قاسم أمين والانحياز الدائم للمرأة

فهد المضحكي
fahadalmudahki@hotmail.co.uk

2020 / 6 / 27

إن الجدل الذي أحدثه قاسم أمين بكتابته في أروقة المجتمع، وحمله لواء تحرير المرأة ومطالبته بمنحها حقوقها المسلوبة لم يكن في رأي الكاتب والباحث المصري محمود حسين وغيره من الباحثين وليد لحظة عابرة، إنما كل ذلك كان نتاج تراكمات فكرية ومعرفة عديدة، ساهمت في تشكيل وعيه وخلق قناعته التي أعلنها للملأ فيما بعد، كان يرى أن الإسلام حين أوصى بالتعليم وركز على أهميته لم يفرق في ذلك بين الذكر والأنثى، والأمر الثاني الذي كان يثير تعجبه هو عدم قيام العلاقة الزوجية على أساس الاحترام المتبادل، حيث كان يعتقد أن العلاقة أشبه بعلاقة السيد والتابع أو بمعنى أدق الخادم، وكان يؤمن بأن المجتمع لن ينصلح إلا بتعليم المرأة ورفع شأنها، حيث أنها هي من تخرج الأجيال وتشكل وعيهم كونها المسؤول الأول عن تربية الأبناء، لم يكن أبدًا الفصل بين قاسم أمين والإمام محمد عبده، فقد تأثر قاسم أمين بشكل كبير برؤيته التنويرية وفكره الإصلاحي، وتتلمذ على يده وكان مثله يؤمن بأن الإصلاح الاجتماعي لا يمكن أن يتحقق إلا بالتروي وبشكل تدريجي، وإن المفاهيم التي ترسخت في العقول على مدار عقود طويلة واهم من يتصور أنه يمكن تغييرها بين ليلة وضحاها، ومن ثم كان يرى أن التربية هي أساس الإصلاح والأرض الصلبة التي يجب أن يقام عليها التغيير، وكان هدف قاسم أمين تشكيل وعي الجيل الجديد الصاعد بالبلاد، لينشأ على درجة عالية من الوعي والثقافة والاستنارة، تؤهله لحمل لواء التغيير والتمرد على الأفكار الجامدة المتشددة التي تراكمت داخل العقول على مر العقود.

قاسم أمين المولود عام 1862 هو المصلح الاجتماعي الأشهر في التاريخ المصري الحديث، اشتهر بانحيازه الدائم للمرأة ومناصرته لقضاياها ومناداته بحقوقها، وبعد مرور عقود مازالت آراؤه تثير الجدل، فقاسم أمين هو العدو الأول للأصوليين المحافظين، وبمثابة أبٍ روحي ومثل أعلى لكل فرد بالمحدثين.

تخرج قاسم أمين من مدرسة الحقوق في عام 1881، والتحق بالعمل بمكتب مصطفى فهمي وقد كان من أكبر رجال المحاماة في ذلك الوقت، وفي تلك الفترة كان أمين حريصًا على حضور دروس جمال الدين الأفغاني، ومن خلال تردده على مجلسه تعرف بسعد زغلول وفتحي زغلول والشيخ محمد عبده وأديب اسحاق ثم سافر قاسم أمين إلى فرنسا ليتم دراسته للقانون بها، هناك وجه نقدًا لاذعًا للعديد من سلوكيات المجتمع الفرنسي ونمط الحياة السائد به، لكنه في الوقت ذاته لم يمكنه إنكار ما يتمتع به المواطن الفرنسي من مميزات يفتقدها العربي، وأولها حقه في حرية التعبير وإتاحة الفرصة له للمشاركة السياسية، وكان قاسم أمين يرى أن المرأة المصرية لا تقل في شيء عن نظريتها الفرنسية، وإن التفاوت الرهيب بينهن السبب فيه أن الفرنسية، حظيت بالتعليم الذي حرمت منه المصرية.

في المقابل، يقول الباحث حسين إن تحرير المرأة ليس مجرد عنوان كتاب قاسم أمين الأول باللغة العربية، بل هو الغاية والهدف الذي وهب لتحقيقه الجزء الأكبر من حياته، وبعد خمسة أعوام من إنتاج لكتاب المصريون وتحديدًا في عام 1899، قام أمين بإصدار كتاب تحرير المرأة باللغة العربية، ثائرًا من خلاله على المجتمع الذي استمات في الدفاع عنه بكتابه السابق، جاعلاً من وضع المرأة وحقوقها المسلوبة محورًا وأساسًا له، مدللاً على أقواله بالأدلة الشرعية والفقهية والنصوص القرآنية، وقد تسبب ذلك الكتاب فور طرحه في إثارة جدل واسع في الشارع المصري، وقد قام الكثيرون بإعلان الحرب ضد قاسم أمين متهمين إياه بالدعوة إلى الفسق والانحلال، ونشر أنصار الفكر المحافظ العديد من المقالات المهاجمة وكتبوا كتبًا كاملة للرد على قاسم أمين، ومن هؤلاء مصطفى صبري ومحمد حسنين البولاقي وعبدالرحمن الحمصي، لكن هذه الحرب الشعواء التي شنها أنصار الظلام على قاسم أمين زادته إصرارًا وطيلة عامين دأب على جمع كل كلمة كتبت تعقيبًا على ما ورده بكتابه تحرير المرأة، ليرد عليها من خلال كتابه التالي «المرأة الجديدة» الذي أصدره في عام 1951، والذي واصل فيه دفاعه عن المرأة ومطالبته بمنحها حقها في التعليم والعمل وتحقيق الذات، رافضًا وصف دعوته بالدعوة إلى الانحلال الأخلاقي، مؤكداً على أن الدين الإسلامي قد وهب المرأة حريتها وسلبتها منها العادات والتقاليد.

ويعني ذلك، إن حقوق المرأة كانت الشغل الأول والدائم لقاسم أمين، لكن هذا لا يعني أنه لم يكن مهتمًا ومهمومًا بالعديد من القضايا الأخرى، فقد كان ممن دعوا ونادوا بإنشاء الجامعة المصرية.

معتبرًا التعليم أساسًا للارتقاء بالمجتمعات وبناء الأوطان، كما عرف عن قاسم أمين اهتماماته الأدبية وقد خاض عدة تجارب أدبية، لاقت استحسان من عاصروه من قامات فكرية وفنية عظيمة، ودعا قاسم أمين إلى تحرير اللغة العربية من التقيد بالسجع وبعض القواعد، إلا أنه لم يجد من يتفق معه في ذلك وبالتالي تم وأد فكرته في مهدها.

تشير بعض الدراسات إلى أن قاسم أمين كان منذ شبابه مهتمًا بالإصلاح الاجتماعي فأصدر سنة 1898 كتاب «أسباب ونتائج وأخلاق ومواعد»، وتبعه كتاب «تحرير المرأة» بدعم من الشيخ محمد عبده، وسعد زغلول، وأحمد لطفي السيد الذي ترجمه الانجليز – أثناء وجودهم في مصر – إلى الانجليزية ونشروه في الهند والمستعمرات الإسلامية الذي تحدث فيه عن الحجاب، حيث زعم فيه أن حجاب المرأة السائد ليس من الإسلام، وإن الدعوة إلى التحرر ليست خروجًا عن الدين.

وتحدث أمين ايضًا عن تعدد الزوجات والطلاق، وقال إن العزلة بين المرأة والرجل لم تكن أساسًا من أسس الشريعة، وإن لتعدد الزوجات والطلاق حدودًا يجب أن يتقيد بها الرجل، ثم دعا لتحرير المرأة لتخرج للمجتمع وتلم بشؤون الحياة، بهذا الكتاب زلزلت مصر وأثيرت ضجة وعاصفة من الاحتجاجات والنقد، ورد قاسم في نفس السنة على زعيم الحزب الوطني آنذاك مصطفى كامل، حيث هاجمه وربط أفكاره بالاستعمار الانجليزي، ولكن قاسم أمين الذي توفى عام 1908 لم يتزعزع أمام النقاد، وطالب بإقامة تشريع يكفل حقوق المرأة الاجتماعية والسياسية.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة