدولية وفي الوثيقة الخاصة بحقوق المرأة الصادرة عن الأمم المتحدة. لندع المرأة تتصرف كما تريد وتبتغي, وعلينا أن نساندها بكل قوة من أجل أن تمتلك حريتها وإرادتها الحرة وأن تتصرف كما تشاء دون قيود. من حق المرأة أن تقرر حريتها بنفسها, ولا بد من تقديم التضحيات في سبيل هذه الحرية الغالية. على المرأة أن تنزع العباءة إن شاءت ذلك فليس من قانون أو قرار يمنعها من ذلك, وإذا ما قررت المرأة ذلك فليست هناك من قوة على هذه الأرض تستطيع منعها من رمي العباءة جانباً. القرآن, كتاب الله الكريم, لم يفرض على المرأة ارتداء العباءة ولا الإسلام الحقيقي فعل ذلك, بل بعض رجال الدين ومن يتبعهم, هم الذين فرضوا ذلك منذ الفترة المظلمة من العهد العباسي حيث عم الحريم والجواري والقيان في البلاد, وعلينا رفض ما يريدون فرضه على المرأة بكل حزم وصرامة.
لا أقول بأن على كل النساء خلع العباءة, وأن كنت أتمنى أن يحصل ذلك, فهو أمر متروك لهن, ولكن على النساء إن يفعلن إن شئن ذلك, إذ أن العباءة قيد لا معنى له ولا مبرر فيه سوى حبس المرأة وفق إرادة الرجل الغيور الذي لا يثق بالمرأة ويتصور أنها قليلة أو ناقصة العقل, في حين أن ناقص العقل هو من يفكر بهذا الصيغة.
كم أتمنى أن أرى نساء العراق يتحدين أولئك الرجال الذين يحاولون فرض العباءة والقيود عليهن. إن البداية صعبة, إذ أعرف جيداً الظروف السائدة حالياً في العراق, ولكني أدرك بأن مجموعة جريئة من النسوة سوف ينهضن بهذه المهمة الجليلة ويخلعن عنهن قيود الحياة الماضية القاسية وينطلقن إلى أجواء الحرية والديمقراطية ويفرضن حقوقهن على الذكور ويكسبن العقلاء منهم إلى جانبهن في هذا النضال السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي العسير. إلا أن المرأة ستنتصر في نهاية المطاف وسينتصر المجتمع معها ضد ظلمات القرون البائدة. إن حركة حقوق المرأة المقدامة ستنتصر وستخلع عنها نير القرون الماضية وتتصدى لمحاولات العودة بها إلى تلك القرون السحيقة.

برلين في 28/2/2004        كاظم حبيب              



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة