المرأة بين مورث الشتيمة والسباب

صاحب الربيعي
sahib.al-rabi@spray.se

2006 / 1 / 7

يلعب المورث دوره في سلوك وتصرف الفرد في المجتمعات المتخلفة، ويؤسر توجهاته خاصة بشأن المرأة كونها تمثل مدلول العفة والشرف والعرض وما يتوجب على الفرد الحفاظ عليه لينال موقعه في المجتمع وبخلافه فإنه ينبذ اجتماعياً. وبهذا فإن العفة والشرف بالرغم من أنهما يحتلان مكانة خاصة من ذات الفرد ويوليهما الاهتمام اللازم، لكنهما بذات الوقت يشكلان نقاط ضعفه في المجتمع المتخلف الساعي أبداً للنفوذ من خلالهما للحط من قدره وشأنه الاجتماعي.
في هذا الإطار من المورث الذي تشكل فيه المرأة عنصراً من عناصر الحط من قدر الرجل أو عنصراً من رفع شأنه الاجتماعي، يمارس الرجل قدراً من القمع ضد المرأة ليس لكونها تمثل جنساً أخراً في المجتمع وأنما لما تشكله من نقطة ضعف له.
وعند خروجها على أعراف وقيم المورث الاجتماعي، ينال الرجل المنتمي لها أكثر مما تناله من الحط والنبذ الاجتماعي كونها تمثل العرض والشرف ليس فقط لذاتها، وأنما لسائر عائلتها. وغالباً ما تكون لغة الشتيمة والسباب عند تحليها لغوياً لاتشكل مدلولاً في الحط من قدر الأخر، وأنما عبارة عن ذكر لمفردة فرج الأخت أو الأم....بغرض إثارة الآخر والحط من قدره وشأنه الاجتماعي لما تمثله عورة المرأة من دلالة في المورث بالرغم من أن النزاع أو الإشكال بين الرجال ذاتهم وليس للنساء أي دور فيه وبدلاً من أن توجه الشتيمة أو السب إلى الرجل ذاته توجه إلى أمه أو أخته.
والمنطق يلزم الشخص السوي أن يتعاطى مع لغة الحط من قدر الذات المنافسة وليس من أطراف أخرى ليس لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالنزاع الدائر، وتنهل لغة الشتيمة والسباب من المورث في اللاوعي وليس لها أية علاقة بالوعي ذاته.
كتب ((دعبل الخزاعي)) في هذا الإطار من الشتيمة والسباب لينال من منافس له قائلاً:
"سـاحـقـت أمـه ولاط أبـوه............ليت شعري عنه فمن أين جاء؟
جاء من بين صخرتين صلودين.............عقامين ينبتان ألهباء
لاسـفاح ولا نـكاح ولا مـا...............يُوجب الأمهات والآباء".
إن لغة الشتيمة والسباب اللتان تنال من الأخت والأم وذكر أجهزتهما التناسلية أو لإلصاق تهمة الزنى بهما ليس لها أي مدلول (أو تداول) في المجتمعات الأوربية، بل أنها تثير الاستغراب والدهشة! ولاتعني أية دلالة للحط من قدر الرجل وشأنه الاجتماعي لانتفاء دور المورث في المجتمع.
وإن كان هناك شأن ما (الزنى!) يخص الأم أو الأخت فلا يعني الأب أو الأخ فكل إنسان ينال قسطه من الاحترام الاجتماعي والخطأ محسوب على الفرد ذاته (امرأة أو رجل) ولايتحمل الأخر أزرهم. وإن كانت ثمة أخطاء تحط من القدر والشأن الاجتماعي، فالمورث ليس له أي دور في الحط من قدر الأفراد وشأنهم الاجتماعي وكل فرد في المجتمع مسؤول عن سلوكه وتصرفه فقط.
وبخلافه في المجتمعات التي يأسرها المورث فإن المرأة تنال قسطاً من الحط وينال الرجل قدراً أكبر من الحط في المجتمع نتيجة سلوك ما يتعارض وأعراف وقيم المجتمع تسلكه أمه أو أخته، وبهذا فإن الرجل والمرأة يخضعان لأعراف وقيم المورث الذي ينال من قدرهما وشأنهما الاجتماعي!.
كتب ((دعبل الخزاعي)) عدداً من أبيات شعر الهجاء ينال من خلالها من سمعة عشيرة بكاملها وينتقص من شأن رجالها ونسائها قائلاً:
"إذا رأيت بني وهب بمنزلة.............لم تدرِ أيهم الأنثى من الذكر
قميص أنثاهم ينقد من قبلِ..............وقميص ذكرانهم تنقد من دبر
محنكون عن الفحشاء في صغر......محنكون عن الفحشاء في كبر
محنكون ولو تقطع تمائمهم............مع الفواطم والدايات بالكبر".
إن الحرص المصحوب بالعنف والاضطهاد (في كثير من الأحيان) الذي يمارسه الرجل ضد نساء عائلته في المجتمعات المأسورة للمورث، يعود في شكله الظاهرة للحفاظ على سمعتهن في المجتمع، وفي الباطن الحفاظ على سمعته وشأنه الاجتماعي اللذان يشكلان في اللاوعي رصيده وفضاءه في المجتمع.
وقد لاتثير الشتيمة والسباب الموجهة للفرد ذاته رد فعل قوي ضد الآخر، لكنها تثيره بشكل كبير عندما تمس (شرف!) أمه أو أخته أو اتهامهما بالزنى الذي يسعر الخلاف ليصل إلى حد القتل الذي لايقتصر على الشاتم ذاته وانما ينسحب ليطال عائلته وعشيرته لما تحمله دلالة الشتيمة والاتهام بالزنى من مدلولات الحط من قيمة وشأن الفرد في المجتمعات المأسورة للمورث.
يشتم ويتهم ((دعبل الخزاعي)) مخالفه في الرأي قائلاً:
"يا زاني أبـن الزانيـة.............أبن الزاني أبن الزانية
أنت المردود في الزناء.............علـى السـنين الخالية
ومـردود فيـه علـى.............كـل السـنين البـاقية".
إن لغة الشتيمة والسباب هي جزء من المورث التاريخي الذي يأسر وجدان المجتمع لينال من المرأة بشكل أساسي ويتخذ منها سلاحاً للحط من قدر الرجل الذي يقسره المورث على جعلها عرضه وشرفه وما ينالها في هذا الشأن اجتماعياً يعني في شكله الآخر الحط من قدره وشأنه الاجتماعي.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة