محنة المرأة العراقية من محنة المجتمع العراقي كله [في اليوم العالمي للمرأة]

كاظم حبيب
khabib@t-online.de

2012 / 3 / 7

المرأة العراقية واجهت وما تزال تواجه محنة مستمرة ومتراكمة على مدى قرون طويلة. وهي جزء من محنة المجتمع العراقي على مدى تلك القرون. ورغم التغيرات الكبيرة التي اجتاحت عالمنا المعاصر, فإن المرأة العراقية, وكذا المجتمع, ما تزال تعاني من ذات المحنة المديدة, إضافة إلى ما تفتقت عنه فحولية الذكور الشبقية البدائية المشوهة. والغريب إن هذه الشهية في الفتاوى الدينية المناهضة للمرأة لم ينقطع سيلها طوال تلك القرون, ولكنها اتسعت وتنوعت وتشوهت خلال السنوات العقود الثلاثة الأخيرة, سواء أكان ذلك في العراق والعالم العربي خصوصاً أم في العالم الإسلامي عموماً.
ومحنة المجتمع العراقي الراهنة تكمن في تخلف واقعه الاقتصادي, أي في تخلف علاقات الإنتاج السائدة فيه, في تخلف بنيته الاجتماعية أو الطبقية وفي اتساع قاعدة الفئات الاجتماعية المهمشة والهامشية والرثة, في جهله العام, في ضعف وعي الغالبية العظمى من سكانه, في هيمنة السلوك العشائري البدوي على الريف والمدينة, في هيمنة مؤسساته الدينية المتخلفة وغير المتنورة وغير الواعية لما يجري من تغير عميق وتطور شامل في العالم المعاصر والقابعة في زوايا غرفها المنزوية عن العالم المتحضر والغارقة في لجة الكتب الصفراء البالية.
محنة المرأة تكمن في البنية التعليمية غير العلمية والثقافية المتخلفة والسائدة والمتبناة من الفئات الحاكمة للدولة والمجتمع, محنة المرأة تكمن في غياب الدولة الحديثة ومؤسساتها الدستورية الديمقراطية, وفي الحكومة التي تتبنى الفكر الأكثر تخلفاً وظلماً وقهراً واستعباداً للمرأة, والتي تمارس تلك السياسات التي تهمش المرأة وتدفع بها إلى زوايا حادة تعجز فيها عن الحركة وعن التعبير عن مصالحها والنضال في سبيلها. محنة المرأة العراقية تعتبر نتاجاً منطقي لعقل الرجل "المسلم" الذي تربى وتعلم وتثقف على أيدي جهلة أميين أنكروا حقوق المرأة وحريتها واعتبروها "عورة" يسكنها الشيطان قبل غيره, إنها الشيطان ذاته, فما "أن اجتمع امرأة ورجل إلا وكان الشيطان ثالثهما!". ومحنة المرأة تكمن في التربية التي نشأت عليها الفتاة في البيت, وهي طفلة صغيرة وتربت على أيدي هؤلاء الذين أنكروا حقوقها واستعبدوها خلف أسوار البيت وفي المطبخ وغسل الملابس وإنجاب الأطفال, هؤلاء الذين علموها "إن الرجال قوامون على النساء!". فكان من بينهن تلك الوزيرة حملة شهادة "الدكتوراه" ابتهال گاصد الزيدي, التي تمسك بيده سوط الجلاد لتجلد به بنات جلدتها, كما فعلت في الآونة الأخيرة. إنها "الجلادة" التي تجسد في سلوكها فكر وممارسات جمهرة من الحكام الفحول القابعين في مجلس وزراء "الدولة" العراقية لا كلهم بالضرورة, ولكنه فكر وممارسات رئيس الوزراء بالضرورة. إنها تحمل عصا القرون الوسطى وفترة الانحطاط الثقافي والاجتماعي, فترة الردة الفكرية والاجتماعية , فترة التراجع صوب الاستبداد الذي دأب رئيس الوزراء وحزبه يسقي الشعب به على شكل جرعات لينتهي إلى حيث انتهى غيره!!
المرأة العراقية في محنة حين يواجه المجتمع حالات انتحار مستمرة لمزيد من النساء في جميع أنحاء البلاد دون استثناء. والغريب إن المسؤولين, كل مسؤولي العراق, لا يسألون أنفسهم ولا يسعون إلى معرفة الأسباب والعوامل الكامنة وراء انتشار هذه الظاهرة الاجتماعية الخطرة بين نساء العراق من اقويتين العربية والكردية على نحو خاص. نساء من مختلف الأعمار, ولكن غالبيتهن بعمر الزهور, ينتحرن بصب النفط أو البنزين على أجسادهن وإشعال النار لحرق أنفسهن أو بطرق أخرى كثيرة أو يجبرن بأساليب شتى على الانتحار. أليس القهر الاجتماعي, أليست الضغوط الهائلة التي تمارسها العائلة ويمارسها المجتمع والتربية الاجتماعية والدينية المتخلفة على المرأة والمجتمع في آن, أليس في غياب حرية المرأة وحقوقها الأساسية, أليس في التمييز المسلط على المرأة وعلى حقوقها في البيت وفي الدولة والمجتمع, التي تقود كلها إلى مثل هذه الأعداد المتزايدة من المنتحرات سنوياً.
محنة المرأة, وهي محنة المجتمع في آن, مئات ألوف النساء الأرامل والمطلقات اللواتي يواجهن الفقر والحرمان دون أن يجدوا من الدولة ما يعينهن على مواجهة تدني مستوى معيشتهن وأطفالهن, حتى ارتفع صوت إحداهن معبرة عن رأي ملايين النساء صارخة من قناة الفيحاء " الزنگين (الغني) يأكل والفقير جوعان وبالضيم حاله .. ملينه يا ناس والله ملينه.. ما عدت خائفة, ليفعلوا ما يشاءون, بعنا كل شيء ولم يبق شيء لنبيعه "., في وقت يسمع الناس عن التصرف فير المسؤول بالمال العام, وكيف تختفي المليارات من الدولارات, وكيف يعشش الفساد في أجهزة الدولة.
المرأة العراقية تعيش محنة عاصفة حقاً وأزمة معتقة ومؤلمة. ولكن هناك نسوة استطعن الإفلات من إحباط المحنة المديدة, أن يرتفعن عليها, أن يمسكن بزمام المبادرة ليكافحن ضد فاعلي المحنة ومسببي الأزمة المديدة. كن وما زلن قلة, ولكنهن رفعن راية حرية المرأة وحقوقها كاملة غير منقوصة منذ عقود أو ما زلن يحملن هذه الراية عالياً, إنهن النساء اللواتي انخرطن في عضوية رابطة المرأة العراقية أو ساندن نشاطها, إنهن الدكتورة نزيهة الدليمي والدكتورة روز خدوري وصبيحة الخطيب وشذى البراك وعائدة ياسين وليلى قاسم ونادية گورگيس وزكية خليفة وحياة النهر وخانم زهدي وبشرى برتو ومبجل بابان وسعاد خيري وسافرة جميل حافظ وهناء أدور وبخشان زنگنة ونرمين عثمان وبثينة شريف وكاترين ميخائيل وميسون الدملوجي وغادة العاملي وسلمى جبو وشروق العبايچي وفيان الشيخ علي... وباقة فواحة من النصيرات المناضلات اللواتي رفعن راية النضال عالياً فوق جبال كردستان العراق ضد الدكتاتورية الغاشمة, سواء من استشهد منهن أم من بقي منهن على قيد الحياة. هناك المئات من أسماء المناضلات في الإقليم وفي بقية محافظات العراق اللواتي يعملن بمثابرة وبظروف غاية في الصعوبة والتعقيد وفي أجواء الردة الفكرية والاجتماعية والسياسات التمييزية ضد المرأة التي تمارسها الحكومة العراقية وقوى وأحزاب سياسية كثيرة, وخاصة تلك التي تمارس الخطاب السياسي الإسلامي.
أنا على ثقة تامة بأن هذا الوضع البائس الذي تعيش فيه المرأة العراقية وكل المجتمع العراقي حيث تكون فيه سيدة مثل الدكتورة ابتهال گاصد الزيدي وزيرة لشؤون المرأة لن تدوم طويلاً, وأن هذه المرحلة الصعبة والمتوترة في حياة الشعب العراقي ستنتهي عاجلاً أم آجلاً, كما انتهت نظم شريرة قبل ذاك, وستنتصر إرادة الخير والمثل السليمة والحضارية على الشر والقهر الاجتماعي والظلم ضد النساء والمجتمع, ستنتصر مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والسلام والعدالة الاجتماعية في العراق.

انحني إجلالاً للنساء اللواتي سقطن شهيدات على طريق النضال في سبيل قضية الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان في العراق, للنساء اللواتي دفعن ضريبة الحرية وقضين سنوات عمرهن في السجون والمعتقلات أو في العمل السري وحركة الأنصار الپيشمرگة واللواتي عانين من الحرمان والقهر.

ألف تحية وتحية وباقة زهور فواحة إلى كل نساء العراق في يوم عيدهن العالمي, إلى كل المناضلات في سبيل حقوقهن وحريتهن ومساواتهن بالرجال واللواتي يتصدين بجرأة ضد سياسة وزيرة شؤون المرأة ومن يقف خلفها ومن منحها حقيبة وزارة شؤون المرأة ظلماً وزورا.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة