إعادة التأهيل والتربية! الإعادة القسرية للأبناء والبنات الى البلد الأم في العائلات المهاجرة في الدول الأوربية

بيان صالح
bgubrail@yahoo.dk

2021 / 4 / 25

إعادة التأهيل والتربية

هناك عدد غير قليل من الآباء والأمهات من العائلات المهاجرة في الدول الغربية يقومون بإرسال أولادهم وبناتهم بشكل قسري وغير قانوني إلى البلد الأم بهدف إعادة تربيتهم بشكل يتناسب مع عادات وتقاليد الأهل في البلد الأم.
كما هناك فئة من الشباب والشابات تم إعادتهم إلى البلد الأم حتى بدون إخبارهم، حيث يقوم أولياء الأمور بإرسال الأولاد والفتيات الى البلد الأم بحجة زيارة الأهل والأسرة وقضاء عطلة ترفيهية عائلية، وعند الوصول إلى البلد الأم يتم حجز الأبناء والفتيات وسحب جوازات سفرهم ، بحيث يتعذر عليهم العودة الى البلد الأوربي.
معظم الذين يتعرضون الى هذا العمل اللاإنساني هم الفتيات، وخاصة الذين يودون العيش كشابات غربيات وفق التربية الحديثة إي يطلبن الحق في ممارسة حياتهن اليومية العادية من الخروج للدراسة والعمل ، حق الخروج مع الصديقات والأصدقاء، حق اختيار الملابس ،حق المشاركة في النشاطات الاجتماعية، الرياضة، وحق اختيار الحبيب اي اختيار شخص من البلد الغربي التي تعيش فيه الفتاة بغض النظر عن قوميته ودينه .... الخ.
هؤلاء الآباء والأمهات يرسلون أولادهم وخاصة الفتيات ليتعلموا كيف يتصرفون ك - فتاة شرقية - والحفاظ على العادات والتقاليد، وبالأخص الحفاظ على العذرية، وتربية الفتاة لان تكون زوجة صالحة ومطيعة وتحافظ علي سمعة وشرف العائلة. مشكلة البعض من الأسر الشرقية وذو خلفيات الدينية المتعصبة او المتمسكة بالأعراف التقليدية تكمن في أنها اعتادت على ممارسة العنف الجسدي واللفظي على الفتيات المراهقات، بدافع تحسين وتقويم سلوكهن وإجبارهن على إتباع نمط حياة أكثر تقييدا لتحركاتهن وحرياتهن وملبسهن.
كما يتم أيضا إرسال الفتيان بحجة الابتعاد عن جو الأصدقاء السيئين والمجرمين ، المدمنين.... الخ. حسب الإحصائيات والمعلومات الكثير من الشباب والفتيات الذين يمارسون الجريمة من خلال شبكة العصابات والإجرام ، هم الذين عاشوا طفولة صعبة داخل أسرهم، او تعرضوا الى أجواء العنف والضرب وعدم الأمان، إضافة الى ضعف وانعدام الحب والمودة والاحترام داخل الأسرة .
أتفهم في ان بعض الآباء والأمهات اعتادوا على تقويم سلوك الأبناء، تحديدا الفتيات، بنفس الطريقة التي تربوا عليها في الصغر في بلدانهم ويعتقدون إنها الأصح والأنسب ويقومون باستخدام درجات مختلفة من العنف الجسدي والنفسي ، دون مراعاة لتغير الظروف والتطور الاجتماعي في البلدان الجديدة التي انتقلوا إليها، وحاجة الأجيال الجديدة للاحتواء والتربية الحديثة لا العقاب الذي يدفعهم للبحث عن بيئة آمنة خارج الأسرة .


قصة حقيقية حصلت في سنة 2012 في الدنمرك

فتاة عراقية هي زينب الموسوي وكانت في السادسة عشرة من عمرها عندما تركها والداها في العراق في عام 2012، عندما ابلغها والداها أن العائلة ستقضي أسبوع عطلة نهاية السنة في دمشق - سوريا، زينب فرحت للفكرة بشرط أن تتمكن من العودة إلى المنزل والاحتفال بالعام الجديد مع أصدقائها في الدنمرك. لكن للأسف لم تكن عطلة أسبوع فقط ، بل أصبحت جحيم وصراع مستمر لخمسة أشهر لزينب لحين استطاعتها العودة إلى الدنمرك. حيث أرسلها والداها الى العراق إلى أجل غير مسمى لغرض إعادة تربيتها لتكون فتاة شرقية جيدة وتتعرف على العادات والتقاليد المحترمة والرصينة! . للعلم انه تم فرض الحجاب علي زينب وهي كانت في التاسعة من العمر ، لكن زينب كانت متمردة وخلعت الحجاب حين بلغت سن 13 عامًا، زينب تعرضت لضغوطات نفسية كبيرة جدا لأنها كانت تتصرف بعفوية كشابة مثل أي شابة من صديقاتها وفي عمرها في الدنمرك ، زينب تعتقد أن هذا هو السبب لإرسالها الى العراق دون ان يشتروا لها تذكرة العودة إلى الدنمرك.
كتبت زينب في كتابها تحت عنوان "السماء فوق سقف أبي" باللغة الدانمركية حول ما عانت منه عندما كانت في السادسة عشر من عمرها وكيف تم تسفيرها القسري الى البلد الأم لإعادة تربيتها لمدة خمسة أشهر لأنها أصرت على التمتع بنفس الحرية التي تتمتع بها صديقاتها الدنماركيون. زينب الموسوي البالغة من العمر 22 عاما الآن وقفت وحاربت ضد الأفكار والممارسات التي كانت تهدف الى سلب حريتها الشخصية وإعادة تربيتها بشكل متحفظ ورجعي وبعيد عن التربية الحضارية والمتمدنة كما هو موجود في بلد أوربي مثل الدانمرك.
تروي زينب قصتها في كتابها ، كيف تبدو الحياة اليومية للفتيات اللواتي يعشن في بلد مثل العراق و في عائلات مسلمة متحفظة و التقليدية جدا ويتم فيها حرمان الفتات من ممارسة حقها قي الخروج، الدراسة، اللبس، وحق اختيار الشريك في حياتها الزوجية ، انه مجتمع يتناقض مع التفتح الحضاري و المدني التي تعودت عليها زينب في الدانمرك و تقول زينب للأسف والدي و ووالدتي لن يشعران أبدا إنهما ارتكبوا خطا كبيرا بحقي و بحق طفولتي ، في نظرهم ، لقد بذلوا قصارى جهدهم للعناية بي وبشرفي وخاصة شرفهم وكان هدفهم ان يتم تربيتي لأكون فتاة جيدة و محترمة ، لا تخرج مع أصدقائها و صديقاته، لا تحتفل، لا تشرب، و تلبس ملابس محتشمة و ليس لديها إي شي آخر سوا الذهاب الى المدرسة و العودة الى المنزل لحين ان يأتيها فارس الأحلام الشرقي و تتزوج.

للعلم ان عائلة زينب رحلت إلى الدنمرك وهي تبلغ من العمر عامين، وكانت العائلة هاربة من الحكم الديكتاتوري لنظام صدام حسين ، وانتهى بهم الأمر في السكن في منطقة لا تعيش فيها جاليات أجنبية مهاجرة . دخلت زينب إلى روضة الأطفال، وذهبت إلى المدرسة وكانت المهاجرة الوحيدة في الفصل، وسُمح لها في البداية بالانضمام إلى الرحلات المدرسية ،. في عطلة نهاية الأسبوع تم إرسالها إلى مدرسة تحفيظ القرآن ومدرسة اللغة العربية.
وتقول زينب عن فرض الحجاب عليها وهي في التاسعة:
أعتقد أنني تعبت من التصرف بطريقة ليس أنا، كما أنني لم أشعر أنني أفعل ذلك بشكل صحيح لأنني كنت أركض بغطاء للرأس وملابس محتشمة، عندما بلغت سن المراهقة ، أحسست بمرارة فظيعة لان جميع صديقاتي كان لهن الحرية فعل كل شيء، ولم يكن لي حق ان أفعل شيئًا. كنت أرغب أيضًا في ترتيب شعري وتجعيده واستخدام طلاء الأظافر. قيل لي دائمًا أن ما أفعله خطأ، أردت حقًا أن أبدأ رقص الباليه أو أن أمارس رياضة الركض فقط - لم يُسمح لي بذلك أيضا، حيث هو حرام! الفتيات برأيهم لا يجوز ممارسة الرياضة او الرقص او الركض، لان الفتاة المسلمة والجيدة لا تفسد اسم وشرف أسرتها.
الآن زينب تقوم بإلقاء محاضرات عن حماية الفتيات والأطفال من العودة والتسفير القسري الى البلد الأم بهدف إعادة التأهيل والتربية ولها فيديو عن الموضوع منشور من قبل منظمة أنقذوا الأطفال في الدانمرك.
لايزال العنف الأسري يشكل خطرا كبيرا يواجه النساء والفتيات في المجتمعات الشرقية والعربية، وتعد هذه الانتهاكات والممارسات أمرا عاديا ومسكوت عنها، في إطار المنظومة الأبوية التي تستمد تأثيرها من العادات والتقاليد والتعصب الديني، وتقيد او لا يسمح للضحية بالإبلاغ ورفع الشكوى ضد معنفيها، مما يجعلهم يتمادون في الانتهاكات، في ظل قوانين قديمة منحت الرجل حق التأديب للزوجة والأولاد، وعدم تشريع قوانين حديثة لمناهضة العنف الأسري، بالرغم من الحملات الكبيرة للمنظمات النسوية والمدنية والحقوقية بهذا الشأن.


التأثيرات السلبية للإعادة القسرية

كأخصائية نفسانية في الشؤون الأسرية ادعوا جميع الآباء و الأمهات الى عدم إخضاع أولادهم و بناتهم الي هذا الضغط النفسي الكبير من خلال إعادتهم بشكل قسري الي البلد الأم لتعلم عادات و تقاليد البلد الأم، هذا برأيي سيؤدي الى تأثيرات سلبية كبيرة على شخصية أولادهم و بناتهم، ومن الممكن ان يصبحون متوتري الشخصية، تضعف او يفقدون الثقة بأنفسهم ويخلق لهم نوع من الإحساس بالنقص والدونية وسيؤدي الى صعوبة التأقلم مع بيئة المجتمع الغربي الجديد، انتم كأولياء الامور جلبتم اسركم الي بلد غربي ذو ثقافة جديدة مختلفة عن الثقافة الشرقية، بلدان موقعة علي ميثاق حماية حقوق الطفل-ة للأمم المتحدة وتطبقها بشكل كبير، وكمسؤولية منكم لابد ان يتربوا على الاقل وفق حدود مناسبة في ظل اطر التربية الحديثة في البلد الجديد.

كأولياء الامور حاولوا تربية أولادكم وبناتكم تربية حضارية مبنية على الحب والتفاهم والاحترام المتبادل ، علموا أولادك الجانب الايجابي من كلتا الثقافتين الشرقية والغربية ، اجعلوا من أولادكم وبناتكم أشخاص يثقون بأنفسهم ويستفادون من كونهم لهم ثقافة ولغة أخرى لصالحهم، ليكونوا أشخاص ايجابيين لذواتهم وللمجتمع وينسجمون ولهم انتماء للدولة التي يعيشون فيها ومع احترام الجوانب الايجابية في الثقافات التي أتوا منها.
برأيي ان تحقير او التقليل من أسلوب الثقافة والتربية الغربية عند اطفال المهاجرين، سيؤدي الي نتائج سلبية ومن الممكن ان يخلق لهم حاله من الكره والنفور من المجتمع الجديد وأحيانا كثيرة اللجوء الي إعمال التخريب والجريمة وخاصة من قبل الفتيان و في النتيجة السجن وعقوبات أخرى و ضياع او تعثر فرصتهم في ممارسة حياتهم كأشخاص أسوياء داخل المجتمع الغربي، او سيؤدي إلى لجوء الكثير من الفتيات إلى ترك أسرهم و العيش في بيوت الايواء تحت ادارة الجهات الحكومية المختصة بسبب الضغوط الاجتماعية الكبيرة المفروضة من قبل أسرهم.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة