تكريم متأخر لإمرأة مجهولة

احمد الحمد المندلاوي
ahamd.alhmd.2013@yahoo.com

2013 / 9 / 5

بسم الله الرحمن الرحيم
قصة قصيرة:
تكريم متأخر لإمرأة مجهولة

بقلم/أحمد الحمد المندلاوي

** وقف قليلاً بعدما إتّكأ على جدار الغرفة بإتجاه حديقة المنزل الصغيرة؛وهو في عقده الستيني الذي يحمل على ظهره الحاني قليلاً أعباء عشرين سنة من نقائض المهجر، وأموره غير المتوقعة بين فينة و أخرى،لم يدرِ ما حدث له، و كأنّ أحداً من داخله يكلمه..قال بهمس:
- ليس هذا هو الضمير ..فأنا أعرف لغة الضمير جيداً،قد يكون هو الضمير و لكنْ من نوعٍ راقٍ ،لا يزور أيّاً كان..
و أردف قائلاً:
- فهمتُ الآن شيئاً جديداً بأنَّ للضمير أنواعاً ، و قد يكون له أمراء و وزراء و سفراء؛كلُّ شيء ممكن،فما أعظم الإنسان،إنَّه محور الوجود،و لكنّه للأسف يجهل في أحايين كثيرة هذه المحورية التي خصَّها به بارؤه ..آهٍ نسيتُ نفسي و خرجتُ من إطار المسألة..هكذا قال في سره.
و كأنَّما إنتبه الى نفسه،قائلاً:
- لِمَ أنا واقفٌ هنا ؟ نعم ..سرح ذهنه ثانيةً،وشرع يسترجع ما مضى من الأيام الماضية بآمالها و آلامها..و أفراحها و أتراحها،وما مرّت عليه من ظروف قاسية،و نيران الجور و الحيف من حكام السّوط و السّيف..
ففي لحظة غارقة في دنيا يجهل ما كنهها..لكنها جميلة في جوهرها، كأنَّها فيض من النعيم المستدام الملوّنِ بالسندس الأخضر..قرر هنا أن يعيد تلك الأيام و لكن بحلّة جديدة ..قشيبة..شفافة كضياء الشّمس الممزوج بأمواج البحر..قادمة من فيض الحنان الرقراق لا سيما مع شريكة حياته التي عانت الأمرّين في تلك الحقبة السوداء و هما في مقتبل العمر بدا الآن يرفرف على وكرهما طير السعد والأمل يداعب قلبيهما بمستقبل صغارهما الستة .. بحياة علمية و عملية زاهرتينِ،بماذا يفكر الأبوان!! ما لهما غير مصلحة أبنائهم.و ما كان يخالطهما جميعاً من أحلام العودة الى أعشاشهم و ديارهم و أحبابهم و أزهارهم و أنهارهم ..فالمهجر مهما يكن مريحاً آمناً لا يجلب لنا السعادة ..الوطن هواء قبل الماء،وروح قبل الجسد ..في خضم هذه النفثات الملونة قرر:
- أن يقبّل يدّها الكريمة يومياً عرفاناً منه لصبرها،و بعدها عن الأهل و ذويها،و فوزها بتهريب أبنائها الستة من بين مخالب أشرس طاغية في العصر الحديث .. لم يكن ذلك إلا بمدد إلهي،و مناعة ذاتية لإنقاذ هؤلاء الشباب من وطأة الآلات الثقيلة التي تطمر الشباب في المقابر الجماعية بلا أدنى رحمة،إذاً هي إمرأة تستحق كل التقدير و التكريم ..والمكافأة اليومية بتبجيلها،والوقوف في محرابها بصمتٍ بليغ إن لم يكن شركاً.كيف لا !! و قد أرغمت أنف الجلاد في وحل الخيبة رغم كل إمكانياته الكبيرة و الهائلة،هكذا الطّواغيت عبر التّاريخ يرغمها أناس ضعاف شكلاً وهيئة،و عمالقة عزماُ و إرادة ..وإلا كيف تفلت هذه العائلة المطاردة بإمكانياتها الضعيفة من براثن زبانية طاغوت أهوج لا يعرف إلا النّار و الموت،و السّجون و المقابر،و المقامع و الحوامض،تبّاً له في تجاويف الذّلِ و العارِ أمام إشراقات الحقيقة الناصعة..
احمد الحمد المندلاوي
مندلي – 25/7/2004م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة