النساء الحمالات بين مطرقة الجوع وسندان معابر الموت

نساء الانتفاضة
nisaa.alintifadha@yahoo.com

2022 / 6 / 28

تشكل النساء الحلقة الأضعف من حيث الوضع الاجتماعي، فديمومة تأنيث الفقر وسطوة الاستغلال في دائرة الانتاج وإعادة الانتاج هي العنوان العريض الذي يؤطر أوضاع النساء عالميا.
وفي ذات السياق سنتوقف عند ملامح من الحيف اليومي الواقع على النساء الحمالات في المغرب، وهو ما أصبح يعرف اليوم بظاهرة “النساء البغال".
تبدأ عملية انتظار الدور في المعبر الحدودي المخصص للمشاة على الهضبة الرابطة بين البحر المتوسط وبين مدينة الفيندق المغربية وسبتة المحتلة، تدخل النساء المنطقة التجارية التي أنشئت سنة 2004 مع الساعات الأولى من الصباح. مهمة النساء هنا هي نقل البضائع وتنفيذ التعليمات.
تحمل النساء البضائع على ظهورهن المقوسة، بعدما لفت في أكياس طويلة كبيرة الحجم ومربوطة بعناية كبيرة لا تحضي النساء ولو بجزء صغير من تلك العناية.
في كل يوم تخرج فيه النساء الحمالات للعمل يتهيأن لمواجهة الموت المحدق؛ فشروط اجتياز المعبر خطيرة جدا، وانعدام ظروف العبور الآمن أدت سنة 2018 الى وفاة امرأتين على أعتاب المعبر الحدودي، في حين لفظت المرأة الثالثة أنفاسها نتيجة تدخل الحرس المدني الإسباني.
يصل أحيانا وزن البضائع التي تحملها النساء بين فوق ظهورهن المتعبة إلى 100 كيلوغرام، مقابل أجر يحدد في 100 درهم وفي أحسن الأحوال يتعداه بدراهم معدودة.
يحكم على هؤلاء النساء بالاشتغال مدى الحياة لتأمين القوت اليومي دون الاستفادة من الحماية الاجتماعية أو الصحية.
إن الأوضاع الدونية لاشتغال النساء المغربيات في نقل البضائع صورة مصغرة عن جشع الرأسمال الذي يدوس كرامة النساء ويهين كينونتهن من خلال فرض هذه المهن الماسة بالكرامة. ولقد شكلت حوادث الموت ضغطا نسبيا دفع الى توزيع عربات يدوية تعين النساء، وتم تحديد وزن البضائع في 70 كليوغرام كحد أقصى للنساء و 80 كليوغرام كحد أقصى للرجال. غير أن هذه الإجراءات تظل حبرا على ورق أمام جشع المستفيدين من استغلال النساء في معابر الموت، وأشارت الإحصائيات إلى أن التهريب المعيشي يشكل 70% من النشاط الاقتصادي بسبتة، وبلغت عائداته سنة 2015 25.7% من ميزانية المدينة، إضافة إلى أن 46% من واردات المدينة نفسها يتم تحويلها الى صادرات توجه للداخل المغربي بما تبلغ قيمته 405 مليار سنتيم سنويا.
وحسب اللجنة الاستطلاعية للبرلمان المغربي، فإن المعبر الحدودي يستقطب ما يقارب 3500 امرأة يمتهن التهريب المعيشي إضافة إلى 200 طفل قاصر يزاول نفس هاته المهام.
وسجلت نفس اللجنة أن طوابير النساء تمتد لمئات الكيلومترات.
مشاهد البؤس بصيغة المؤنث هي صور يومية، تظهر النساء العزل وهن يبتن في العراء، ويكابدن سوء المعاملة، وأحيانا يلجأن لاستعمال الحفاظات لقضاء حاجتهن خوفا من ضياع فرصة الدخول الى سبتة.
تجمع بين هؤلاء قواسم هي الفقر والهشاشة والأمية، فضلا عن كونهن معيلات لأسرهن، وتترواح أعمارهن بين 18 و 50 سنة، مع وجود فتيات قاصرات يخضن غمار تجربة الموت هاته مع أمهاتهن لاكتساب الخبرة والاستعداد لامتهان هذه الحرفة المهيمة، نظرا لكونها مصدر القوت الوحيد المتاح.
وارتباطا بالوضع العام بمدينة الفنيدق التي تنحدر منها أعداد كبيرة من النساء الحمالات، اندلعت بتاريخ فبراير 2021 احتجاجات شعبية مطالبها الأساسية هي توفير بديل اقتصادي وضمان عيش كريم للساكنة، وكان حضور النساء لافتا وهو ما يترجم الغضب والسخط نتيجة اغلاق السلطات المغربية معبر سبتة نهاية 2019 دون توفير أدنى بديل للنساء اللواتي يكسبن قوت يومهن من معبر الموت.
منذ الوقت الذي صدرت أوامر إغلاق المعبر، بقيت آمال النساء تحوم حول إمكانية توفير الدولة بديلا للمشتغلات فيه، لكن لم تلقى آمال النساء أدنى تجاوب أو التفاتة. أغلق معبر الذل ليتم فتحه مجددا في الشهر الماضي من سنة 2022، لكن واقع ترك النساء وجها لوجه لمكابدة التشرد والجوع من جهة ومخاطر العبور من جهة أخرى واقع لم يتغير.

ومن المفيد هنا أن نشير إلى أن الانخراط الواسع للنساء في الاحتجاجات الشعبية التي عاشها المغرب منذ بداية القرن الحالي؛ هو تجسيد لدينامية لا يمكن الاكتفاء بتعليلها بالحيف الواقع عليهن فقط، بل الأهم من هذا هو كونها تضعنا أمام أسئلة جوهرية تعيد رسم خارطة النضال النسوي، تقتحم النساء من خلالها ميادين الاحتجاج على أرضية مطالب صلبة تدمج مختلف أبعاد الهيمنة والاستغلال ( الاجتماعي - الطبقي - الجندر - الثقافي -السياسي - الهوية).


-لطيفة زهرة المخلوفي



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة