تحية للعالمات المشاركات في مشروع «الأمل»

جلبير الأشقر
g.achcar@gmail.com

2020 / 7 / 15


ضجّ الإعلام الإماراتي في الأيام الأخيرة بأخبار الاستعدادات لإطلاق مسبار «الأمل» المعدّ للوصول إلى فلك المرّيخ، محمولاً على صاروخ ياباني الصنع سوف ينطلق من مركز فضائي قائم على جزيرة يابانية. كما تعددت المقالات حول هذا الموضوع في الصحافة العالمية بدفع من الإعلام الإماراتي، وقد أشارت في عناوينها إلى ما هو طريف في الأمر، وهو ليس إطلاق مسبار آخر في سلسلة طويلة من المسابير بدأ إطلاقها نحو المرّيخ منذ أكثر من نصف قرن.
والحال أن الصين تستعد لإطلاق مسبار آخر إلى المرّيخ في الأسبوع القادم، أي بعد أسبوع فقط، سوف يحطّ على سطح الكوكب الأحمر خلافاً لمسبار «الأمل» ويجول عليه، فيما تستعد الناسا الأمريكية لإطلاق مسبار ثالث في نهاية هذا الشهر، أي بعد أسبوعين، سوف يحطّ هو أيضاً على سطح المرّيخ ويجول عليه، بل يستكشفه بالتحليق فوقه على طريقة الطائرات المسيّرة.
فإن الاهتمام بمسبار «الأمل» ناتج بالدرجة الأولى عن ضلوع الإمارات المتحدة فيه، وهي أول مشاركة عربية بمهمة تقصد المرّيخ. وهي مشاركة لا أكثر بالطبع، إذ إن صناعة المسبار لم تتم في الإمارات، بل تمت في جامعة كولورادو، في مدينة بولدر في الولايات المتحدة، حيث يوجد «مختبر الفيزياء الجوية والفضائية» الذي تولّى إدارة المشروع وإنجازه. وقد غطّت الإمارات تكاليف البناء والإطلاق التي أفيد أنها لم تتعدّ مئتي مليون دولار، وهي تكلفة متواضعة بالنسبة لمثل هذا الإنجاز. وقد ترافق التمويل الإماراتي للمشروع بمشاركة في إدارته، وكذلك، وهذا الأهم، بمشاركة فريق إماراتي من عشرة علماء، أغلبهم عالمات إذ إن الفريق يتكوّن من ثماني نساء ورجلين، تُشرف عليه، كما على المشروع برمّته بوصفها نائبة مديره، المهندسة سارة أميري، وزيرة العلوم المتقدّمة ورئيسة مجلس العلماء في دولة الإمارات.


وفي الحقيقة فإن هذا الدور النسائي المتميّز، وعلى الأخص الغلبة النسائية الكبيرة في فريق العلماء العرب، لهو أهم أوجه المشاركة العربية في المشروع والوجه الذي كان ينبغي أن يكون هو محطّ الافتخار الأول والأبرز في الحملة الإعلامية. وهو يكرّس ظاهرة ملفتة منذ سنوات عديدة، هي زيادة نسبة النساء اللواتي يدخلن الدراسة الجامعية عن نسبة الرجال الذين يدخلونها في دول مجلس التعاون الخليجي، بما يصل إلى الضعفين في بعض البلدان، مع تفوّق ملحوظ وكبير لعدد خريجات الجامعات على عدد الخريجين.
طبعاً، وكما هو معروف، فإن ذلك يعود إلى حد بعيد إلى أسباب تتعلق بالتمييز الجنسي حيث يُدفع الشبّان نحو ممارسة العمل باكراً بينما تشجَّع الشابات على مواصلة الدراسة إلى أن تتسنّى لهنّ ظروف الزواج في حساب العائلات التقليدية. غير أن النساء استفدن من هذه الفرصة التاريخية، بعد أن كنّ محرومات من التقدم في العلم طوال قرون، وأثبتن لمن كان يساوره الشكّ في هذا الصدد أنهنّ قادرات على مساواة الرجال في العلم، بل والتفوّق عليهم. وقد شكّل ذلك عاملاً رئيسياً في صعود المطالبة التحرّرية لدى النساء في المجتمعات الخليجية مثلما شاهدنا في أكثر دول الخليج اضطهاداً للنساء، ألا وهي المملكة السعودية.
والحقيقة الثانية هي أن مشاركة الإمارات في المشروع الفضائي بقيادة المهندسة سارة أميري هي توظيف لأموال النفط أكثر جدوى بكثير من معظم الاستخدامات الخليجية لهذه الأموال في مشاريع ذات كلفة عالية لا غاية من ورائها سوى التباهي على طريقة الأثرياء الذين يتسلّون بما يجلب الانتباه إليهم دون أن يدرّ أي فائدة على عامة الناس أو يكاد، وبما لا يتناسب في أحيان كثيرة مع المبالغ الطائلة التي تُهدر سدىً بمثل هذه الطرق. وفي الحقيقة فإن توظيف مئتي مليون دولار في مشروع أكسب فريقاً إماراتياً ضمّ 75 رجلاً وامرأة خبرة علمية وإدارية ثمينة للغاية، إنما هو أفضل بكثير من صرف الإمارات لمليارات الدولارات على شراء الأسلحة أو المساهمة في تخريب اليمن، ناهيكم من مبلغ ستمائة مليون دولار، أي ثلاثة أضعاف كلفة مشروع «الأمل»، الذي صرفه ولّي عهد أبو ظبي محمد بن زايد على اقتناء يخت «عزّام»، رابع أغلى اليخوت في العالم في أحدث تقدير.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة