ناقصات عقل ودين ..ملاحظات وتساؤلات أولية

عمر بن أعمارة
omaramara@hotmail.com

2021 / 7 / 16

سوف لن ندخل من باب القراءات التأويلية للنصوص ولن نخوض في صحة الحديث من عدمها، بل كل ما يهمنا في الأمر هو ذلك الركام من التفاسير والشروح العصرية التقليدية، تلك الترسانة الضخمة من التبريرات حيث يحضر تزكية وتكريس دونية المرأة كهدف استراتيجي مرسوم مسبقا والتي تسعى جاهدة لتثبيت نصوص لم تعد حيّة وذلك عبر إيجاد تفاسير"واقعية"، "منطقية" قابلة للهضم "العقلاني".
هدفنا الأساسي في هذا المقال هو مساءلة تلك العقول الترقيعية التي تعمل من أجل تقديم حلولا لمشاكلنا العصرية الحديثة عبر نصوص صيغت لزمن مضى ولم يعد زمننا، مع السعي الحثيث لإيجاد صور وصيغ قابلة للاستعمال العقلي والمنطقي وبالتالي الاستهلاك والاستساغة الحداثية، أي الدفاع والاستدلال بالعقل والمنطق والواقع عمّا هو لا عقلاني ولا منطقي ولا واقعي .
إن جوهر وأصل الإشكال الأساسي ليس في النصوص لوحدها رغم ما لها من سلطة تمارسها تحت مظلة العقيدة والمقدس والأصالة، بل أيضا في قيود العادات والمألوف و في عدم استعداد وجاهزية المجتمع للإقلاع والتوجه نحو المستقبل وفي تلك العقول التي تعمل متنكّرة تحت يافطة الأصالة حتى لا تكسد تجارتها ولتجد لها موطئ قدم ومكانة تحت سقف العصر وكي لا تهمش وتقصى وخوفا من أن يلفظها التاريخ.
(النساء ناقصات عقل ودين...)، ماذا تبقى بعد ذلك ؟ أي بعد سحب لُبّهن والإقرار لهن بل العمل على إقناعهن تحت راية العقيدة والملّة بالنقص وعدم الاكتمال في عقولهن ودينهن -ما يؤرقنا هو حينما تنتصب نسوة للدفاع عن كل ما يخدش إنسانيتهن تحت مبرر العقيدة وعدم الخروج عن ثوابت الأمة-.
لماذا الحديث مع سابق إصرار وترصد عن النقص في العقل والدين عند النساء هكذا في المطلق ؟ ألا توجد نساء أكثر اكتمالا ونضجا ؟ لماذا اختزال الدين في شقّ كمّي من الشعائر (الصلاة والصوم) والعقل في طغيان العاطفة ؟ حينما نتحدث عن النقص وعدم الاكتمال في العقل عند النساء هل بالمقابل هناك عقل غير ناقص ومكتمل ؟ ومن يمتلكه ؟ أليس النقص هو السائد والاكتمال هو الغائب و هو المنشود؟ عندما نقرّ بعقل ناقص ملازم للنساء، أليس قصدنا تبرير وتكريس واقع مقصي ومجحف في حق نصف المجتمع ؟ عندما نحكم عن النقص في العقل ماذا نقصد: هل ضبابية في الرؤيا؟ هل غياب التحليل؟ هل غياب المنهج؟ هل غياب المنطق والحجج ؟ ماذا عن عقل يمتلك المنهج "القويم" وأدوات التحليل لكن تغيب عنه المعطيات والوقائع أو العكس؟ ماذا عن التسرع في اتخاذ القرارات أو عكس ذلك؟. هل هو فعلا ما يدعيه "العقل" الفقهي الدعوي والوعظي من حضور وطغيان العاطفة على "العقل النسوي" ؟ في كلامنا عن النقص يقابل الأمر اكتمال ونضج ما، إذن النقص عند المرأة وأساسا في عقلها ودينها يقابله اكتمال ما، فأين يقع هذا الاكتمال وهذا المرجع والمعيار؟ ومن هو صاحب الاكتمال في العقل والدين ؟ بالضرورة الرجل، لأن لا عنصر ولا جنس ثالث حاضر معنا في هذا العالم-حتى الجن، عادة لا يستحضر كعنصر للمقارنة والقياس والإشهاد وبالتالي لا يصلح لترجيح كفة ما على أخرى-. فهل يجوز لنا أن نجعل هنا الرجل هو المرجع والمعيار ووجهه القبيح والمظلم "الذكورة"، هي الخصم وهي الحكم؟ وإن كان هو كذلك فلما لا يكون العكس وتكون المرأة هي المرجع والمعيار؟ فنحن هنا في حالة "منازعة"، إذ "المرأة" تنازع "الرجل" في ما يدعيه من أحقيته في امتلاك واحتكار المرجعية لوحده، إذن لابد لنا من عنصر ثالث خارج الجنسين كي نحتكم إليه وهذا العنصر يستحيل إحضاره. إذن لماذا نتحدث عن النقص عند المرأة الذي يقابله الاكتمال عند الرجل وليس العكس؟ بل لماذا استعمال لفظ "نقص" ولا شيء آخر ؟ ولماذا لا نقرّ بالاختلاف والتنوع بدل النقص مادام الطرفان يشكلان المجتمعات البشرية بالتساوي ويكملان بعضهما البعض كل حسب إمكاناته وقدراته ووظائفه؟ إذا افترضنا أن المعيار ليس الرجل فمن سيكون ؟ وأي آليات للقياس ومن سيقيس وعلى ما سيقيس؟ هل الأعمال والانجازات التاريخية ؟ كأن يقال مثلا أن ما ورثناه من الحضارات البشرية إلى حدود حاضرنا تبدو عليه بصمات الرجال طاغية مع غياب لبصمات قوية للنساء. لكن من الموضوعية والعدل أن نقول لا قياس ولا تحدي بين الحاضر والغائب، إذ ليس بصمات النساء هي الغائبة بل هن المُغَيَّبات فكيف ننتظر من المُغَيّب المُدَجّن والمسلوب الإرادة أن تحضر أعماله، والتحدي يتطلب المضارعة وتكافؤ الفرص؟. في الشّق الديني، لنفترض أن المعيار ليس هو الرجل بل الكم وليس الكيف في الشعائر الدينية (الصلاة والصوم)، إذ أن المرأة عندما تكون حائض أو نافس، المشرع رخص لها أن لا تصوم وأن لا تصلي هنا يكمن نقصان دينها على المستوى الكمّي، ولماذا لا نتحدث عن النقص في الدين عند الرجل حينما يكون مريضا أو على سفر فقد رخص له المشرع ألا يصوم هو أيضا ونحن هنا أمام نفس الواقعة، إذ هناك من هو مصاب بمرض مزمن ولا يصوم بالكل، هل يدخل في خانة ناقصو دين؟ بل لماذا لا يعتبر كذلك ؟ ولماذا لا يقال له أنت ناقص دين؟ فالمرض والسفر كما الحيض والنفاس وجدوا قبل أن يوجد الإسلام نفسه في واقع الناس. لماذا لا نقول عن الرجال المسلمين الأثرياء الذين لا يؤتون الزكاة في حدود شروطها، ناقصو دين مثلا، بل حتى على النساء ؟ إفطار المرأة في رمضان وعدم أدائها للصلاة وهي حائض أو نافس هل هو نقص في دينها أم هو من واقعية الدين ويسره ؟. إذا كان نقص عقل المرأة كما يروّج "العقل الفقهي الوعظي والدعوي" ناتج عن استعمالها للعاطفة فلماذا نعتبر الأمر نقصا ؟ ولماذا نتحدث عن النقص وليس عن العقل المكتمل الممزوج بالدفء والحنان مقابل العقل الجاف البارد والقاسي ؟ هل حضور قسط من العاطفة في العقل من النقص أم من الاكتمال ؟.أليس جزء من آلام الإنسانية جمعاء ناتج عن العقل الذي تغيب عنه العاطفة النبيلة ؟ مادام أن حضور العاطفة وربما "طغيانها" في أمور العقل هي من النقص في العقل ولا شيء غير ذلك، فماذا عن الحاكم أو المسؤول أو القاضي حينما تعرض عليه قضية فساد أو جريمة ما ويكون الفاعل المتورط فيها هو من أصوله أو أقاربه أو معارفه ويعمل جاهدا على تجاوز القانون من أجل تبرئة الفاعل، هل هنا حديثنا سيكون عن العاطفة التي طغت على العقل وجعلته يتخطى القانون، أي عن النقص في العقل أم سيكون عن الفساد والمحسوبية والعلاقات الزبونية ؟
عندما نقرّ بالنقص في الدين فنحن نقر بعدم الاكتمال وفي غياب الاكتمال يكون الجزاء أقل، فهل وارد في الدين الإسلامي ما يفيد أن جزاء المرأة أقل من جزاء الرجل لعدم الاكتمال في دينها ؟
لنقرّ أن الطبيعة البيولوجية ووظيفة المرأة تجعلها تحيض وتنفس وحضور النص الملزم والمرخّص والميسّر لها هو ما حال بينها وبين أن تمارس شعائرها (الصوم) بشكل مستمر و(الصلاة) بشكل منتظم مع النقص في الكم، إذ ليس كما هو الأمر عند الرجل (100%).في هذه الحالات هل نحن أمام المضمون المطلق لعبارة (النساء ناقصات دين) أم المقيد ؟ إذا كان مطلق إذن كل النساء دون استثناء وعبر الأزمنة هن ناقصات دين.هنا سؤال يلازمنا : ماذا عن نساء وصلن سن معينة حيث ينقطع عنهن دم الحيض ولن يلدن بعد إذ لحظتها سيصمن ويصلين بشكل مستمر ودون انقطاع، هل في هذه الحالة سنتحدث عن النقص في الدين عند هذه الفئة العريضة من النساء ؟ ماذا عن النساء اللواتي يلدن لمرات عديدة هل لحظة الحمل المستمرة عندهن لمدة تسعة أشهر والتي تتكرر للعشرات من المرات ستجعلهن مثلا أقل نقصا في الدين من اللواتي لا يلدن بالمرة أو اللواتي يلدن مرة أو مرتين في أقصى تقدير ؟ ماذا عن اللواتي لم يحضن بعد ؟. مما يعني أن النقص الكمّي في الدين يعني النساء من بداية الحيض إلى انقطاعه بالمرة بالتقريب (ما بين سن 12وسن50). إذن الجملة: (النساء ناقصات دين...) وجب تقييدها.
إن مبتغانا الأساسي هو مقارعة تلك الشروح والتفاسير التي تشتغل تحت مبدأ المصادرة على المطلوب وهمّها هو العمل على إنقاذ نصوص ساكنة عبر ترميمها وتسويقها تحت حلّة عصرية، نصوص لم تعد أفقا لأي رؤية مستقبلية للعالم ولم تعد صالحة لأن تحدث العصر، بعد أن نخرتها التحولات الكبيرة التي شهدها التاريخ الحديث وكشف الواقع عن حدودها وعن عدم قدرتها وقابليتها للاستمرار.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة