المرأة ليست صندوقا لحفظ شرف الرجال !

أحمد الخميسي
ahmadalkhamisi2012@gmail.com

2019 / 9 / 9

يعلق بعضنا آماله التي لم تتحقق على أحد أبنائه أو عليهم جميعا، وبذلك يتخلص من أن يعمل على تجسيد تلك الآمال بعد أن وضعها على عاتق شخص آخر واستراح. ويعلق بعضنا فشله على الآخرين، يقول " هم عطلوني، هم وضعوا العراقيل في طريقي"، وبذلك يتخلص من محاسبة نفسه والتنقيب عن أوجه التقصير في عمله. وحين يعلق الانسان آماله أو أسباب فشله على مشجب في الخارج فإنه يعفي نفسه من مسئولية البحث عن الحقيقة داخل نفسه، لقد جعل من الفشل أو الأمل، خيال مآتة قائما خارج نفسه، يمكنه بسهولة أن يراه ويصفي حسابه معه. وفي الواقع تبقى المشكلة داخل الانسان. هناك رجال كثيرون يعلقون شرف الرجولة على النساء، هذا أفضل، إذ يصبح الشرف هنا خيال مآتة خارج الذات، يمكن أن نصوب الرصاص عليه، لأن ذلك أسهل من البحث عن الشرف داخل أنفسنا وفي قيمنا ومعتقداتنا ومواقفنا. شرف الرجل يقع هناك، بعيدا عنه، في جسم امرأة. ليس شرفه هو موقفه المتعلق بقبول رشوة أم لا، ليس شرفه الرضوخ للإهانة من المدير أم لا، وليس شرفه أنه تصدى للمظالم، شرفه هناك، في جسم امرأة، يسهل العثور عليه وغسله بالدم، هذا أسهل بكثير من مواجهة النفس والبحث فيها عن الشرف. في مطلع نوفمبر 2010 نشرت الصحف عندنا أن تاجر مواشي في الفيوم قتل طفلته البالغة ثلاث سنوات، خوفا من فضيحة أن تكبر ويعايرها أهل القرية بسلوك واحدة من قريباتها ! أطبق بيديه على رقبتها حتى لفظت أنفاسها. وقال في التحقيق إنه " أراد أن يخلصها من العار"! ومفهوم طبعا أنه أراد أن يخلص نفسه من العار المتخيل، وبعبارة أخرى فقد أراد أن يصون شرفه! أراد أن يحفظ شرفه هناك، حيث الشرف قطعة لحم صغيرة، يمكنه ازالتها بحد السكين، أو بيديه، أو برصاصة. وتعلم النساء أن الرجال قد علقوا شرفهم على المرأة، لهذا نقرأ منذ أيام قليلة عن فتاة شابة في السابعة عشرة خافت من والدها إلي درجة أنها قتلت أختها الصغيرة! دفعتها إلى السرير في حجرة النوم وخنقتها بقطعة قماش" بلوزة " لأن الصغيرة هددتها بأنها ستخبر والدها بشأن المكالمة االهاتفية التي سمعتها بين الأخت وأحد الشباب. الخوف من أن ينهض الرجل ويدافع عن شرفه " هناك " ساق الفتاة إلي قتل أختها. يحسب الرجال أن المرأة ملكية خاصة لهم، مثل البنطلون، وأواني الطبخ، وأن أي تلوث يقع على المرأة يمس شرف الرجل. لا يفكر الرجال أن الشرف يكمن في أن تهزم جبنك، وأن تكون انسانا، وأن تصارع نقاط الضعف بداخلك، كلا، الشرف " هناك" حيث لا علاقة لهم به. ومازالت تتردد الأصداء المؤسفة لقصة الشابة الفلسطينية اسراء غريب التي قتلها أهلها في الضفة الغربية منذ أيام لمجرد أنها التقت بخطيبها في مقهى ثم نشرت صورا من ذلك اللقاء على وسائل التواصل الاجتماعي! العجيب أن لقاءها بخطيبها كان بموافقة الأهل، لكن كيف تنشر صور اللقاء؟! هذا يمس الشرف، الشرف الذي " هناك" بعيدا عن جوهر أهلها من الرجال. لذلك تعرضت الفتاة لضرب عنيف من أهلها أدى لكسر عمودها الفقري، وإدخالها مستشفى، أما المؤلم والمرعب فهو أن يتجه أهلها، تحديدا أخوها، إلى المستشفى ، ليغسل شرف العائلة، ويجهز على البنت هناك وهي لم تزل في عمر الزهور! إنهم رجال يبحثون عن الشرف خارج أنفسهم، في بدن امرأة أخرى، بينما تظل ساحة الشرف الأكبر داخل الانسان، في مواقفه وفي علاقته بالآخرين، وفي شوقه للعدل وفي أحلامه بحياة حرة كريمة لنفسه وللاخرين، وفي هذه الساحة يجب أن يبحث الرجل عن شرفه، وأن يكف عن ملاحقة المرأة بالتنكيل والاهانة وصولا إلى القتل. اتركوا المرأة في حالها، إنها ليست صندوقا يحفظون فيه شرفك، وليست ملكية خاصة للرجل، إنها كائن مستقل، وهي لا تذهب لغسل عارها حين ترى رجلا زانيا، ولا تقتل حين تجد رجلا مرتشيا، أو كاذبا، إنها لا تبحث عن الشرف خارج نفسها.
د. أحمد الخميسي. قاص وكاتب صحفي مصري



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة