هل تعاني سويسرا من البرقعوفوبيا

زاهر رفاعية
zaher.refa@gmail.com

2021 / 3 / 9

لو أنك نزلت من فوق دراجتك النارية ونسيت أن تخلع الخوذة قبل أن تدخل إلى البنك أو إلى محطة الوقود في أي دولة غربية، فسيطلب منك موظف الأمن أو الشرطي خلعها على الفور. ولكن ماذا لو أنّك حاججته أنّ للإنسان الحق في أن يرتد ما يشاء من الثياب أينما يشاء؟ أنصحك ألا تفعل! فقيود الشرطة ستكون أسرع من قولك لحجّتك، لأنّه إذا كانت حريتك تنتهي عندما تبدأ حريّة الآخرين، فالأولى أن تنته عندما تشكّل خطراً على أمنهم وسلامتهم. ولكن أنصار الإسلامويّة ولاسيّما تيار السلفيّة منهم لا يعنيهم من أمن الآخرين وحريّاتهم شيء، ولا يعرفون عن الحريّة سوى حريتهم هم في نشر ضلالهم وجهلهم بين العالمين. دعاة الجهل والتخلف هؤلاء لا يفتؤون يعطون الغرب دروساً في وجوب احترام حريّات المواطن المسلم في البلاد الغربيّة، في الوقت الذي لا يعترف فيه هؤلاء المنافقون للمرء بحريّته في اختيار القدم التي يشاء لنفسه أن يدخل بها المرحاض.
بالتزامن مع يوم المرأة العالمي من عام 2021 صوّت الشعب السويسري بالموافقة على قانون يحظر تغطية الوجه في الأماكن العامّة، وبما أنّ هذا الحظر سيشمل النقاب والبرقع الذي سجن الإسلامويّون الإناث من عوائلهم فيه، فقد قامت قائمة أعداء المرأة هؤلاء ولم تقعد، وراحوا يتشدّقون باتهام الدول العلمانيّة بالتحيّز والتمييز بين المواطنين في البلد أو القاطنين فيها على أساس الدّين والمعتقد. ولأنّ كلامهم باطل ولا أساس له من الصحّة، ولأنّ تناقضاتهم بلغت مبلغ الفصام، ولأنّ فصامهم وتخلّفهم الحضاري والأخلاقي يرزح تحت وطأته الكثير من المسلمين المخدوعين بهؤلاء، ولأنّه لا أقبح ممن يحاضر في الفضائل وهو عنها يحيد، أتوجّه بكلماتي فأقول:
أوّلاً: القانون الجديد يشمل كِلا الجنسين وأتباع كل الأديان، وهو موجّه في الأساس ضد أقنعة مثيري الشغب ولاسيّما المتطرّفين من جمهور كرة القدم. بالتالي فالحظر هذا من شأنه أن يساهم في حماية سلامة الناس وممتلكاتهم من المقنّعين الذين يخرجون في مظاهرات اليمين واليسار وأنصار الشريعة وكرة القدم ولا همّ لهم سوى رفع شعارات الكراهية والاعتداء على سلامة الآخرين وتكسير محالهم وسياراتهم. فبدلاً من أن أجد في ضبط الشرطة عبارة "قام خمسة ملثمين بتكسير سيارتي" سأجد أنّ الشرطة تبحث عن فلان وفلان لأنهم قاموا بتكسير سيارتي.
اسمع يا شيخ، هل تفضّل أن تأتِ ابنتك إلى المنزل باكية لأنّ أحد الأوغاد لا سمح الله قام بمضايقتها أو التحرش بها في الخارج، ومع أنّ هذا النذل قام بفعلته تحت كاميرات المراقبة سواء في الشارع أو السوبر ماركت وعلى مرأى من أعين الناس وأعين ابنتك، إلّا أنك لا تستطيع أن تساعد ابنتك في استرداد حقّها ولا تستطيع أن تساعد الشرطة في القبض على هذا المريض وإرساله للسجن أو المصحّ العقلي، ببساطة لأنّ هذا المعتوه كان يرتدي قناع النينجا وقت الحادثة؟
آه عفواً لقد نسيت أنّكم تعتقدون بأنّ التحرّش جريمة الأنثى لا جريمة الذكر الذي قام بفعلته، وأنّه لا حلّ عندكم لمسألة التحرّش سوى لفّ الفتيات بالملاءة السوداء التي يفترض أن تحميها من غدر الضباع الآدميّة. ولكنكم تعلمون كما نعلم بأنّه لا الملاءة ولا حتى الكفن يمكن أن يمنع خبيث النفس من الاعتداء على حرمات جسد الآخرين. لا بل إن طرحكم للنقاب على أنّه الحل لمشكلة التحرّش لهو تسويغ وتبرير بل وتحريض لهؤلاء الحثالة على التحرّش بالفتيات اللواتي لا يمتثلن لرغائبكم في دفنهنّ تحت الأقمشة السميكة.
خلاصة هذه النقطة قبل أن أنتقل لتاليها هو أنّ حظر تغطية الوجه في الأماكن العامّة لهو ضمانة نسبيّة في أن يردع الحمقى من تخريب حياة الناس وممتلكاتهم، وهو الضمانة الحقيقيّة لحماية الفتيات من التحرّش والاغتصاب وليس النقاب هو الضامن لذلك، ذلك أنّ منقوص الشرف لن يجرؤ على المساس بفتاة البكيني إن خاف على نفسه من أن تتعرّف عليه الفتاة أو يتعرّف عليه الشهود أو الكاميرات، وهو ذاته الذي لن يتوان عن التحرّش بذات الخمار الأسود، لو انّه فقط أمن على نفسه من العواقب. وهذا لا علاقة له لا بجمال تلك ولا بفتنة هذه، بل لأنّه هو بذاته مريض في أخلاقه وكفى.

ثانياً: من يسمع كيف أنّكم تحاضرون الغربيين يا أفاضل في مسائل المساواة والحريّات، وكيف أنّكم تتهمون المشرّع العلماني بمعاداة الإسلام واستهداف المسلمين وقمع حريّات المسلمات في النقاب والبرقع لخشي على نفسه أن تفوته نعمة الاطّلاع على مشروعكم الثوري في مسألة الحريّة والمساواة في المجتمع. وكي لا تفوت صاحبنا هذه النعمة أودّ أن آخذه في جولة بين ربوع أديباتكم التي تحاضرون بها وتحاجّون.
في البلدان التي تسنّى لكم نشر الجهل بها وتكريس تبعيّة غالبيّة الناس لضلالكم عبر أجيال وقرون طوال حتى صار لكم القول الفصل في تحديد شكل المجتمع وتأطيره، رحتم تنشرون أسوأ أشكال الفصل والتمييز على أساس اللباس والمعتقد، حتى صرتم وبلا أدنى ذرة من الخجل ولا الحياء تتهمون النساء في شرفهنّ وتطعنون في كرامة ذويهنّ من الرّجال لو أنّ إحداهنّ خرجت للشارع حاسية الرأس أو متعطّرة. حملة "حجابي عفّتي" ليست افتخاراً بالأزياء الإسلاميّة بقدر ما هي اتّهام الأخريات بالعهر، اللواتي لم يرتضين لأنفسهن هذا الزي واخترن لأنفسهنّ من المعروض في السوق نوعاً آخر من الأزياء.
في البلدان التي لا رقيب عليكم فيها ولا حسيب في اضطهاد الفتيات رحتم تلفّون الفتيات الصغيرات في البرقع والنقاب منذ لحظة خلع حفاضات الأطفال من تحتهنّ، وتلحقون الناس في الشوارع تؤذونهنّ في كراماتهنّ بالإشارة لمواضع أجسادهنّ بالعصي التي في أيديكم وتأمروهنّ بما تسمّونه بالحشمة، أيا حبذا والله لو أنكم أنتم من تحتشمون عن إيذاء الناس بأمراضكم تلك.
شيخ المتحرشين عبد الله رشدي جعل ضحايا التحرش جانيات على أنفسهنّ بسبب لباسهنّ وبرر للجناة مرضهم الأخلاقي في عدم قدرتهم على مقاومة الرغبة في لمس الفتيات الغير محتشمات على حدّ تعبير هذا المريض الأزهري! يمكنكم الاطلاع على ملخص رأي شيخ المتحرّشين هذا على الرابط:
https://www.youtube.com/watch?v=3fJOHh2BZ3M
خلاصة هذه النقطة هو في أنّ هؤلاء الشيوخ المتباكين على ضياع حقوق المسلم والمسلمة في الغرب، هم أنفسهم من أقاموا أسوأ أشكال الفصل المجتمعي في المجتمعات التي جاؤوا منها. هؤلاء الشيوخ قاموا بتجييش جحافل المرضى الأخلاقيين في المجتمع المسلم ضد الرّجل الذي لم يرتض لنفسه أن يفرض على أهل بيته لباساً أو أسلوب حياة غير ما اخترنه هنّ لأنفسهنّ. هؤلاء الشيوخ „ولا أعمم" الذين يزاودون في ادعاءات الشرف والفضيلة ويكأنّه لا أحد في العالمين يخاف على أهل بيته وسلامتهم إلّا حضراتهم هم والمغبونون فيهم.
لا يا شيخ فوالله وتالله لإن خشينا على سلامة إخوتنا فخوفنا عليهم في المقام الأول هو من ضلالكم وجهلكم أن تودوا بهم إلى تهلكة أنفسهم والآخرين باسم الدين، ولإن خشينا على أخواتنا فخشيتنا عليهنّ في المقام الأول بل والأخير هو من تأليبكم المجتمع ضدّهنّ وضدّنا وتحريضكم منقوصي الشرف وعديمي الأخلاق من بعض تابعيكم أن يقوموا بالتضييق عليهنّ وعلينا حتى لا يجدن ولا نجد سبيلاً للحياة سوى أن نذعن لضلالكم أو أن نواجهكم ونفضح كذب ادّعاءاتكم للفضيلة, أمّا أنا فقد اخذت بالخيار الثاني.
البعض منكم يا شيوخنا الأعزاء يحاضر في المسجد ليل نهار بعهر منسدلة خصلات الشعر، ودياثة أقربائها الذكور، وضلال جيرانها وكفرهم وعدم أحقيتهم في الحياة الكريمة الحرّة، وفسق وفجور قريباتها وصديقاتها، ووجوب تجهيل المرأة وحبسها في المطبخ وتحت الملاءة وفي السرير، وبفضيلة التضييق على كلّ من لم يرتض لنفسه أن يتبعكم عن عماء وغباء، وبفضيلة التحرش بالفتاة التي شاكت أعينكم بضفائرها, ويقوم هؤلاء بالضغط على الحكومات العربيّة من أجل اعتقال والتشهير بالفتيات اللواتي يرقصن ويبتسمن أمام الكاميرات فقط لأنّ ذائقتهنّ في اللباس لا تناسب تخلف شيخنا. ثم يخرج شيخنا هذا من المسجد ويذهب ليحاضر في مقار برلمانات الدول العلمانيّة حول حريّة اللباس ويعيب عليهم حظر النقاب!!
ثالثاً: النقاب ليس حريّة المرأة في اللباس، بل هو حريّة الذكور من حولها في وأدها. أما بالنسبة للحكم الشرعي في مسألة وجوب النقاب من عدمه فلا يعن الناس من شيء طالما أنّ ارتداءه هو بأمر مجتمعي قبل أن يكون بأمر إلهي. النقاب ليس دلالة على تدين المجتمع بل على تطرّفه، ولا أريد أن أجعل من تجاربي الشخصيّة فلسفة عامّة، ولكن لي الحق في سرد معايشاتي, شخصيّاً لست على دراية بأحد الرجال ممن يشترط على أهل بيته خماراً قبل الخروج من المنزل وهو ليس من المتطرفين المغالين بل وبعضهم يحمل فكراً إرهابيّاً لا ينقصه سوى الفرصة السانحة لتطبيقه.
أنتم قلتم بأنّ المنقّبات في سويسرا لا تتجاوز أعدادهنّ العشرات وبالتالي فلم يكن من داعٍ لحرمانهنّ من الحق في النقاب، والسؤال الذي أودّ طرحه عليكم يا حضرات، لماذا إذن تتهمون المشرّع السويسري باستهداف المسلمين في البلاد من وراء هذا القانون؟ كلامكم هذا يعني واحداً من اثنين، إمّا أنّ أعداد المسلمات في سويسرا هي بحجم أعداد المنتقبات فيها وهذا باطل، أو أنّكم قد أخرجتم من دائرة المسلمات كل من ليست بمنتقبة، ذلك أنّ القانون يحظر النقاب وليس الحجاب، وعلى حدّ علمي فحجاب الرأس هو رمز الالتزام الديني عند الكثير من عوائل المسلمين وليس النقاب. أو أنّ هناك احتمالاً آخر، ألا وهو أنّكم تتصيّدون كعادتكم وتتباكون ظلم الغرب لكم وعدم احترامهم لإرادتكم في استعباد النساء ووأدهم، بل وتتحسرون على الزمن الذي كانت فيه المرأة تعيش كل حياتها في أماكن ثلاث لا تبرح واحدهم إلا ذهاباً للآخر، بيت أبيها.. بيت زوجها.. القبر.

خلاصة المسألة:
قانون حظر تغطية الوجه في أوروبا بشكل عام هو قانون يمس مسألة أمن البلاد والعباد في الأول والآخر، ولا يستهدف فئة معينة من القاطنين في البلاد أو من مواطنيها، فهو يشمل المرأة والرجل والمؤمن والكافر على حد سواء.
النقاب الإسلاموي هو واحد من أكثر أشكال التمويه والتخفي تفضيلاً عند الإرهابيين والهاربين من العدالة. ولو اننا تمتّعنا بالحكمة اللازمة لنفاضل بين ضرر النقاب على المجتمع وحريّة الناس في ارتدائه لما وجدنا مجالاً للمقارنة. فكما أنّه يحظر في أوروبا خلع كامل اللباس في الأماكن العامّة وهي جنحة تستوجب غرامة وتأديب لأنّ التعري الكامل قد يأخذ منحى التحرش، كذلك تغطية الوجه جنحة تستوجب الغرامة لأنها قد تكون أسلوب تخفي من أجل التهرب من العدالة. وفي كلتا الحالتين لن يقف في وجه مثل هكذا قوانين سوى المتطرفين المغالين أعداء المجتمع والعيش المتوازن، الذين لا يعترفون بالحرية سوى بحريتهم هم حتى لو تعارضت مع أمن الآخرين وحرياتهم.
بالنسبة لمن يتخفى وراء المرأة المنتقبة ويتذرع أن لها الحق بشخصها في النقاب وهاهنّ يتألمن من هذا القانون الجائر أقول: بالطبع سيتألمن لأن الذكور من فوق رؤوسهنّ الذين يرغمونهنّ على النقاب قبل الخروج من المنزل هم أنفسهم من سيمنعون عنهنّ الخروج من المنزل مطلقاً بعد هذا القانون. فأعداء المرأة هؤلاء لن يذعنوا لا لقانون ولا لتشريع إذا ما تعارض مع رغبتهم في وأد المرأة. فأخوات هؤلاء وبناتهنّ وزوجاتهنّ على دراية بأنّ كتلة الجهل هذا الذي يعيش بينهنّ ليحبّذ أن يمنعهنّ من الخروج من المنزل منذ الولادة حتى الممات، بل ويريق دماءهنّ ويئدهنّ أحياء على أن يسمح لهنّ أن يخرجن للشارع بوجه يلامس نور الشمس.
وهنا أوجّه النداء للمنظمات الحكوميّة وغير الحكوميّة في سويسرا بمتابعة قضايا النسوة اللواتي قد يكون يوم حظر النقاب في البلاد هو آخر يوم سيخرجون فيه للشارع، تماماً كما حدث في فرنسا والدنمارك.
أترككم مع مقال كتبته منذ فترة في موقع الحوار المتمدن وتناولت فيه أوضاع الفتيات في الدول العربيّة والإسلاميّة مقارنة بمثيلاتهنّ في دول الغرب، تجدونه تحت الرابط:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=692402
كما أودّ إرشادكم لمحاضرة على اليوتيوب للأستاذ حامد عبد الصمد يتناول فيها العلاقة بين العداء للمرأة عند بعض رجال الدين وبين التحريض على التحرش:
https://www.youtube.com/watch?v=bpcIMsGE1_8
ألقاكم بخير.
Epistemological1988@gmail.com



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة