المرأة: الواقع الحقوقي / الآفاق.....1

محمد الحنفي
sihanafi@gmail.com

2015 / 3 / 12

إلـــى:

§ ــ المرأة في عيدها الأممي الذي يبقى محتفى به حتى تحقيق كافة الحقوق الإنسانية للمرأة.

§ ــ جميع الحاضرين في أول ندوة تقيمها جمعية التنوير للثقافة والفكر، بعد الانتهاء مباشرة من عملية إنجاز ملفها القانوني.

§ــ كل من وجهنا إليهم الدعوة، ولم يحضروا إما لغياب الاهتمام، أو استخفافا بالجمعية.

§ــ الأعضاء المؤسسين لجمعية التنوير للثقافة والفكر.

§ ــ أعضاء المكتب الذين أخذوا على عاتقهم السير بالجمعية، في اتجاه تحقيق أهدافها النبيلة.

§ ــ من أجل ثقافة تنويرية متحررة.

§ ــ من أجل ترسيخ قيم نبيلة في واقعنا.


محمد الحنفي

تقديم:

في إطار العمل على تفعيل جمعية التنوير للثقافة والفكر، تقرر تدشين برنامجها السنوي، بتنظيم ندوة في موضوع: الواقع الحقوقي للمرأة ـ الآفاق. وقد تكلفت شخصيا، أنا والأستاذة كرومي خديجة، عضوة مكتب الجمعية، بتأطير هذه الندوة، فكان شق الندوة الذي تكلفت به ذا بعد تاريخي / فلسفي / ديني، أما الشق الذي تكلفت به شخصيا، فكان ذا بعد واقعي / حقوقي.

وهكذا، ومن خلال المداخلة التي تكلفت بها، تناولت الشروط التي نعيشها على المستوى العالمي، وعلى المستوى المغربي، والتحولات القائمة في المغرب، وانعكاسها على واقع الإنسان المغربي، وعلى واقع المرأة المغربية بالخصوص، كما تناولت مفهوم المرأة على مستوى النوع، وعلى مستوى المرأة كإنسان، ووقفت على أن الأصل في المرأة، هو كونها مساوية للرجل، ثم سيدة، لتتحول بعد ذلك، عبر التشكيلات الاقتصادية ـ الاجتماعية الاستغلالية، إلى أمة، لتستمر في المعاناة من الدونية، حتى وإن تخلصت من العبودية التقليدية، لتقع بعد ذلك تحت تأثير أشكال أخرى من العبودية، الناتجة عن التحولات العميقة التي عرفتها التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية الاستغلالية، من التشكيلة المشاعية، إلى التشكيلة العبودية، إلى التشكيلة الإقطاعية، إلى التشكيلة الرأسمالية، وفي مجتمعات نمط الإنتاج الأسيوي، ذي التشكيلات المتعددة، ثم انتقلت بعد ذلك إلى تناول النظرة الدينية للمرأة، فقسمتها إلى ما قبل وجود الديانات، وما بعد وجود الديانات، لنصل إلى خلاصة: أن النظرة الدينية للمرأة، يتم اختصارها في تبعية المرأة للرجل، وتناولت، بعد ذلك، تسييد دونية المرأة في كل المجتمعات الاستغلالية، وأن تكريس الدونية، اقتضى أن يكون النضال من أجل انعتاق المرأة من أسر دونيتها. وفي هذا الإطار، سجلنا مستويات الاختلاف القائم بين جميع التشكيلات الاقتصادية ـ الاجتماعية، وبين الدول القائمة من جهة، وبين الدول المتقدمة، والدول المتخلفة من جهة أخرى. وبعد ذلك، انتقلت إلى معالجة واقع المرأة المغربية، واقفا على شروط تحكم الواقع المغربي في المرأة، التي يمكن إجمالها في اعتبار المغرب بلدا متخلفا، واعتباره بلدا رأسماليا تابعا، واعتبار المجتمع المغربي محكوما بقيم العادات، والتقاليد، والأعراف، بالإضافة إلى اعتبار المجتمع المغربي متدينا. ومعلوم أن المرأة تبقى رهينة بشروط الواقع: على مستوى الأسرة، وعلى مستوى المجتمع، وعلى المستوى الحقوقي.

وبعد الوقوف على واقع المرأة على المستوى العام، وعلى المستوى المغربي، انتقلت إلى معالجة آفاق المرأة، كذلك، على المستوى العام، وعلى المستوى المغربي، كما تقتضي المنهجية ذلك.

فعلى المستوى العام، نجد أن الآفاق مفتوحة على النضال من أجل التمتع بالحقوق العامة، وعلى النضال من أجل التمتع بحقوق النوع، والنضال من أجل التخلص من دونية المرأة، وإلى الأبد.

وعلى مستوى المغرب، نجد، كذلك، أن الآفاق مفتوحة على النضال من أجل المساواة القانونية، في إطار مقاومة كل القيم الحاطة من كرامة المرأة: (العادات، والتقاليد، والأعراف، واستغلال الدين لتكريس دونية المرأة، والتصدي المستمر لاعتبار المرأة عورة)، والعمل على امتلاك الوعي الحقوقي، والحرص على التمتع بكافة الحقوق الإنسانية، بالإضافة إلى الحرص على التمتع بحقوق النوع، والنضال من أجل ملاءمة القوانين الوطنية، مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، والنضال من أجل تطبيق بنود الاهتمام، في أفق الوصول إلى المناصفة، على مستوى المسؤوليات، وتحقيق المساواة الكاملة بين النساء، والرجال، على مستوى الحقوق، وعلى مستوى الواجبات.

وبعد هذه المعالجة المسهبة عن الواقع، وعن الآفاق، وصلت إلى خلاصة: أن المرأة في الأصل كانت مساوية للرجل، وأنها تمكنت من السيادة عليه في مرحلة تاريخية معينة، وأن المرأة عاشت عصورا من العبودية، امتدت من التشكيلة العبودية، مرورا بالتشكيلة الإقطاعية، ثم التشكيلة الرأسمالية، التي لا زالت قائمة في يومنا هذا، وأن المرأة ناضلت، ولا زالت تناضل من أجل التمتع بالحقوق العامة، وبحقوق النوع، وان نضال المرأة أصبح مفتوحا على تحقيق المساواة الكاملة بين النساء، والرجال، في الحقوق، وفي الواجبات، في أفق إيجاد مجتمع نوعي، لا وجود فيه لما يخدش كرامة المرأة.

الشروط التي نعيشها في هذا العصر:

وبما أن حقوق الإنسان، ومنها الحقوق الخاصة بالمرأة، تكون مرتبطة بالشروط الموضوعية القائمة في الواقع، على المستوى العالمي، وعلى مستوى المغرب. فإذا كانت هذه الشروط تخدم ضمان تمتيع جميع الناس بالحقوق الإنسانية في طابعها العام، الذي يشمل الكون برمته، وفي طابعها المغربي الخاص، كانت هذه الحقوق مضمونة للجميع، وبدون استثناء، بما في ذلك تمتيع المرأة بحقوقها الخاصة، كما هي في اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة. وإذا لم تكن كذلك، فإن حرمان جميع الناس، من جميع الحقوق، بما في حرمان المرأة من كافة حقوقها الخاصة، هو الذي يصير سائدا على المستوى العام، وعلى مستوى المغرب.

وإذا كان التمتع بحقوق الإنسان، رهينا بالشروط القائمة، فإن الشروط القائمة الآن تتمثل في:

أولا: على المستوى العالمي: سيادة النظام الرأسمالي، وتحكم هذا النظام في مصائر الشعوب، وتحول هذا النظام من الليبرالية التقليدية، إلى الليبرالية الجديدة، التي أجهزت على كافة الحقوق الإنسانية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وشرعت تدعم كل التوجهات الساعية إلى مصادرة الحقوق الإنسانية، بما في ذلك الإجهاز على ما تحقق للمرأة من مكتسبات، وخاصة عندما تدعم أنظمة الليبرالية الجديدة، ما تقوم به داعش، التي رجعت بالبشرية قرونا إلى الوراء، مطبقة بذلك سياسة الهمج، ومكرسة التخلف الضارب في الأعماق، وبدعم من دول الليبرالية الجديدة، في أمريكا، وفي أوروبا، ومن دويلات التخلف البترولي العربي، بهدف الإجهاز على كافة الحقوق الإنسانية، التي تحققت، بالخصوص، في البلاد العربية، من خلال إعادة تشكيل هذه البلاد، وفي إطار صياغة ما صار يعرف بالشرق الأوسط الجديد.

ثانيا: على المستوى المغربي: حيث نجد أن الشروط التي نعيشها، لا تختلف عن الشروط على المستوى العالمي، إلا في كون المسؤولين، على اختلاف مستوياتهم، محكومين بهاجس الاستمرار في إجهاض حركة 20 فبراير، حتى لا تقوم بأي دور لصالح الشعب المغربي، وخاصة، بعد أن انسحب منها من اعتبروا أنفسهم أساس قيام حركة 20 فبراير، حتى لا يشوشوا على الحكومة، التي يقودها حزب العدالة والتنمية في المغرب، والتي تعمل على:

1) عدم تنزيل دستور فاتح يوليوز 2011، الذي يقر حقوق المرأة.

2) الإجهاز على ما تحقق من الحقوق الإنسانية، لصالح الشعب المغربي.

3) الإجهاز على ما تحقق من حقوق لصالح المرأة.

4) الإجهاز على ما تحقق لصالح الجمعيات المناضل،ة كالجمعيات الحقوقية، ومنها الجمعيات المهتمة بحقوق النساء.

5) إقحام الدين في الصراع الحكومي، مع مختلف الإطارات الجماهيرية.

6) ادعاء الحكومة محاربة الفساد، والكشف عن المفسدين، في الوقت الذي ترفع فيه شعار: (عفا الله عما سلف)، للحسم في ضرورة استمرار الفساد، نظرا للدور الذي يلعبه المفسدون في مختلف أجهزة الدولة، بما فيها جهاز الحكومة.

7) استمرار الفساد والاستبداد.

8) غياب أجرأة الممارسة الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

9) غياب دستور ديمقراطي شعبي.

10) ربط الدين بالسياسة في الحياة العامة، ورهن الحياة الفردية بأمور الغيب، التي يتم إقحامها في الشأن الديني.

11) الابتعاد الكلي، الذي يكاد يكون مطلقا عن علمنة الحياة، وعن جعل أمور الحياة العامة، والحياة الخاصة، من شأن الإنسان.

12) تسييد الفهم الخاطئ للدين.

13) غلبة طابع أدلجة الدين الإسلامي، على برامج المدرسة العمومية.

14) رهن الحياة العامة، والدينية بالخصوص، بتسييد أدلجة الدين الإسلامي، الذي صار يملأ فضاءات المساجد، والمناسبات الدينية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، بفعل الدور الذي تقوم به الأحزاب، والتوجهات المؤدلجة للدين الإسلامي.

وهذه الشروط التي توافرت بكثافة في الواقع المغربي، مع استفحال أمر الاستبداد القائم، لا يمكن أن تؤدي إلا إلى تكريس التراجعات الخطيرة، على مستوى الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وعلى مستوى حقوق المرأة، التي تزداد ترديا.

التحولات القائمة في المغرب، وانعكاسها على الواقع:

وانطلاقا من الشروط العامة، ومن الشروط الخاصة بالمغرب، نجد أن ارتباط المغرب بالمنظومة الراسمالية العالمية، بحكم تبعيته للنظام الرأسمالي العالمي، يجعل التحولات التي يعرفها، مرتبطة بالتحولات التي تعرفها المنظومة الرأسمالية، وخاصة في صيغتها النيو ليبرالية، التي تسعى إلى طمس كل قيم التطور، والتقدم، التي يمكن أن تعرفها هذه الدولة، أو تلك، أو التي يمكن أن يعرفها هذا الشعب، أو ذاك. وهذا الارتباط يجعل المغرب يتأثر سلبا، أو إيجابا، بكل تحولات المنظومة الرأسمالية، نظرا ل:

1) الارتباط الوثيق بين الاقتصاد المغربي، واقتصاديات النظام الرأسمالي العالمي.

2) تكريس التبعية الثقافية المغربية للنظام الرأسمالي العالمي، إلى جانب العناية بالثقافة التقليدية العتيقة، التي تغرق الإنسان المغربي في دوامة من التخلف، التي يصعب الخروج منها بسهولة.

3) تسييد أدلجة الدين الإسلامي، على أساس أنها هي الدين الإسلامي الحقيقي، مع العلم أن الدين الإسلامي في واد، وأدلجة الدين الإسلامي في واد آخر.

4) شرعنة قيام أحزاب، وتوجهات سياسية، وجمعيات، ونقابات، على أساس ديني، مما يجعل الدين الإسلامي من الآليات الكثيرة، التي توظف لتكريس تخلف المغاربة.

5) وصول مؤدلجي الدين الإسلامي إلى الحكومة، مما يمكنهم من فرض برنامجهم الذي يصير برنامجا حكوميا.

7) عدم أجرأة بنود دستور فاتح يوليوز 2011، المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق المرأة.

8) التضييق الذي تعرفه الحريات العامة، وخاصة في المجال الجمعوي.

وهذه التحولات مجتمعة، والتي لها علاقة بالمنظومة الرأسمالية، في تحولها، وبأنظمة البيترو دولار، وبنهب ثروات الشعب المغربي، لا يمكن أن تنتج لنا إلا تكريس التراجعات الخطيرة، التي أصبح يعرفها المغرب، على مستوى التضييق على الحريات العامة، وعلى مستوى التراجع عن مكتسبات حقوق الإنسان العامة، والخاصة بالمرأة.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة