الخطاب النسوي والجسد: رؤية موجزة

حسني إبراهيم عبد العظيم
adhamhosni@yahoo.com

2012 / 2 / 28

تمثل النظرية النسوية خطاباً فكرياً وفلسفياً وسياسياً يهدف إلى صياغة حقوق عادلة وحماية قانونية للنساء، وتضم النسوية حركات Movements ونظريات وفلسفات متنوعة تهتم كلها بقضايا النوع gender وتدافع عن مساواة المرأة، وتجاهد من أجل حقوق المرأة ومصالحها. ويقسم مؤرخو الفكر الاجتماعي تاريخ النسوية إلى ثلاث مراحل (أو موجات) waves تمتد الموجة الأولى من منتصف القرن التاسع عشر حتى بدايات القرن العشرين، وتشغل الموجة الثانية الفترة من بداية الستينيات حتى نهاية ثمانينيات القرن الماضي، وبدأت الموجـة الثالثة في تسـعينيات القرن العشـرين وما تزال مسـتمرة حتى الوقت الراهن. (Barrett: 2005)

والنظرية النسوية في جوهرها محاولة لتفسير طبيعة وتعقيدات اللامساواة المرتبطة بالنوع Gender inequality وتهتم تبعاً لذلك بقضايا عديدة ومتنوعة مرتبطة بالنساء كالطبقة، العمل، العجز Disability الأسرة، العولمة، حقوق الإنسان، الثقافة الشعبية، السلالة، الإنجاب، والممارسات الجنسية، وأصبح الجسد من القضايا الأساسية المطروحة في الأدبيات النسوية. (Walby 2000: 236)

ولقد تطورت النظرية النسوية المعاصرة من خلال الحوار الكثيف والمستمر مع الاتجاهات النقدية في العلوم الاجتماعية، وقد كان هناك واحد من أهم الأصوات النقدية والإبداعية في علم الاجتماع الحديث أحدث تأثيراً كبيراً في الخطاب النسوي، هذا الصوت هو «بيير بورديو» حيث أعتبر من خلال أعماله المتعددة أن «الرجال والنساء – سواء بسواء - فاعلون اجتماعيونsocial agents » وأسس بعمق لذلك الجدل النظري المتعلق بالنوع gender. (Krais 2006: 119

وفيما يتعلق بالجسد، فقد انصب اهتمام الباحثات النسويات بالبناء الاجتماعي الذي يخضع له الجسد الأنثوي، فقد وجهت النظرية النسوية الأنظار –والنقد أيضاً- نحو صور اللامساواة الاجتماعية المرتكزة على النوع، وكذلك نحو تلك النمطيات الجاهزة التي تبرز في ممارسات اجتماعية تمييزية تجاه النساء، يتم تبريرها دائماً استناداً إلى الخصائص البيولوجية لأجسادهن، حيث يراد لدونيتهن في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أن تبدو طبيعية، تجد تفسيرها وأسبابها في طبيعة الأشياء، وفي حين أنها مصنوعة اجتماعياً، ومبررة بفعل عملية «قلب» تريد أن تجعل من الاجتماعي والسياسي طبيعة «فطرية» ثابتة. (زينب المعادي 2004: 29- 30)

تقول «سيمون دي بوفوار» S. De Beauvoir وهي إحدى رائدات الاتجاه النسوي في كتابها «الجنس الثاني» The second sex: «إن الإنسان لا يولد امرأة بل يصبح كذلك، وليس ثمة قدر بيولوجي أو نفسي أو اقتصادي يحدد الصورة التي يظهر بها الإنسان في المجتمع، إنها الثقافة ككل هي التي تنتج وتخلق ذلك التمييز بين المذكر والمؤنث». إن العبارات السابقة "لدى بوفوار" تؤكد حقيقتين، الأولى أن كون الإنسان رجلاً أو امرأة هو عملية اجتماعية Social Process بالأساس، والثانية أن البيولوجيا ليست هي قدر النساء. (Hughes & witz, 1997: 48)

واستناداً إلى ذلك تركز النسوية على الطريقة التي يتم من خلالها ضبط الجسد الأنثوي وقهره داخل النظام الأبوي Patriarchy ، فثمة طائفة من النظم الاجتماعية كالطب والقانون والأسرة تسهم في ضبط المرأة من خلال التحكم في جسدها، ولقد لفتت النسوية الانتباه إلى أن المرأة تمثل في الثقافة بصورة جسدية أكثر من الرجل، وذلك من خلال اختزالها في الجسد ذاته. (Powell 2001: 2)

والحقيقة أن النسوية قد لعبت دوراً حاسماً في إعادة صياغة الأسئلة المتعلقة بالجسد، والنوع، والجنسانية Sexuality المطروحة في أجندة النظريات الاجتماعية، لقد انتقدت النسوية بشدة ذلك التمييز التقليدي في النظريات الاجتماعية الكلاسيكية بين الطبيعة والثقافة، خاصة بين فكرة التقابل بين المرأة في الطبيعة، والرجل في الثقافة، كما ناقشت ذلك التقسيم التاريخي بين المذكر والمؤنث الذي تجلى بصورة واضحة في التقسيم النوعي للعمل. (Turner 1992: 45

وقد كشفت «مرجريت ميد» زيف تلك الثنائية، فقد أوضحت من خلال دراسة إثنوجرافية لثلاث مناطق في غينيا الجديدة النسبية الثقافية للمكانة التي تمنح للجنسين في المؤسسات الاجتماعية، وللخصائص التي تنسب لكليهما، وأكدت غياب أية فكرة لدى الجماعات التي درستها عن إلحاق أي صفة كالشجاعة أو العدوانية بجنس دون آخر، كما استنتجت أن الخصائص الفيزيقية أو الأخلاقية المنسوبة لجنس دون آخر ترجع لاختيار ثقافي اجتماعي ينسب للطبيعة، فوضعية الرجال والنساء في المجتمع ليست مرسومة على أجسادهم، وإنما هي مشكّلة أي مصاغة - اجتماعياً. (زينب المعادي 2004: 30)

وبناءً على ذلك، فقد كانت قضية «قهر الجسد الأنثوي» اجتماعياً ونفسياً و«جنسياً» قضية محورية لدى باحثي النسوية إذ يؤكد عدد من الكاتبات النسويات أن الجسد الأنثوي يتم الحط من قدرة باستمرار من خلال اللامساواة الجنسية، والأعراف الاجتماعية، ويرجعن ذلك إلى الإذعان الذي يتشكل اجتماعياً «فالمرأة –وفقاً لتلك الأعراف- ينبغي أن تكون مرتبطة بالآخرين، وينبغي أن تصيغ حياتها وفقاً لإرادة الرجل، ويؤدي ذلك إلى ضعف ثقة المرأة بنفسها، ومن ثم انعزالها واغترابها». (Bertram 2003: 3)

وتؤكد «دي بوفوار» هذا المعنى، فمن خلال إطارها التصوري المستند إلى الوجودية، ترى أن الجسد الأنثوي في العالم المعاصر يعاني من الاغتراب، فعلى الرغم من أن الرجال والنساء متشابهان (في امتلاكهما للجسد) إلا أن المرأة، هي شيء آخر مختلف عن ذاتها، ويشكل من ثم مصدراً عميقاً لاغترابها وانعزالها. (Hughes & witz 1997: 50)

إن القضية المطروحة هنا أن ثمة قهر واضح واقع على الجسد الأنثوي، وأن هذا القهر يؤثر سلباً على سيكولوجية المرأة، وقد قدرت منظمة الصحة العالمية W.H.O عدد المصابين باضطرابات نفسية في عام 2000 بنحو 450 مليون شخص على مستوى العالم، تتراوح نسبة النساء في هذا الرقم ما بين مرة ونصف إلى ثلاث مرات مقارنة بالرجال، ويعني ذلك أن متغير النوع يمثل عاملاً حاسماً في هذا الصدد. (Bertram 2003: 4)

ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل أن دراسات الجغرافيا النسوية Feminist Geography تؤكد أن ثمة صراع تاريخي بين الرجال والنساء فيما يتعلق بالاستفادة من الخدمات الصحية، فالعلاقات التاريخية بين الرجال والنساء تعد أمراً مهماً لفهم الوضع الصحي في المجتمع، فالقوة تتوزع بطريقة غير عادلة لصالح الجماعة الاجتماعية المهيمنة وهي الرجال بطبيعة الحال. (Gatrell 2002: 40)

ومن خلال القضايا المطروحة في النسوية يمكن القول بوجه عام إن ثمة تأكيد على الوضعية التي يشغلها الجسد الأنثوي في المجتمع، ورصد مظاهر القهر التي يتعرض لها، كما أن باحثات النسوية مهمومات بالكشف عن أسباب ذلك القهر، ومشغولات بمحاولة تجاوز الوضعية السيئة التي يعايشها ذلك الجسد على مختلف المستويات.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة