المرأة والوعي السياسي ( 1 )

أماني فؤاد
d.amany-fouad@hotmail.com

2015 / 11 / 15

المرأة والوعي السياسي
د. أماني فؤاد
إطلالة تاريخية:
لم تشر أية وثائق تاريخية في القرن التاسع عشر في مصر من 1800 حتى 1900 م إلى أي نشاط للمرأة بالشأن العام أو العمل السياسي أو المجتمعي ، ولقد كانت أخر إشارة لعمل المرأة بالسياسة في التاريخ القريب هي الإشارة إلى شخصية "شجرة الدر" وموقفها من قيادة الدولة بعد موت زوجها الملك الصالح ، والموقف الذكي الذي اتخذته واتسم بالحيلة والدهاء.
وأول إشارة في عصر النهضة لنوع من تأثير النساء في المجتمع ومخالطة الرجال كانت في عام 1880 م من خلال صالون ثقافي أقامته "نازلي فاضل" ابنة أخ الخديوي اسماعيل ، وقد استضافت فيه الأميرة ألمع أعلام النهضة مثل سعد زغلول ، محمد عبده ، جمال الدين الأفغاني ، قاسم أمين وعدد من رجالات نهضة مصر الحديثة التي تبلورت أفكارهم تجاه المرأة وتحررها من خلال المساهمة والمناقشة في هذا الصالون، وفعاليات هذا الصالون مع أسباب أخرى كانت منطلقا للدعوة لتعليمها وخروجها من عصر الحريم، كما نوقشت فيه قضايا الشأن العام أيضاً.
ويجب الإشارة هنا إلى التعتيم الذي مارسه الإعلام في ذلك الوقت بكل أشكاله في مجتمع محافظ ذكوري الثقافة على كل مشاركة أو ريادة نسائية في أي مجال من المجالات . فعلى سبيل المثال لا الحصر من الشائع أن أول رواية عربية هي رواية "زينب" التي كتبها محمد حسين هيكل 1914 م في حين أن أول نص له الملامح الفنية المكتملة للرواية كان للسيدة : "زينب فواز" بعنوان "حسن العواقب" 1899م لكن التاريخ لم يشر إلى هذه الحقيقة إلا متأخرا.
ولصراع المرأة من أجل مكانتها والمطالبة بحقوقها تاريخ طويل يمتد منذ أوائل القرن العشرين ، تتبدى صوره في مشاركتها في مظاهرات ثورة 1919 م بقيادة هدى شعراوي وصفية زغلول، وبالمظاهرات التي أعقبت صدور دستور عام 1923 م مباشرة والتي خاضت فيها المرأة معارك شرسة وضارية بقيادة عناصر نسائية مقاتلة لم تعرف اليأس مثل "منيرة ثابت" الحقوقية والصحفية للمطالبة بحق المرأة في الانتخاب والتمثيل في دار الإنابة كما كان يطلق عليها وقتها، لأن هذا الدستور أعطى حق الانتخاب للذكر فقط، كما طالبت بحقها في التمثيل البرلماني ولم يتحقق هذا الحلم إلا في عام 1957 مع دخول "راوية عطية" و"أمينة شكري" لمجلس الأمة لأول مرة. كما برز أيضا في نضال الكاتبة "أماني فريد" من أجل حق المرأة في التصويت و الترشح للبرلمان في كتابها " المرأة المصرية والبرلمان" عام 1947 م ، وهو مؤلف شديد الأهمية متزن النبرة، واضح المنطق، تناول تغير المجتمع وتقدمه وتطور ثقافة المرأة فيه وتعلمها وخبراتها التي تراكمت مع التطور التاريخي؛ مما يتيح لها التمتع بتلك الحقوق لكونها كائن إنساني كامل الأهلية ولا سيما أن التشريع قد ساوى بين حقوقها وحقوق الرجل.
في عام 1957 أعطى جمال عبد الناصر للمرأة حق التمثيل في البرلمان وحق التصويت وهو ما واكب ازدياد وعي المرأة وتعدد أجيال من النساء التي نالت تعليمها الجامعي والفني فزادت خبرتهن بالحياة وشاركن في الحياة العامة، واطلعن على الحقوق التي نالتها النساء بالغرب .
وبعد دستور 1972 م استمرت مسيرة المرأة وكفاحها لزيادة نسب تمثيلها بالبرلمان حتى شغلت بعض المناصب القيادية في المجلس التشريعي ثم وصلت لأكبر تمثيل لها في البرلمان عام 2010 م بمساعدة نظام الكوتة الذي تم إلغاؤه بعد ثورة 25 يناير 2011 م.
المرأة واللحظة السياسية الآنية:
بعد 25 يناير و30 يونيو بلغت مشاركة المرأة المصرية أوجها في الاستفتاءات والانتخابات التي توالت في الأعوام الأربعة الماضية فكانت كتلتها التصويتية 24 مليون صوت انتخابي بنسبة 49 % ممن لهم حق التصويت.
ووفقا لقانون تقسيم الدوائر للانتخابات البرلمانية القادمة تم تخصيص 56 مقعدا للمرأة فضلا عن 7 مقاعد من أصل 14 مقعدا للمعينين إذ ألزم الدستور رئيس الجمهورية بأن يكون نصفها للمرأة وهنا يجب أن نقف لنشير إلى بعض التساؤلات والحقائق ..
هل هناك وعي بالعملية السياسية والبرلمانية لدى المرأة المصرية، هل لديها إلمام وإحاطة بمقتضيات العملية الانتخابية وواقعها الفعلي على أرض الواقع ، كيف تختار المرشح أو المرشحة التي تمثلها كصوت انتخابي ؟ وهل توجد النماذج النسائية المؤهلة لتكون شخصية برلمانية في المجلس القادم؟ كلها أسئلة ثقافية يجب أن نلتفت لها ونحلل بعض سياقاتها الشخصية والاجتماعية.
وتبقى القضية المحورية في المستقبل كيف نعمل على زيادة وعي المرأة بمحاور العملية الانتخابية وضرورة تمثيلها اللائق في المجالس التشريعية، حقوقها التي يجب أن تنالها نتيجة لاستحقاق فعلي وليس بنوع من التمثيل الصوري أو الديكور السياسي ؟ وهنا أشير إلى القضية التي أفضل التأكيد عليها مرارا وهي أنه في ظل السياق الثقافي الذكوري للمجتمع لا أحد يحارب من أجل قضايا المرأة أفضل من المرأة نفسها، لأنه ليس من المنطقي في ظل التصورات السائدة الراسخة أن يتنازل الرجل التقليدي عن مكتسباته بسهولة من دون معارك مدروسة وعاقلة من جانب المرأة، وإصرار على مساواة كاملة في الحقوق والواجبات بل مطالبة الدولة بمؤسساتها بتذليل كل الصعاب التي يضعها بعض الرجال للحد من أن تنال المرأة حقوقها كما كفلها لها دستور 2014 م، ولا بد من محاولة جذب الأصوات العاقلة التنويرية من الرجال التي تؤمن بحقوق المرأة واستحقاقاتها وتدرك الأثر الإيجابي الذي يمكن أن تعود به هذه الحقوق في عملية تحقيق نهضة شاملة للمجتمع.
أولا: علينا استنادا على المنطق ألا نعول كثيرا على البرلمان القادم وألا ننتظر النتائج سريعا لأن القضية برمتها مركبة المحاور تعود إلى التكوين الثقافي المتجذر بالمجتمع بأعرافه وعاداته وتقاليده، ونعلم أن كل خلخلة ثقافية ورغبة في الإصلاح و التغيير لتطوير الوعي تحتاج للوقت والسعي الدائب لتتقبله العقول وينطبع بالنفوس ليصبح أسلوب حياة وتفكير وسلوك على أرض الواقع. لكن البداية يجب أن تنطلق من اللحظة الراهنة وعلى أصعدة متوازية.
ثانيا: لتكوين هذا الوعي السياسي عند المرأة يجب الاشتغال على خطط بعيدة المدى وخطط قصيرة المدى تلك التي يمكن اتخاذها إجراءات عاجلة من أجل اللحاق بهذا البرلمان القادم ، كما يجب أن تسير هذه المحاور في طريقها معا بالتوازي دون تفضيل محور على آخر أو تقديمه على ما عداه.
تتمثل الخطط سريعة التأثير التي يجب أن تتم قبل العملية الانتخابية في:
ــ دور الإعلام من خلال برامج التليفزيون التي ينبغي أن تخصص وتوجه للمرأة ذات الثقافة المتوسطة والبسيطة لأنها تمثل الأغلبية في الكتلة التصويتية، والتوعية من خلال المشاهدة من أخطر المحاور التي يجب التنويه لها وذلك لطبيعة مجتمعنا غير القارئ الذي تتعدى فيه نسبة الأمية بين النساء أكثر من 40 % مما يعني أنها تعتمد في ثقافتها على الصورة و الرؤية البصرية لذا يجب أن تقدم هذه البرامج التي تتناول كيفية اختيار المرشح أو المرشحة بصورة بسيطة ودون تقعرات فكرية من القائمين عليها، وحبذا لو كانت تتضمن مشاهد درامية مترابطة تجسد على سبيل المثال المخاطر التي تقع على الجميع من جراء الاختيار وفقا لشراء الأصوات أو العصبيات القبلية والاعتبارات العائلية، لتبين لهن أن هذه الممارسات لن تأت بالضرورة بالمرشح الأفضل لتمثيل الجماهير بالبرلمان، وأن اختيار المرشح يجب أن لايكون مبنياً على منفعة مباشرة أو خدمة عينية يقدمها المرشح لأهالي دائرته، ويجب أن تكون العلاقة بين المرشح ومن يمثلهم من جماهير علاقة فكرية ووطنية تسعى لتضمن لهم حياة أكثر حرية يحصلون فيها على حقوق أفضل في كافة خدمات الدولة وبهذا يصبح المرشح هو الصوت الذي يمثلهم وينقل همومهم الجماعية ولا بد أن يكون له رؤية واضحة وفق برنامج سياسي محدد لإيجاد حلول مناسبة لمشاكل أفراد دائرته.
وفي هذا السياق في الخطة الطويلة المدى حبذا لو أعدت بعض المسلسلات الدرامية التي تتعرض لهذه القضايا دون أن تكون بأسلوب مباشر لتشرح ضرورة وجود تمثيل لائق بالمرأة في نسبة مقاعد البرلمان. والدور العميق والهام لنائب البرلمان ، فالأساليب غير المباشرة أكثر فعالية وتأثيرا في المشاهدين، كما أن عرضها في غير لحظة توهج الحدث يبعد عنها شبهة الفن الموجه الذي غالبا ما يتلقى الانتقادات والنفور منه.
كما يمكن إعداد بعض المسلسلات التي تتناول نماذج نسائية من التاريخ المصري كافحت وخاضت معارك عدة مطالبة بحقوق المرأة وأحقيتها في كثير من المجالات. كما أن الأفلام الوثائقية القصيرة المعدة بعناية فنية وفكرية من شأنها الإسهام في هذا المجال وإعطاء فكرة عن الأنموذج الذي يمثل قدوة يمكن أن يحتذى بها، لتكافح من أجل تمثيل مشرف لها يليق بمكانتها وعددها وقضاياها بهذا المجتمع. هنا ينبغي الإشارة إلى دور الدولة ووزارة الثقافة المصرية في الدعم المالي والفني في إنتاج تلك الأعمال التي يتغيا منها مردودا ثقافيا يسهم في خلخلة ثقافة رجعية سائدة تمثل ردة ونكسة في دور المرأة نادت به وشجعته تيارات فكرية ظلامية سادت في العقود الماضية.
ــ دور المجلس القومي للمرأة وما يقوم به بالفعل من حملات وندوات وورش عمل مثل حملة طرق الأبواب وتوعية الرائدات الريفيات وتواصلهم المباشر مع المرأة في القرى والنجوع والمدن في الريف والصعيد، هذا فضلا عن الورش التدريبية لإعداد المرشحات وكيفية توعيتهم بمشاكل العملية الانتخابية، وأتصور لو كان هناك تنسيق بين المجلس القومي للمرأة والكاتبات المبدعات النساء لعقد ندوات في المحافظات المصرية والاستعانة بهم في مخاطبة الفئات العريضة لتوعيتهن بأهمية مشاركة المرأة في الحراك السياسي ومناقشة كثير من الأفكار المغلوطة بالمجتمع لزادت الفائدة المرجوة في نسب مشاركة المرأة وتوعيتها بحقوقها .
ــ لجمعيات المجتمع المدني وتنظيماته دور أساسي من خلال الندوات والمحاضرات وحلقات النقاش المفتوح لتوعية كثير من النساء البسيطات بأهمية مشاركتهم أو مشاركة المرأة في البرلمان وأهمية صوتهن في اختيار النائبة أو النائب الذي يمثل الجماهير في البرلمان.
لهذه الجمعيات أن تجتهد لاستحداث الوسائل الجاذبة التي تجعل رسالتها تصل لأكبر عدد من النساء التي تنشد مخاطابتهم والوصول إليهم من خلال بعض العروض المسرحية ويتم فيها إبراز نماذج مشرفة من النساء ودعوتهم لحوار مفتوح لعرض تاريخ المرأة في العمل العام.
من أهم الأهداف التي يجب أن تشتغل عليها هذه الجمعيات هو كيفية إعداد نماذج من المرشحات على مستوى عالٍ من الوعي قادرات على تمثيل المرأة و الدفاع عن قضاياها في المجتمع المصري، واختيار نماذج ذات كفاءات علمية ومهنية وإدارية ممتازة ثم توعيتهم بمواصفات مرشحة البرلمان وسماتها من حيث القدرة على القيادة والإلمام بقضايا الناس ومشاكلهم في الدوائر الممثلة عنها والإلمام بقضايا الوطن ذاته وتكوين رؤية فكرية ثقافية لمعرفة مواجهة هذه المشكلات. هذا عدا القدرة على الالتحام بالجماهير ومعرفة كيفية التواصل مع أكبر عدد منهم، وتوعيتها بخصوصية العملية الانتخابية في مجتمعاتنا من حيث الاعتبارات التي تعود للموروث الثقافي الذي لا يحبذ وجود المرأة في هذه الأدوار العامة والمؤثرة في المجتمع، وتوعيتهم بطبيعة العصبيات القبلية وتوازنات العائلات في تواجد عناصر منها في البرلمان وتفضيلهم للرجال، وكيفية مواجهة سيطرة المال والقبليات والأعراف والعادات المجتمعية والتفسيرات الخاطئة للنصوص الدينية التي تقولب المرأة في أدوار محددة تتلخص في دورها الأسري بصفتها زوجة وأماً في التكوين المجتمعي, وكيف تواجه المرشحة هذه القضايا وإعدادها النفسي والثقافي لترد على كثير من الأسئلة والمواقف التي ستتعرض لها في منافسات شرسة تخوضها أحزاب تدعي مدنيتها وهي تستند على أصولية دينية رجعية ومتخلفة تنتقص من حق المرأة وتضعها في مرتبة أدنى من الرجل مهما أدعت عكس هذا.
وتتمثل الخطورة الأكبر فى أن هذا التشوه القائم فى طبيعة النظرة إلى المرأة قد طال المرأة ذاتها في قطاعات وفئات عريضة من النساء بعملية يمكن وصفها بغسل الأدمغة، أصبحت فيها المرأة ذاتها تحمل الإحساس بالدونية، حتى بعض المثقفات منهن انحدرت عقولهن في رده رجعية، وتأثرن بهذا التقليص لدورهن في الحياة، وأدى هذا بـدوره إلـى ظهـور أجيـال مشوهـة علـى المستوييـن الفكـرى والنفسـى، مـن الرجـال ومـن النساء.
لعلنا يجب أن نواجه ذواتنا وواقعنا بعدد من التساؤلات التي لم يعد هناك مجال لتجاهلها وربما من أشدها خطورة السؤال: هل يعد مستوى الوعي لدى المرأة المصرية بكل طبقاتها ومستويات تعليمها لائقا بالمرأة في الألفية الثالثة قياسا بالوعي في المجتمعات المتقدمة؟
هل تعي المرأة كيانها الإنساني حقوقه وواجباته وكيفية التعامل معه بلا ثنائية الروح والجسد التي أصبحت من متحفيات التاريخ البشري لكنها مازالت تحكم ثقافة المجتمع الذكوري الذي يفرض قوانينه الخاصة على المرأة، هل تعي أنها إنسان كامل الأهلية؟ هذه القضايا و أخرى لها صلة بها سأحاول مقاربتها- لما لها من أهمية- في المقالات القادمة .



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة