مقال : واقع المرأة أي واقع و أية آفاق؟

مراد الحسناوي
Elhasnaouymourad@gmail.com

2021 / 3 / 16

  مقال : واقع المرأة أي واقع و أية آفاق؟
بمناسبة عيد المرأة الموافق ليوم 8 مارس و الذي لم تمضي على مروره سوى أيام قليلة، ليعيد المجتمع قضية المرأة إلى رف رفوف النسيان، لقد مضى ذلك الصخب المتشح بالغباء بسرعة البرق دون أن نفكر بشكل منطقي و لو قليلا في قضية المرأة التي هي في أساس الأمر قضية مجتمع و تحرر. إذا كان يوم  8 مارس يوما للمرأة و عيدا لها، كيف يجب علينا جميعا أن نستقبل هذا الحدث؟ و ما الداعي لتحديد يوم معين عيدا للمرأة؟ و كيف يجب علينا تحليله؟ ما هو دور المرأة في الدفاع عن قضيتها؟ و ما هي الكيفية لفعل ذلك ؟ و المرأة أي واقع و أية آفاق؟.
يمثل الثامن من شهر مارس في كل عام مناسبة فريدة ألا و هي مناسبة تحتفي بالمرأة، و لعل هذا ما عملت الدعاية الإعلامية على تلقيننا إياه منذ قيام القطبية الواحدة بتمثل أمريكي مستعينة بسياسة رأسمالية وقحة و لا أخلاقية في مجمل تراسيمها. مستغلة سذاجة العقول و سطحيتها في تناول القضايا الأساسية التي من شأنها القيام بحال أي مجتمع إنساني. إنني هنا لا أتناول بالقصد المناسبة بقدر ما أقصد الفرق بين مفهوم الإحتفاء و الإحتفال.
إنه لمن أخطر الأمور و أسمها أن نتناول قضية المرأة بمنطق الإحتفال، بدل منطق التخليد و الإحتفاء الفكري الرامي إلى تناول هذه القضية بطريقة تحليلية نقدية عقلانية، بغية النهوض بواقع المرأة الذي ترزح فيه داخل كل أقطار بلداننا العربية تحت نير الإستبداد القانوني مرفوقا بالإستبداد الذكوري، بسبب خضوع مجتمعاتنا لصفة الذكورية التي كرست منذ بدء الخليقة في لحظة التناقض الأول بين الرجل و المرأة.
إن تحديد يوم معين للإحتفاء و تخليد قضية المرأة لهو أمر ضروري، و لعلي أجد من منظور شخصي هذا الأمر ضربا من الهرطقة و الجنون رغم ضرورته، لاسيما و أن الإعلام قد نجح في تضليل الرأي العام و تزييف العقول حتى لا تتعاطى بالمناقشة الضرورية و التحليل العميق مع هذه القضية و تكتفي بالإحتفال بها يوما في السنة بدل جعلها قضية يومية حاضرة في كل لحظة في ذهن الكل. و لعل أبرز ما يؤكد ذلك هو ما نشهده على سبيل المثال لا الحصر من سخرية و تهكم و عدم الجدية في ردات الفعل على وسائل التواصل الإجتماعي فيما يخص قضية المرأة، من طرف كلا الجنسين، كالقول مثلا :
"انتهى يومك يا امرأة فأهلا بك في 364 يوم للرجل" إن هذا القول له العديد من الدلالات الخطيرة و التي من شأنها نسف أهمية قضية المرأة من جهة و دعوة العنصر النسوي إلى الإستلام و الخضوع لأمر الواقع المر من جهة أخرى، أو إيهامه بأنه قد حقق المبتغى من النضال في سبيل هذه القضية.
إن الداعي و السبب الحقيقي لتحديد يوم بمثابة عيد للمرأة و قضيتها، و إن كان التعبير هنا لا يفصل بينهما سوى من ناحية سياق الجملة، وجب أن يكون بهدف التخليد و المزيد من النضال و الإحتفاء الفكري الذي يجنح في فعله إلى النقد و التحليل و الممارسة النضالية المتحدية، بدل الإحتفال في زمن محدد آيلا في نهايته إلى زوال و نسيان ثم استسلام فتقبل لواقع اضطهادها، و تفريغ لمحتوى قضيتها...إلخ.
فقضية المرأة يجب أن لا تكون حادثا عابرا في الزمان و المكان يمر فتأخذه اللحظة و شعور الزيف بالإنتصار، لأن الهدف من هذا التخليد هو التذكير بواقع المرأة الذي يشبه المأساة إن لم يكن هو نفسه المأساة، و النضال بدم حارق في سبيل هذه القضية و تحصيل عدالتها التي هي في نهاية المطاف عدالة ضرورية لإنصاف وجود المرأة، لأننا في الحقيقة أمام مسألة وجودية تطاول العمق و الجوهر في وجود الكائن الإنساني الذي هو المرأة.
كما وجب علينا أن لا نستحضر امرأة لا تلبس سوى ثوب الزواج و في نفس الوقت كذلك وجب أن لا نستحضر امرأة لا تلبس سوى ثوب العمل، لأننا نريد كما قالت الدكتورة أنيسة الأمين في هذا السياق : نريد امرأة آتية من ألق المد الثوري، من هدير المظاهرات، من أدراج الجامعات من أيام العمل الطويل، نريد إمرأة قادمة من الوعي. و لعل أكبر خطأ وقعت فيه المرأة اتجاه قضيتها و وجودها هو عدم تسلحها بالوعي الكامل، أو على الأقل الذي من شأنه أن يزكي فعلها النضالي و ممارستها في الدفاع عن حقوق قضيتها، نظرا لأن امرأة اليوم ليست هي امرأة الأمس، و إذا ما قمنا بمقارنة بينهما سنجد بأن امرأة الأمس كانت أكثر فاعلية و أكثر استيعابا لعمق قضيتها و أكثر وعيا اتجاه قضيتها الوجودية متخذة الرجل صديقا لها و مساندا لقضيتها، فيما نجد أن امرأة اليوم هي امرأة وليدة عقلية مسطحة، امرأة لم تستطع أن تواكب معركتها النضالية بالقدر الكافي من الوعي و التعمق، مما جعلها تعيش في وهم الإنتصار لقضيتها على وسائل التواصل الإجتماعي، بدل الإنتصار الواعي لقضيتها على أرض الواقع و تبنيها لعلاقة غريبة تشبه العداء للرجل واضعة حدودا بين موقفها و موقفه، و لعل هذا من أكثر الأخطاء التي وقعت فيها مفكرات و باحثات في مقارباتهن الفكرية و البحثية خلال تناولهن لموضوع القضية.
لقد وجب علينا جميعا أن ننتصر لقضية المرأة، و ذلك بتحديد المشكلة أي تلك التي أصبحت تعاني منها المرأة في ممارستها النضالية و فعلها النضالي الذي بات يفتقد للمعنى الحقيقي للنضال في ظل تحييد واضح عن جوهر القضية، و كذا تحديد المشكلة التي تعاني منها المرأة و التي من أجلها أصبحت قضية، حيث وجب علينا العودة إلى التاريخ إلى لحظة التناقض الأول القائم في التقسيم الفعلي للعمل بحيث لا نستطيع فصل مشكلة المرأة عن أساسها الإقتصادي، لأن تحليل واقع المرأة بالإرتهان إلى البيولوجي و إلى الطبيعي هو تحييد عن طبيعة المشكلة و جعلها في دائرة ثابتة لا تتغير.
إن أبرز الكيفيات لفعل ذلك و الإنتصار لحق المرأة و قضيتها هي أن نفصل بين "الإحتفال" و "التخليد و الإحتفاء" بها، و لعل أفضل الطرق و السبل للإحتفاء، تلك التي قال بها لينين، حيث دعا إلى اتخاذ مثل هذه الأحداث و الأعياد مناسبة لتحليل القضايا و إعادة النظر في ما تحقق من مكتسبات و ما لم يتم تحقيقه بعد، و إيجاد حلول لباقي الإشكاليات الجوهرية التي من شأنها إقامة أي مجتمع. كما يجب على كل فاعل اجتماعي بما هو كائن مفكر أن يعمل على إغناء الدور لأن ذلك يعتق المرأة من القالب الجنسي بوصفها جسدا لتلبية الرغبات فقط، لأن المرأة العربية اليوم أصبحت تعيش اغترابا نحو قضيتها يعززه اغتراب ذاتي يؤول بها في أغلب الأحيان إلى الإعتقاد بالإنتصار لقضيتها، في حين أن هذا غير صحيح في ظل تراجع الوعي النقدي التحليلي لدى كل الفاعلين الإجتماعيين على رأسهم المرأة، بما أنهم ينتمون في آخر المطاف لدول تابعة سياسيا و اقتصاديا، مما يلزمها بقيود حول حقولها الثقافية، و كذا تقليص مساحة الحرية و محاصرة البحث العلمي في مناهج عقيمة و ممارسات فارغة لا تسمن و لا تغني المرأة و قضيتها عن واقع الحال الذي تعيشه.
و أخيرا وجب علينا أن نلتزم كلنا و في مقدمة مسيرتنا المرأة بالقاعدة الأساسية لدخول العقل النقدي للباحث إلى أي قضية بالتجرد من جميع الإيديولوجيات المسبقة و الأفكار الموروثة التي قد تجعل العقل النقدي يخل بالقضية، و أن يستقبل موضوعه خالي الذهن من أي مؤثرات سابقة، و إن كان هذا يبدوا سهلا على المستوى النظري، و صعب التحقق مائة بالمئة إلا أن ذلك أفضل من الإستسلام أو امتلاك معرفة و وعي مزيفين حول قضية المرأة، حيث باتت هذه الأخيرة تعيش اغترابا و استلابا على مستوى الذات و القضية، لتراجع منسوبية الوعي لديها و لدى كل الفعاليات المعنية بالقضية و الطامحة لتغيير المجتمع، أو كما سبق القول لإمتلاكها وعيا مزيفا لن يقود المرأة و المجتمع سوى إلى هاوية تجهز على قضيتها.
إني لأرى في نهاية هذا المبحث أن قضية المرأة باتت تحتاج إلى المزيد من النضال و المزيد من الوعي، لأنها صارت أكثر تعقيدا في ظل ما تعيشه مجتمعاتنا، بحيث أن المشكل إذا نظرنا في ظهر ورقة قضية المرأة هو مشكل مجتمع ككل بما أن مجتمعاتنا باتت مجتمعات تافهة متخلفة تحتاج إلى نهضة جديدة تقوم كما أقول دائما في موقفي المدافع عن كتاباتي الشعرية  إلى "إصلاح أصل المجتمع، و أصل المجتمع المرأة و المرأة أصل الإصلاح، متسلحين في ذلك بالحب و المعرفة، لأن الحب هو أصل كل الأشياء و المعرفة ما يبرر وجودها و يشرعه".
          مراد الحسناوي.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة