الإغتصاب

المنصور جعفر
almanssour@hotmail.com

2021 / 12 / 23

يسهم هذا النص في التنبيه إلى موضوع "الاغتصاب الجنسي" وممارسته في صراعات السودان السياسية وخاصة ممارسته في أكثرها مأساوية هو الصراع في دارفور، حيث يؤشر هذا النص إلى بعض الظروف التي تلد ممارسات الإغتصاب وبعض الظروف التي قد تخفض ممارسته.

دفع إلى تشكيل هذا النص أمران: الأمر الأول هو تكرر البيانات المجتمعية والسياسية عن حوادث الإغتصاب في دارفور، وهو ما يوجب إوضاح بعض صراعات ذلك الإقليم الذي تشبه مساحته مساحة فرنسا، والأمر الثاني هو تكرر دعوات الإتحاد النسائي السوداني إلى التعريف بشؤون هذه الأزمة وفظائعها والإسهام في إنهائها.



1- بعض معالم الأزمة المحيطة بحوادث الإغتصابات في دارفور:

تتمازج في دارفور ستة أزمات يمكن تفصيلها كالآتي:

1- الجهود الإمبريالية العنصرية لتفتيت وإضعاف مجتمعات إفريقيا والشرق الأوسط لتجنب مزاحمتها وترسيخ تبعيتها ولتسهيل إستعمارها أو إفناءها مستقبلاً بداية بدفعها إلى تقتيل بعضها بعضاً.

2- أزمات الحدود الإستعمارية وتقسيمها مجتمعات إفريقيا إلى دول ذات مركزية إثنية وثقافية مضادة للإثنيات الأخرى في نفس الدولة وفي إمتداداتها في دول الجيران، مما سهل سريان النزاعات من دولة إلى أخرى. وبحضور عوامل دولية وإقليمية وبيئية وإقتصادية سياسية تأججت نزاعات بين حكومات الإثنيات الزراعية النشاط والمدينية النشاط والمجتمعات البدوية العربية وانتشرت بكل تفاعلاتها وضرباتها ومعاركها ونازحيها في دول السودان الفرنسي ثم في السودان البريطاني،

3- الصراع الطبقي في السودان وجيرانه خاصة حول السلطة المركزية وسياساتها الاقتصادية المعززة إقتصاد التعاملات الحديثة في المدن ونشاط الحكومات وصندوق النقد الدولي بالضرائب الباهظة والأسعار المضادة للمنتجين وقطاع الإنتاج التقليدي، ما أبقى دارفور وما يشبهها من مناطق في الدول الإفريقية في فقر وعجز يمثل حالة "الإستعمار الداخلي"،

4- النزاع بين النخب المحلية داخل دارفور بين نخبة أنانية الحكم المركزي ونخبة أنانية شيوخ بعض العشائر بحضورهم في قرارات الحكم المركزي أو بغيابهم أو تغييبهم عنها، وكذا إنقسام النخبتين داخل دارفور بممارسات سلبية للسيطرة على الموارد أو لتجنب خسارات، وكذا نشاط النخبة الأمنية والعسكرية بين الفريقين فريق النخب الحكومية ومواليها وفريق النخب العشائرية والمليشيات، إضافة إلى أنشطة عملاء الدول الأخرى وعملاء الدول الإمبريالية..

5- الصراعات بين فئة الزُراع وفئة الرعاة وكذلك داخل كل فئة وإرتباطه باوضاع ونزاعات قبيلية وعشائرية وفتن عنصرية قديمة أو جديدة، وهي صراعات مواشجة للوضع البيئي وتغيرات المناخ، ومواشجة للفروق بين المناطق الكثيرة المياه والعشب والمناطق التي تعاني الجفاف، وما فيهم من عشائر،

6- التنافس التمهيدي بين المصالح الإمبريالية الفرنسية والبريطانية للإنفراد مستقبلاً بالتحكم في الثروات المعدنية الهائلة.



2 - ضرورة الخروج من هول الصدمة إلى دراسة تخفيض أسباب الاغتصاب:
يحتاج إستقرار الاهتمام بموضوع الإغتصاب إلى إستدامة شغل تثقيفي بالفنون والندوات، وبنشر التعريفات المبينة لظروف وأشكال الإغتصاب في مجتمع النزاعات وفي المدن بداية من التحرش، وبيان حالاته وأسسه؟ أنواعه؟ وبعض نتائجه؟

لزيادة التوعية بالإمكان الإستفادة بمداخلة ثرية بسيطة الحجم واسعة المعاني في ندوة الإتحاد النسائي السوداني (لندن ديسمبر 2021) قدمها الأستاذ ديبي بكلام يؤشر معناه إلى "متوالية القهر" في الطبيعة والمجتمع، وأهمية المعالجة الشاملة.



3 - الخوف وتربية الخوف في المجتمع كأساس للإغتصابات:

(أ) أوليات تربية الخوف:
ترتبط بعض بدايات الإغتصاب بالتربية الأولية التي تنمي الخوف في نفوس الأطفال، أول هذه البدايات هي إعتصاب ذهن الأطفال بالتصورات الجاهزة الفوقية والسخرية من ردود أفعالهم وتصوراتهم بدلاً لتنميتها، كذلك ترتبط بدايات الإغتصاب بتأثير الألعاب الإقصائية الأسلوب على تشكيل شخصية الطفل بتنشئته على حب أن يكون قاهراً، أيضاً تكرار قهر حق الأطفال في الرفض ووصم رفضهم ومخالفتهم التوجيهات بأنه قلة أدب وسوء طبع، ومعاقبتهم عليه وهو قهر يجعل الأطفال خاضعين لكن متطلعين إلى لعب دور القاهر الذي عرفوه في شخصية والديهم، كذلك تسخيف اختيارات الأطفال بدلاً لمناقشتها! هذه الظواهر المألوفة تتلاقى مع ظواهر أخرى وتؤدي معها إلى تكوين جاهزية إغتصابية على النحو الوارد في الفقرة التالية


(ب) مدعمات تربية الخوف:
تمثل الظواهر الواردة أعلاه حالة بالإمكان تسميتها "التربية بنظام الأوامر والطاعة" وهي ظاهرة في عالم تنشئة الأطفال تترابط مع ظواهر تربوية سالبة أخرى كظاهرة تبخيس وتسخيف الخيال بدلاً لإستثماره، وظاهرة تكرار منع الانتقاد أو تسخيفه بدلاً لتنميته واستثمار مضمونه.


(ج) تكون الإستعداد القهري:
تشكل كل هذه الظواهر حالة لتربية الخضوع وهي بذاتها تربية تبطن القهر وتخزنه في نفس الطفل، ومن ثم تصير معالم القهر جزءاً من شخصية كل إنسان وتنشأ حالة إضمار لهذه المعالم القهرية في كثير من الممارسات، وتظهر منها حالة جاهزية وعدم وجل في نفس المغتصب من ممارسة بعض الأمور القهرية في أفعاله أو كلامه أو شتائمه ولا تجد في نفسه بكلامه وازعاً من إرتكاب جريمة الإغتصاب.


(د) المجتمع المقهور = المجتمع القاهر:
تؤدي الأشكال التربوية المشبعة بالقهر إلى نوع من الحياة يعيش فيه الناس في خوف مستدام من كل أشكال العقاب والقهر

تنتشر ظواهر الخوف في مجتمع الإغتصابات في أشكال متنوعة أولها التخويف بغضب الله بدل الأمل في توفيقه وتيسيره وعنايته! خوف من غضب وعقاب الوالدين! خوف من سخرية أو من بطش الأقران! خوف من المعلم ومن رأيه السلبي ! خوف من كلام الناس! خوف من زعل الحبيب! خوف من زعل المالك أو المتحكم! خوف من التجريب! خوف من التعبير عن المشاعر! خوف من الفشل! خوف من السؤآل! خوف من مخالفة الرأي السائد! خوف من زعل المتحكمين وبطشهم ! خوف من الإختلاف أو من التوافق مع وضع ثقافي! خوف من قراءة بعض أنواع الكتب! خوف من فنون معينة! خوف من أراء دينية! خوف من آراء سياسية! خوف من الجنس الآخر، توجس وخوف من الأغراب! خوف من القبيلة الأخرى ! خوف من المجتمع الآخر! خوف من المستقبل!

كل هذه الأنواع من الخوف تنتج "مجتمع ترضيات" أما الصحة والسلامة الثقافية والاجتماعية والسياسية فيلزم لتحقيقها تقوية ثقافة التفاهم والتعاون




4- حاجات ثقافية:

تؤدي معرفة عوامل الإغتصاب أو عوامل تخفيضه إلى تحسن إدراك المجتمع للظاهرة وكيفية مقاومتها ولعل أهم حاجات تكوين هذه المعرفة:

1- الحاجة إلى معرفة بعض حالات "المراهقة" الطبيعية والمتأخرة الفكرية والجسمية ونشاطها في مناخ قهري/حربي ؟

2- الحاجة إلى معرفة طبيعة الإغتصاب؟ أو التهديد به؟ أو الشتم به؟ سواء المفرد أو كفعل مكرور؟ وكفعل حربي؟

3- الحاجة إلى معرفة وفهم طبيعة نتائج الحمل والولادة من العدو؟ وأنواع التعامل معها؟

4- الحاجة إلى معرفة وفهم طبيعة الإغتصاب الجنسي المتكرر العشائري، أو السياسي الحكومي العنصري الأساس؟

5- حاجة إلى معرفة وفهم المشترك في تاريخ وطبيعة التدين السياسي والاغتصاب الجنسي السياسي؟ (السبايا، كسر التترس، محاربة أعداء الله، إلخ)




-5- أداة مفيدة لدراسة شؤون الإغتصاب:
تحتاج بداية المعرفة المنظمة لأسس ونتائج الإغتصاب إلى استدامة رصد وإحصاء ومتابعة حالات الإغتصاب الجنسي بكل أشكالها خاصة الإغتصاب الجنسي السياسي، بداية بتشكيل موقع إحصائي لهذه الظاهرة.




6- محور مفيد في دراسة ظاهرة الإغتصاب والتوعية بأسبابها وفتح طرق علاجها:
العناية في الدراسات بإوضاح الإرتباط بين الاغتصابات والقهر المجتمعي، ودور القهر المجتمعي في توليد الإغتصاب الجنسي السياسي،. اي إوضاح أن القهر المجتمعي والقهر السياسي يولدان بعضهما ومنهما تنشأ كل أنواع الاغتصابات.



7- بعض أدوات العلاج:
الإهتمام بأنشطة التعليم وأنشطة التثقيف، والإهتمام بتأسيس وتنمية الحركة التعاونية للإنتاج الحرفي التي قد تحسن الصلات المجتمعية، الاهتمام بربط الأنشطة النسوية الإنتاجية والخدمية بالحكم المحلي وربطه بها. أيضا الإهتمام بجلب دعم تقني بالآلات من منظمات ودول، وتوفير إمكانات دعم ثقافي منها بالاستفادة من الجهود المضادة لقهر النساء، والجهود المضادة للقهر، وجهود بناء أو حماية السلام، وجهود زيادة مشاركة النساء في الأعمال التعاونية وجهود زيادة دور المرأة في الحكم الشعبي المحلي وعموم التنظيمات، الإهتمام بتنمية الإعلام والتعريف بالأزمة ومسارات حلولها وما يحدث فيها من فشل أو نجاح، وأيضاً تطوير القانون المجرم للإغتصاب بإزالة شرط "الشهود" من متطلبات إثبات جريمته والاكتفاء في إثباتها حدوثها بالمتوفر من قرائن ظرفية أو معملية.

من أسباب ربط الأنشطة النسوية المجتمعية والتعاونية بالحكم المحلي هو تنمية الحكم المحلي نفسه ولأن النساء يشكلن أكثر من نصف السكان الحاضرين في كل مجتمع محلي، ويستفدن من تنظيم المنطقة ومن مواردها في دعم أنشطتهن، وهن أساس وجود وتطور معيشة المجتمع المحلي خاصة مع نزوح الرجال للعمل خارج المجال السكني.


مختصر قائمة الأدوات:
1- التعليم والتثقيف،
2- الجمعيات الحرفية الإنتاجية،
3- تشبيك أنشطة البنات والنساء مع الحكم المحلي وانتخاباته،
4 - الدعم الوطني أو من الخارج بآلات وخبرات وأموال،
5 - تنمية الاعلام،
6- تطوير القانون.



هذه النقاط والأدوات أو تطويرها قد تساعد بعض أنشطة الإتحاد النسائي السوداني أو المتفرعة من جهوده أو الداعمة أو المتوافقة معها على تخفيض أسس القهر المجتمعي وإغتصاباته.
.
إنتهى هذا النص



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة