من مذكرات امرأة مستورة

نادية خلوف
nadia_khaloof@yahoo.com

2021 / 7 / 14

ذلك الزمن الجميل ، لم يكن جميلاً إلا بعد أن مضى ، حيث المستقبل بلون القير ، وقد صحّ المثل:" مابتعرف خيرو حتى تشوف غيرو". . . .
تقول أمل : " أنا امرأة محسودة في كل شيء، يحسدونني على تعليمي، على زوجي، على ثروتي ، وعلى أنني لا أستحق، لكنني بدوري أحسدهم . أحسد جارتي أم دعبول ، ودعبول هو لقب ابنها وليس اسمه ، لقبه أبوه بدعبول كنوع من التّحبّب، لأنّه يتكوّر على نفسه . يعمل أبو دعبول على طمبر" عربة بثلاث عجلات" كحمّال ، وعمله جيد يستطيع أن يجلب الطّعام للعائلة من خلاله ، و تعمل أم دعبول في المنزل فلديها سبعة أولاد . أحسدها على زوجها ، وعلى حياتهما. هم ليسوا عائلة فقيرة ، بل ميسورة أكثر منّا ، لا يخلو منزلهم من الخبز على سبيل المثال ، أبو دعبول رجل حقيقي ، يؤمن بأنّ مهمّة الرّجل هي كفاية العائلة . تأسرني تلك الذكورة ، و أتمنى لو حظيت بذكر ، وليس بسيبويه!
أتيت بمثال عرضي لا علاقة له بالزمان و المكان، لكنّه حقيقي . أتحدّث عن زماننا عندما كنا " عايشين" .
لا أستطيع أن ألمّ بكل جوانب الموضوع ، لأنّه يحتاج إلى مجمّع أطباء مختصين بالجينات و السلوك، وعلم الجريمة ، لكن سوف أعرض ما أستطيع ، وحسب فهمي للأمور علكم تستنتجون !
ابتليت برجل مثقف ذكي. هكذا يصف نفسه ، وتصفه عائلته ، لم يجبرني أحد على الزواج به ، بل سعيت له، و اعتبرت نفسي قد انتصرت، سرت الشائعة أنني تزوجت بمثقف، وغنيّ!
لم أهتم لأمور كثيرة في بداية الزّواج، كل همّي أن أكون جديرة بزوجة مثقف ثوري ، لكن بعد أن أتى الأولاد أحتاج إلى الخبز و اللحم الحليب، أبحث عن المثقف ، ولا أجده . هو انغماسي أخذته الثقافة منّا ، حاولت تدبر الأمر بالدروس الخصوصية التي لا تكفي، أصبحت " و الحمد لله" أشتري اللحم و التّفاح و الأرز .
اشتريت البارحة كيلو من اللحم ، أخجل أن أشتري بالأوقية و أنا غنيّة . طبخت بربع كيلو طبخة المحشي، ودعبلت الباقي على شكل كرات صغيرة وزعتهم في الثلاجة بين أكياس الخضار المثلجة كي لا يأكلهم المثقف، فعندما يأتي في آخر الليل يبحث عن اللحم حتى لتظنّ أنّه كلب لاحم.
كنت مطمئنة أن طنجرة المحشي سوف تكفينا يومين، ومن ثم أرش اللحم الباقي على الطعام كالبهارات، فيكفي لعدة أسابيع. . في بعض الآحيان أصنع لابني ، أو لابنتي شطيرة فيها رائحة اللحم والكثير من البقدونس و البصل حيث أزرعهم في حديقتي. أتت ابنتي من المدرسة ، أردت أن أفاجئها بلفة كبيرة من اللحم و البقدونس ، ولم أر دعابيل اللحم . أكلهم المثقف، وعندما عاتبته قال: أنا أحتاج للغذاء، للأولاد مستقبلهم .
عندما يشتري لنا أدوات المنزل أبيع قطعة من الذهب المتبقي لدي و أعطيه كي يجلب لنا تلك الحاجة ، فنحن في بيئة تفقد فيها المرأة احترامها لو كانت يقظة للحياة. اشترى لنا براداً" على عيبو" وغسالة "على عيبو" ، أخزن الخضار في ثلاجة البراد، وفي كانون يظهر عيبه ، فيحلّ البوظ ، و أرمي الخضار في القمامة ، ثم أجلس، أبكي و أحسد أم دعبول لأنها التقت برجل أحلامها .
في مرة اشترى من حسابه مدفأة حديثة وصفها بالإيطالية ، تلك المدفأة لها ثأر معي، فعندما ينزل الثلج تنفض في وجهي، تتقصد التنمر عليّ فأبكي، و يأتي، يعدني أنّه سوف يصلحها، وهو لديه أدوات للتصليح، فهو كمثقف يمارس هواية أيضاً، يستمر الطّق، وتفريغ المازوت بصواني المطبخ، والزمهرير يدخل من الباب المفتوح، فهو -حسب قوله- يكاد ينفجر من الشوب ، فقد شرب ليتراً من العرق ، ونهرب جميعاً إلى غرفة صغيرة ، ننام كأكوام اللحم، ويكون لدي في اليوم التّالي حفلة تنظيف ، وتبقى المدفأة معطّلة ، أقول له : لا بأس كلّها شهر ويدفأ الجو. أرجو أن لا تصلحها بعد الآن .
تحدّثت لكم عن الزمن الجميل ، لكن ما بعد ذلك الزمن كان لا يقارن، فقد قلّت الدروس الخصوصية ، و أصبح تحصيل الخضار و الزيت حلماً ، في ذلك الوقت كان أحد أولادي قد وصل إلى الجامعة، أصبحت أجمع له ثمن الدراسة، في مرّة خبأت ألف ليرة في صرّة الهدوم ، صنعت الفطائر ، و بحثت عن الألف ليرة لأرسلها لا بني في دمشق. سرقها !
بدأت أضرب نفسي ، أقول له: اخرج من بيتي ياحرامي . أجابني : هل لك بيت أيتها الفاجرة ؟ من أين لك المال؟
صمتُّ ، لن أطلّقه ، لو طلّقته سوف أكون خادمة عند أخي إن قبل، سوف يضيع أبنائي ، سوف يتنمّر عليّ المجتمع ، لكنّني أصبحت أكثر ذكاء : أسرق منه في الليل، مايسرقه منّي في النّهار ، و أزيد عليه القليل. البارحة مددت يدي على جيبه رأيت فيها سطرة خمسميات، سحبت أربعة منهم، وو ضعتهم في كيس الغذاء. ألم أقل لكم كان زمناً جميلاً . كنت أرسل لابني ألف ليرة للشهر ، لكن اليوم لا تساوي الألف ثمن كازوزة ، لا زلت أحلم باذكورة. رجل يشبه أبا دعبول. لو قدّر لي أن أعيش حياة أخرى لن أبحث عن المثقف ، بل عن الرّجل. . ."
وتستمر حكايات أمل !



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة