دون مزايدة

مجدي مهني أمين
magdi_mehanni@hotmail.com

2022 / 5 / 3

فعلا دون مزايدة!!

فالرجل اعتذر كتابة على صفحته ما يلي:
"اعتذر أنا د. علي محمود محمد أبوسعدة لنيفين صبحي شكري على ما بدر منى في حقها وقد قمت بتقديم اعتذاري لها في كنيسة سبك الاحد في حضور الأهل وكذلك رموز مركز القرية ونيافة القمص صموئيل، والنائب صابر عبد القوي، واؤكد على إننا جميعا كيان واحد وان أي حق لها قد قمت بتقديمه أمام الجميع مشمولا باعتذاري لها، وهذا اعتذار مني لها."

فقد ذهب الرجل للكنيسة، حيث عقدت جلسة المصالحة، وقبل بقرار لجنة المصالحة بدفع الغرامة المقررة؛ ردا لاعتبار نيفين صبحي وذلك لما بدر منه، فأبو سعدة صيدلي، وذهبت نيفين للصيدلية كي تشتري دواء لعلاج ابنها المريض، وهنا دار الحوار بين الصيدلي أبو سعدة ونيفين، حيث بادرها قائلا:
- استغفر الله العظيم، انت إزاي تطلعي كده مش محجبة؟ هو انت مش عارفة ان إحنا في رمضان؟

وهنا ترد نيفين:
- انت مالك؟

راح ضاربها بالقلم على وشها، حصل لنيفين ذهول من الموقف، فقالت له:
- انت إزاي تمد إيدك عليّ وتضربني!!

راح ضاربها القلم التاني، ذهبت نيفين لمركز الشرطة، كي تكتب محضرا بما حدث، وهنا تسرد نيفين تقاعس الشرطة في كتابة المحضر، كي تظل من الساعة 9 مساء وحتى الساعة 3 صباحا، في انتظار كتابة المحضر، ليحاول الظابط المختص إجبارها على الصلح، وعندما تُصرّ يكتب الظابط المحضر رقم 4986 بطريقة مخالفة لشكوى نيفين، ومطابقة لأملاءات محامي الصيدلي أبو سعدة. ويضع نيفين تحت ضغط التوقيع على المحضر أو المبيت بالقسم.

رغم كافة العقبات، نجحت نيفين في توصيل المحضر للنيابة وفي تغيير أقوالها بالطريقة التي تصف بها ما حدث فعلا، ونجح في المقابل أبو سعدة في عقد جلسة صلح بمشاركة راعي الكنيسة، كي يقدم اعتذارا، ويدفع الغرامة التي قررتها لجنة المصالحة، وينهي قضيته عند هذا الحد.

الكورة في ملعب نيفين، فلو قبلت الاعتذار انتهت القضية، ولو لم تقبل لاستمر الأمر بين يدي القضاء كي يتم تطبيق القانون، في كلا الاتجاهين الصيدلي معترف بخطأة، ولكن تبقى بلا مزايدة عدة تساؤلات، نحاول من خلالها أن تتفهم ما حدث،
- أولا:هل فعلا أمراة غير المحجبة يمكن أن تثير شهوات الرجل؟ هل فعلا ثارت شهوات الرجل فقام بصفع المرأة لانها أخرجته من عفته؟

الإجابة أن غالبا هذا لم يحدث، بل ليس من الطبيعي أن يحدث، فكلنا نرى الكثير من غير المحجبات في شهر رمضان وفي غيره من الشهور، وهو ما لا يخدش عفة أحد، بل هو وغيره يرون زوجاتهم طوال النهار داخل الأسرة، وفي الغالب غير محجبات وأيضا لا يخدش عفتهم، ونراهم في التليفزيون وكافة مسلسات رمضان، حياة عادية طبيعية، لا تخدش عفة أحد، بل تطرح في مضمونها السؤال حول الحجاب نفسه.

- هل فعلا الحجاب لصون العفة؟ أم هو زي ارتضه فئة معينة كي يكون رمزا وشعارا ونجحت في لحظات قوتها وإزدهارها في فرضه على عموم النساء في عموم بلدان العالم؟

وهنا من المرجح أن تكون ثورة أبوسعدة، هي ثورة الحفاظ على مظهر عام أكثر منها غضب لشهوة أثارها عدم تحجب أمرأة، ثورة من أجل مظهر يريده، أكثر منها ثورة من أجل ضرر وقع عليه وانتفض من أجله، المظهر والجوهر.

وقد تم صفع المرأة مرتين، والصفع هنا لأنها احتدت أكثر من كونها سافرة، ففي السفور وجه عتابه وملاحظاته، غالبا بطريقة حادة، لكنه في النهاية كان مجرد كلام، والأمر كان يمكن أن يقف عند هذا الحد، أما رد نيفين "وانت مالك!!" كان مدعاه للصفعة الأولى، "وإزاي تعمل كده!!" كان مدعاة للصفعة الثانية، هنا نجد أنفسنا أمام الفهم الأعمق لمعنى الذكورة لدى كافة المتشددين، أنهم كرجال في مرتبة لا يحق فيها للنساء محاججتهم أو الرد عليهم، رجولته ثارت كي يصفع إمراة تحاججه وتوبخه.

موقف ملتبس يعكس تكوينا منافيا للدين والرحمة والمودة والرفق، وغيرهم من صفات تدعو لها كل الأديان، فهؤلاء في تشددهم استبدلوا هذه المعاني بالغلو والغلطة والتجبر والتشدد، وكان هذا الصيدلي أفضلهم جميعا، لأنه فعلا اعتذر، يبقى أن يراجع نفسه كي يكون متدينا بحق، سمحا بحق، مستجيبا بحق لما تريده السماء منه ومنا جميعا، فكلنا على باب الله نبحث ونجتهد، والله يحاسبنا على نوايانا وافعالنا، وهكذا.

عليه أن يذهب بعد الإعتذار للمساحة الرحبة من التدين، ويهجر تلك المساحة المتشددة، وقتها نستطيع أن نقول "رُبَ ضارة نافعة."

ثم يأتي التساؤل الخاص بتقاعس، إو انحياز، رجل الشرطة:
- لماذا لم يبادر رجل الشرطة بعمل المحضر في أسرع وقت؟ لماذا أبقى نيفين، هي وزوجها وأمها، حتى الفجر في القسم دون السعي لكتابة المحضر؟
- لماذا حاول أن يكتب محضرا مخالفا لما تريده نيفين؟

للأسف تساولاتنا مع أبو سعدة يمكن أن تجد إجابات، بل أن اعتذاره المكتوب، يحسم الكثير من الأمور، ويترك الكرة في ملعب نيفين كي تسامحة، وفي ملعبه كي يعيد النظر في المعنى الحقيقي للتدين، ولكن تساؤلاتنا مع مركز الشرطة لاتجد إجابات.

- أبو سعدة قد اعتذر، ورجل الشرطة يستوجب المحاسبة.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة