الوقود غير النظيف للطهي.. يقتل ملايين النساء سنويًا!

فهد المضحكي
fahadalmudahki@hotmail.co.uk

2022 / 5 / 14

في مدينة دار السلام، العاصمة السابقة لدولة تنزانيا الإفريقية، تستيقظ «لوسيانا مانديا» كل صباح، تطبع قبلة على وجه طفلها الوحيد قبل ان تذهب إلى العمل داخل احد المحال التجارية، وحين ينتصف النهار تعود مسرعة إلى بيتها لتقضي عدة ساعات في طهي الطعام لأسرتها. وحسب المواقع «للعلم» - تم إعداد هذا التحقيق ضمن مبادرة مشروع للوكالة الفرنسية لتنمية الإعلام «CFI». الكاتبة هدى الحضري هي صحفية مصرية -، فإن لوسيانا 37 عامًا، اعتادت أن تستخدم الفحم النباتي كمصدر وقود أساسي للطهي، مثلها مثل غالبية السكان في مدينتها الذين يواجهون صعوبات اقتصادية جمة، لذا يعد شراء موقد بالغاز أو الكهرباء رفاهية لا يستطيعون تحمل ثمنها الباهظ. حين تطهو «لوسيانا» الطعام، يسبب الدخان الناتج عن احتراق الفحم لها تهيجًا في العينين والصدر ويدفعها إلى السعال، يزداد الدخان مع وجود أجزاء من الفحم لم يحترق جيدًا، لكنها مع ذلك، لا تستطيع أن تبتعد عن الموقد؛ إذ لا ينتج الفحم في أحيان كثيرة الحرارة الكافية لإنضاج الطعام، فتضطر إلى إضافة المزيد منه حتى تنتهي من الطهي. تشير الإحصاءات إلى أن تنزانيا واحدة من عدة دول يحصل فيها أقل من 5% فقط من السكان على وقود نظيف للطهي، وفقًا لتقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية في يونيو الماضي، وجد التقرير أيضا أن أعلى عشرين بلدًا تعاني هذه المشكلة، تضم 81% من سكان العالم المحرومين من إمكانية الحصول على وقود الطهي النظيف وتقنياته، ويأتي في مقدمة هذه الدول: جمهورية الكونغو وإثيوبيا ومدغشقر وموزمبيق والنيجر وأوغندا وتنزانيا.

في البلدان النامية، ترتبط أدوار الطهي وجمع الحطب وإعداد الوقود بالنساء ارتباطًا وثيقًا، مما ينعكس بٱثار خطيرة على صحتهن وعلى حياتهن الاجتماعية؛ إذ يسبب الطهي باستخدام النيران المكشوفة الملوثة بوقود الكيروسين والفحم والحطب والمخلفات الزراعية تلوثًا للهواء الداخلي في المنزل، ينتج عنه عدة أمراض، على رأسها الالتهاب الرئوي، والسكته الدماغية ومرض القلب والانسداد الرئوي المزمن وسرطان الرئة، ما يؤدي إلى وفاة نحو 3.8 ملايين شخص سنويًا، وأغلب الأثر يقع على النساء والأطفال، وفق منظمة الصحة العالمية. «لوسيانا» واحدة من ضمن 2.6 مليار شخص في العالم ما زالوا يطهون طعامهم بوقود ملوث، إذ لم تستطع تحقيق حلمها البسيط في الحصول على موقد يعمل بالغاز حتى توفر الوقت الطويل الذي تقضيه في صنع طعامها، وحتى تنجو بصحتها من المتاعب، أما حلم الكهرباء فهي لا تملك رفاهية التفكير فيه، لأنها لا تتخيل تحمل كلفته الباهظة. حين يحترق الوقود الصلب داخل المنزل ينتج عنه جسيمات دقيقة تخترق الأغشية المخاطية بالجسم وتدخل إلى الدم مسببة الإصابات بامراض الدماغ والجلطات واضطرابات الجهاز التنفسي، مما يؤدي إلى الاحتقان والسعال والتهابات العين، كما تقول راجية الجيزاوي - مسؤولة ملف الصحة والبيئة في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية - ونظرًا إلى النساء والأطفال يقضون عادة وقت أطول في المنزل، فهم إذا الفئات الأكثر تعرضًا وتأثرًا بهذه الأمراض، بالإضافة إلى تحملهم الأعباء المتعلقة بجمع الحطب من أجل عملية الطهي واحتمالات تعرضهن للعنف أو التحرش الجنسي في أثناء رحلاتهن من أجل جمعه. وفقًا لـ«الجيزاوي»، هناك علاقة مثبته بالأبحاث العلمية بين تلوث الهواء واحتمالات الإصابة بامراض سرطان الرئة والحساسية الصدرية، وتزيد درجة الخطورة داخل المنزل؛ لأن الهواء لا يتجدد بما يكفي مقارنة بالهواء خارج المنزل، في الوقت ذاته، يحمل التلوث المخاطر للجميع، ويسهم الوقود الأحفوري في زيادة هذه الانبعاثات الكربونية ويؤدي بالتالي إلى رفع معدلات التلوث. هذا المصير واجهته شقيقة «لوسيانا» الصغرى بعدما أصيبت بمرض رئوي نتيجة استنشاق دخان الفحم بكثافة، إذ تعمل في طهو «الكسافا» (نبات يشبه البطاطا) باستخدام الفحم والأخشاب ثم تبيعها للعابرين، ويحذو حذوها ٱلاف النساء في مدينتها، حيث يقضين ساعات طويلة في طهي الطعام والمخبوزات بالطريقة ذاتها لبيعه في محطات المواصلات العامة والأماكن المزدحمة ليكسبن عيشهن.

في أزمة الطهي غير النظيف، لم يقتصر عدم الإنصاف الذي تتحمله النساء على الٱثار الصحية، بل يشمل أيضا استهلاك وقتهن في عملية جمع الوقود وتحضيره والسفر إلى مسافات طويلة أو ربما التنقل بين التضاريس الصعبة لجمع الأخشاب ثم تقطيعها، أو لصنع كرات الروث وإعداد المواقد، كما يشمل أيضا عملية تنظيف للأواني وغسل الملابس بعد الانتهاء من الطهي، كما يرى تقرير شارك فيه «تحالف الطهي النظيف» و«البنك الدولي» وعدة جهات أخرى. التقرير الصادر نهاية مارس الماضي، أجرى تحليلاً جندريًا في سبعة بلدان إفريقية فوجد النساء يقضين في المتوسط 2.7 ساعة يوميا في الطهي مقابل 0.35 فقط من الساعة للرجال، وهو ما يظهر حجم المسؤولية الملقاه على عاتقهن، ووافقه الرأي تقرير لمنظمة الصحة العالمية رأى أن استخدام الوقود غير النظيف يخل بالإنصاف المجتمعي للنساء؛ إذ يسبب جمع الوقود أضرارًا عضلية، ويستقرق قدرًا كبيرًا من أوقاتهن، مما يمنعهن من أداء أنشطة مجدية أخرى، مثل إدرار الدخل، وقد يواجهن في أثناء ذلك مخاطر التعرض للأذى البدني والعنف. هذا التأثير يمثل جزءًا من معاناة «لوسيانا»، التي ينقسم يومها بين العمل ومهماتها المنزلية، إذ تضطر إلى بذل وقت أطول ومجهود إضافي لطهو طعامها بالطريقة التقليدية، في حين كان يمكنها أن تحظى بساعات إضافية لإنجاز المهمات المنزلية الأخرى أو الترفيه أو اللعب مع طفلها لو كان لديها كهرباء أو موقد غاز. أكثر من 40% من سكان العالم لا يمكنهم الحصول على وقود نظيف للطهي، و10% منهم لا يحصلون على الكهرباء، وفقًا لياتريشيا إسبينوز، الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وهذا يصاحبه ٱثار مؤسفة على صحة النساء والأطفال والبيئة التي يعيشون فيها. يتكبد العالم خسائر قيمتها 2.4 تريليون دولار سنويًا بسبب وقود الطهي غير النظيف، ويرتبط أكثر من نصف هذا المبلغ بالٱثار الصحية، كما يتكبد 0.2 تريليون دولار كٱثار مناخية، و0.8 تريليون دولار كإنتاجية مفقودة من النساء، وفقا لتقربر البنك الدولي عن الوصول إلى خدمات وقود الطهي في عام 2020. في بلدة «لوسيانا»، يبلغ متوسط سعر صفيحة الفحم الصغيرة نحو نصف دولار، أي أنها تنفق شهريًا نحو 15 دولارًا لشراء الوقود للطهي، وهو الثمن الوحيد الذي تستطيع تحمله مقارنة براتبها الشهري، لذا لا تحتاج النساء في بلدتها إلى إتاحة الوقود النظيف فقط، بل يحتجن إلى تمكينهن اقتصاديًا ليصبح شراؤه واستخدامه أمرًا محتملاً وليس بعيد المنال.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة