بين العري والنقاب

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
abdelmagid_ismail@yahoo.com

2013 / 3 / 12

بداية، أنا كنت أود لو شمل الحديث في هذا المقال كل من الرجل والمرأة على قدم المساواة. لكن، بعد تفكير قصير، وجدت أن عري الرجل لا يطرح على المجتمع أي مشكلة على الإطلاق. إذ بحكم نشأتي في الريف المصري، ما كنت أرى أي شجب أو امتعاض ملموس لحقيقة التعري شبه الكامل- وأحياناً الكامل- للرجال وسط الحقول والغيطان، في وحل الترع والقنوات، خاصة أثناء المراحل المختلفة لزراعة الأرز المترعة بالماء والوحل من بدايتها حتى نهايتها. هو تعري ذكوري بحكم مهنة قوامها الماء والطين. ثم أثناء إقامتي في الحضر المصري، بمدينة القاهرة، ما رأيت أبداً أي غضاضة على الإطلاق من مناظر الرجال شيوخاً وشباباً وصبياناً، سماناً ونحالاً، يقفون عرايا بنصفهم الأعلى كله- وفي أحيان كثيرة عرايا بالكامل عدا سليب يواري سوءاتهم لا يكاد يرى بالعين المجردة- يطلون من شرفات ونوافذ الشقق المتراصة في العمارات كعلب الكبريت الخرسانية هرباً من الخنقة بالداخل وبحثاً عن نسمة ريح رطب ضالة في حر الصيف القائظ. هذه مشاهد معتادة يستطيع أن يراها بنفسه كل من يجوب شوارع أي مدينة مصرية في حافلة عامة أو سيارة خاصة ولا تثير سخط أحد أو العويل دفاعاً عن الشرف أو الفضيلة أو الأخلاق والآداب العامة. وإذا كان يمكن الجزم بالحقيقة الساطعة القاطعة أن كل من الشرائح الفقيرة والدنيا في الأرياف والشعبية والوسطى في المدينة لا تتأفف أو تشتكي من عري الرجال، يمكن الجزم كذلك أن حتى الطبقة الغنية والعليا لا تجد مشكلة على الإطلاق في وقوف الرجال- وأحياناً النساء أيضاً- شبه عرايا يستحمون ويستجمون على الشواطئ. إجمالاً، المجتمع المصري بكل مستوياته وطبقاته الاجتماعية، رجاله ونسائه وأطفاله، لا يرى أي عيب اجتماعي في رؤية الرجال عرايا. المشكلة إذاً لا تخص الرجال؛ بل هي مشكلة نسائية صرف. على هذا، كل الكلام الآتي يخص النساء وحدهن ولا يشمل الرجال من قريب ولا من بعيد.

أنا أعتقد أن العري في ذاته ليس خطيئة، أو ما كنا جميعاً تعرينا في أوقات ما داخل بيوتنا؛ وأعتقد أيضاً أن النقاب في ذاته ليس فضيلة، أو ما كانت النسوة خلعته أبداً عن أجسادهن، حتى في فراشهن. من ناحية أخرى، في ميزان الاجتماع العرفي لا يصح أن تسير المرأة عارية في الشارع، كما لا يصح أيضاً أن تخلد بجواز زوجها ليلاً منقبة بالسواد. على هذا المنوال، كلنا يتبول ويتبرز داخل الحمامات الخاصة أو العامة، بينما لا يصح أبداً أن يجلس الرجل- أو المرأة- يتبول أو يتبرز في مكان مكشوف تحت عيون المارة. لكن ماذا لو جلس أحد فعلاً، لسبب أو لآخر، يتبرز أو يتبول وسط الناظرة؟ ماذا لو ارتكب فرد هذا العيب، نهاراً جهاراً؟ كل ما هناك، كما يحدث فعلاً في الواقع، أن المارة سيحولون أنظارهم استياءً ويبتعدون عنه، أو قد يحاول البعض ستره بحائل ما أو إبعاده بوسيلة أو أخرى إذا كان مثل هذا السلوك المعيب الشائن المستهجن والمرفوض اجتماعياً يشكل ضرراً مباشراً عليه أو أي من أهل بيته أو مكان عمله. لكن المؤكد أن لا أحد سوف يخطئ أو يجرم فعل التبول أو التبرز في ذاته، في جميع أحواله حتى المشروع منها داخل المراحيض. هكذا يكون العري صحيح ومطلوب في مكان وزمان معين، بينما قد يكون غير ذلك في مكان وزمان آخر. والأمر نفسه ينطبق على النقاب، إذ لا يصح ولا يعقل أن تغتسل المرأة من تحت نقابها. على هذا، يمكن القول أن كل من العري والنقاب ليسا في ذاتهما من القيم المطلقة مثل الحق في الحياة، سلامة الجسد، حرية الضمير، الكرامة، الشرف، العدل، المساواة...الخ التي تظل ثابتة ومصونة في جميع الأحوال، وفي كل الأمكنة والأزمنة.

المرأة حين تتعرى لا تخسر من إنسانيتها أي شيء، ولا تكسب أي شيء في المقابل حين تتنقب لأن النقاب، تماماً مثل العري، مجرد ملائمة اجتماعية وليس قيمة في ذاته. كل ما في الأمر، مثل التبول والتبرز، أن الملائمة الاجتماعية- المتفاوتة بين مجتمع وآخر- قد تقتضي التعري في أماكن وأزمان معينة والتغطي في أخرى. وإذا كانت القيم والمبادئ الإنسانية الأساسية ثابتة لا تتغير، مما لا شك فيه أن الملائمات والموائمات والضرورات الاجتماعية بطبيعتها دائمة ومستمرة التغير، سواء من مجتمع لآخر أو داخل نفس المجتمع الواحد عبر عصور تطوره المختلفة. المرأة في ذاتها هي القيمة الأساسية الثابتة، بينما الملبس ليس سوى عادة وملائمة اجتماعية مكتسبة- ومتغيرة بتغير هذه الملائمة والضرورة الاجتماعية.

بين العري والنقاب، لا مكان لقيمة تذكر.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة