«حقّ مجاهدات النكاح فى هبة أجسادهن للثوّار»

امال قرامي
grami2020amel@gmail.com

2013 / 9 / 24

للجهاد أصناف ومراتب وأحكام، وكذلك فضائل.. وأوّلها مجاهدة النفس وترويضها حتى تتفانى فى خدمة الصالح العام، ولذلك اعتبر «الزعيم بورقيبة» أن الجهاد الفعلى فى مرحلة بناء «الدولة الحديثة»، هو ضدّ الجهل والفقر والكسل والتبعيّة والتواكل على جهود الآخرين. وخلنا بعد ثورة 14 يناير أننا سننخرط فى «جهاد» الفساد والمحسوبية والإقصاء والتمييز والقهر.

ولكن ها نحن اليوم إزاء جهاد من نوع آخر: «جهاد النكاح» وقد تصدّرت التونسيات قائمة المتنافسات على تبوء مرتبة الشرف بل يبدو أنّ «أمّ البراء» (13 سنة) أضحت «النموذج» و«القدوة النسائية» بفضل تطوّر «كفاءاتها وقدراتها» لا فى الميادين العامة، حيث المواجهات، بل فى الفراش. ولكلّ «ناشطة» جهادها الخاص.

ولئن كان الدور الموكول تقليديّا، إلى المرأة فى الحروب، الخدمة (الطبخ، التنظيف، التمريض..) وشدّ الأزر عبر نظم الشعر والغناء فإنّ مجاهدات النكاح يشددن الرحال ويتركن أسرهن من أجل مؤازرة المقاتلين بتوفير المتعة لهم علّهم يضاعفون الفتوحات، ويحققون الانتصارات.

ونظرا إلى هذه الخدمات الجليلة لُقبّت الفتيات اللواتى آمن بأنّهن يقمن بواجب دينى تثاب عليه المسلمة ب»أخوات الفراش» و«مؤازرات الإخوان» و«مجاهدات النكاح» ولعلهن حلمن بالتماهى مع حور العين. أمّا المغرّر بهنّ ممن أجبرن على ممارسة هذه «الوظيفة» فقد اعتبرن فى أسفل السلم. والناس درجات ولهم منازل وأقدار.


المجاهدات الجديدات آثرن الجهاد بـ«البضع» على الجهاد بالقلب أو باللسان أو باليد، قبلن بتحويل أجسادهن إلى جسر عبور يمرّ عليه الباحثون عن قضاء الحاجة فى كلّ الأوقات، وعلى عجل. وحسب تصريحات وزير الداخلية يتوافد على التونسيات جميع الرهوط (بين 20- 100) ينتظرون «الدور، الطابور» ليحققوا الوطء فى زمن قياسى على طريقة «التيك أواى».

وبعد أن كان النقاش حول المرأة المكمّلة فى الدستور صار الحديث عن المرأة الوعاء التى تهب نفسها أو تبيع جسدها لإشباع غرائز المقاتلين. وتناقلت وكالات الأنباء العالمية خبر مجاهدات النكاح التونسيات، وبدل أن تتحوّل تونس كما وعدنا الرئيس المؤقت إلى «سويسرا العرب» أضحت مورّدا لطاقات وخبرات فى مجال الدعارة الحلال.

أدان وزير الداخلية «صمت» الحكومة ولم يعترف بأنّ وزارة حقوق الإنسان غضّت الطرف عن هذا الموضوع مثلها مثل وزارة شئون المرأة ووزارة الشئون الدينية، واكتفى المسئولون باعتبار هذه الحالات «حالات معزولة» وأنّ «فتوى النكاح لا تلزم التونسيات». وفى حكومة «من يعرفون الله» أغلبيتها من حزب ذى مرجعيّة إسلامية أغلقت المواخير وفتح المجال لممارسات وأنشطة تفرغ المسار الثورى من بعده الإنسانى والحضارى والأخلاقى.

فأنّى لنا أن نتهاون فى معالجة الظاهرة منذ تشكل ارهاصاتها الأولى والحال أنّها تنسف القيم الإسلامية فى العمق. فحسب المرجعيّة الدينية تتعارض هذه الممارسات مع مقولة «الإسلام كرّم المرأة»، وأحكام النكاح، وتقوّض أنموذجا تروّج له صفحات المتأسلمين «المرأة المسلمة الصالحة، الستيرة، العفيفة..» بل إنّها تُضاد السيرة النبوية فى حرص الرسول (صلعم) على تعليم الناس آداب الجماع التى تنطلق بالتبرّج فالقبلة، فالملامسة.

ووفق المرجعيّة الحقوقيّة كان من المفروض التصدّى لهذه الظاهرة وغيرها (كالزواج العرفى) لأنها تتعارض مع قوانين البلاد والتزام الحكومة بالمواثيق والمعاهدات ومنها اتفاقية «السيداو» التى يُناصبها الإسلاميون العداء. فبأى منطق نقبل انتهاك كرامة التونسيات وتحويل أجسادهن إلى سلع تباع أو تستأجر فى أسواق النخاسة؟ وبأى منطق نغضّ الطرف عن المتاجرة بالبشر وشبكات الدعارة، وإرساء ثقافة العبودية، وممارسة العنف الوحشى ضدّ النساء؟ وأنّى السبيل إلى معالجة هذا الوضع الذى يتطلب رعاية «المجاهدات» العائدات: صحيا ونفسيا وفكريا ودينيا وقانونيا، خاصة الحوامل اللواتى سيتحولن إلى أمهات عازبات يعولون أبناء مجهولى النسب.


لم ينهض الوزراء بمسئولياتهم فى ترشيد الخطاب الدينى وتأمين حصوننا من «الغزو الوهابى» وتسريب الأميّة الجديدة عبر التعليم الموازى و«الفكر» الدعوى، لم يحرصوا على حماية العباد والبلاد.

وعندما تهون تونس على «أبنائها» يتمأسس الجهل ويسدل النقاب على ممارسات تضرب فى العمق سرديات: تميّز الثورة التونسية ومنزلة المرأة، ومع ذلك ما زلنا نردّد أنّ مصير تونس بيد نسائها: «نساء بلادى نساء ونصف» سيقاومن حتى آخر رمق.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة