حقوق المرأة في التشريعات الدولية

صاحب الربيعي
sahib.al-rabi@spray.se

2005 / 12 / 12

إن حقوق الأفراد والجماعات في المجتمعات لايمكن أن تصان ما لم تستند إلى تشريع قانوني واعتراف المجتمع بهذه الحقوق ليس كافياً ولايشكل ضمانة لعدم انتهاكها، فالقانون الوضعي وليس العرفي هو الضمان الوحيد. وفي معظم الأحيان (خاصة في الدول المتخلفة) يبقى التشريع حبراً على روق يتم التستر وراءه لانتهاك الحقوق وبذات الوقت يتم التلويح به في المحافل الدولية لتهرب من التزاماتها.
إن التشريع القانوني ذي حدين، ويمكن استخدامه في اتجاهين متعاكسين تبعاً لمصالح السلطة التنفيذية لكنه بذات الوقت يفرض استحقاقات كمرجع قانوني عند انتهاك الحقوق. وهذا الاستحقاق القانوني لم يفرض وجوده من الفراغ، وأنما جاء نتيجة نضال مرير خاضته العناصر الفعالة من المجتمع، دفع البعض منهم حياته ثمناً لفرضه على الواقع المعاصر ونالت الأجيال اللاحقة ثماره دون عناء.
وبمراجعة بسيطة للتاريخ القريب نجد أن المرأة لم تكن سوى كائناً من الدرجة الثانية لاتتمتع بأي حقوق إنسانية في المجتمع، لكن نضالها المستمر والمتراكم عبر السنيين أجبر المجتمع الدولي على الاعتراف بالتمييز ضدها باعتبارها كائن إنساني لايقل شأناً عن الرجل في المجتمع.
وجاء في ديباجة الأمم المتحدة بشأن التمييز ضد المرأة الآتي:"أن التمييز ضد المرأة يتنافى مع كرامة الإنسان وخير الأسرة والمجتمع ويحول دون اشتراكها على قدم المساواة مع الرجل في حياة بلدها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ويمثل عقبة تعترض الإنماء التام لإمكانياتها وطاقاتها لخدمة بلدها وخلاص الإنسانية...أن التمييز ضد المرأة بإنكار أو تقييد مساواتها في الحقوق مع الرجل يمثل إجحافاً أساسياً ويعد جريمة مخلة بالكرامة الإنسانية".
هذا الاعتراف للمجتمع الدولي بالتمييز ضد المرأة على مستوى العالم، كان له الأثر المباشر على حكومات الدول في إصدار التشريعات القانونية اللازمة للحد من مظاهر التمييز اللانساني ضد المرأة. ولم يقتصر هذا الاعتراف الذي أقره المجتمع الدولي بالتمييز ضد المرأة، وإنما سعى لإقرار عدد من التوصيات لأعضائه لإنهاء مظاهر التمييز ضد المرأة.
وبغض النظر عن مدى التزام دول العالم بتلك التوصيات، فإنها تشكل من حيث الأهمية مرجعية قانونية دولية تطالب بإنهاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة وتقر لها بالحقوق المتساوية مع الرجل. وقد اتخذت معظم المنظمات النسوية في العالم من مضامين تلك التوصيات سنداً لها في المطالبة بإصدار تشريعات قانونية تعمل على إنهاء حالة التمييز ضد المرأة ومنحها حقوق متساوية مع الرجل.
ومن أهم التوصيات التي أقرها المجتمع الدولي للمطالبة بحقوق متساوية للمرأة أسوة بالرجل هي:
1-"إلغاء القوانين والعادات والأنظمة والممارسات القائمة على التمييز ضد المرأة.
2-توفير الحماية القانونية الكافية لتأمين تساوي حقوق الرجل المرأة.
3-إثبات مبدأ تساوي الحقوق في الدستور أو بتأييده بأي ضمان قانوني أخر.
4-تثقيف الرأي العام وتوجيه الاهتمامات القومية نحو القضاء على النعرات وإلغاء الممارسات العرقية وجميع الممارسات الأخرى القائمة على الانتقاص من المرأة.
5-يراعى اتخاذ جميع التدابير المناسبة لمكافحة المتاجرة بالمرأة عن طريق البغاء.
6-يراعى اتخاذ كافة التدابير المناسبة لضمان حقوق متساوي للمرأة المتزوجة أو غير المتزوجة أسوة بالرجل في مجال القانون المدني.
7-الاهابة بالحكومات والمنظمات غير الحكومية والأفراد لتعزيز تنفيذ مبادئ هذا الإعلان".
إن ما يؤخذ على توصيات وقرارات الأمم المتحدة بأنها غير مُلزمة لأعضائها ما لم تصدر عن مجلس الأمن ووفق المادة 39 من ميثاقها. وهناك العديد من مبادئ ومواد الجمعية العامة للأمم المتحدة غير مُفعلة (بالرغم ما تحمله من صيغة إلزام لأعضائها) فالمادة الرابعة تنص على:"منح عضوية المنظمة لجميع الدول الراغبة والمحبة للسلام التي تتعهد بالتزامها بميثاقها" وجاء في المادة الخامسة:"يجوز للجمعية العامة، وبتوجيه من مجلس الأمن تجميد عضوية أية دولة في حال خرقها الفاضح لقرارات الشرعية الدولية". إضافة للعديد من مواد ولوائح حقوق الإنسان المُلزمة للانصياع للقرارات الدولية.
ومازالت الأمم المتحدة وميثاقها تخضع لتجاذب المصالح الدولية خاصة الدول الأعضاء في مجلس الأمن التي تُعطل معظم قرارات وتوصيات ومبادئ الأمم المتحدة لتتماشى ومصالحها السياسية والاقتصادية. ولم تقتصر التوصيات والقرارات الخاصة على نبذ التمييز ضد المرأة على الجمعية العامة للأمم المتحدة وأنما اشترطت معظم منظماتها على الدول والمجموعات الإقليمية على ضرورة الالتزام بتطبيق توصيات الأمم المتحدة من خلال سن تشريعات قانونية تمنع التمييز ضد المرأة كشرط لتفعيل التعاون معها.
جاء في قرارات المنظمة العمل العربية رقم 5 لعام 1976 بشأن المرأة العاملة مايلي:
1-"يجب العمل على مساواة المرأة والرجل في كافة تشريعات العمل، كما يجب أن تشمل هذه التشريعات على أحكام المنظمة لعمل المرأة في كافة القطاعات.
2-يجب العمل على ضمان تكافؤ الفرص في الاستخدام بين الرجل والمرأة في كافة مجالات العمل عند تساوي المؤهلات والصلاحيات كما يجب مراعاة عدم التفرقة بينها في الترقي الوظيفي.
3-يجب العمل على ضمان مساواة المرأة والرجل في كافة شروط وظروف العمل، وضمان منح المرأة العاملة الأجر المماثل لأجر الرجل في العمل المماثل.
4-يحضر تشغيل النساء في الأعمال الخطرة أو الشاقة أو الضارة بالصحة أو الأخلاق التي يحددها التشريع في كل دولة".
تعتبر معظم المنظمات النسوية في الوطن العربي، منظمات مطلبية تابعة لهذا الكيان السياسي أو تلك السلطة الجائرة، ويُتخذ منها واجهة لإضفاء صفة (التحضر!) على الكيان الحزبي!. وبكل أسف هناك العديد من الناشطات النسوية في تلك المنظمات تعاني من تدني الثقافة والوعي بماهية حقوق المرأة وتعكس صورة غير واقعية عن النساء المثقفات والكاتبات والصحافيات اللواتي تمتلئ المكتبات بنتاجاتهم الأدبية، كما أصبح البعض من تلك المنظمات تخضع لهيمنة زوجات وأميرات السلاطين اللواتي لاهم لديهن سوى أن يطلق عليهن السيدة الأولى في المجتمع!.
وهذا الأمر غيب النخب النسوية المدافعة حقاً عن حقوق المرأة باعتبارها حقوق مُستلبة يتوجب انتزاعها بالحجة القانونية المستندة للتشريعات الدولية والوطنية لا عن طريق الأساليب المطلبية (المترجية!) والشاكية أبداً من انتهاك الحقوق!.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة