التحرش الجنسي في الجامعات ،حدث عابر أم ظاهرة متفشية ؟

عائشة التاج
aichataj@yahoo.fr

2009 / 10 / 1

ونحن نصعق بخبر من حجم فاجعة مقتل باحثة شابة على مشارف مناقشة أطروحة في "علوم البحار"من طرف أستاذها المشرف ،لايسعنا إلا أن ننتفض بما استطعناه سبيلا احتجاجا على مستوى التردي الخلقي الذي وصلته جامعاتنا في عهد التردي هذا على أمل أن تكون هذه الحادثة الغريبة من نوعها فرصة لمراجعة الذات "الجامعية والتربوية عموما قصد معالجة بعض الآفات المتراكمة داخلها .
"عندما يكون حاميها حراميها" لا شك ان الحادثة تأخذ دلالات كثيرة تتجاوز المنحى الأخلاقي في مفهومه الضيق والشخصي لتطرح علينا المسألة في بعدها المؤسساتي حيث تتداخل العديد من العوامل والأسباب لتفرز لنا وضعا مشينا كهذا .
الابتزاز كظاهرة إدارية بامتياز

قضية الباحثة سناء ليست إلا تلك الشجرة التي تخفي الغابة داخل العديد من مؤسساتنا ، حيث ينتشر التحرش الجنسي الذي قد يصل درجة الابتزاز مقابل قضاء مأرب إداري ما ،يتحول داخل منظومة التسلط الإداريي إلى امتياز يناور به بعض القائمين على شؤوننا حسب أمزجتهم وحاجياتهم الخاصة ضدا على كل القوانين والقيم و الأعراف النبيلة.
لا شك أن التحرش الجنسي داخل الفضاء الإداري يدخل ضمن منظومة الفساد بكل أصنافها من رشوة ومحسوبية وزبونية حيث يتحول نفوذ المنصب إلى نوع من الريع يسعى صاحبه من خلاله إلى مراكمة الامتيازات لصالحه عبر النهب الممنهج الذي يتجاوز في هذه الحالة المستوى المادي إلى ما هو معنوي كالشرف والكرامة وباقي الحقوق المعنوية إلا أن حساسية الموضوع تجعله يدخل ضمن الطابوهات وتظل العديد من الأحداث والوقائع مسكوتا عنها وقد لا تعرف في أحسن الأحوال إلا ضمن دائرة أنثوية جد مغلقة تفاديا لانعكاساته المتشعبة
وأكاد أجزم بأن كل النساء تعرضن خلال حياتهن المهنية أو الدراسية حتى لنوع من التحرش الجنسي قد تزداد أو تخف حدته حسب
نوع الشخصية والطباع والمستوى الوظيفي وعوامل أخرى وهو عنف واضح أو مبطن يمارس على شرائح واسعة من النساء
كضريبة لا بد منها مقابل تواجدهن في حقل عام لا زالت النكهة الذكورية تهيمن عليه إلى حد كبير ،علما أن الفضاء الخاص لا يخلو بدوره من تحرشات " ذوي القربى" وهذا موضوع آخر
ذلك أن العنف في شكله الجنسي هو أحد اصناف العنف الأكثر تسلطا على رقاب النساء عبر العالم ولو بدرجات متفاوتة تختلف حسب المنظومة الأخلاقية والقانونية ومستوى رقي المجتمعات تنظيميا وثقافيا ،لذلك عبأت الأمم المتحدة العديد من ترساناتها لمواجهة هذه الآفة ولا زال الطريق شائكا في العديد من البلدان رغم كل الخطوات المنجزة .
التحرش الجنسي في الوسط التعليمي :
وعندما يتقاطع التخلف الاجتماعي مع التخلف الإداري حيث تنتظم المؤسسات على مرتكزات أبعد ما تكون عن العقلانية وروافد التحديث التي تفيض بها العديد من الخطابات الجاهزة والمكرورة حد القرف فإن آفة كهذه تجد فرصتها للانتشار والتمطط إلى أبعد المستويات .





من منا باستطاعته أن ينكر بأن العديد من الأعراف الإدارية الأكثر تداولا وفعالية ضدا على كل القوانين ذات الطابع الشكلي والسطحي قد صيغت بشكل ما بمداد الفساد المهيمن من طرف الأخطبوط المستفيد من هكذا وضع والمنتسبين لهم ولاء وتزلفا أو خوفا ؟
بنية تنظيمية ذات طابع خفي وغير مقنن تفرض سلطتها وجبروتها على العديد من الهياكل التظيمية ذات الطابع العقلاني والحديث والتي تظل في أغلب الحالات حبرا على ورق .
عندما تتم التوظيفات وتسند المناصب والمسؤوليات وو على أساس معايير أخرى خارج الكفاءة والخبرة والمردودية ، عندما تهيمن على التوزيع الإداري سلطة الولاءات المخزنية والحزبية والعائلية وتاتي الكفاءة في آخر معايير الترقي فإن انتعاش آليات الفساد والإفساد تجد تربتها الخصبة إلى أبعد الحدود .
وحيث ان قطاع التعليم هو جزء لا يتجزأ من منظومة إدارية تخترقها قيم التسلط واستغلال النفوذعبر العديد من أجهزته فإن المتشبعين بهكذا قيم ضمن هيئة التدريس لا يجدون ما يبتزونه لدى ناشئة اوكلت لهم قصد التأطير التربوي والعلمي غير ابتزاز الجسد النسوي علما أن الذكور قد لا يفلتون من أشكال أخرى في فنون الابتزاز
من منا بإمكانه أن ينكر تلك العلاقات المشبوهة التي يقيمها بعض منحرفي رجال التعليم مع تلميذاتهن او طالباتهن مقابل كرم حاتمي في التنقيط ؟
استغلال للنفوذ التربوي ما فتيء يتمطط ليتحول إلى ظاهرة واسعة الانتشار في الثانويات والكليات والمعاهد العليا في ظل تسيب إداري قد يصل درجة التواطؤ .
استرني نسترك " تلك هي عملة تواطؤ أخطبوط الفساد الذي يفرز تضامناته الخاصة : فإذا كان الفساد الإداري يتجلى في المتاجرة أو المقايضة بالمناصب و بالترقيات والتنقيلات والأسفار الرسمية وهلم جرا فإن فساد الهيئة التربوية لا يجد أمامه إلا أجسادا يتم نهب غضاضتها "مارشي نوار" تحت وطأة التغرير أو الترهيب أوحتى بتراضي وهمي لأنه تم ضمن شروط غير متكافئة من حيث مستوى النضج العقلي و ضمن علاقة سلطوية وتربوية يتم الإخلال بأهم شروطها ألا وهو :الثقة

هذا لا يعني بأننا نؤثم هيئة التدريس بكاملها ، ذلك ان كل قطاع يتضمن الصالح والطالح وكم من أساتذة يستحقون كل الاحترام والتقدير على تفانيهم في عملهم إلا أن وضعية التطبيع مع هكذا استغلال للنفوذ التربوي أو الإداري بشكله الوحشي هذا يتطلب من الجميع وقفة حقيقية كي يستعيد حقل التعليم هبته ووقاره وجودته المفقودة داخل مسلسل التردي المتراكم

هل الأنثى مجرد ضحية ؟
أكاد أتوقع بعض التعليقات التي تحمل المسؤولية كلها او جزءا منها للفتيات أو النساء من منطلق فعل الإغواء الأنثوي عبر استعراض بعض مظاهر الأنوثة ،هنا أتساءل ألا يمارس الذكور بدورهم نوعا من الإغواء الذكوري على النساء داخل فضاءات العمل او الدراسة أو الترفيه أو الشارع حتى ؟ فلم لا تمارس النساء المسؤولات بشكل خاص نوعا من الابتزاز على من هم تحت إمرتهن ؟
قد لا يتقبل المجتمع هكذا فعل حتى على مستوى التخيل لكن نفس المجتمع يقيم علاقة تطبيعية مع العديد من أشكال امتهان الكرامة النسوية وكأنها قدر غير قابل للتغيير .ويحرص في الآن نفسه على تأثيم العنصر النسوي وتحميله بمفرده وزر العديد من موبقات الفساد الخلقي المتفشي بيننا حد اثارة الغثيان
فكل الخطابات الاستهلاكية تصب في اتجاه شيطنة النساء ووصمهن بأبشع الأوصاف علما أنهن ضحايا من الدرجة الأولى
أو على الأقل هناك أطراف تحرك خيوط الفساد من تحت الطاولة قلما تشير إليها الأصابع
لا شك بأن الابتزاز الجنسي أو حتى التحرش بشكله الحاد هو فعل ذكوري بامتياز ومع ذلك هذا لا يلغي جزءا من المسؤولية لدى الطرف الثاني من منطلق أن كل علاقة هي تفاعلية بشكل من الأشكال .
يبدو لي بأن طبيعة التعامل مع الأمر يساهم إلى حد ما في تأجيج او تقليص الرغبة في الابتزاز ، ذلك أن الخوف المبالغ فيه والطمع في الحصول على امتياز ما ،أي الرضوخ للإغراء هو جزء من المسؤولية علما أن الموقف الحاسم والشجاع قد ينهي الأمر عند أول محاولة
وهذا يتطلب نوعا من التمكين النفسي للنساء كي يتخلصن من عقدة الخوف ويدافعن عن كرامتهن مهما كان الثمن وتحصينا أخلاقيا يقيهن شر الطمع والبحث عن الحلول السهلة
فمما لا شك فيه أن من يمارس جريمة ما يختار ضحاياه بعناية
لكن هل نمتلك جميعنا شجاعة الموقف والقدرة على مواجهة الظلم بما اوتينا من إمكانيات مهما كانت متواضعة ؟
أو ليس تفشي الفساد والظلم إلى هكذا درجة هو أيضا نتيجة لجبننا الجماعي و تقلص مستوى الشهامة إلى أبعد الحدود ؟
رحم الله شابة رزئت فيها عائلتها الخاصة والعائلة العلمية أيضا في زمن أضحى فيه التحصيل العلمي مجاهدة بكل المقاييس
ولتكن هذه الحادثة فرصة لتطهير مؤسساتنا من هكذا ظواهر .


عائشة التاج‏01‏-10‏-2009



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة