قالوا: -ناقصات عقلٍ ودين-

جميل النجار
gamilazabalnaggar@gmail.com

2020 / 9 / 12

ورِثنا من أفكارنا الصحراوية عبارة غبية مَفادُها أن "المرأة ناقصة عقل ودين"؛ الأمر الذي ذهب بذكور الأعراب إلى صحة الاعتقاد في ضرورة عدم مشورة المرأة وتهميشها على جميع الصُعد العامة والخاصة؛ واعتادوا على ألا يَعْتدوا برأيها؛ وراحوا يؤلفون عشرات الأمثال الشعبية القميئة التي تستند على تلك المقولة الصحراوية والتي باتت بدورها في عقولنا الجمعية الغبية مرجعية مقدسة.
رغم أن الظواهر الاجتماعية وملابسات الحياة ومواقفها وظروفها الصعبة على اختلافها قد أثبتت بما لا يدع مجال للشك؛ بأن هناك الكثير من السيدات اللائي يقدمن آراءً تزن في رُجْحانِها آراء الألوف من الرجال؛ ولولا ذكورية الرجال المقيتة وتَحكُمهم في مصائرهن واستقوائِهم - بلا نخوةٍ- عليهن، وتحْجيمِهم إياهُن وحرمانهم من التعليم والمشاركة في كافة الميادين وتعطيل مسيرتهن منذ الأذل؛ لكانت هذه المرأة الأكثر من رائعة، والمِعطاءة بلا حدود أو مقابل، والمانِحة للبهجة والأُلفة والدِفء والتَحْنان الذي يملأ جنباتِ حيواتنا، هذه المرأة بِطاعتها العمياء وطَلَّتِها البشوش ومُحياها الجميل البَش وبرِقتها التي يلين لها الصخر وعذوبة صوتها ونعومة ملمسها وكل شيء جميل في هذه الدنيا؛ لكانت قد تَسيَّدتْ هذا "الذكر التنمبل الغبي" الذي يُعرَف بـ "الرجل" (مُشعِل الحروب).
وعلى مدار عشرات السنوات قامت عشرات الدراسات بتقييم تأثير جنس المرء على العديد من الصفات والقدرات النفسية، بما في ذلك القدرات المعرفية، والتواصل اللفظي وغير اللفظي، والعدوانية، والقيادة، واحترام الذات والتفكير الأخلاقي والسلوكيات الحركية... الخ. وخلصت إلى أن الفروق بين الجنسين إما ليس لها أي تأثير، أو لها تأثير محدود للغاية على معظم المتغيرات النفسية التي تم فحصها.
علاوة على ذلك، وجد العلماء أن الاختلافات بين الجنسين يبدو أنها تعتمد على السياق الذي تم قياسها فيه. في الدراسات المصممة للقضاء على المعايير الجنسية (حسب النوع)، أثبت الباحثون أن أدوار الجنسين والسياق الاجتماعي؛ تحدد بقوة تصرفات الشخص. على سبيل المثال، بعد أن قيل للمشاركين - في إحدى التجارب- أنه لن يتم تحديد النوع (على أنه ذكر أو أنثى)، كما أنهم لم يرتدوا أي هوية، ولم يتطابق أي منهم مع القوالب النمطية عن جنسهم؛ وعندما مُنِحتْ لهم فرصة ممارسة العدوانية؛ فعلوا عكس ما كان متوقعًا؛ حيث كانت النساء في الواقع، أكثر عدوانية والرجال أكثر سلبية!
صحيحٌ بأن أدمغة الذكور والإناث تختلف من الناحيتين التشريحية والمورفولوجية في كل من البنية والوظيفة، لكن الدراسات الحديثة تظهر بأن جنس المرء له تأثير ضئيل أو معدوم على الشخصية والإدراك والقيادة. ويمكن أن يتباين هذا الفارق (عند ممارسة القيادة) بتباين الثقافات؛ حيث وجدنا المرأة تحسن القيادة في العالم الغربي الأقدم في ليبراليته التي منحت المرأة الكثير من حريتها، ومعها دولا أخرى من الشرق والغرب وحتى في أفريقيا، من خارج منطقتنا التي اشتهرت بقمعها للمرأة وقهرها، والأمثلة الناصعة على كرسي الرئاسة ورئاسة الوزراء كثيرة؛ صنعتها مارجريت تاتشر (بريطانيا)، وأنديرا غاندي (الهند)، وجولد امائير (اسرائيل)، وايزابيل مارتنيز (الأرجنتين)، وآجاسا باربارا (مالطا)، وسونج شينج-لينج (الصين)، وكارمنيريرا (غينيا بيساو)، وكورازون أكينو (الفلبين)، وكازيميرا برونوسكي (لتوانيا)، وفيوليتا تشامورو (نيكاراجوا)، وسانامارين (فنلندة) وانجيلا ميركل (ألمانيا)... الخ.
وقد حكمن مع غيرهن وحصلن على النجمة أو العلامة الكاملة. وعلى العكس منهن تخبطت المرأة في منطقة الشرق الأوسط أو أغلبهن؛ بعدما أُسنِدت إليها بعض المهام القيادية وبدت في أغلب قراراتها رعناء وعدوانية في أغلبها ضد الرجال. ويمكن إرجاع هذا التخبط لـ "عقدة الإحساس بالنقص" التي تولدت وتراكمت في دماغها المهمشة/المهشمة ونفسيتها المقهورة على مدى الألف عامٍ ونيف، فعلى مدى هذه الفترة تشعر بأنها مجرد كائن ضعيف تابع لكائن غبي اسمه الرجل أو "دكر البدو" وهي في مجملها "عورة" ومحرومة من كافة الحقوق الإنسانية؛ فلا يُعتد لها بشهادة، ولا ترث إلا نصف "الدكر"، وليست لها أي قوامة؛ حتى ولو اقترنت بـ "دكر" متخلف ومعتوه (وهو في الغالب هكذا)، وباتت متخمة بالأمراض النفسية؛ التي ورَّثَتْها؛ مع زوجها المريض أصلاً بفكره وقناعاته القدرية؛ للأجيال المعتوهة بدورها، والتي شكلت نسيج هذا الشرق "الأوسخ".
ويسهل على أي متابع حذق رصْد هذه الأوجاع بدءً من المشاكل الأسرية في كل بيت تقريبا؛ وصولا للحروب المذهبية والطائفية التي ولدتها القبلية العنصرية لمعتقداتنا في هذه المنطقة الموبوءة من العالم. وأغلب الظن بأن المرأة، على وجه العموم، ستكون، في قابل الأيام (لحتمية الحداثة التي تفرضها العولمة)، عدوانية أكثر فأكثر؛ إذا ما سنحت لها فرصة التصرف بحرية "المكبوتة" أي (حرية متفجرة)؛ ثأراً منها لماضٍ قاسٍ ليس ببعيد.
ولأن قواعد البيانات – في مثل هذه الدراسات- واسعة النطاق ومفتوحة، وما تم من التصوير بالرنين المغناطيسي، وتقنية شبكة CNN الثلاثية الأبعاد، والصور العصبية، نحو 1065 من الشباب الأصحاء، بما في ذلك 490 من الرجال و 575 من النساء الأصحاء.
لذلك؛ لم نقف بعد على الكيفية التي تؤثر بها تلك الاختلافات الضئيلة على السلوك بشكلٍ خاص. والنظرة العامة للدراسات التي تمت تؤكد على عدم وجود فوارق كبيرة يمكن أن تدفعنا إلى التمييز والعنصرية بين الجنسين.
إذ تتفاوت الخصائص فيما بينهما بنسبٍ لا تكاد تذكر. فعلى سبيل المثال؛ الذكور أكثر نشاطا من الناحية البدنية من الإناث؛ مع احتفاظهن ببعض النشاط البدني. لكن من ناحية أخرى ستجد الإناث تتفوق في العاطفة على الرجال؛ بما يدع للرجال نسبة من تلك العواطف، أي أن للرجال عواطفهم وإن لم تكن بجيشان المرأة. فالفروق –ببساطةٍ علمية- أضعف من تُتَخذ كذريعة للتفرقة المُهينة بين الجنسين.
وما قدمته المرأة بالغرب الجميل؛ عندما مُنِحَتْ، باستنارة، شيئاً من الحرية – التي تفتقدها المرأة عندنا- فوصلت إلى أرفع المناصب، وتعُج بهن معامل البحث العلمي الغربية في كافة التخصصات، وها هي البولندية/الفرنسية "ميري كوري" الحاصلة على جائزة نوبل مرتين (1903، 1911) في أكثر التخصصات علميَّة وتجريدية وأكثرها نفعاً وتطبيقاً (الفيزياء والكيمياء) وابنتها إيرين جوليو-كوري الحاصلة على نفس الجائزة الرفيقة عام 1935في الكيمياء، والتشيكية/الأمريكية جرتي تيريزا كوري الحاصلة على نوبل في الطب (علم وظائف الأعضاء) للعام 1947، والفيزيائية الأمريكية ماريا ماير عام 1963، ونفس الجائزة للأمريكيتين إلينور أستروم مع أوليفر وليامسون في الاقتصاد عن العام 2009، والقائمة تطول.
وبالعودة إلى مقولتنا الصحراوية، أقول بمنتهى الإنصاف: أنا لا أوفق إلا على نصفها الثاني؛ لأنني فَنَّدتُ - بمنتهى الأمانة والموضوعية والحِيادية- ما جاء بها من نُقصان لعقل المرأة بنصفها الأول، أما الجزء الخاص بأن المرأة ناقصة دين؛ فهذا صحيح، لا لنقصٍ فيها؛ إنما لأنها بالفعل لم تدَّعي النبوة والشعوذة – التي احترف ادعائها الرجال من دون النساء- وأثبت التاريخ بأنها لم تنزل بمِلَّةٍ، حسب وصفهم المغلوط، أو تدعو إلى "دين" يمتلئ بالشرور الخفية الخبيثة أو حتى دين سمح وإن لم يوجد، فلقد استبرأت عبر التاريخ من هذا الدجل والنصب والاحتيال الذي تَدنَّسَ به الرجل. فإذا كانت هذه المُفارقة الصحراوية صادقة؛ فهي صادقة فقط فيما يخص الدين بما بيَّنت وأوضحت دون استفاضة، لكنها عبارة ناقصة وليست المرأة. والتي باتت عندنا مهدورة/مقهورة وهي الأحق بكامل حقوقها المغتصبة باسم الدين والعرف؛ رغم أنها التجسيد المثالي للإنسانية الأرقى في كل شيء.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة