مغالطات اليعقوبي

صادق إطيمش
sadik.hassan@yahoo.de

2014 / 3 / 13


حينما قرأت عنوان الفيديو الذي نص على " رد المرجع الشيخ اليعقوبي على المعترضين على قانون الأحوال الشخصية الجعفري " توقعت فعلاً ان ارى رداً على إعتراضات المعترضين الذين تعرضوا لهذا القانون من الناحيتين الدستورية ـ القانونية والإنسانية المقترنة بكل اللوائح الصادرة عن المنظمة العالمية لحقوق الإنسان والمنظمات المنبثقة عنها داخل وخارج العراق . هذه الإعتراضات التي تضمنت مناقشة مدى إنطباق هذا القانون مع النصوص الواردة في الدستور العراقي ومع نصوص هذه اللوائح واثبتت ببراهين واضحة وإثباتات جليِّة مدى معارضة هذا القانون للدستور العراقي وللوائح حقوق الإنسان المختلفة . وإن نصوص هذه الإعتراضات ومداخلاتها منشورة على الملأ ويمكن الإطلاع عليها ومناقشتها حول كل ما جاءت به من أفكار وطروحات وتفنيد هذه الإعتراضات بنفس الطريقة القانونية والإنسانية التي تم طرحها بها . وإن كل متابع لهذه النقاشات في هذا الموضوع يتوقع من مرجع ديني كالشيخ اليعقوبي ان ينحو هذا المنحى في رده على المعترضين فيناقش ما طرحوه بنفس الأسلوب القانوني ـ الدستوري والإنساني الذي تضمنته هذه الإعتراضات . فماذا سمعنا من الشيخ اليعقوبي ؟
المغالطة الأولى التي سمعناها من سماحته هي انه زعم بان المعترضين على هذا القانون هم من النساء وإن حملة الإعتراضات هذه تقودها النساء .
حينما يتجاهل سماحة الشيخ الحملة الشعبية التي ساهم فيها القانونيون والسياسيون والصحفيون ومنتسبو منظمات المجتمع المدني المختلفة من الرجال والنساء ويركز على الجانب النسوي في هذا الأمر فإنه لا يتصرف ، حسب منطقه هذا ، كرجل باحث عن الحقيقة فعلاً ، بل ان زعمه هذا يخفي وراءه إنتقاصاً كاملاً للمشتركين في هذه الحملة الشعبية وتجاهلاً للآخر الذي لم تحظ مناقشته للمواد المجافية لحقوق الإنسان وحقوق المرأة بالذات اي إهتمام لدى سماحة الشيخ .
في الحقيقة والواقع انه لشيئ مفرح ان تكون المرأة العراقية اول المتصدين لمثل هذه القوانين وهذا فخر لها ولكل القوى الوطنية العراقية التي تحسب لنضال المرأة العراقية ولمواقفها البطولية في ساحات النضال والعمل الوطني الف حساب . إلا ان سماحة الشيخ اليعقوبي لم ينظر إلى إعتراضات المرأة العراقية على هذا القانون بهذا المنظار ، بل انه اراد من خلال عكس فكره عن دونية المرأة وكل النواقص التي يراها فيها ليربطها بتفاهة وعدم اهمية هذه الإعتراضات لأنها جاءت من النساء اولاً ، ولأن هؤلاء النساء " مُضَللات " و " مُغفلات " و " النساء المنبوذات في المجتمع " و " الأصوات النشاز ولا يمكن ان يكن من شريفات العراق " . هذه الأوصاف التي اطلقها شيخ يعتبر نفسه مرجعاً دينياً لا يمكنها ان تتلائم مع ما يدعيه الشيخ من إحترامه للمرأة بنفس ذلك الإحترام الذي يربطه بتعاليم الدين الإسلامي . إذ انه يجب ان يكون القدوة في عكس هذا الإحترام الديني ، وأن لا يواجه المرأة بهذه الأوصاف التي لا تليق برجل دين لمجرد ان بعض مواقفها لا تتفق مع ما يفكر او يعتقد به سماحة الشيخ .
ولكي يجيد سماحة الشيخ اليعقوبي لي عنق الموضوع بحرف الإعتراضات على هذاا القانون عن وجهتيها القانونية ـ الدستورية والإنسانية وتوجيهها الوجهة الأخلاقية ، كعادته التي جرى عليها اثناء الإعتراضات التي جرت على غلق بعض المراكز الثقافية فجعل من الثقافة وفعالياتها الفنية والأدبية مجرد تعاطي الخمور والتبول في الشوارع ، حاول سماحته هنا ايضاً ان يعطي هذه الإعتراضات صبغة اخلاقية حينما ربطها بزعمه بأن هؤلاء المعترضين على هذا القانون هم نفس أولئك الذين طالبوا بعد سقوط البعثفاشية بإباحة الشذوذ الجنسي والزواج المثلي . لله درك ايها الشيخ الجليل . إن مثلك لا ينبغي له ان يلقي التهم جزافاً على الناس وانت تعلم علم اليقين بأن مثل هذه الطلبات لا يمكن ان تتفوه بها اية إمرأة عراقية في مجتمعنا العراقي . وحينما تزعمون سماحتكم بان النساء هن اللواتي قدن عملية الإعتراض هذه ، أي هن او بعضهن اللواتي طالبن يومذاك بإباحة الشذوذ الجنسي او الزواج المثلي . فهل تصدق نفسك ما تقوله انت ايها الشيخ الجليل ؟ وإن كنت تصدق ذلك فعلاً ومتأكد منه ، وإن ما جئت به ليس هفوة او كبوة أو كذبة عابرة ، فلا يسعنا إلا ان نطالبك بالكشف عن اسماء هؤلاء النساء اللواتي طالبن بذلك . اما إن كان هناك بعض الرجال من المعترضين على هذا القانون والذين طالبوا بذلك ، وأنا شخصياً لا علم لي باي شخص من هذا القبيل ، فنرجو من سماحة الشيخ هنا ايضاً ان يدلنا على مثل هؤلاء باسماءهم ومتى طالبوا بذلك ، وحتى إن وُجِد مثل هؤلاء الرجال فطلبهم هذه لا علاقة له البتة بالإعتراض على هذا القانون ، وإلا لأعتبرنا كل مَن لف عمامة على رأسه او كوى جبهته أو تزين بالمحابس الفضية أو أطال لحيته من المؤمنين الورعين المتدينين وليسوا من تجار الدين .
وبنفس هذا السياق وصف سماحة الشيخ اليعقوبي المعترضين على هذا القانون ب " اهل الفواحش وأهل الفسق والفجور " متهماً حتى بعض " العمائم التي فتحت الباب لهؤلاء مشجعة اهل الفسق والفجور " ، واصفاً هذه العمائم بما يليق له من الوصف دون التقيد بأي إلتزام ديني او شرعي تجاه فئة محسوب هو عليها . إن ذلك يعني ، يا سماحة الشيخ ، وحسب اطروحتك انت بأن ليس كل من لف العمامة على رأسه وتفوه ببعض الكلمات التي قد لا يعيها الكثير من بسطاء الناس قد اصبح عالماً دينياً او مرجعاً شرعياً ، أليس كذلك ؟
أما حديث سماحة الشيخ اليعقوبي عما سماه بالقوانين الوضعية واستهانتها بالمرأة وجعلها " مجرد سلعة جنسية يرميها الرجل بعد إنتهاء شهوته منها " فللا داعي لنقاشه هنا وقد يغني عن هذا النقاش مجرد المقارنة البسيطة بين المجتمعات التي تقررفيها القوانين الدينية وضع المرأة الإجتماعي والثقافي والسياسي والإقتصادي مع تلك الأوضاع التي تعيشهاا المرأة في المجتمعات التي تخضع للقوانين المدنية التي نظمت حياة الأسرة والمجتمع . وقد تكفي مقارنة بسيطة بين وضع المرأة في السعودية ووضعها في السويد على سبيل المثال ، ولا نريد الإستطراد في مثل هذه المقارنات وتفاصيلها التي تدمي القلوب قبل العيون احياناً حينما يرى المرء تجارة الرقيق في بعض المجتمعات الإسلامية بدءً من عمر الطفولة في السنة التاسعة من عمر الطفلة وانتهاءً برمي الزوجات كما تُرمى قطعة اللباس في حالة تعدد الزوجات وحظوة الزوجة الشابة الأخيرة على حساب الزوجات اللواتي اصبحن في عمر لا يلبي الإستجابة للشهوة الجنسية لدى بعض الرجال المسلمين . هذا إذا ما لزمنا السكوت عن حالات الطلاق والإغتصاب وكل الجرائم التي تُقترف بحق المرأة في المجتمعات الإسلامية والتي تتعدى كثيراً ما هو موجود في المجتمعات التي يعتبرها فقهاء الإسلام السياسي مجتمعات كافرة .
في الواقع كان المُنتظر من شيخ بمقام الشيخ اليعقوبي ان يتناول الفقرات التي يجري الإعتراض عليها في هذا القانون ويناقشها مع المعترضين كل فقرة على حدة ويفند آراء المعترضين حول كل فقرة بأدلة شرعية إنسانية تنطلق من طبيعة الحياة التي تعيشها المجتمععات الإسلامية اليوم واحتياجات هذه المجتمعات إلى مساهمة المرأة في كل مرافق الحياة مع تناغم هذه الإحتياجات مع الكثير من القيم والتقاليد الدينية والإجتماعية والتراثية في هذه المجتمعات . إلا ان ما تناوله سماحة الشيخ اليعقوبي لم يتعد الشتم والقدح والطعن باخلاق المعترضين على هذا القانون من الرجال والنساء ،ومثل ذلك لا يليق برجل دين يدعي المرجعية .
الدكتور صادق إطيمش



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة