المرأة والآبار

اخلاص موسى فرنسيس
frekmida@yahoo.com

2020 / 7 / 25

نحتاج إلى آبار أخرى جديدة، تُحفر في شوارع وأزقّة المدن العربيّة، حيث يرمي الأب عارف فيها غاسلًا يديه، متّهمًا القدر: " لقد سقطت سهوًا، لا يد لي، ولا حيلة في الأمر". يا لها من هاوية وصلت إليها مجتمعاتنا العربية، في هذه الأيام بالذات حيث الموت يحصد شمالًا ويمينًا بأصابع الوباء، تنهش الأجساد كبارًا وصغارًا.
ما من رادع لما يجري لنا، يجعلنا نقتنص هذه الفرصة كي نملأ عيوننا من أحبائنا الذين ربما يخطفهم الوباء منّا، لكن كيف للرجل الشرقيّ أن يكون إنسانًا؟
أعلم أنّ التعميم غير عادل، لذا أقول: بعض الرجال لا سيما الذكور وأشباه الرجال الذين شرفهم متعلّق بعذريّة المرأة، هذه المرأة التي هي أمّه وأخته وابنته.
صرخة أحلام الأردنيّة التي قتلت بطريقة همجيّة على يد والدها الذي دقّ رأسها،
كأنّه يدقّ وتد خيمته، ليتفيّأ تحتها، وإسراء الغريب التي ضُربت حتى الموت من أسرتها، وماذا عن إيمان التي دبّر زوجها مكيدة ليقتلها؟
إنّ القاسم المشترك بين كلّ الضحايا هو أنّ المجرم يخرج بريئًا ممسكًا القانون بيده "لقد غسل عاره". عن أيّ عار تتحدّث أيها الذكر؟ عدا سكوت القانون عليها نرى سكّان السوشيال ميديا يطلّون علينا بالمحرّم والمحلّل، القانون الثالث، كلّ يفتي على هواه، ويغنّي على ليلاه، ويبسطها على الصفحات الزرقاء الباردة الخالية من أيّ مشاعر وأيّ دفء وأيّ مسؤولية، فقط لتجريم المرأة، وتحميلها عاقبة عاهات مجتمع "أكل الدهر عليه وشرب" .عار على المرأة أن تحبّ، وليس عارًا أن يُدقّ رأسها بالحجر، ويسفك دم الضحيّة.
كلّ صباح تطالعنا أخبار وحكايات كابوسية، وكأنّنا في فيلم رعب، وكلّ أبطاله من النساء اللواتي قُتلن بيد الأب أو من ينوب عنه ، هذا الأب الذي يتحوّل إلى وحش ضارٍ، غير آبه لصرخات فلذة كبده، وليس هناك من يأتي لينقذها من براثنه، الكلّ يقف موقف المتفرّج اللامبالي، ليس هذا فحسب بل هناك من يصفّق لهذا المجرم، بداية ممن سنّ قانون جريمة الشرف إلى من يشجّع على هذا القتل.
هذه المرأة التي تعتبر نكرة وعورة، وناقصة عقل ودين، هل قتلها حلال؟
أين قوانين الأحوال الشخصيّة الإنسانيّة التي يجب أن تحامي عن المرأة؟
إنّ صرخات أولئك الفتيات اللواتي متن طوع أهواء الذكر الذي أباح لنفسه أن يكون مكان الله متسلّطًا على المرأة ،متّخذًا من الدين والقانون غطاء يتغطّى به، كلما أراد إشباع أهوائه.
متى نستيقظ ،ومتى نقدّر هذا المخلوق اللطيف الذي خلقه الله إنسانًا كاملًا، له من رجاحة العقل وقوة الاحتمال ما لا يتمتّع به الكثير من الذكور؟
متى تتوقّف مجتمعاتنا العربية عن قيادة المرأة بعصا الترهيب والترغيب، عصا الدين والشريعة، وسياسة القطيع ؟ ومتى يتوقّف التدخّل في خصوصيّاتها؟ ماذا تلبس وماذا تأكل.
أليس الأحرى بنا أن نلتفّ في هذه الأيام حول أسرنا، ونشبع منهم، متى يستيقظ "سي السيد" في المجتمع العربيّ من جماد سلطته الذكورية و وحشيته؟ متى يقرأ الواقع كما هو؟ متى نرمي أسلحة الفكر المضطرب والمريض، ونستيقظ من هذا الطيش، ونخرج إلى المساواة، نعمر مجتمعنا ممسكين بيد المرأة إلى مستقبل زاه؟
متى نتوقّف عن خذل هذا المخلوق الذي اسمه المرأة، ونتوقّف عن أن نكون نحن من نتحكّم بمصيرها، حياتها وأبديّتها، كفى ضلالًا وتضليلًا.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة