النظرية والممارسة النسوية السورية: تجربة شخصية

صفوان قسام
sqassam@hotmail.com

2022 / 7 / 15

كنت أتابع برنامجا نسويا على احدى الإذاعات، يعرض أراء متنوعة في كل حلقة، وهو برنامج فيه تحدٍ للمجتمع، ويعول عليه بالتغيير إن لعبها بالشكل الصحيح؛ اتصلت لأداخل في معرض حديث الضيفات، وقدمت طرحا بهدوء فيه نقطة للعلاج والحوار ودعمتها بالشواهد والتقارير النسوية التي أصدرتها باحثات سوريات نسويات أقل ما يقال عنهن "مرموقات"، فما كان من الضيفة "الباحثة" إلا أن صارت تتحدث بانفعال وتهاجمني بطريقة بعيدة عن الرد، وتبرر وتشرعن الفجوات والأخطاء والجرائم التي نوهت إليها، رغم أنني نوهت إليها لكي أستمع إلى الحلول التي يمكن أن تقترحها!! فهاجمتني عوضا عن نقاش ما قلته!، ثم قالت عني: "بزت كلام من فوق الأساطيح" نعم لقد قالت هذا على الهواء!! كانت هذه هي المرة الثانية التي يساء إلي بها على الهواء مباشرة من احدى النسويات "الغاضبات" على هذه المحطة الإذاعية، فقبلها منذ عام ونصف تقريبا وعلى نفس البرنامج كنت ضيفا فيه ونتحدث عن موضوع نشر القصص الشخصية للناجيات عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ فقدمت الإجابة من منظورين نسويين ومنظور العنف القائم على النوع الاجتماعي قانونيا، وبينت أن النسوية لم تحسم قرارها بعد وهناك رأيين فيه؛ وبعد أن انتهت فقرتي قفلت الاتصال وعدت لأسمع تتمة الحلقة، وكانت هناك ضيفة صحفية كان دورها بعدي، سمعتها تنادي علي ظنا منها أنني متصل أو ربما لا أزال على الهواء؛ تنادي بطريقة غير لائقة وليس بطريقة الحوار بين المثقفين المحترمين! ثم بدأت بمهاجمتي وليس بمهاجمة رأي دون أن تستند على شيء وعادت في النهاية للرأي نفسه الذي طرحته أنا!! ولم أفهم لما انفعلت!! كنت انتظر من "مقدمة البرنامج" وقتها أن تحفظ ماء وجه ضيوفها وتحترمهم، وهذه من أخلاقيات الصحافة، التي لا تسمح للضيوف بالإساءة لبعضهم، خصوصا وإن كان أحدهم لم يعد قادرا على الرد فعلى المقدم حماية غيابه؛ والمشكلة أن المقدمة والضيفة صحفيتان ولم يتنبها لهذه النقطة، فعدت وسمعت الحلقة تكرارا لأفهم لما حاربت الضيفة رأيي ثم كررَتْه نفسه!! ولم أعرف لما!!.. نقلت ما حصل للمحطة وقتها وكان رد فعلهن عدم استضافتي مجددا!!
إن كنت سأتحدث فيما سيأتي بصيغة المذكر فهي للجنسين وإن كانت بالمؤنث فهي للمرأة؛ لتخفيف الحمل على من سيقرأ ولأني لم أقتنع بالمبالغات المتعلقة بموضوع جندرة اللغة. كنت قد أخذت على نفسي ألا أتدخل في النسوية السورية مجددا؛ بعد أن نشرت بحثا على موقع مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا بعنوان: "واقع النسوية السورية بين النظريات الجاهزة ومتطلبات المجتمع"، تقدمت به سابقا إلى مؤتمر الباحثين السوريين الاجتماعيين الثاني وناقشته هناك بعنوان مغاير، وحصل بسبه صدام "مشين" مع قسم من النسويات الراديكاليات! لأنني برهنت فيه أن النسوية السورية "المتطرفة" - وأرجو الانتباه إلى أنني أعني بالنسوية المتطرفة هنا الفكر المتطرف وبعض النسويات المتطرفات فقط لأنني لست ضد النسوية - بينت في ذاك البحث أن هذه النسوية المتطرفة ملوثة بالأفكار غير المناسبة للسياق السوري بالطريقة التي يتم الترويج ومحاولة الإقناع والتوعية بها، وأن الخلفيات الأيديولوجية الشمولية ستفضي إلى مصائب وصدامات مستقبلية وتزيد الشرخ المجتمعي وهي تسيء للنسوية، وأن على النسويين/ات تبني خطابا وأهدافا ووسائل قابلة للتحقيق وتجنيب المجتمع مزيدا من التشنج والصدام والدم والاستعصاء أمام تقبل الفكر النسوي. ولسبب أن ردود أفعال بعض النسويات كان عنيفا ومسيئا إلى درجة الإهانة والسباب واللا أخلاقية آثرت المضي بنفسي لأحترمها.
لكن، ومن فترة قريبة عادت ثرثرة بعضهن وأذاهن يلاحقني لشخصي ومهنتي وسمعتي، وحتى أن احدى "الصديقات" أرادت أن أفصل من عملي بحجة أنني "ذكوري" وآذتني في مصدر رزقي دون سبب شخصي ومن خلف ظهري! وبعدها بأيام جرى الموقف مع المحطة الإذاعية التي بدأت به هذه المادة.. من كل ما سبق بت أحس أن عليّ نقل تجربتي الساخنة مع بعض النسويات السوريات الغاضبات اللاتي لا ينصعن لمنطق إلا منطق التطرف وكلما تطرف كلما سال لعابهن أكثر..
أريد لفت الانتباه إلى أن "الباحثة" التي انفعلت بسبب مداخلتي التي كانت تناقض بالحجة والمعرفة والوقائع كلامها المشكوك به حول وحدة الصف النسوي السوري وأنها تمثل جهة تمثل كل النسويات ما هي إلا محض ادعاء، وبينت لها كيف أن هناك فئة أو مجموعة تستفرد بالقرار والمبادرة النسوية السورية، ذات خلفيات سياسية وأيديولوجية واضحة من لون واحد تقصي باقي الألوان وتتبع ذات الأسلوب الذكوري في المؤسسات الرسمية التي تضع مقاعدا للنساء كما لو أنهن زينة، فيضعن بعضا من المرّضيِ عليهن من باقي الألوان زينة أيضا!! محجبة من هناك ومثلية الجنس من هنا وهلم جرى.. وتنال دعما على المشاريع التي تصادم المجتمع وتستفزه أو المشاريع التي لا طائل منها دون أن نعرف لما!!؛ والمشكلة أن "الباحثة" هي نفسها من هذه الطغمة، ولذلك كانت ردة فعلها العنيفة هذه؛ الباحثة نفسها أتناول أحيانا أبحاثها في التدريبات التي أقدمها حول تصميم الأبحاث ومناهج البحث العلمي الاجتماعي والنسوي كنموذج ممتاز عن الأبحاث التجارية غير العلمية، وأنوه إلى أخطائها القاتلة حتى يتجنبها المتدربون؛ وكيف أن بعض موادها تدرج تحت مسمى "بحث" لكنها بالكثير تجميع وترجمة، رغم أن الترجمة تحتاج لملكة عقلية متقدمة، والتجميع قد يكون أحيانا من مصادر غير معتمدة بل ومشكوك بمصداقيتها، وبالغالب هو اجترار ولا تجديد فيه لكنه ينال استحسان المحيط الذي يدعم بعضه بعضا ويعوم بعضه بعضا، ويصفق لأتفه الآراء، والشك هنا هو أن هؤلاء يقومون بتكرار المعلومة بعدة طرق حتى يقنعوا المجتمع بها أو يثيروا ثائرته من يدري! لكنهم بذلك يتبعون أسلوب وزير الدعاية النازية جوزيف جوبلز الذي قال: "اكذب واكذب حتى يصدقك الآخرين، ثم اكذب أكثر حتى تصدق نفسك“. وسأسرد بعض الحوادث التي صارت معي شخصيا أو لمستها ليعرف المجتمع عن أي فئة أتحدث:
في احدى ورشات التوعية بالعنف القائم على النوع الاجتماعي التي كنا نجريها؛ في مراكز الإيواء، كانت الميسرة ترتدي "بنتكورا بخصر واطي" وكنزة قصيرة، حيث كانت تبدو للحاضرات القادمات من أماكن محافظة وكلهن محجبات ويرتدين "المانطو الطويل"، كانت تبدو لهن أول مؤخرتها على حد قولهن!!.. صعدت على صوت شجارهن في ذلك البناء لأرى احدى الحاضرات وقد كانت "معلمة" تقول للميسرة بما معناه روحي احتشمي أنتن عاهرات تحاضرن بالعفونة وتقبضن على جروحنا بالدولار!! وكانت بعض النسوة مشمئزات! فسألت عن الأمر؟ وشرحت لي المعلمة موضوع اللباس، وسيدة ثانية قالت لي أنهن يأتين من أجل حقيبة النظافة التي نوزعها عليهن أخر الجلسات وليس لهذا الهراء الذي تتفوه به الميسرة، وفهمت منهن أن الميسرة انفعلت وبدأت تصفهن بالمتخلفات وتحثهن على شلح الحجاب والتحرر!!.. عندما ناقشت الميسرة فيما بعد لم يكن هناك أي مؤشر لمراجعة نفسها واعتبار أن سلوكها خطأ، رغم أنني كنت قد حذرتهم قبل يوم بالانتباه إلى السياق الثقافي وضرورة التقيد بلباس فيه الحد الأدنى من الحشمة على الأقل، وكان ردها علي: "أنا حرة بلبسي!!".. هذه الشابة المنتمية لتيار سياسي يساري يقود العملية النسوية في سورية تتبوأ منصبا رفيعا كمناضلة تقود المجتمع لكن إلى أين؟ لا أدري، ولديها آلاف المتابعين المعجبين "بتحررها" وتعتبر ذات تجربة في العمل، وأتمنى فعلا أن تكون قد أصلحت من أخطائها المهنية وصارت تتفهم السياق قبل أن تصدم به وتسيء إلى القضية..
في موضع ثان تقدمت إلى احدى الجهات البحثية بمشروع بحثي حول منطقتي عبر وسيط، فوصلتني تعليقات من المشرفة على البحث أجزم أنها مكتوبة من أحد لا علاقة له بالأبحاث لا من قريب ولا من بعيد؛ وهي ناشطة نسوية على مستوى رفيع جدا.. وأخذت موافقة عليه، وبدأت به، وحين أنهيته بعد ثلاث أشهر عجاف، تَنَكَّرَتْ تلك الرفيقة المناضلة/ المشرفة/ الناشطة على أنه البحث الذي أعطتني الموافقة عليه، ورفضت إعطائي أتعابي البالغة ألف يورو، ووضعت الأمر بظهر الوسيط الذي بدى أنه لا حول ولا قوة له بما جرى؛ حتى أنها لم تَهْتَزَ للرسالة التي أرسلتها لها، وكأنها معتادة على ردود الأفعال هذه من المطالبين بأتعابهم!! طبعا بات البحث وكل المعلومات فيه في متناول يدها، أسماء المنظمات وقطاعات العمل واحتياجات المنظمات والأفراد؛ وبعد فترة ليست بعيدة بدأت المنظمات الداعمة بتقديم دورات تناسب هذه الاحتياجات، ولا أريد أن أقول إن تقييمي من خلال هذا البحث للاحتياجات كان هو المستند الذي تحركت تلك المنظمات على نحوه! اليوم هذه الناشطة: أيقونة للنضال بين الدول وتمثل النسويات السوريات في المحافل الدولية. علما أن عدة صديقات من الناشطات النسويات تركن العمل معها وقد أصابهن بسببها "احتراق وظيفي: وهي حالة نفسية نتيجة ضغط العمل وسوء تعامل المدير" وكن يتجنبن حتى لفظ اسمها أو التواجد في السهرات التي تتواجد بها، وتحدثن معي على الأقل مطولا عن سوء تعاملها وتسلطها في العمل لكنهن لا يجرأن على المواجهة لأنها قادرة على قطع رزقهن حرفيا ووضعهن على القائمة السوداء بين المنظمات النسوية المحتملة للعمل بها. هذا يمكن قياسه على بعض المديرات والقياديات اللاتي يأكلن حق "موظفاتهن" المادية والفكرية وجهودهن في العمل بكل "نذالة" ودون أن يرف لهن جفن؛ حيث تجاوزن بذلك السمومية الذكورية التي ينادين بمحاربتها؛ ونجدهن على قنوات الإعلام يتشدقن ويتكلمن بالقيم والمثل العليا التي تنادي بالحرية والعدالة والمساواة.. ويبثثن سموم التفرقة والصراع في وجه توازن مؤسسة الأسرة والعلاقات الاجتماعية عن عمد ليرتزقن من وراء تآمرهن على المجتمع.
احدى المواد التي كتبتها حول موضوع الأطفال اللقطاء، تعرضت لتعليق غريب وهجومي من احدى "الناشطات" النسويات بشكل فيه الكثير من اللوم، فرددت عليها بطريقة مهذبة ومحترمة وبأسلوب لبق، لكنها عادت للتعليق بغضب نسوي معتاد شهدت مثله كثيرا.. فقررت الرد عليها بمادة على ذات الموقع وكان عنوانها: "مهارات التواصل ودورها في القضية النسوية" في ذات الوقت كنت على موقع الفيسبوك أشاهد امتعاض بعض النسويات وحملة قمن بها حول أنه من حقهن التكلم بالطريقة التي يردنها وبعنف لأنهن غاضبات ولأنهن يتعرضن للكثير من الضغط والعنف الاجتماعي!! فكنت أعلق على حملتهن بطريقة فيها شيء من الاستفزاز وأغلف منطقي الذي أتحدث به بالأسلوب الغاضب؛ فما كان منهن إلا أن استشطن غضبا ووصلن إلى مرحلة حظري عن التعليق؛ وهنا أعدت قولبة التعليقات واعتذرت عن الأسلوب وبينت لهن أنني اتبعت هذا الأسلوب في النقاش الذي عطله بيني وبينهن لأبين لهن أن الأسلوب فعلا مهم في التعبير، حتى لو كان الحق بصفهن في الطرح؛ ولأنهن لم يقتنعن بت أتبع أسلوبهن المستفز لأرد على كل واحدة منهن بذلك، مع الاحتفاظ بالشكل اللائق فعلا عند نقاش الشخصيات المحترمة بأسلوبها.
احدى المنظمات النسوية كانت قد أعلنت عن رغبتها في التعاقد مع باحث لتنفيذ بحث نسوي؛ فتقدمت للتنفيذ ونلت العقد معها، لكني تفاجئت بأن الإدارة أرسلت لي ورقة فيها ثلاث فقرت تتحدث عن البحث منفصلة وغير مدروسة في الطرح في بعض نقاطها؛ لأن بعض الأهداف وقتها غير قابلة للتحقيق البحثي! وكان واضحا أنها تجميع عدة آراء فأحسست أن من أرسل لي الورقة ليست جهة إنما أفراد متباينين ضمن جهة! على كل حال ورغم ضيق الوقت عملت بشكل مكثف وكنت أنام فقط ما لا يزد عن 6 ساعات في اليوم، لأسلم المطلوب على وقته، رغم أن التعويض قليل جدا، لكني أردت أن أدعم هذه الجهة بكل ما أوتيت من قوة إيمانا مني بالنسوية، ورغم التدخلات التي أرادت تغيير البحث وسوقه بشكل لا موضوعي أكملت مع أن هناك أخطاء قاتلة ارتكبت بحق البحث تتمثل في إضافات وتغير عبارات وأسئلة وما شابه كانت تدل على واحد من إثنين: إما جهل في الأبحاث أو تعمد لإفشال البحث! لكن الواضح وقتها أن النسخة الأخيرة تمت إضافة بعض الأمور عليها وهي خاطئة بالمطلق دون أخذ إذني! وأريد أن أنوه إلى أن مرحلة "تحكيم الاستمارة" يعرفها الباحثون جيدا، فقمت بتصميم مسودة استمارة وطلبت من المنظمة إرسالها إلى ثلاث خبيرات في الجندر لوضع ملاحظاتهن والحكم عليها، وعادت الاستمارة إلي مع ملاحظات كانت كالتالي: 5 ملاحظات من باحثة أقل ما أقوله لها أنني انحني أمام عقلها احتراما، وملاحظات من "باحثة" كانت تتكلم عن الأخطاء الإملائية في الأسئلة! وملاحظات من "ناشطة وباحثة" أقل ما يقال عنها أنها جاهلة في العلم والمعرفة ومدعية بأنها باحثة، هذه السيدة "الباحثة" كانت غير سامعة سابقا بتحكيم الاستمارة، وأن على المحكم أن يكون مهذبا بنقده؛ وأنا كنت اتبع منهجا علميا متعارفا عليه بين وسط الباحثين، لكنها أرسلت ردا، لو كان صادرا من ذكر لكنا قلنا عنه "ابن شوارع" لأنها على قلة معرفتها كانت غير مهذبة في التعليقات وهاجمتني شخصيا بألفاظ غير محترمة حتى أنها أرسلت خطاب مستقلا وباللون الأحمر تعبيرا عن غضبها "لا أعلم لما يحق للنسويات الغاضبات التحدث بهذه الفجاجة ويحرم على غيرهن ذلك!!". وطالبتُ المنظمة وقتها بشكل رسمي باعتذار عن الإساءة التي تعرضت لها.
عند نقاش البحث، بدى واضحا أن عضوات تلك المنظمة كن حانقات في النقاش وكنّ مُستنفَرات ولا أعلم ما خلفية الموضوع تماما لكني استشفيت من خلال نقدهن "الخلبي" للبحث أنهن ينتقمن من بعضهن ومن الجهة التي أشرفت على البحث من خلال الطعن بالبحث نفسه؛ لما قلت هذا؟ سأخبركم: أولا أبدين امتعاضهن من أن ذكرا نفذ البحث وهو بحث نسوي! - نعم هؤلاء أنفسهن ينادين بتكافؤ الفرص والمساواة!! - ثانيا كدت أجزم أن ولا واحدة منهن قرأت البحث، وإن قرأنه فإن ذلك كان لغاية النقد، وكانت الانتقادات على تفاهة بعضها تدل على أن قائلته لا تعلم شيئا عن الأبحاث الاجتماعية؛ مثلا قالت احدى الناقدات لماذا جمعت الرجال والنساء في جلسات النقاش المركز؟ ألا يشكل ذلك احراجا للنساء في الإجابة؟!!.. علما أن عينة الجلسات كانت خبراء وخبيرات في الجندر! هذا يعني أنهن/م متجاوزات/ون لهذا الاحراج.. وقيسوا/ن على ذلك التعليقات التي وردت؛ لم يكن نقدا حقيقا للبحث أكثر منه محاولة للطعن أو جهلا بالأبحاث! حتى أن احدى الحاضرات آجرت بالمعية في النقد وقالت: "أنا لم أقرأ البحث لكن بناء على ما سمعت من المتحدثات.." ثم أدلت بدلوها وقدمت نقدها، وبعد أن مرّرّن لها البحث اطلعتْ عليه وعادت لتقول وهي أستاذة جامعة: "الانتقادات التي تتفضلن بها غير صحيحة البحث جيد ومنهجي وموثوق!" والمشكلة الأكبر أن ميسر الجلسة لم يعطني إلا ثلاث دقائق في البداية للرد على بعض الانتقادات، ثم فتح المجال للانتقادات لمدة ساعة ونصف دون السماح لي بالرد!! وبعد ساعتين من تعرضي للنقد الجارح، اعطوني "حرفيا" دقيقة وربما اثنتين للرد!! فقلت لهم: "كنت أتمنى لو كان النقد والنقاش في البحث وليس خارجه"؛ لقد كانت ليلة عصيبة جدا علي، مع كمية مشاعر الحقد والطاقة السلبية التي وصلتني من المتآمرات على بعضهن وهن من نخبة النسوية في سورية.. ولهن كتبت مادة نشرتها على موقع الحوار المتمدن بعنوان: "الاتحاد العام النسائي السوري كأداة ذكورية".
وإن أردت سرد فرص العمل التي حرمت منها من قبل "مديرات نسويات" قيمنني بأنني لا أصلح لهذه الأعمال "بحجة أنهن يمتلكن خبرة في ذات المجال رغم أنهن لا يصلن لربع مستواي العلمي والمهني!" لن أصل لنهاية سريعة؛ ومن وجهة نظري السبب فقط لكوني "ذكرا"، نعم إنهن ينادين بالمساواة وعدم التمييز على أساس الجنس وغيره!؛ وربما من الأفضل عدم التحدث عن المقالات التي أقرأها وتدل على جهل حقيقي واجتهاد بالنسوية وتحويلها إلى موضى فردية أو بريستيج، عدى عن قلة الأمانة العلمية التي يمكن أن نراها في المواد المنشورة التي لا تنسب المعلومات للمصدر الأساسي والتي تسمى "سرقة علمية"، أو أن المصدر الأساسي لا مصداقية له؛ يمكن لكم على لسبيل المثال الدخول إلى صفحة "اللوبي النسوي السوري" والبحث قليلا فيه لتتصيدوا شيئا من هذه المقالات. وكل ذلك يندرج تحت سياسة تعويم من لا تستحق ومحاربة الكفاءات "الذكرية"، وتهميش النسويات/ين المعتدلات/ين؛ فالمعيار المتبع على ما يبدو هو: "كلما تطرفتِ كلما كنتِ نسوية أكثر".
ولن أعيد ذكر قصتي مع اللوبي النسوي السوري المعيبة له، وردود أفعال نسويات يعتبرن "مرموقات" ومثقفات وعلى رأسهن المسؤولة عن اللوبي، كيف حرفت الأحداث التي جرت بيننا ولفقت الحقائق وهددت بنشر المراسلات بيني وبين اللوبي - رغم أنها لا تحتوي شيئا وكان كل هدفي هو دعم اللوبي في حراكه، وقمت بنشرها أنا بالنيابة عنها لأثبت أن هذه الطغمة تحتكر الحراك النسوي للون سياسي معين - وراوغتْ الكاتبة المثقفة بشكل لا يدل على صدق وتوازن ولا حتى ردود عضوات اللوبي اللاتي أقل ما يقال عنها تشبه لمة مجموعة من "الشوارعيين" يهرعن لضرب أحدهم من باب العنف وإثبات الذات والذكورية المفرطة دون وجود لسبب آخر بل فقط لأنه يختلف عنهم بالفكر وحسب المصطلح الذي يحببنه "تنمر".. ومن يريد الاستفاضة يمكن له الدخول إلى صفحتي على فيسبوك أو مراسلتي لأطلعه على أسماء العضوات الاتي وصلن لمرحلة السباب والشتائم بحقي. والأجمل أن من بين من علق فقط على العرض التقديمي ولم تقرأ البحث كانت "الباحثة النسوية" التي قالت لي: "عم تزت حكي من فوق الأساطيح!!"؛ هذا اللوبي كنت تواصلت معه سابقا وناقشتهم في نهجيتهم بالدليل العلمي على أن خطائبهم غائب عن الشارع ولهن كتبت مادة بعنوان: "شريحة لا تزال بعيدة عن النسوية".
طبعا أسلوب التكتل في هجوم جماعي على أحدهم، والكلام الجارح والسخرية والتهكم والأذى بالكلام هي من الأساليب التي تعتبرها هاتي النسويات "تنمرا" فتحرمها على الذكوريين وتبررها للنسويات بحجة أنهن يتعرضن للعنف ويدافعن عن أنفسهن!! وهنا يصبح التنمر بقدرة قادر سلاحٌ للدفاع عن النفس، كما تفعل القوى العالمية التي تكيل بمكيالين، أو مثل أجندات الحكومات الدكتاتورية الإعلامية نفسها. يبدو في هذه الحالات أن الغاضبات لا زلن يتبعن الأساليب الذكورية التي يحاربنها فقط ليدافعن عن أنفسهن؛ وهذا إن دل فهو يدل على أمرين: إما أنه جهل وعشوائية واندفاعية، أو سياسة مقصودة، وعلى العموم فإن تحويل قضية نضال كالنسوية إلى حزب وتكتل سياسي هو أمر من الشائع في عالم السياسة وهي استخدام القضية للوصول إلى السلطة. وهذا ملاحظ عند مطاردات الشهرة من الصحفيات الضحلات اللاتي يندفعن وراء المواضيع الأكثر تطرفا بغية حصد أكبر عدد من الجمهور تماشيا مع سياسة وسائل التواصل الاجتماعية التي تتبع خوارزميات تنشر البوستات والفيديوهات التي تتلقى اقبالا ومتابعة أكبر.. عدى عن التناقض الذي تعيشه هذه الفئة فهي تنادي بالحرية والتحرر وتحارب الأفكار المخالفة لفكرها!! إنها تكم أفواه المخالفين لها وتفرض عليهم رأيها وتهاجمهم وتقمع حرية تعبيرهم بحجة أنها فترة نضال ضد المجتمع الذكوري! هذه الآلية كان يستخدمها النظام السوري بقمع منتقدي الفساد بحجة أنهم في حرب مع الإرهاب ولا وقت للتحدث عن الأخطاء الآن.
احدى الحوادث الطريفة التي حصلت معي في واحد من التجمعات السياسية التي يمكن اعتبارها "دكانة أو مزرعة" على غرار الكثير من التجمعات السياسية؛ في نقاش حول خصوصية التعامل مع الشباب في ذلك التجمع، تحدثت عضوة من الهيئة التأسيسية والتنفيذية عن تجربتها في تربية ابنتها وكيف أن الأمر بسيط وسهل ولا خصوصية فيه!! كنت أستمع لها ولطريقتها التربوية الكلاسيكية "الذكورية" وأستغرب حجم السطحية التي منعتها من فهم ما أرنو إليه وقتها وكم أنها منغمسة في أبويتها دون أن تدرك شيئا عن ذلك.. وبعد فترة كنا نتناقش في الهيئة التنفيذية بإنشاء لجنة جندرية للمشروع؛ وأن تكون هي المسؤولة عنها، فرفضت الموضوع جملة وتفصيلا!!! بحجة أنه لا داع لذلك في المشروع!!.. بعد أيام نشأ خلاف بيني وبينهم نتيجة فساد ودكتاتورية مؤسس المشروع "الأول حسب تعبيره" فانسحبت من التجمع لأفاجئ أنها قالت أمام الهيئة التأسيسية أنني أنظر لها نظرة "ذكورية!!!" أترك لكم التعلق #عندما_تصبح_النسوية_منصة_لتوجيه_الاتهام.
ثم تطالعنا الخطابات التي تعج بها وسائل التواصل الاجتماعية التي تعمم على كل الرجال صفة الخطر، ولا تعزز فعل أي رجل يكون إنسانا متفهما طبيعيا اجتماعيا.. وترفض إعطاء الرجل أي صفة نفسية أو اجتماعية أو اقتصادية تدل عليه؛ وبالتالي فإن عضوه الذكري هو الشيء الوحيد الذي يدل عليه ويميزه عن الأنثى؛ ومنه إن جرت له حادثة ما فقد بها عضوه أو وظيفته الجنسية لن يعد هناك ما يشير إلى جنس هذا الكائن! فهو دون عضو جنسي، ودون هوية نفسية تدل على جنسه، ولا هوية اجتماعية!! هذا الطرح الذي تتفضل به بعض المتهورات لا تعرف انعكاساته النفسية على الرجل وقدرته على الحياة والتفاعل، هن لا يرين إلا أنفسهن بمنظور ضيق. ثم نرى أنهن يرفضن تنميط المرأة وفق لباس معين: ويتمخترن بفساتينهن، ويرفض التجارة بجسد المرأة: ويعرضن أجسامهن وأجسام غيرهن للدلالة على تمايز جسد المرأة وحريته، ويرفضن تنميط سلوك المرأة: وينشرن مقاطعا لهن ولغيرهن فيها تنميط لسلوك المرأة دون أن يعرفن أنهن يناقضن فسلفتهن.. ببساطة إنهن يضعن أهدافا غير واقعية ولا منطقية وغير قابلة للتحقيق، ولا يفهمن أن سلوكياتهن تناقض ما يطمحن لأجله، إنهن كمن يتاجر بالنسوية أو بصورة مقلوبة كمن يتاجر بالدين.
لفتتني النسوية مذ قرأت الكتاب الأبستمولوجي "أنثوية العلم" لليندا شيفرد مطلع هذا القرن، حيث كنت مولعا بالأبستمولوجيا الاجتماعية وضرب هذا الكتاب ضربته وقتها؛ لكني تعلمت في مدارس الفكر آلا أسلم بشيء على الفور، بل أن أقرأ وأفكر قبل أن أتبنى رأيا؛ وهو المنطق وعين الصواب. ولطالما كنت أستمع إلى الأفكار النسوية وإلى النسويين/ات بعدها وألمس اختلافا في تفاصيلهم وأسقط آرائهم على الواقع وأقيس على ما كنت أقرأ! وشاركت في حملة التواقيع التي رفعت إلى مجلس الشعب لإلغاء قانون "جرائم الشرف" عام 2005، وصادقت بعضا من القائمات/ين على الحملة حتى اليوم؛ ووصلت إلى قناعة بأن للعلوم الاجتماعية والهندسة الاجتماعية طرقها في حل خلافات ومشاكل الشعوب، ولكنها تجزم كلها أن الحل لا يكون بتبني أيديولوجيا صرفة دون محاولة قولبتها لتلائم المجتمع الذي تسعى لتغييره أو حل مشاكله، وبلورتها وفق قاعدة أن التطرف لا يعالج بالتطرف؛ ووفق هذا النضج الذي لا أجزم أنه نهائي وربما ليس نضجا من الأساس بت أقيّم التيارات والأفكار النسوية؛ فالأفكار التي تنادي بتخريب المجتمع وزعزعته وزراعة بذور المشاكل في مستقبله كانت الأشد تطرفا وريبة بالنسبة لي! وفي الوقت عينه كانت هناك تيارات وأفكار معتدلة وأقل تطرفا تسعى للنهوض بمكانة المرأة والانتصار لها، ولها أجندات عمل منطقية تعرف أن الأهداف لا يجب أن تكون مستحيلة التحقق وبالغصب، وتنهض بالمجتمعات رويدا رويدا دون لوم وعتب وتجريم وتحريم، وبالطرق السلمية التربوية العقلية على عكس تلك التيارات المتطرفة التي لا تصور النسوية إلا ذكورية مقلوبة، تريد أن تعالج المجتمعات بالحلول البوليسية وبالترهيب تماما كما تفعل الذكورية.
لطالما كنت أغبط قدرة المرأة على التعامل مع الأطفال ضمن صفوف المدرسة والرياض؛ واللطف الذي تتمتع به بمجرد ابتسامها في وجه مريض ولربما أطالت عمره حتى أُسمين ملائكة الرحمة.. ثم أتانا فكر داعشي أنكر عليهن العمل في المدرسة والتمريض وغيرها من الأعمال التي برعت بها بفطرتها وقال هذه أعمال نمطية!! يا سادة إن أكثر النساء عموما قادرات على إدارة الصفوف المدرسية الأولى ويضبطنها دون حاجة لتكون معهن شهادات بذلك؛ وهذا ليس تنميطا لدورها بل هو واقع؛ على عكس الرجال، فالكثير منهم عموما ممن لديهم شهادات تؤهلهم للعمل مع الأطفال قد يفشلون به! لأن الطفل ينجذب للأنثى ويتقبل التعامل معها أكثر من الذكر، والطفل هنا ليس ذكوريا ولا يعرف ما معنى الذكورية!! إن النظر بمنظور لا موضوعي إلى الخصائص التي يملكها البشر والفروق الفردية بينهم له أهمية تتغافل عنها عمدا أو سهوا أو جهلا بعض النسويات السوريات، ويربطنها بالمجتمع الذكوري الذي نحاربه معا، لكن دون أن أهمل تلك الفروق الفردية بين الأجناس وبين أفراد الجنس الواحد.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة