سارة

جورج فايق

2006 / 2 / 5

سارة فتاة قبطية مرهفة الحس متوقدة العقل رقيقة كالنسمة تجبر من يتعامل معها أن يحترم رقة مشاعرها و هي تستحق ذلك لأنها تحترم مشاعر الجميع لم توجه في يوم كلمة جارحة لأحد لأنها تعامل الناس كما تحب أن يعاملوها لكنها لم تكن تعلم أن هناك نوعية من البشر تجردوا من إنسانيتهم ينهشون في الأخر دون أي سبب غير أن هذا الأخر مختلف عنهم في عقيدته أو جنسه أو مذهبه ، يكرهه فقط لأنه لا يؤمن بما يؤمن ؟ يكرهه لأنه ليس مثله ، لم يرى من هذا الأخر أي شيء ردي ولكنه يكرهه دون سبب كنا تفعل الحيوانات فالكلب مثلاً يكره القط و يطارده و لا يجعله يعيش في أمان بلا سبب
ما علينا حصلت سارة على الثانوية العامة بتفوق كما هو متوقع من أحدى الدول العربية حيث يعمل والدها و تقيم أسرتها في الغربة و فضل أهلها الرجوع إلى بلدهم حتى تلتحق أبنتهم بكلية عملية مرموقة من كليات القمة كما يطلقون عليها في مصر و ليتهم ما رجعوا لأن الغربة كانت أحن عليهم و على أولادهم من بلادهم
رجعت سارة و أهلها للقاهرة و التحقت بالكلية و أظهرت تفوق كما هو معهود بها إلى أن بدأت الامتحانات الشفوية في الكلية و ما أدراك ما هي الامتحانات الشفوية في بلادنا ؟ تعصب و عنصرية بغيضة بالامتحانات الشفوية قد لا يعطيك الدكتور حقك في الدرجة التي تستحقها لأن شكلك لا يروق له أو لأن أسمك من أسماء الفرنجة و الصليبيين أو لأن الطالب هناك وشم صليب على معصمه أو الطالبة ترتدي صليب على صدرها كل هذه الأشياء أو غيرها تجعل الدكتور أو الحاكم بأمر الله ينتقي أسئلة صعبة لمن لا يروق له أو لا يعطيه حقه في الدرجة كل هذه الأشياء مألوفة لدينا و أعتاد عليها أبنائنا و أصبحت لا تثير سخطنا أكثر من ساعات قليلة يوم ما تجرى لأنها أصبحت قاعدة ثابتة و معروفة لدينا وعدم حدوث ذلك يثير استغرابنا فأولاد القبط فقدوا الأمل في منافسة شريفة تجعل معيار التفوق هو مقدار التحصيل و القدرة على التطبيق والإبداع ، أصبحنا نعرف أن هناك معايير أخرى غير العلم و التفوق لتحصل على مكانة علمية في هذه البلد و لا ننسى مجدي يعقوب نابغة جراحة القلب الذي قال له أستاذه في مصر أنه لا يصلح ألا أن يكون مكوجي أنظروا ما وصل إليه مجدي يعقوب بعد أن ترك أرض التعصب و الكره
ما علينا دخلت سارة هذه الفتاة الرقيقة إلى الأستاذ الذي يمتلئ قلبه بالكره و التعصب لما يروق له أسمها فهي تدعى سارة أما إذا كان أسمها هاجر لكان الوضع مختلف ، حول لها الأستاذ عديم القلب الامتحان الشفوي إلى تحريري و أجلسها بجانبه لتجيب على الأسئلة في ورقة و أستمر في امتحان زملائها أمامها شفوياً و أخذ هذا الوحش يسخر من سارة أمام زملائها الممتحنين واحد تلو الأخر و أخذ يكيل لها بالكلمات ما تجود به أخلاقه الكريمة و تدينه المريض ولكم أن تتخيلوا كم الضغط العصبي و النفسي الذي لاقته هذه الفتاة الرقيقة التي لا ذنب لها ألا أن قدرها الأسود رماها في أرض التعصب والكره فقد مرت عليها الثواني و الدقائق كأنها سنوات طويلة كانت تتمنى أن تكون في كابوس تستيقظ منه على صوت أمها تدعوها للاستيقاظ من النوم و لكن للأسف كانت في واقع مرير
مر الوقت عصيباً مريرا على سارة و أنتهي اليوم و رجعت سارة إلى بيتها حزينة منهارة دمعتها تسبق كلماتها لتقص على عائلتها ما حدث و لتهدي أمها من روعها و لكن هيهات أن تشفي الكلمات كرامتها الذبيحة و استجابت لنصيحة أمها أن تخلد للنوم قليلاً لعل هذا يساعدها على راحة أعصابها و نسيان أحداث هذا اليوم العصيب المرير و نامت سارة على سريرها و لم تكن تدري أمها أن أبنتها لن تستيقظ مرة أخرى فقد دخلت سارة في غيبوبة نتيجة ما لاقته من ضغط نفسي و عصبي في هذا اليوم أدى إلى موت خلايا من خلايا مخها و نتج عنه غيبوبة و حاول أهلها إنهاء إجراءات سفرهم مرة أخرى للدولة التي أتوا منها لإخراج أبنتهم بعد تحسن حالاتها لإخراجها من هذا المناخ الفساد المليء بالكره و التعصب و العنصرية و لكن الله أراح هذه الفتاة و تركت سارة لهذا الأستاذ الدكتور بلده ليبث سمومه و كرهه و ذهبت إلى موطنها السماوي حيث وعدنا ألهنا أنه سيمسح كل دمعة من عيوننا
و في سرادق العزاء الذي أقامته الأسرة لسارة ذهب الدكتور الفاضل ليقدم واجب العزاء للأسرة هل رأيتم مكارم الأخلاق صحيح يقتل القتيل و يمشي في جنازته
هناك الكثير مثل سارة الذين تقتل كرامتهم و أحلامهم و تفوقهم و نبوغهم على يد أمثال هذا الدكتور الأستاذ الجامعي و لا حياة لمن تنادي و سوف تستمر هذه الجرائم لأن من يفعلها لا يعاقب
أن كانت جرائم القتل المادي التي لها أداة و لها شهود و لها ضحايا بالعشرات لا يعاقب من قام بها فهل ننتظر عقاب جرائم القتل المعنوي ؟
أن كانت جرائم الحرق و السرقة و التكسير و التدمير لا يعاقب من قام بها فهل ننتظر عقاب من قام بقتل أحلام طلبة متفوقين أو من قام بالسخرية و الاستهزاء من طالبة و جرح كرامتها حتى الموت ؟



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة