حراس على باب جهنم

حنان محمد السعيد
hanan.hikal13@gmail.com

2020 / 7 / 3

كان جدي يقطن في الطابق الأخير في مبناه السكني، ويزرع على سطح المنزل العديد من النباتات العطرية والمزهرة، فكان مما يسعد زواره قضاء بعض الوقت في حديقته الصغيرة واحتساء الشاي معه وتبادل أطراف الحديث.

في أحد الأيام كنت في زيارة لمنزل جدي وصعدت إلى سطح المنزل، وبعد دقائق جائت سيدة – أو هكذا اعتقدت – وأشارت لي بأنها ترغب في جمع الغسيل فسمحت لها، وبعدها صعدت خالتي وسألتني عما إذا كان أحدهم قد جاء قبلها فقلت لها ما حدث، فابتسمت إبتسامة صغيرة وقالت لي إنه فتى في الخامسة عشرة من العمر وليس امرأة!

ولأني أعمل في التحاليل الطبية وتحاليل الأمراض الوراثية قلت لها أن على أهل هذه الفتى إجراء بعض الفحوصات الطبية له فربما كان يعاني من خلل ما.

إلى هنا ونسيت القصة، وحتى قال لي في أحد الأيام قريب من أقاربنا أن مشكلة كبيرة حدثت بسبب هذا الفتى، فبعد وفاة والديه وزواج إخوته، إستغله بعض الشباب جنسيا ما أثار حفيظة السكان في المبنى وفي المنطقة فطالبوا بطرده وقد تم لهم ذلك بالفعل.

توقفت كثيرا عند هذه المشكلة، فالفتى كان ضحية على طول الخط، ضحية لمشكلة صحية فسيولوجية أو جينية، وضحية لظروف قاسية افقدته السند والعائل، وضحية لبعض الشباب ممن فقدوا الشرف والأخلاق قاموا باستغلاله جنسيا، وأخيرا كان ضحية لمجتمع يتنمر على الضعيف ولا يقف في وجه المجرم، مجتمع يلوم الضحية ولا يرفع إصبعه في وجه الجناة، مجتمع لا يتجاوز دينه الحناجر ولا يستقر لديه في القلب.

حكاية سارة

تذكرت هذه الواقعة بعد انتحار الناشطة الحقوقية سارة حجازي، فحياتها كانت نموذجا مؤلما لما يمكن أن يفعله المجتمع بإنسان يتمتع بالإحساس والضمير، فأولا تنمروا عليها بسبب مواصفاتها الجسدية من الصغر، وعندما صدقتهم واتجهت ميولها نحو نفس الجنس الذي تنتمي إليه كفروها، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد ولكنها أصبحت هدفا في مرمى النظام بسبب إهتمامتها الحقوقية، ما عرضها للتعذيب والتحرش، وحتى عندما تركت لهم البلد وذهبت إلى أقاصي الأرض لاحقتها الكراهية، وكأن المجتمع لم يكتفي بكل ذلك فلاحقوها بعد انتحارها للتأكد من أنها ستستقر في الجحيم وأنها مطرودة من رحمة الله غير أهل لعفوه!
فهذا المجتمع يمكنه أن يخرج الإنسان عن جنسه ودينه ويجعله يتخلى عن جنسيته وحياته ذاتها، ثم يعمل جاهدا على التأكد من أن المنتحر لن يدخل الجنة وإنما سيخلد في النار.

هذا المجتمع لا يفكر لحظة في الأسباب التي تجعل إنسانا ما يتخلى عن جنسه أو جنسيته أو حياته وما إذا كانت هذه الأسباب أقوى من أن يتحملها إنسان أو أنهم قد يكونوا في وقت من الأوقات ضحية لنفس الظروف وأسراء لنفس العوامل وبالطبع لا يفكر هؤلاء في سبل عملية لحل المشكلات أو مساندة الضعيف والبائس ومن ضاقت به الدنيا، ولكنهم يكتفون بإدانة الضحايا الذين يتساقطون حولهم وبيدهم في كل يوم وكل لحظة بل أنهم يهاجمون من يدافع عن الضحية وقد يجد المدافع عن الأخرين نفسه في مرمى سهام هذا المجتمع، فإذا كنت تدافع عن حقوق فئة ما فلابد أنك منهم أو ترغب في أن تفعل مثلهم، هكذا يفكرون!

أرض النفاق

إن المجتمع الذي إنشغل بتشييع جثمان سارة حجازي باللعنات، وانتفض ضد فتيات التك توك، هو نفسه المجتمع الذي لم يهتز له جفن عندما ألقى رجل بزوجته من الطابق الخامس لإصابتها بفيروس كورونا أو بسبب الرجل الذي أحضر صديقه لاغنصاب زوجته حتى يطلقها بدون إعطائها حقوقها ولم ينتفض للشخص الذي اغتصب عشرات الفتيات والفتيان أيضا اعتمادا على مساندة أسرته التي تحتل مراكز مرموقة في المجتمع.

نفس هذا المجتمع قد يثير حفيظته عريس وعروس يمسك أحدهما بيد الأخر في وسائل المواصلات بينما لا يحرك ساكنا إذا ما كان الزوج يضرب زوجته أو إذا كان هناك متحرشا يقوم بمضايقة بعض الفتيات!
مجتمع يركع لمن لديه المال والنفوذ ويتقبل كل جريمة يقترفها أصحاب السلطة دون أن ينبس ببنت شفه بل أنه يسعى في خدمتهم وتنفيذ رغباتهم مهما كانت هذه الرغبات شاذة ومريضة وخارجة عن الشرائع والقوانين.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة