أدوار النّساء في إدارة أزمة الكورونا

هدى بحروني
clio_103@hotmail.fr

2020 / 5 / 19

أخذت جائحة الكورونا العالم على غفلة فأربكته وأجبرته على إعادة ترتيب أولوياته والتصرّف في إمكانياته ومقدّراته وتحيين استراتيجياته في إدارة الأزمات والاستفادة من كلّ الجهود المبذولة وفق ما يمليه هذا التّرتيب الجديد. فخاضت الدّول حربها من أجل البقاء مع عدوّ غير مرئيّ. وهي حرب لا مجال فيها للخلاص الفرديّ بل إنّ الشّعوب، بمختلف درجات تحضّرها، أبدت انضباطا ملحوظا واستعدادا مهمّا للتّضامن الاجتماعيّ وللاعتصام بحبل الجماعة لمواجهة هذا العدوّ بشكل يستدعي إلى الأذهان بعض النّماذج الرمزيّة الّتي اختزنها تراثنا الأدبيّ ومنها مثل الحمامة المطوّقة في كليلة ودمنة الّتي علقت وصويحباتها في الشّرك فخطبت فيهنّ ناصحة منبّهة إلى أنّه لا خلاص لهنّ إلّا بالتّعاون في الطّيران بالشبكة حتّى جحر صديقها الجرذ، لكن مع فارق بسيط بين هذا الجرذ المتخيّل الّذي شكّل جزءا من الحلّ وجرذ الواقع الذّي اتّهم في بعض التّفسيرات لأسباب الكورونا بكونه جزءا من المشكل.
ولم يكن السّياق التّونسيّ منقطعا عن السّياق العالميّ، فقد خاضت تونس، كغيرها من الدّول، هذه الحرب بإمكانيّاتها المتواضعة فانخرطت جميع مؤسّسات الدّولة (صحيّة، أمنيّة، عسكريّة، اقتصاديّة، تعليميّة، إعلاميّة...) ومكوّنات المجتمع المدنيّ( جمعيّات ومنظّمات...) في السّيطرة على هذا الفيروس والحدّ من انتشاره، وقد تنوّعت الوسائل والآليات واختلفت باختلاف الفاعلين ومجالات الفعل وخلفيّاته. وقد أسهمت النّساء بطرق وأساليب متنوّعة في إدارة الأزمة المتعدّدة الأبعاد إدارة تنحو، إمّا باتّجاه تثبيت التّقسيم الجندريّ التّقليديّ للأدوار والفضاءات في المجتمع الذّكوريّ، أو باتّجاه تضييق الفجوة بين النّوعين وتحقيق المساواة وتأكيد أنّ المرأة ليست كائنا بغيره، ولا ناقصة عقل ودين. فالمتتبّع لأنشطة النّساء الفرديّة أو الجماعيّة خلال فترة الحجر الصّحيّ سواء في الواقع أو في مواقع التّواصل الاجتماعيّ يلاحظ أنّ جزءا مهمّا من هذه الأنشطة يعيد إنتاج الأنوثة النّمطيّة الخاضعة الّتي تحصر دور المرأة في ما تقوم به من أنشطة وأعمال تقليديّة داخل الفضاء البيتيّ كالتّرتيب والتّنظيف والطّبخ والعناية بالأطفال والزّوج. وقد تماهت بعض النّساء مع هذه الصّورة النّمطيّة، بل تفنّنّ، فوق المعتاد، في تجميلها وإخراجها للآخر وإبهاره بها عبر ما ينشرنه من فيديوهات وصور على مواقع التّواصل الاجتماعي تعرض خبراتهنّ في الطّبخ وبراعاتهنّ اليدويّة وقدراتهنّ على التّسلية والتّرفيه وعلى تنشيط الجوّ العائليّ...وتُنْشِئ بينهنّ شبكة من العلاقات التّبادليّة في هذه الخبرات، وقد تتحوّل هذه العلاقات إلى ضرب من المنافسة بينهنّ لحيازة لقب ربّة البيت المثاليّة.
من جهة أخرى، تطالعنا نماذج نسائيّة في الفضاء العامّ، تقدّم نمطا مختلفا من الأنوثة، وهي الأنوثة الفاعلة والرّائدة، سواء في المجال الحقوقيّ أو في المجال الاجتماعيّ أو في المجال الصحّي. فقد حرصت بعض الجمعيّات النّسويّة والنّاشطات الحقوقيّات على رصد مظاهر العنف المسلّط على النّساء الّذي تصاعدت وتيرته بشكل لافت للنّظر في فترة الحجر الصّحيّ، والتّصدّي له وذلك بمساندة المعنّفات وحمايتهنّ وحثّهنّ على التّبيلغ عبر مواقع التّواصل الاجتماعيّ أو الاتّصالات الهاتفيّة على ما يتعرّضن إليه من تنمّر وسوء معاملة. واشتغلت بعض النّاشطات على قضيّة الميز العنصريّ الّتي طالما سُكِت عنها وتُجوُهِلت فارتفعت الأصوات النّسائيّة المندّدة بهذا الضّرب من العنف النّفسيّ والرّمزيّ والمادّيّ المسلّط على السّود في تونس. وتحدّثت النّاشطة عفاف بن يدر على صفحتها الفايسبوكية بتاريخ 12ماي2020 عن الميز المسلّط على السّود في الإعلام التّونسيّ وخاصّة في الّتلفزة التّونسيّة إمّا بتغييبهم أو بإظهارهم في صور نمطيّة دونيّة وذكرت أنّ السّود أنفسهم يتواطؤون مع هذا الميز حين يقبلون بتجسيد تلك الصّورة في البرامج التّلفزيّة. لكنّ ما لفت نظرنا أنّها هي نفسها مارست التّواطؤ مع الميز حين حاولت أن تكيّف جسدها وتجري عليه بعض التّغييرات ليقترب من جسد الآخر. فطوّعت منها الشّعر الأسود المجعّد، مثلا، ليكون شعرا أشقر سبطا.
وفي المجال الصحّيّ أثبتت النّساء قدرات كبيرة على الفعل الرّياديّ فقدّمت نصاف بن عليّة رئيسة مرصد الأمراض الجديدة والمستجدّة نموذجا للمرأة الرّائدة الّتي أجبرت المجتمع الذّكوريّ على الاعتراف بها. فقد نشر موقع الصريح أونلاين بتاريخ 12ماي 2020أنّ الإعلام العربي يتحدّث عن نصاف بن عليّة باعتبارها امرأة قادت تونس للانتصار على كورونا. وتغنّى الشّاعر لزهر الضّاوي بها بتاريخ 02-05-2020 بقصيدة موسومة ب"لو كان منك زوز يا نصاف":
لوْ كان منك زوز..يا "نِصاف"..
ما عاد في بْلادي "مريض" يخاف..
وما عاد يرعبْنا " فيروس كورونا"..
ولا عاد فينا يحكموا " الأجلاف"..
.." لَبّة "..كيراها "الصّيد"..يوطّي عْيونه..
و" الضّبْع" يجْفل..و" الذيوبة " تخاف..
..في صوتْها..وكلْماتها الموزونة..
رينا " البِحَرْ "..و" الموج"....و" المجداف"..!!
..تعمل نهار وليل..لا ترتيحة..
لا رَخْ..لا تْمهطيل..لا إخلاف..
وبالشرح والتوضيح والنصيحة..
" حرّة"فصيحة..كلامها شفّاف..!!
..قالوا " المرا "..ما تقدر ع" الكورونا"..؟!
قلنا.."نصاف" "القايدة"..و"الشاف"..!!
بنت البلاد الرّايعة..التحفونة..
لا وراها لا " أحزاب" لا " ائتلاف"..
وانتم.."كورونا"..أفكاركم مَحْنونة..
وداستها تحت أقدامْها..." نصاف"..!!
" البيّة"...بنت " البيّة"..بنت "عليّة"..
ليها التحية..وناسها الأشراف..
هيّ الفخْر " للمرْأة التونُسية "..
وكل الّلي خدموا الوَطْن...وكانوا نْظاف..!!!
وهكذا نتبيّن أنّ أزمة الكورونا قد أسهمت في إحداث تغييرات مسّت جميع البنى الاقتصاديّة والاجتماعيّة الثّقافيّة للشعوب، وفي علاقتها بواقع النّساء وأدوارهنّ ووظائفهنّ فقد أثبتت وجود أنماط من الأنوثة تختلف في الفعل والتّفكير والتّعبير...



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة