لستُ امرأة عظيمة

نادية خلوف
nadia_khaloof@yahoo.com

2020 / 10 / 27

مهداة إلى امرأة تشبه كلّ نساء بلادي.
هي تداعيات ليست عنّي ، بل عن جميع النّساء. لا ليس الجميع . إنّها عن أغلبهنّ ممّن ليس لديهن سلطة ولا مال . تقول امرأة: دعني أعيش بعيداً عن تصنيفاتك، لا تحاصرني بالعتاب ، فما عرفت نفسي يوماً . كنت أنتظر دوماً أن ينتهي موسم اليباب. لن تعرفني أكثر منّي، فأنا لست امرأة قوية ، و لست عظيمة . ماذا رأيت من قوتي؟ هل تسمي خنوعي قوة، وضعفي تضحية ؟ كف عن عباراتك الرّنانة في وصفي ، فما أنا في ترتيب البشر سوى عبد. أنت أيضاً عبد ، عندما تتنمّر عليّ تكون في أقصى حالات ضعفك ، ويكون سيدّك قد جلدك، تجرّب أن تكون سيداً عليّ.
ضحكت عليّ ، صنّفتني في شبابي بين الحرائر اللواتي يخصصن جسدهن لرجل قد يعاشر أكثر من امرأة ، بينما كنت أرغب أن أكون حرة العقل ، وصفتني بالصبر و التضحية حيث سجنتني في مهمتي في تربية الأولاد ، والطبخ و النفخ، مع أنني أعمل مثلما تعمل و أكثر ، تكيل لي المديح أمام المجتمع، أقرّب دماغي من الطشت فتغسله يوماً بعد يوم. أصبح اليوم -أعني دماغي – دون تلافيف من كثرة الغسل، يشبه حفاض طفل قماشي اهترأ من كثرة الاستعمال.
لستُ عظيمة كما تقولون عنّي ، و لا أرغب أن أكون عظيمة. أرغب أن أعيش. هل تعرف ماذا يعني أن أعيش؟ أن أتمتّع بما هو موجود في الدنيا . دعني أتمتّع لأيام، لا تحاصرني لو سمحت.
خجلت من نفسي عندما وصفني حشد من الرجال: الصابرة على الألم، المتفانية من أجل الأولاد، بعد تمجيدي عدّت وفي صدري غصّة. نظرت للمرآة سألتها: هل أنا ساذجة إلى هذا الحد؟ أجابت: بل أكثر. أنت ببغاء. فعلت ما طلبه المجتمع منك، وكنت في كلّ مرة تتغيّرين كي يرضى المجتمع، و للمجتمع قلب يخفق بحبّ الرجال، أعطى الإذن لزوجك، تزوّج بأخرى، وصفوك ثانية بالمختلة لأنها لم تحافظ على زواجها ، لكن مع الزمن تغيّروا ، وصفوك بالصابرة و المضحية من أجل الأولاد، رغم ترك وادهم لهم فلا زالت أماً مثالية.
ما أكذبكم! ما أغباني!
نسيت نفسي بين رائحة عرقكم ، بل كنت أتمنى الموت على أن يهتز ذلك المجد الذي يمكن اختصاره في كلمة زوج حتى لو كان في الحقيقة ليس رجلاً وليس زوجاً بنفس الوقت. هكذا نحن نسمي الأشياء بعكس مسمياتها، فنسمي القاتل بطلاً ، و المقتول خائناً ، نقتدي ربما برسل أتوا من صبيان أفكارنا، نزّهناهم عن الخطأ رغم أنهم مارسوا حتى الجريمة، وقلنا هي رخصة من الله للرسل، فهل أنت رسول؟
لأنّك قلت عنّي أنني امرأة عظيمة. . .
لأنّك وصفتني بالصبر.. .
لأنّك صنعت مني بطلاً يقتل في معركة الحياة . . . لتبق الحياة لك .
لأنّ قلب المجتمع الذي يخفق بحبّ الرجال قام بتحريض عقل الأولاد عن طريق غسل منطقة الضمير فيه، فإن الأمر لن يتغيّر.
أنا نادمة " لأنني كنت عظيمة" .
نادمة على الصبر ، و نادمة على التضحية. إنني خجولة من نفسي لأنني صنّفت هكذا . أسأل نفسي: أين كنت أنا؟
و أجيب: كنت أمارس غفلتي .. .



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة