انتحار المرأة والعار

عبدالله الجنابي
amhml@yahoo.com

2019 / 5 / 3

انفجار في سيارة ، داخلها امرأة احترقت ملابسها ، خرجت من السيارة شبه عارية ، ثم رجعت الى داخل النار في السيارة لتموت خوفا على جسدها من الرجال . انتهت القصة : ماتت . اقيم تمثال لها ، وانبرى الممجدون والمادحون والفرحون ...
ما هي المنطلقات والاسس التي اعتمدتها المرأة الشهيدة في تفضيلها الاحتراق على رؤية الرجال لجسدها ؟ هل قرأت في الفقه الاسلامي تشريعا يوجب او يستحب فيه عملها ؟ وحتى لو وجد هكذا تشريع فهل كانت المرأة تريد الانصياع لتلك الشريعة وقتها ؟ ام ان التشريع القبائلي والاجتماعي هو ما كانت تريد تطبيقه ؟ المشكلة ليست فيما راته المرأة فلربما كان عملها خاطئا والاخطاء المميتة تحدث لكثيرين من الرجال والنساء ، المشكلة في البناء الفكري والعقائدي والاجتماعي الذي شيده الرجل لسجن المرأة او قتلها . الحفاظ على مزاج الرجل والخوف على عواطفه ومشاعره وغريزته هو الاس الذي يجب ان تصدر بناء عليه جميع التشريعات والقوانين التي تحكم المرأة ، انها صدرت قبل نزول الاديان ، وبعد ان تدين المجتمع فتش الرجل عما يدعم ويشرعن قوانينه الحاكمة للمرأة ، واهمل كل الاشارات او حتى التصريحات التي تساوي الرجل بالمرأة ، فقد بنفسه تولى تفسير وتأويل النصوص الدينية ، فكان الفقه ذكوريا ، فالفقهاء رجال والقائمون على تنفيذ تلك الاحكام رجال ايضا ، وافرد ابوابا مفصلة عن المرأة مجدت قتل المرأة من اجل الحفاظ على الرجل ومزاجه ورغباته .
ليس الدين وحده هو المختطف من قبل الرجال ، بل ان التكنولوجيا ايضا سخرت كدين عصري الى ترويج ما يفكر به الرجل ، في الأنترنيت وصفحات التواصل الاجتماعي اضافت قيدا جديدا وتحذيرا قاسيا للمرأة التي تحاول المروق على تشريعاته ونظامه . لقد استجابت المرأة الشهيدة لتلك القوانين لأنها بالتأكيد تدرك ببصريتها وخبرتها ما هو مصير المروق ، وللقارئ ان يتخيل المآل الذي ستنتهي اليه تلك المرأة حين تظهر امام الرجال بجسد غير محتشم . وكيف سيستغل الرجل الانترنيت في فضح المراة الشهيدة . ان الجسد الذي يريد الرجل تغطيته بالنار والموت هو نفسه يسعى اليه جاهدا بكل السبل ، ويتفنن في الايقاع بالمرأة من اجل كشفه والتمتع به ، انه يحاول كفرد امتلاكه ، اما كشفه دون امتلاكه فهو يستأهل الحرق والموت .
ومن تمظهرات طغيان الرجل انه يقرأ في تشريعات دينه ما يناقض احكامه العشائرية لكنه لا يبالي ، فالفقه الاسلامي اباح كشف جسد المرأة في مواضع عدة ، ولم يجعل للجسد قدسية مطلقة ، اذ يمكن للرجل ان يرى جسد المراة التي ينوي خطبتها بثوب شفيف مثلا ... فتخيل ان يتعرض الجسد الى الكشف امام رجال عدة ولا ضير مادام القصد حسنا شريفا ، اي ان الرجال يمكنهم رؤية جسد المرأة لمجرد انه يعتزم الزواج ، فما بالك باجازة رؤية الجسد اضطرارا بدل احتراقه !!!
لماذا لا يتلفت العقل الجمعي الذكوري الشرقي الى تعديل قوانيه الجائرة بعد حادثة من هذا النوع المؤلم ؟ ولماذا لا يصمت على الاقل امام فاجعة مثل هذه ذهبت ضحيتها امراة بريئة ، لماذا يقيم تمثالا للألم وتصويره على انه شرف ؟ لو فكر قليلا متخليا عن نرجسيته لأبصر انه قاتل تلك المرأة ، ولنا ان نتخيل لو كانت تلك المدينة خالية من الرجال بل النساء فقط فهل كانت ستحرق نفسها ؟ ان طغيان الرجل اعمى بصيرته كدكتاتور فرح بانصياع شعبه لقوانينه مهما كلف ذلك الامر من ضحايا . ان على الرجل ان يسال نفسه سؤالا بسيطا : مم كانت المرأة خائفة لتفضل الموت حرقا على النجاة ؟
ولو تفحصنا ردود الفعل على انتحار عدد من النساء لراينا ان غالبيتها تلعن المراة باعتبارها مجرمة وليست ضحية ؟ فهم يرون ان الانتحار انحراف عن الدين فقط ، وان مصيرها النار لا محالة ، وانها جلبت العار لعائلتها دون التفكير بالاسباب التي دفعت تلك المرأة ، ودون البحث فيما سببته العائلة او المجتمع او الدولة لها من اسباب موجعة دفعتها في لحظة جنون ( فقدان السيطرة ) الى انهاء حياتها .
ان سبب العار الحقيقي هو المجتمع وليس المرأة المنتحرة ...



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة