إحذروا الختان فى صوره المختلفة مثل أقدام اللوتس وغيرها!

إيرينى سمير حكيم
jepols_potros10@yahoo.com

2020 / 9 / 26

أود أن أتحدث فى مقالى هذا عن موضوع قد استرعى انتباهى كثيراً .. وجعلنى أتأمل فى أبعاده وتشابهاته بين مجتمعات مختلفة وطرق تنفيذ متنوعة .. والتى وإن تختلف فى وسائل التنفيذ ومعايير التطبيق .. إلا أنها تتفق جميعها فى أصل واحد للفكر .. ويكون هذا الاختلاف طبقاً للعصر وتقاليد وثقافة المجتمعات التى يُفعَّل فيها .. حتى وإن كانت مظاهر التنفيذ أحياناً متناقضة .. فإن مضمون وجوهر هذا الفكر عندما تتفحصه .. تجده واحداً!.

إنه الختان .. بالمعنى الفعلى والمعنوى .. هذا التقليم الذى يحدث للمرأة فكرياً وجسدياً .. فى صوره المتنوعة التى تندرج تحت لواء فكرة تحجيم المرأة وتقييدها .. تقزيم كيانها وتوريط رغباتها وطموحاتها وحريتها فى الضعف والسكون .. وعمل حالة من الارتباط الشرطي بين فرصة قبولها وتقييمها حيث شرطية حتمية القيود .. ومدى التمادى في ولاء تنفيذها والتراضى مع العيش بها.

وهذا يكمن فى معتقدات متعددة وأماكن متفرقة وعصور مديدة .. فهذا الفكر يُطّبِق سياساته التعسفية على جسد الأنثى المُستهدَف التشذيب .. فى مناطق مختلفة منه .. ويبقى ختان العقل عاملاً أساسياً ومشتركاً فى كل مرة تؤسَّس فيها عادة لوأد حرية المرأة.

وسوف أبدأ الأن باستعراض تقليد "أقدام اللوتس" فى الصين

إن ظاهرة شَّد الأقدام والتى بدأت تقريبا منذ القرن العاشر الميلادى .. والتى كانت توصف باسم قدم اللوتس نسبة لزهرة اللوتس التى يدَّعون التشبه بها .. هى تقليد قديم للجمال .. ولكنه كان يقترن بصفة أخرى مهمه وهى المعاناة .. المعاناة التى كانت تنتقل من الأم إلى ابنتها ومن جيل إلى جيل .. وقد استمر كذلك لفترة امتدت لأكثر من عشرة قرون!.

وشد الأقدام هو عبارة عن عملية مرعبة .. يجرى عبرها تقييد أقدام البنات الصغيرات حتى لا يتجاوز طول أقدامهن 7.5 سم .. وذلك لأن الرجال كانوا يحبون ذلك! .. وقد أصبح شد القدمين شرطاً مسبقاً للزواج .. بل أنه كان مبرراً مقبولاً لقيام الرجل بإلغاء الزواج لو اكتشف أن المرأة التى جرى ترتيب زواجه منها لم تقم بشد قدميها .. وكانت الأم مُلزمة بشد قدمى ابنتها وإلا فإنه سيكون من العسير عليها أن تتزوج.

وكانت هذه العملية تبدأ عادة عندما تكون الفتاة فى عمر يتراوح بين ثلاث سنوات إلى إحدى عشر سنة .. وكانت قدم الفتاة تُنقَع فى ماء دافيء أو دم حيوان وأعشاب .. ثم يجرى كسر الأربعة الأصابع الصغيرة من كل قدم .. وهذا ليس أشد ما فى الألم .. حيث تُلَّف بعد ذلك لفافات حريرية أو قطنية حول الأصابع الأصغر .. وتُسحَب بقوة إلى الكاحل وكل يومين تزال اللفافة وتعاد العملية نفسها .. ويستمر هذا الأمر لفترة عامين وبحلول هذا الوقت تكون قدما الفتاة بطول يتراوح بين ثلاث إلى أربع بوصات.!!

ولكن الأمر لا يتعلق فقط بمظهر جمالى أو عادة تأخذ حيز من الاختلاف .. بل أن دورها يتجاوز حدود المظهر .. حيث تتحكم بمصائر النسوة بل ومسار التكوين العائلى فى المجتمع وسيكولوجية الأسرة وبنيانها الصحى .. فحياة تلك النساء اللواتى تعرضن لشد أقدامهن تختلف عن اللواتى لم يمررن بهذه التجربة .. فالمجموعة الأولى يتزوجن فى سن مبكرة لأن الرجال يجدن أن النساء صاحبات الأقدام الصغيرة أكثر امتاعاً .. بالإضافة إلى أن عمرها المبكر يجعلها أكثر جاذبية أيضا.

فلقد كان النظر إلى أقدامهن المشدودة يبعث البهجة فى نفوس الرجال الصينيين .. وذلك بعكس الحال فى الغرب .. وإذا لم تقبل الفتاة بشد قدميها فإن فرص الحصول على زوج ستكون ضئيلة للغاية.

ويعود هذا المنطق المريب فى الإنجذاب إلى قصة قد ذيع صيتها بخصوص تلك العادة في العصور الوسطى في الصين .. والتى لا يُعرَف أصلها بالتحديد ولكن هذه القصة لازمت الحديث عن نشأتها .. فوفقاً للأساطير كان هناك راقصة مشهورة بالغة الجمال تدعى (يو) .. قدمت رقصة في إحدى الأيام وهي تنتعل حذاء صغير الحجم على شكل زهرة اللوتس الذهبية .. ولتُدخِل قدمها في الحذاء الصغير عملت (يو) على ضم قدميها بضمادات من الحرير .. وكانت لخطواتها الصغيرة أثناء الرقص أثر كبير في نفوس الرجال فتحول إلى تقليد ورمز للجمال.

لكن ها هذا هو السبب الوحيد لجاذبية ذات الأقدام المشدودة؟

لا فهناك سبباً أخر لهذا الإنجذاب ولإستمرار هذه العادة المريعة لمدة قرون طويلة .. والتى أدت إلى أذى أجيال بأكملها .. وهو سبب أكثر غموضاً وأشد خطورة .. فقد شكَّل عنصر الضعف الجسدى لدى المرأة التى تعرضت لشد أقدامها إنجذابٍ جشعٍ لدى الرجال .. حيث أنه سيكون من السهل السيطرة على هذه المرأة .. فهؤلاء النساء تبقين معذولات داخل البيوت فهن لا يستطعن أن يمشين لمسافات بعيدة من دون الإستناد إلى رجل سواء كان زوجها أو حتى خادم لها .. فهذه الأقدام المشوهة والتى لا تحمل من الجمال سوى حذائها الخارجى فقط .. هى الدليل على أن هؤلاء النساء سيكن زوجات صالحات تتبعن الزوج دون شكوى .. واللاتى يكن على هذا القدر من ارادة التخلى عن الذات لدرجة أنهن يفقدن السيطرة على قدرة السير بمفردهن .. حتى أنهن إذا كن وحدهن دون مساعد على الحمل أو السند أثناء السير وفقدن احذيتهن .. اضطررن إلى الحبو على اليدين والركبتين!.

نعم إن الوضع كان بهذه الدرجة من اللاانسانية وبهذا القدر من التفريط فى الارداة والكرامة وأدنى الحقوق الآدمية .. والتى تتمثل فى القدرة على السير دون احتياج إلى سند مفتعل .. والالتجاء بكل رضا إلى اعاقة مُختَلَقة .. مُقنَّعة بقناع جمال زائف وعقول خانعة راضية لا تعطى مهلة صغيرة للتفكير.

هل الرجل وحده هو المسئول؟!

بالتأكيد لا .. وقبل أن أكمل حديثى لابد أن أشير إلى سبب أخر ومسئولية أخرى .. لاستمرار هذا التقليد الوقح فى جنس حواء الصيني لقرون .. فبالطبع ليس الرجل وحده هو من تسبب فى هذا .. فإن كان هناك طلب .. فلابد فى التنفيذ وأن يكون هناك عرض .. واللاتى قدمن هذا العرض هن السيدات فى الصين .. نعم لقد عرَضن أنفسهن لهذا التشوه الوحشي و عرَّضن بناتهن له .. بل فعلوا ذلك بهن كختم جبري من قِبَل أفكارهن عليهن .. فلقد أورثوهن ذلك بدون فرصة للتفكير أو الرد .. فما كان يُفعَل بالطفلة يُفعَل بسن مبكر .. سواء رضيت بذلك من باب التوريث أو من باب القهر .. إنهن النساء الفاعلات والمشاركات برضاهن وبغباء موافقتهن .. باختيارهن للحل الأنسب للرجال وغير المناسب والظالم لهن ولصغيراتهن.

هذا وما يتضمنه من جشع من الأم ومن الأسرة كلها كذلك .. كما من قِبَل الرجال .. فما يفعلونه بطفلتهم يضمن لهم مكانه اجتماعية راقية .. فهم لا يتشبهون بالأسر الفقيرة التى لا تقدر على رفاهية أقدام اللوتس فى بيتها .. وتحتاج إلى ابنه سليمة تتحرك بطبيعية وتساعد فى المنزل أو تعمل فى الحقل .. فهم بذلك يضمنون زواجاً مضموناً سريعاً لإبنتهم فى سن مبكر .. فقد كان يعتبر هذا التقليد زينة للمرأة وشرطاً أساسياً لزواجها .. وهم بهذا يكونوا قد تخلصوا من مسئوليتها فى وقت قياسي .. ولا يكونوا من المنبوذين أو معرضون للإذلال بالتحقير والرفض وبقاء ابنتهم معهم لأنهم من الأسر المغضوب عليها اجتماعياً .. مما يدفع الأم إلى أن تنقل لإبنتها هذا التشوه الجسدى والفكرى بدم بارد .. وتبدأ بربط أقدام بنتها وتجبرها على تحمل الآلام القاسية لعدة سنوات .. والذى بدوره سيستمر معها هى أيضاً طيلة العمر .. بل والأخطر أن تُدرِّب تلك الطفلة المفعول بها على الاستعداد والقبول النفسي لتحمل تلك المعاناة غير المبررة .. حتى تكون أكثر جمالاً .. ولأنه الباب الوحيد للزواج وفرصتها الأولى والأخيرة فيه.

والأن دعونى أعرض لكم الوجه القبيح لجمال اقدام اللوتس

فبالإضافة إلى كونها عملية مؤلمة .. تؤدي طريقة طي القدم إلى تغيير معالم الجسم .. فهي تضع الضغط كله على الفخذين والأرداف .. وتؤدي إلى انتفاخهما وتسبب إعوجاجاً في الساقين ومعاناة جسدية تدوم مدى الحياة .. حتى أن بعض الفتيات اللاتي رغبن فى خفض الحد الأقصى لحجم أقدامهن فقدن القدرة على المشي والوقوف بشكل طبيعي .. خاصة زوجات وبنات أثرياء الصين اللاتى بحثن بهوس على مقاييس أعلى للجمال .. وذهبن إلى حد التطرف فى تفعيل هذه العادة فى حياتهن الغبية .. فمنهن ليس القليل ممن تشوهت ساقيهن لدرجة أنهن لم يستطعن المشي بشكل مستقل .. وكن يُحمَّلن على عربات أو وظَّفن شخصا قويّ البنية لحملهن على كتفيه.

وكانت التى لم تتمادى منهن فى تنفيذ هذا التقليد .. وكانت تستطيع السير وحدها أو مع عكاز .. فكانت تتأرجح على كعبيها كما الأطفال.

ذلك بالإضافة إلى رائحة القدم الكريهة فى فصل الصيف بسبب الدم والقيح إثر الضمادات .. أما فى فصل الشتاء فكانت تتجمد الأقدام بسبب نقص تدفق الأكسجين فى الدم.

وبالتالى فهذه العادة قد قيدت حرية النساء وأصبح دورهن يقتصر على أعمال البيت .. وكن ينجبن أطفالاً ضعفاء بسبب ضعف جسدهن ومرضهن المستمر.

ولكن هذا ليس الوجه القبيح بأكمله

فاستكمالاً لمتطلبات هذا التقليد الظالم .. فقد كان هناك قاعدة إلزامية يتبعها الرجال .. وهي عدم رؤية أقدام زوجاتهم حافيات! .. وعليهم الإكتفاء برؤية شكلها فقط وهي داخل الحذاء الضيق .. والرجل الذي يخترق هذه القاعدة يكون رجلاً منبوذاً!!.

وهكذا فلقد أصبح هذا التقليد العنيف فى مأمن من نفور الرجال .. حيث وجد مخرجاً آمنا من مواجهة الوجه القميء لتلك العادة .. ويظل الرجال فى حالة قبول نفسي لأنفسم وشهوانى تجاههن .. فى وجود ضمير ساكن تجاه انجذاباتهم النفسية المريضة نحو أجساد النساء ضعيفة الصحة .. هشَّة الحركة .. المعاقة مدى الحياة .. لتنال رضاهم غير السوي والحصول على فرصة شرف الزواج منهم .. فهم لا يتطلعوا على أعراض آلامهم .. بل لا يرون من معاناتهن إلا زينة خارجية من حذاء صغير سخيف .. يغطى قدم مشوهه لإنسانه .. وهذه القدم فى واقعها لا تشبه زهرة اللوتس كما يتخيلون .. إنما هى أشبه برأس بجعة ميتة.

أما عن نهاية هذا العبث الاجتماعى

فكانت بداية النهاية في عام 1874 حيث دعت 60 امرأة مسيحية من محافظة شيامن لوضع حد لهذه الممارسة .. وأطلقن مؤسسة لحماية المرأة في عام 1883 .. والتي حصلت على دعم من المبشرين وإنضم إليهم المثقفون من الشباب الذين أدركوا أن هذا التقليد يعيق حركة التطور التي تشهدها البلاد والعالم .. وتبعت ذلك عدة حركات نسائية تدعو لمنع هذا التقليد .. وفي عام 1912 بعد سقوط حكم تشينغ .. حظرت الحكومة القومية الجديدة لجمهورية الصين تقليد طي الأقدام بموجب القانون .. وفي عام 1915 تم حظره في تايوان من قبل الإدارة اليابانية.

بالإضافة إلى ذلك .. قد قدمت بعض الأسر التي عارضت هذه الممارسة اتفاقات وتعهدات لتزويج أطفالهم في المستقبل فيما بينهم .. فيما تجاهلت بعض العائلات المتشددة هذا الحظر .. وعندما تولى الشيوعيون السلطة في عام 1949 .. نجحوا في فرض حظر صارم على جميع المحافظات بما فيها المناطق المعزولة في الأرياف ولا يزال الحظر سارياً إلى يومنا هذا.

ولكن ما الذى كان يمثله هذا التقليد فى جوهره؟!!

الحقيقة أننى أجد فى تقليد طي أقدام النساء .. ختاناً .. ينتحل صفة أخرى فى جسد النساء

فهو لا يتعرض لأعضائهن التناسلية بالإنتهاك على غرار ما يتم من عادة آثمة فى أفريقيا والكثير من دول الشرق الأوسط .. ولكنه يتعرض لأساس الجسد الذى يندرج تحت عمله القدرة على الحركة والإعتماد على الذات .. وبقية صحة البدن الحركية حتى تشمل وظائف أخرى أيضاً .. وهو قبل كل ذلك يتطلب ختن العقل قبل أن يتم ختان الجسد على طريقة أخرى .. ففى تطبيق الصين أو غيرها من الدول الأخرى للختان فى صور مختلفة .. فهم يعتمدون فى الأساس على ضمان الطاعة البلهاء من النساء وشغفهن الأحمق فى الحصول على إعجاب الرجال .. والوجود فى كنفهن أياً كان الثمن وتحت أى بنود شرطية لتحقيق ذلك ... فبضمان ختان عقولهن .. سيُضمَن أن يُنفَّذ كل ما يطلبه منهن المجتمع القاسي .. متمثلاُ فى رجل جشع وإمرأة غبية.

وعامة ففى كل حالات تطبيق الختان بصوره المتنوعة يتم صبغ النساء بفكرة ترتبط بقصف جزء من أجسادهن .. أو تعمد تشويهه تحت بند مقياس سفيه للجمال.

وهنا أدعوكم لإلقاء نظرة سريعة على إحدى مقاييس الجمال فى أفريقيا .. والتى هى من أغرب مقاييس الجمال فى العالم .. ففى إثيوبيا وتحديدًا فى قبائل مرسى .. تقوم النساء بمد الجلد للشفاه السفلى بشكل طويل جدًا من خلال استخدام أقراص خاصة لذلك .. ويتوقف مهرها على قدر مدها لجلد الشفاه! .. وتعانى الفتاة من العنوسة لعدم قدرتها على إدلاء شفاها بالقدر الكافى لكى تضع طبقًا بداخله! .. ويقال إنهم يعتقدون أن الأرواح الشريرة تدخل للشخص من فمه .. وبهذه الطريقة يطردون هذه الأرواح.

إن ربط فكرة الزواج ونيل إعجاب الرجل ورضا المجتمع بإفتعال إعاقة فى جسد الأنثى وتعُّمد تشويه إحدى مناطقه الحيوية .. سواء أعضاءه التناسليه أو القدم أو الفم أو غيرها .. فهو فعل حقير ينبع من فكر يُحقِّر المرأة .. ويضع عليها متطلبات تكسر من وجودها وتقلل من إرادتها وانطلاقة انسانيتها .. ويحد من تمتعها بأبسط الحقوق الآدمية لأى انسان التى تجعل جسده فى حالة صحية جيدة .. حيث يبدأ بتشويه الفكر قبل تشوية الجسد .. فلا عقل سليم ولا جسم سليم أيضاً.

إنها شروط ظالمة تجعل المرأة فى أماكن مختلفة من العالم تحت لعنة النبذ والتقليل والإذلال .. حتى يتم تشويه إحدى مناطق جسمها .. لكى تصبح فى مكانة صالحة للقبول أولاً .. ثم يُطلب منها التمادى فى تفعيل مظاهر ما يتطلبه هذا الختان ثانياً .. حسب نوعه وطريقة فرضه فى مجتمعات مختلفة .. حتى تصبح فى منافسة جديدة أكثر عمقاً فى المعاناة وأكثر سطحية فى المقاييس الانسانية .. لكى تكون صالحة لمنافسة الأكثر جمالاً .. أو أن تكون ملكة جمال مثلاً!!.

وهذا يقودنا لسؤال

هل الختان بهذا الوجه المنفر .. الواضح دائماً؟

الحقيقة لا .. فليس بوسعى أن أغفل أن للختان صوراً أخرى تأخذ أقنعة أكثر رقى وتحضر .. ولكنه مازال ختاناً ينتحل صورة أكثر لباقة .. ليخاطب العالم الحديث بفِكرُه وادعاءاته فى تحرير المرأة ومساواتها بالرجل.

ومن أهم هذه الصور .. هى الموضة وعمليات التجميل .. كمثال!.

والحقيقة إننى لا أبالغ حينما أصف أن هوس النساء بالموضة وعمليات التجميل .. وتفضيل الرجال لتلك المرأة التى ضخمت مؤخرتها وصدرها وشفاهها عن تلك الطبيعية البسيطة .. أو تسليطهم للضوء على أنوثة تلك التى ترتدى كعب عالٍ وترتدى أغلى الماركات وتواكب أحدث الصايحات فى الموضة .. والتى تعذب جسدها ليصل إلى قوام معين .. وتلك التى تضع مكياجا على وجهها يغير شكلها تماما حتى ولو وصل إلى مرحلة القناع .. ويَقنَع الرجال تماما بهذا التزين المبالغ فيه والجمال الزائف وتقاسيم الجسد غير الطبيعية .. طالما ذلك يرضى أعينهم وغريزتهم المؤقتة!!.

وبالطبع هذا يبدو أنه على النقيض من صور الختان المذكوره سالفاً .. وكأن الصورة الأخيرة تتيح للمرأة الحرية والسعادة وحرية الإختيار .. ولكن الحقيقة أقول لكم أن جميعهم مجرد صور لتطبيق الختان .. ومتطلباتها واحدة حيث اختتان العقل أولاً .. وتقيد الحرية معنوياً وجسدياً ثانياً .. ففى الصور الأولى مظاهر واضحة للقيود .. ولكن الصور الأخيرة هى مظاهر مُقنَّعة للقيود تحت قناع من الحرية الزائفة .. ومُقنِعَة للمرأة البلهاء التى يرضيها أن تعيش تحت قيود مُجمَّلة بحقائق زائفة .. وتجعلها مقيدة مشدودة من رقبتها كالحمار المربوط والمعلَّق أمام عينيه "جزرة" لا يطولها أبداً .. وهى فى سباق للجمال لا ينتهى .. بدون مراعاة للعقل أو للأفكار السوية انسانيا واجتماعيا .. والحيثيات التى يتوجب على الإنسان أن يفكر بها ويُفعِّلها فى الحياة ليحظى بشريك حقيقي واعجاب صادق وكرامة فعلية.

ذلك بالإضافة إلى أن الكثير من تلك التصرفات الهوجاء فى صراع الجمال .. تؤدى إلى مشاكل صحية خطيرة جداً .. لن أتطرق إلى تفاصيلها التى تبدأ من أتفهها مثل الكعب العالى وحتى مساحيق التجميل .. فبإمكان القارئ البحث على الانترنت فالمقالات الطبية والتحذيرية واسعة الانتشار .. ولكنى اكتفى بالإشارة إلى المخاطر شائعة الصيت عن عمليات التجميل التى منها كثيرا ما تسببت فى امراض خطيرة جدا فى حالات .. وفى حالات قد أخرى أدت إلى تشوهات كبيرة .. وأمثلتها سهل البحث عنها بالفيديوهات أيضاً.

هذا وإن دلّ على شئ فيدل على أن الختان إذا كان فى صوره التقليدية من ختان الأعضاء التناسلية يُفعَل افتعالا من الأهل .. ومن أم تورِّث الجهل والقبح والقهر لإبنتها .. وأب يحمل نفس سمات المجتمع الجاهل فى فكره .. مروراً بصور الختان الأخرى التى ذكرنا منها أمثلة مؤخراً .. فهى تحدث فى حياة الصغيرات كنوع من الحادثة .. ومن الإجبار على تلقن الألم وتقبل الإهانة واعتيادها .. حتى أن نصل للنوع الأخير الذى تفعله المرأة من تلقاء نفسها .. حتى وإن قلنا أنها تُجبَر عليه بشكل غير مباشر لأنها لا تُقَبل ولا تدخل فى حيز التميز ونيل الاعتبار.. إلا بأن تندفع بكل غشم فى هذا التيار الذى يجعل منها سلعة أيضاً .. ويشيئها لتبحث عن الاعجاب والرضا من الرجل ومن المجتمع .. حتى أناه تتمادى فى هذا الهوس لتبحث لنفسها عن شعور الملوكية على عرش الجمال .. وهذا من الغباء الذى يجعل للجمال مقاييساً محدودة وهو أكثر اتساعاً من الدوائر المغلقة لقوانين مسابقة أو وجهة نظر فئة من الناس .. وبهذا فالمرأة شريكة حقيقية فى هذه الأزمة .. سواء كانت فى صورة أم للضحية ... أو إمرأة تبحث عن القيود بنفسها لنفسها.

وأود أن أنوه أيضا أن هناك الكثير من الوسائل الأخرى التى ختنت المرأة ذهنياً ونفسياً حتى استطاعت أن تفرض سيطرتها على حياة المرأة بصور مختلفة وكثيرة جدا .. ولسنا بصدد أن نتعرض لجميعها هنا .. ولكن على كل منا فحص أفكاره ومراجعة ما يحويها .. فهذه الأفكار تسكن أماكن كثيرة .. وتقبع فى كل الأزمنة .. وعلى رأسهم زماننا هذا .. الذى يبدو انه وصل لأوج أزمنة حرية المرأة ولكنى أرى أنه زمن الشعارات والألقاب والزيف .. فالقيود التى تُفرَض على المرأة مازالت موجودة ... انما فى حالة تجمل فقط!.

فلقد انتهى مظهر من مظاهر ختان المرأة وهو تقليد طيّ الأقدام فى الصين .. ولكن مظاهر الختان للعقل والجسد مازالت موجودة حتى هذه اللحظة فى أنحاء العالم المختلفة .. وهى لها قدرة كبيرة على التحايل على الواقع .. وعلى التطور من أشكالها .. حتى تظل على قيد الحياة وأن تستمر فى الظهور بصور متعددة .. سواء كانت فى صور صريحة منفرة .. أو فى صور جميلة منمقة.

لذا

أيتها المرأة إنكِ تدرين وتدركين أكثر من الجميع ما هى القيود الحقيقية التى تَختَتِن قدرتك على التنعم بحياة حقيقية وفعلية .. سواء فى الصور السابق ذكرها فى المقال أو غيرها .. إنكِ تفحصين ذاتك وظروفك وطبيعة قيودك .. فلا تتملصين من مواجهاتها مهما كلَّفِك الأمر .. وأنتِ على دراية حقيقية أن تجميل الحقائق لن يغير من نتائجها الحتمية فى أى شئ .. وأنكِ بهذا التغاضى والتماشي مع التيار الخاطئ .. تكونين أكثر الخاسرين.

وأنتَ أيها الرجل

يا من يستهويك المرأة المختتنة وتستعذب القيود .. لا تتجاهل حقيقة أنك تحيا قوتك الوهمية على حساب ضعفها .. وأنك تعيش حياتك بطبيعية (من وجهة نظرك) وهى فى واقعها غير سوية .. على حساب أن إمرأتك تحيا حياة غير طبيعية .. فهى تتشوه بما ليس سويّ .. فيك أنت .. برغباتك ومتطلباتك وحيثيات إنجذاباتك المريضة .. وأنك وإن تبدو المعيار والحَكَم فى المقاييس .. فالحقيقة أنك فى هذه المكانة نتاج غباء شبه جمعى لنساء مجتمعك اللاتى سمحن لأنفسهن بالتشوه كجمال وبالتصالح مع الألم كأسلوب حياة .. واستعذاب المازوخية كتقييم للقيَّم .. فالأمر ليس سيادة مهيمنة منك .. إنما هو استسلام مطلق منهن.

وأخيراً

فالتمرد على قيود تقاليد الغباء الجمعي مُكلِّف وغالى الثمن .. إنما مرارة الخنوع اللا منتهية ثمنها أفدح بكثير!



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة