النصف الفارغ من كوب المرأة

ريما كتانة نزال
nazzalrima@gmail.com

2011 / 12 / 4


ما حجم التأثير الذي ستصنعه نتائج الانتخابات العربية الدائرة على الانتخابات الفلسطينية التي نشتم نسائم اقترابها، وما نوع التأثير الذي ستحدثه التحولات السياسية والاجتماعية على مثيلها في فلسطين بشكل عام وعلى موقع المرأة فيها بشكل خاص، في ضوء صعود الإخوان المسلمين والسلفيين ومؤشرات على تراجع المكاسب التي حصلتها المرأة في تلك البلاد نتيجة لعملها ونضالاتها، وليست كمنح من تلك الأنظمة الراحلة على الرغم من ضبابية المشهد وعدم استقرار خارطة توازنات القوى المتحكمة بالتفاصيل بما فيها وضعية المرأة وموقعها المستقبلي فيها..
الأسئلة تستهدف إيقاظ النائمين والناكرين، عندنا، لدور المرأة كأحد قوى التغيير والتأثير، وتستهدف المبخسين من قيمة دورها ومن أهمية التأثير والزخم والنتيجة الذي تحدثه مشاركتها إن تم النظر لحقوقها ومشاركتها بجدية أكثر من الوجود التجميلي أو الاستخدامي، وأهمية إزالة العقبات والمعوقات السخيفة من أمامها التي تضعها في الترتيب الثاني مشفقا عليها من طبيعتها الفسيولوجية، وتخدم التساؤلات أيضا إثارة الحوار بين مكونات الحركة النسائية الفلسطينية حول التثمير الذي أحدثته على الطريق والنواقص والفراغات التي عليها تعبئتها ..
لا بد من الإقرار، ومن المجتمع وسائر القوى والأحزاب المتفهمة لهذه الضرورة، بأن عملية التغيير الاجتماعي ليست مسؤولية المرأة وحدها، بل يتوقف على حزمة من المتغيرات والمتطلبات التي يجب ان يشارك بها جميع مركبات المجتمع. لقد استنتج المجتمع المستنير أهمية وجود المرأة في مركز القرار، لكنه إقرار متلعثم ومتردد. لقد تم اتخاذ دليل ايجابي على التوجه بتبني "كوتا" لها، لكن التدخل الايجابي اختلفت قيمته التبادلية في قوانين الانتخابات ومن هيئة لأخرى. كما تبنى مركز القرار الأول اتفاقية مناهضة العنف والتمييز ضد النساء، ولكن المصادقة لم تستتبع بسياسات وتدخلات تجسد القرار وتحوله الى حقيقة في أكثر من صعيد، وعن طريق تبني منهج إدماج النوع الاجتماعي على كافة الصعد، ابتداء من التعليم والإعلام والقوانين والمشاركة والاقتصاد الى آخر القائمة..
كما لا بد وأن تقر الأطر واتحادات المرأة بأن نهج العمل المتبع قاصر عن تحقيق هدف التغيير الاجتماعي، وبأنه مطلوب أن يتربع على رأس هذه الأطر قيادة متمكنة وقادرة على وضع ورسم الخطط والمهام التي تمكن من الوصول للهدف الرئيس الكبير والمتمثل بالتغيير الاجتماعي الكبير. وهو هدف لا يمكن تحقيقه بمعزل عن سلسلة من الحلقات المترابطة لتوحيد المفاهيم الاجتماعية وتعميقها المرتبط بالتوازي مع تحديد الهوية التقدمية الواضحة دون لبس أو مواربة. وهي القيادة القادرة على إحداث التغيير والتجديد على برامجها وآلياتها، وهي القيادة الشجاعة التي تُقدِم دون وجَل على مواجهة جميع الأفكار التي تشد المرأة بحبال التأخر والتخلف، وتستخدم كل الوسائل لمحاربة متطلبات العصر باسم الدين والأخلاق والعرف والتقاليد دون وجه علاقة أو مبرر.
ان إشكالية المنظمات الجماهيرية النسائية التي تضع هدف التغيير الاجتماعي في كونها تعاني من التركز في قطاعات اجتماعية محددة وكذلك في مناطق جغرافية محدودة وهي على الغالب في المدن أو الأوساط المتعلمة والمتقدمة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، دون أن تضع على جدول أهدافها اختراق القطاعات الاجتماعية المختلفة أو هدف الانتشار بالمناطق الجغرافية الممتدة. كما تشكو تلك المنظمات من الفراغ القيادي الحقيقي، وهو الفراغ الذي يخلق العجز حتى عن خلق الانتماء والاعتزاز بالهوية النسوية والدفاع عنها، وبما يستحيل التمكن من ربط عناصر البرنامج بكل تفرعاته بخيط متين تصب جميعها بالهدف الرئيس المتمثل بالتغيير والتحرر الاجتماعي، مما يولد تفكيك حلقات البرنامج الاجتماعي إلى مجموعة من العناوين المنزوعة عن دسمها وهدفها الاجتماعي، ويفقدها الصلة مع البرنامج الوطني للشعب، ان عدم حل النواقص المشار إليها سيقود إلى بقاء هذه المنظمات باهتة وضامرة، وجلة ومترددة وتبحث عن أنصاف الحلول، وفي أحسن الأحوال ستكون قادرة على القيام بتحسينات طفيفة وتخفيفية على واقع المرأة ومن تحقيق بعض المكاسب "كالكوتا" أو على صعيد المشاركة المحدودة في مركز القرار، وهما بالنتيجة تطورات لا تتجاوز التزيين والتجميل للواقع.
ان التركز في مناطق جغرافية محددة، وهي على الأغلب في المدن والقطاعات الاجتماعية الأكثر غنى، والابتعاد عن المناطق الشعبية والفقيرة، من شأنه ان يقود الى ترك هذه القطاعات نهبا وميدانا للقوى الرجعية التي تحسن وتتقن فن قيادة الرعية دون إشراكها، وتهدف الى تمثيلها وإتباعها بالخطاب الغيبي والقدري الذي يعطي الوعود المؤجلة برسم الآخرة، ويجيد خطاب مسح الجروح والمواساة، بينما الاتجاه الآخر يجيد وضع البرنامج وتحديد الأهداف والمهام لكنه يفشل في قيادة الجماهير وإشراكها في تطبيقها وتحقيقها.
مع بداية تلمس فرضية الذهاب للانتخابات على ضوء الحوارات الجارية بين القوى السياسية، لا بد من الانتباه جيدا الى أن فرضية عدم النكوص عن المكاسب الجدية المتحققة والمراكمة عليها، تعني من ضمن ما تعنيه، أنه لا بد من الأخذ بجدية بالملاحظات والمآخذ المسجلة على العمل النسائي وضرورة تجاوزها. كما لا بد من الاعتراف من أن نجاح المرأة في تجسيد برنامجها وتحقيق أهدافها مسألة بيدها وهي القادرة على انجازها، بشرط الاتفاق فيما بينها على تجاوز العثرات والتخلي عن التبعثر دون كذلك أن تذيب أحدا أو تذوب هويتها الحزبية، لتصبح مصدرا للقوة والتأثير وفاعلة في عملية التغيير السياسي والاجتماعي، وعدم الاكتفاء بالوجود المؤثر، فهو الطريق إلى استقطاب المجتمع وقواه السياسية والتحالف معها كطرف مساو بالوزن والاتجاه..



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة