المرأة والدين والعرف في المجتمع العراقي : نظرة اجتماعية ناقدة

ياسمين جواد الطريحي
alturrihi@hotmail.com

2021 / 3 / 14

قضية المرأة والدين والبحث في اشكاليتها ومناقشتها وبشكل موضوعي هي استجابة لكثير من المداخلات القيمة والتعقيبات التى وصلت من اصدقاء ذوي قيمة عقلية ثقافية وموضوعية عالية ونقد سببه مقالة سابقة عن وضع ”المرأة وانواع الشرف في النظامين الاجتماعي والسياسي“ والذي نشر في موقع الحوار المتمدن ومواقع ثقافية اخرى في الشهرالماضي.

اغلب هذه المداخلات اشارت الى ان الدين لوحده هو العامل واللاعب المؤثر المباشر في تدهور وضع المرأة الحالي في العراق وجعلها كائن دوني غير إنساني . وذلك بوضع حياة وحركة المرأة ضمن اطار محدد وجامد وغير قابل للجدل . وهو الاطار الالهي المقدس الذي يرفض اي تفسير ماعدا مانص عليه كتاب الله اي ”القرآن الكريم ” (الشرعي بحكم الله عزوجل ) . وهذا له نقاشه الخاص.

نتفق او لانتفق بهذا الخصوص وهذا نقاش قد يطول او يقصر ومعقد ويفسر على ضؤ دراسات وبحوث لها اختصاصها بالشؤون الدينية والشرعية والقانونية ، لكن لازالت المرأة تتعرض لأنتهاكات لاتمت الى الشرعية والإنسانية بشئ .

ومع اختلاف المجتمعات والظروف والتى تحيط بها نجد أن المرأة في المجتمع العراقي تتعرض لاقسى انواع الإنتهاكات القانونية والجسدية والنفسية واللفظية اينما تكون.

اما اذا تناولنا الموضوع من باب التفاسير الإجتماعية ونظريات علم الاجتماع الحديثة والقديمة والتى تطالب بالتغيير والاصلاح الاجتماعي الجذري لتوازي حقوق الانسان الطبيعية وهي المساواة في المواطنة والرؤية الواقعية لهذه الاشكالية المعقدة في القرن الحالي ، نرى ان المحللين الاجتماعين ياخذون بنظر الاعتبار التطورات السياسية والاقتصادية والمقومات الاجتماعية التاريخية والمؤثرة لذلك المجتمع من اجل ايجاد تفسيرا منطقيا في وضع المرأة بهذا الاطار المتدني وعلى مدى دهورا وحصرها في حلقة مغلقة . وكذلك لوضع حلا دستوريا واصلاح اجتماعي يوازي تلك المؤثرات السابقة الذكر ويضع حدا لاستخدام الدين والتمسك بتفسيراته كأطار لقمع المرأة.

إن غياب هذه الرؤية الموضوعية بهذا الخصوص ادت الى انتشار متزايد في اراء وتفسيرات عمومية وغريبة جدا عن المجتمع الطبيعي والمرأة الإنسانة ومن دون ثوابت تاريخية مقنعة للعقل والفكر الإنساني الذي لا يتوقف عن الحوار حتى مع ذاته . واغلب الهذه التفسيرات هي تفسيرات دينية جامدة وقبلية المغزى والتى غالبا تجد ارضا هشة لدى العامة من الناس وهي تعيش تحت وقع ظروف اقتصادية وسياسية غير آمنة وغير مستقرة وجهل متفشي بين الامي والمتعلم . كذلك ظهور جماعات ارهابية بلباس ديني قامت بتوظيف الدين لقمع المرأة بشكل خاص باستخدام جسدها والاتجار به تحت تبريرات لاصلة لها بالمرأة الإنسانة ولا حتى الدين بحد ذاته .

ولا يفهم المستمع اسباب هذا الكم الهائل من التفسيرات عن الزام المرأة بهذا الاطار المهين والغير قابل لا للنقاش ولا الى التطبيق في العصر الحديث . ولا نسمع غير كلام معاد ومكرر وهو ” الحلال والحرام والعيب“ الغالب في الاحاديث والنقاشات العامة والخاصة. علما أن ديمومة المجتمعات والتغيرات في بوصلة مستمرة لا تتوقف .

واهم مايتحدث به هذا المفسر أو الداعي هو ” كيفية غطاء المرأة وحجبها عن الحياة ” و ”العلاقة الجنسية الخاصة بين الرجل والمرأة وكيف تكون هذه العلاقة “ والتشديد عليها بمناسبة وغير مناسبة . مع غياب التفسير الموضوعي الاجتماعي من قبل ذوي الإختصاص بالحقوق الإنسانية والمساواة في المواطنة أو علماء الاجتماع . ومن يشجع على ذلك غالبا نظام سياسي معين للحفاظ على ”شرعية وجوده وحكمه “ ويعززه بالاداة الاعلامية والتعليم المبنى على التمييز بين الانثى والذكر في كل مراحل التعليم والتدريس.

فاصبح الدين هو الاداة الشرعية التى تتوقف عندها حياة المرأة وتدجينه مع الاعراف والتقاليد البدوية والقبلية في الاصل ، فأصبحت المرأة شكلها وهيئتها وجنسها والتركيز عليها بمناسبة او من دون مناسبة مادة سهلة التناول والكتابة عنها ( لإنها تعامل كجنس ضعيف على غرار النظرية البيولوجية التقليدية ) . وغياب كامل للكتابة عن المرأة الإنسانة والعقل وبنقاش موضوعي بعيدا عن النظريات الكلاسيكية البيولوجية .

اين يكمن الخطأ ؟ هل هو الدين كما يعتقد ؟ ام الشخص الذي يهتم بتفسيره ؟ أم المتلقي ومستوى تعليمه ودرجة وعيه ؟ ام التكوين الاجتماعي والظرفي لذلك الانسان ؟ام الظرف التاريخي والسياسي والاقتصادي والجغرافي الذي وضع هذا المجتمع وعقلية افراده في اطار خاص به.

مايهم هنا هو وضع المرأة في المجتمع العراقي وهي تتأرجح مابين الماضي البعيد جدا ومابين الحاضر وحقوق الإنسان والمساواة التى تتطور مع تطور المجتمعات الحديثة في انظمتها السياسية والاجتماعية وخاصة في حقوق المرأة والمساواة في المواطنة.

أن وضع المرأة في المجتمع العراقي هي وضعية خاصة علما ان غالبية النساء في انحاء العالم تعاني من التمييز و العنصرية ضدها بأي شكل كان . لكن وضعية المرأة العراقية ودرجة التمييز والعنصرية ضدها تعتبر الاسؤ . اصبحت المرأة هدف اولي للبحث والتفاسير المختلفة وتقنين وضعها الجنسي والاجتماعي ووضع قيودا وسلاسل على كل مايبدر منها حتى النظرة والابتسامة لاعادة وضعها الى القرون الوسطى المظلمة في اوربا ! علما أن العراق قد وقع على الميثاق الدولي لمنع ومعالجة سياسة التمييز والعنصرية ضد المرأة في الدستور والقوانين والحياة العامة ؟ كيف نرى هذه الازدواجية المفرطة بين توقيع اتفاقية دولية وبين الواقع الذي تعيشه المرأة في المجتمع العراقي ؟

هذه المقدمة تقودنا الى القول ان المرأة التى يتناول الجميع في التحدث نيابة عنها اغلبهم من الذكور . وهؤلاء ولدوا ونشأوا في ذات المجتمع القبلي وبنفس العقلية الذكورية ، والام التى توارثت هذه العقلية تلعب دورا في تلقين اولادها واحفادها وهي غير واعية والتى تركز على ” الشرف والعيب والتشدد في المنع والتوبيخ بالعقاب وحتى بالقتل .

هنا يأتي دور الاعلام الذي يلعب الدور الرئيسي في عملية اعادة انتاج نفس الافكار الذكورية التى تحاول ان تثبت أن المرأة هي الجنس الاضعف وهي الاقل شأنا ودورها في الحياة لا يتعدى أن تكون زوجة وظيفتها الإنجاب مع رجل لحمايتها من خطر الوقوع في الفساد . لذلك نرى أن المرأة تسرع لتطبيق مايقال عنها لتصبح اكثر طاعة وأكثر تدينا من الذكر.

هنا نتساءل لماذا لاتسأل المرأة ذاتها عن هذا الاهتمام بخصوصية جسدها والعلاقة الإنسانية مع الرجل عند هؤلاء المتحدثين من علماء الدين والفقه والقانون ؟ لماذا تهمل كل نواحي الحياة والحقوق الانسانية والمعيشية والبنية التحتية والعقلية في المجتمع وينصب كل الاهتمام على ملابسها وشعرها وقدميها وماهو مسموح وماهو ليس بالمسموح والحلال والحرام؟ ويجند الاعلام كل طاقته وموارده ليقدم البرامج التى تعمل على إدامة وتقوية النظرية البيولوجية في المجتمع العراقي .

الاغرب من كل هذا تسرع المرأة خوفا من غضب المجتمع برغبة او من دون رغبة وبموافقة او من دون في التطبيق ولا تحاول حتى من باب حق المجادلة والفضول ان تجادل ضد هذه الاقوال والاحاديث . بل تتفنن وتتشدد في لباسها وغطاء شعرها وتحركاتها وكلامها وصوتها ومسار حياتها كانها دمية ولا تسأل السؤال المهم ”لماذا أنا بالذات“ . والسبب لأنها لو اعترضت كما يقول المعتقد المجتمعي العرفي بأنها ستتعرض لاقصى عقوبة اجتماعية او جسدية لتنهي حياتها. فالمرأة في المجتمع العراقي فاقدة حماية الدولة والقانون . والمرأة لاتخاف من القانون أو الدين بقدر خوفها من ”العيب“ وعقاب الأهل والمجتمع . لأن حماية الاهل المادية للمرأة هو رأس مال امانها وليس الدولة وقانون ينصفها ويحميها .

يذكر أن المجتمع العراقي هو بالاصل مجتمع بدوي وقبلي عشائري في الجوهر وبطئ استجابته لأي تطور في البنية الاجتماعية وحقوق الانسان والمساواة في المواطنة كما هو المجتمعات الاخرى . لازال هذا المجتمع قيد النظرية الكلايسكية البيولوحية التى تفسر الانسان حسب وظائف جسده وليس عقله والتى تبنتها كل الإديان السماوية وليس الدين الاسلامي وحده .

المرأة الإنسانة في النظرية البيولوجية لاتنتمي الى الجنس البشري وليس لها حقوق انسانية طبيعية كالرجل . فأن لم تحاسب وتراقب وتعاقب سوف تفسد ويفسد المجتمع . الاخلاق والفساد مقرون بكيفة التعامل مع جسد المرأة وليس مع المجتمع كمواطنين ذكورا وإناثا مع غياب الادوات الثقافية والتعليمية العلمية الحديثة لمعرفة الخطأ من الصح والاسلوب الديمقراطي في العلم والمنطق. بغياب هذه الادوات العلمية اصبح الفكر والعقل الذكوري الذي يعتمد على قوة وضعف البنية الجسمية سياق عام وتربية وتعليم لكل مايتعلق بالتمييز ضد المرأة .

أن وأد الإناث في العصور الجاهلية لم يأتي من فراغ بل جاء نتيجة لهذا الفكر التقليدي التاريخي القديم . وقد استبدل الوأد وقتل الإناث وهي حية ليأخذ اشكال وانماط مختلفة من القيود القمعية إلا إنسانية وتقنينها لتقيد حركة المرأة وتلغي وجودها كأنسانة.

وبما أن التاريخ يتغير من حقبة الى اخرى وهي متغيرات سريعة وغير ملائمة لما كانت عليه في القرون الماضية فهو في ديمومة والعقل يتحرك معه ولا يتوقف . وعليه لايمكن ان تتوقف علاقة الإنسان بالإنسان الاخر فتتغير لتتماشى مع التطورات الاقتصادية والسياسية والعلمية وإلا يظل المجتمع يدور في حلقه مفرغة حول نفسه ولا يعطي فرصة لا للنمو ولا لاي تطور قادم.

لذلك نرى ان اصلاح هذه المنظومة من الافكار والعقائد الذكورية لن تنجز بيوم او ليلة او كلمة بل يجب ان تتبنى من قبل النظام السياسي أولا واخيرا الذي يؤمن بالمساواة في المواطنة وحقوق الإنسان . وتهيئة البنية التحيتة لها بوضع مجلس خاص للتنمية العقلية الثقافية والاجتماعية. ويتبنى المجلس علماء اجتماع اخصائين في تطوير وتأهيل البنية العقلية للإنسان العراقي وبوسائل كالتعليم النوعي ومراكز خاصة للتنمية الثقافية العلمية والمساواة في الحقوق في كل قرية وناحية ومدينة. وتضع ميزانية خاصة لمثل هذا النشاط الجوهري الذي يحاول تطوير المجتمع ثقافيا وتأهيله اجتماعيا كمواطن بكامل حقوقه الإنسانية . وتهيئة الاعلام ليتيح للجميع هذه الثقافة وهي الاداة المميزة لنشر مثل هذه المبادئ . واهم من ذلك كله ومن اجل عدم خلط الاوراق للاستدلال على اسباب التمييز والعنصرية ضد المرأة وهو فصل الدين عن السياسة حين كتابة الدستور.

اي ان تكون هناك ثورة ثقافية منهجية علمية ومنطقية بدل من ثقافة استخدام الجسد والعاطفة والعرف والشرعية الدينية في التعامل مع المرأة وعزلها عن المجتمع . وأن تضع المرأة في مركز اتخاذ القرار وليس كتابعة. وان تطالب بحقوقها الإنسانية بالعقل والمنطق . وإن يكون لها صوت لان الدين يخاطب العاطفة والقبيلة تخاطب الجسد وكلاهما لايتفقان مع العقل والمنطق.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة