المرأة والجمال

صاحب الربيعي
sahib.al-rabi@spray.se

2005 / 11 / 24

كل الصور الجميلة تعشق في الطبيعة والمرأة الجميلة تحصد المزيد من المعجبين وحظوظها في الزواج يكون أكبراً حتى لو كانت متدنية الثقافة. الإعجاب يعكس صور الجمال ويثير العاطفة والمشاعر نحو البحث في تفاصيل الجمال لإشباع الرغبات الإنسانية، والجمال لايقتصر على المرأة وأنما ينسحب على الرجل الجميل الذي تتبارى النساء للإيقاع به.
يرتكز الإعجاب المتبادل بين شخصين على اكتشاف تفاصيل جمال أحدهما للآخر فيتم التعبير عنه بالمشاعر والأحاسيس لزيادة حالة الجذب المتبادل، وحالما تتم الاستجابة لنداءات العاطفة والمشاعر تعقد علاقة الحب.
هناك علاقة طردية بين الجمال والانفعال العاطفي الذي يثير الأحاسيس والمشاعر للتوحد مع الآخر، وتلك العلاقة متوقفة على الإعجاب المتبادل بين الطرفين لتفصح عن عناصرها المتفاعلة ثم عن نتائجها المتوقعة.
يعتقد ((رونية أوبير))"أن إدراك الجمال يعني الاتحاد بالشيء في إطار الانفعالية المدركة لها، كما لو أن الشيء يأتي أمامها تعاطفاً ومحبة. وهو يعني في المحصلة الاتحاد مع كل أولئك الذين يبدون إعجابهم بالجمال لتلبية مطالبهم الانفعالية".
حالة الإعجاب بالجمال من خاصة القلب تعكس المشاعر والأحاسيس سعياً للاتحاد بالآخر دون الاحتكام لمنظومة العقل العاكسة لصور الوعي بالشيء عبر التفكير لإدراكه أو التوحد به، فالجمال والإعجاب والانفعال.....مفردات فطرية من خاصة القلب تعكسه بصور المشاعر والأحاسيس ولاتهتم بمفردات ومتطلبات الوعي لاستمالة الآخر. إنها حالة لاشعورية تختلف درجاتها من شخص لأخر في قراءة تفاصيل الجمال، فقد تثير تفاصيل معينة من الجمال شخصاً ما فيعبر عنه بالإعجاب ويسعى إليه بالمشاعر ونفس تلك التفاصيل يجدها الآخر عادية لاتثير فيه أي انفعال!.
بالرغم من أن للجمال مقاييس محددة تعكس مفرداته وتفاصيله المتناسقة وتخضع لقواعد محددة شرعتها منظومة العقل لإصدار الأحكام الخاضعة للوعي دون العاطفة فإنه في الحياة العامة لايخضع لتلك القواعد الصارمة وأنما لمفردات العاطفة الخاضعة لإحكام اللاوعي للتعبير عن تفاصيله بمفردات فطرية تنهل مكوناتها من المشاعر والأحاسيس.
يرى ((رونية أوبير))"أن الجمال كالحب، أسمى درجة من درجات اتحاد مجموع الوعي، ذلك أن كل إدراك جمالي يشخص تعريف المادة، هو جزء من الواقع العقلي. وإذا تعدى ذلك أو انصهر في مجموع الأشياء لايعد حينئذ تشخيصاً لمعناه الصحيح وأنما استخلاصاً وحكماً يدركه الوعي كموضوع وذات متكامل".
السؤال المطروح هل إعجاب الرجل بالمرأة يرتبط بجمالها أم بوعيها أم بالاثنين معا؟. ليس هناك شخص سوي لايعشق الجمال لذاته، فيبدي إعجابه به للوهلة الأولى باعتباره جمالاً ليس إلا! لكن هذا الجمال أن كان صورة كصورة الطبيعية لايعكس مفرداته إلا من جانب واحد، وحين يكون جمالاً لكائن إنساني يتطلب أن يعكس تفاصيله لاستمالة الآخر. وتلك التفاصيل تحتاج إلى أداة للتعبير لتبادل المشاعر والأحاسيس وإلا فإنها تبقى صور جامدة غير متفاعلة تأخذ ولاتعطي.
وحينها فإن صورة الجمال الجامدة الفاقدة لأداة التعبير لاتبقى إلى الأبد على تفاصيلها الجميلة فتنهار مفرداتها في الإثارة والإعجاب. عليه فإن جمال المرأة المترافق مع وعيها يضفي سمات جديدة على شخصيتها، والرهان على الجمال لوحده يعد رهاناً خاسراً مع الزمن، فالوعي المترافق مع الجمال يضفي على العلاقة بين الرجل والمرأة سمات إنسانية تحجم مفردات استمالة الآخر عبر الغريزة والعاطفة لوحدها التي غالباً ما تكون تمليكه وتخضع للبيع والشراء تحت يافطة الزواج أو لحركة بورصة الجمال في سوق الدعارة!.
يعتقد ((ارنست همنغواي))"على الإنسان الحكيم أن لايتزاوج من أجل الجمال لوحده، فقد يكون للجمال جاذبية قوية في البداية ثم يثبت بعد ذلك عدم أهميته النسبية. والزواج من شخص وسيم بلا شخصية وملامح جميلة لاتزينها العاطفة ولا طبيعية طيبة خطأ غاية في الرثاء. إن التعود على منظر جميل يعد شيئاً مملاً، كذلك للوجه الجميل إلا أن كانت هناك طبيعة جميلة تشرق من خلاله، فجمال اليوم يصبح شيئاً عادياً غداً، أما الطيبة التي تكمن في الملامح العادية فهي جميلة إلى الأبد. هذا النوع من الجمال يتطور مع الزمن، ولا تحطمه محطات العمر بل تنضجه".
الصورة الجميلة دون إطار جميل تفقد سماتها كذلك المرأة الجميلة دون وعي يؤطر جمالها تفقد جاذبيتها، وعي المرأة يكشف أكثر عن سمات جمالها ويزيد من جاذبيتها وتُكسبها المزيد من الاحترام الاجتماعي لأنها تفرض حضورها بوعيها أكثر من جمالها الذي يزداد تألقاً. وهذا الأمر لايقتصر على المرأة لوحدها، وإنما ينسحب على الرجل الذي ينال من خلال وعيه إعجاب المرأة الواعية الساعية لعلاقة إنسانية تعترف بالآخر كذات وليس صورة تختفي ملامحها مع الزمن!.
لكن هذا الافتراض الواقعي غالباً لايقره الواقع الاجتماعي، فالرجل الثري حتى لو كان أمياً وبشعاً قادرة على شراء المرأة الجميلة والعكس صحيح. والمرأة المتعلمة وقليلة الجاذبية والجمال غالباً ما تكون حظوظها في الزواج قليلة، وتعليمها لن يفيدها بشيء بعكس المرأة الجميلة ذي التعليم المتدني فإن حظوظها في الزواج تكون أكبراً من بنت جنسها المتعلمة‍!.
يعتقد ((ويل ديورانت))" أنه حتى لو امتازت الفتاة بالعلم والتفكير ولم تحظ إلا بالقليل من الجاذبية وفنون الغنج والدلال فسوف لاتوفق كثيراً في الحصول على الزوج".
وتستقيم المعادلة أكثر حين تكون المرأة جميلة ومتعلمة فإن حظوظها في الزواج أو المعجبين تكون أكبراً من المرأة الجميلة والأمية. جمال المرأة وسيلة لانتزاع الإعجاب وأداة لتعدد خياراتها لانتقاء الأفضل من الرجال وفي بعض الأحيان يكون جمال المرأة قناعاً لحجب مستوى تدني وعيها وتعليمها، لكن تلك الأداة والوسيلة تفقد أهميتها مع تقدم محطات العمر فإن كانت المرأة جميلة متعلمة وواعية تفرض حضورها وتألقها في كل محطات العمر!.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة