أزمة الرجولة

امال قرامي
grami2020amel@gmail.com

2021 / 1 / 30

لازالت السياسية في نظر أغلبهم، فضاء ذكوريّا بامتياز حتى وإن ادعوا غير ذلك وحاولوا التأقلم مع واقع جديد انتزعت فيه النساء حقوقا سياسية تجعلهنّ يشاركن في الأحزاب

ويترشحن ويعملن على إبراز مواقفهن والانخراط في الشأن السياسي بطرق مختلفة. وما رغبة أغلب الفاعلين السياسيين في احتكار العمل السياسي والزعامة السياسية إلاّ محاولة للدفاع عن الامتيازات الذكورية التي بدت مهدّدة بعد تحوّل عدد من النساء إلى «سياسيات» (وإن كنّ يتماهين مع الأنموذج الذكوري السائد لممارسة السياسية). وفق هذا الطرح نفهم سعي «المشيشي» الحثيث لتطهير الحكومة من لوثة الأنوثة باستثناء وزيرة اتّخذت شرعيتها من عنوان وزارتها: «وزارة المرأة...»، فالمتخيّل الجمعيّ يرفض أن يترأس رجل وزارة امرأة.

وفي نزوع الحكومة هذا المنزع الذكوريّ في اختيار فريق العمل ، وفي عسكرة الفضاء العمومي أثناء الاحتجاجات، و لجوء المؤسسة الأمنية إلى عرض ممثلّي «الرجولة المهيمنة» القادرين على بسط نفوذهم بما استطاعوا إلى ذلك سبيلا ما يؤكّد التوجّه «الجديد» لراسمي السياسات، وهو توجّه يخدم من اعتبر أنّه آن الأوان للشابات أن يعدن إلى بيوتهن ويلتزمن بالأدوار التقليدية أمّا الهرج والمرج و قلّة الحياء في الشارع بدعوى المقاومة فإنّها تصرفات تعرّض صاحباتها للعنف اللفظيّ والماديّ. وبالتوازي مع هذا الخيار الذي يريد أن يعيد للرجولة ألقها بحصر المواجهات بين المحتجين/ الذكور (العركة بين الرجال) يستمر تأديب السياسيات في مجلس شرّع لقانون58 المناهض للعنف ضدّ النساء.

ونذهب إلى أنّ وراء هذه الموجة من العنف من خارج المجلس وداخله «أزمة رجولة» تجلّت في سلوك بعض من اتيحت لهم فرصة التموقع في مناصب صنع القرار. وإذ نصرّ على توظيف هذا المصطلح السوسيولوجي لا نهاب ردّ فعل من سيعتبر أنّ في ذلك ما يخدش كرامة الرجال إذ آن الأوان لتسمية الأشياء بمسمياتها. إنّ خروج بعض النائبات (عبّو، موسي..) عن المتوقّع تقليديّا من المرأة في المجال السياسي، أي القبول بالصفوف الخلفية وتوظيفها «ديكورا» أو وسيلة لتلميع صورة الحزب، يصدم أغلب المنتصرين لاحتكار المشهد. وكلّما استطاعت السياسيّة انتزاع الاعتراف وتحقيق الانتصارات دبّ الذعر في نفوس من اعتبروا أنفسهم «رجال السياسية» وتمّ الاستنجاد بصورة الرجل المتسلّط الذي لا يتوانى عن ممارسة «البلطجة» لتأديب من تطاولت على «الرجال» ومن هنا نفهم صمت الأغلبية. وليس الاعتداء على «المتطاولة» على «الهيبة الذكورية» إلاّ وسيلة لضبط النساء في المجال السياسي حتى لا يقتدين بـ«سليطات اللسان».

وتتجلّى «أزمة الرجولة» في ركونها إلى العنف للدفاع عن حضورها ومرئيتها. فكلّما سرقت النساء الأضواء من هذا الصنف من الفاعلين ردّ هؤلاء بافتعال حدث يخرجهم من الحظر الإعلامي ويجعلهم في قلب الحدث. وما كان لهذا السلوك المعبّر عن نمط «الرجولة المذعورة» أن يسود لولا تواطؤ أنماط أخرى من الرجولة . فثمة من يستدعي هذه الرجولة المعطوبة ويوظفّها لتصفية خصومه من النساء والرجال، وهناك من يحفّز ممثلي هذه الرجولة المذعورة لتثأر من تاريخ زعيم جعل من تحرير النساء مشروعا مركزيا... ولئن تعدّدت الأهداف فإنّ الجامع هو كره النساء اللواتي يعجز من راهن على احتكار السلطة والهيمنة على الجموع، عن التكيّف مع الواقع الصدامي الذي فرضنه. وعندما يفقد اللاعب في الحلبة

السياسة القدرة على التحكّم في النساء يغدو العنف الرمزي، واللفظي والمادي والنفسي الوسيلة الأمثل لإعادة الاعتبار إلى الذات المنكسرة التي فضحت أمام الملايين بسبب امرأة دخلت مجال السياسية متسلّحة بأدوات من شأنها ترويض الآخر وكسر شوكته.

لن ننتظر من الشيخ ممثل «الرجولة المنكسرة» بفعل السنّ ، ورهانات السياسة المتقلبة داخل التنظيم وخارجه، والمناخ الإقليمي والعالمي، أن يكون حكيما. فأمام فتنة السلطة يبرز التضامن الذكوري، وأمام الصراع السياسي تصبح كلّ الأساليب مشروعة، وأمام الخوف من فقدان الامتيازات يصبح العنف حلالا، وحقّا من حقوق الرجال.
إنّ الأزمات: السياسية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لا يمكن أن تحجب عنّا «أزمة الرجولة» وهشاشة أنماط من الرجولات التي لم تستطع أن تشكّل هويّتها الذكوريّة في مناخ سويّ، وهي أزمة تثبت أنّ العنف ضدّ النساء ليس إلاّ ما نراه في الظاهر أمّا المسكوت عنه فهو العنف الموجّه للذات والكره الذي يكنّه البعض لذواتهم التي فشلت في أن تكسب الاحترام وتتمتع بالكرامة.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة