الرحم : أرض النساء التي يجب أن يرفع الرجال أيديهم عنها

بثينة الزغلامي
boutheina.kennedy2@gmail.com

2022 / 8 / 7

هل يمكن لعضو مختبئ بين طيات أسفل البطن يحرسه غشاء رقيق ان يحدث كل هذا الفزع عبر التاريخ و قد تباينت المواقف حول وظيفة الرحم الانجابية بينما تعالت أصوات عدم الرغبة في ذلك فالصحفية اميلي دوفيين في كتابها "أن تكوني امرأة دون أن تكوني أما –اختيار عدم الانجاب "تشرح أن الرغبة في الحمل لا يمكن اختزالها في الغريزة الجنسية وفي الساعة البيولوجية للمرأة وفي المقابل تجد المرأة نفسها في مواجهة ضغوط عائلية واجتماعية تحدد وظيفة رحمها . ويمكن الحديث عن آخر كتاب للباحثة الفرنسية كلوي شوديت بعنوان "قررت أن لا أكون أما" والذي اعتمدت فيه عل ركائز الموجة النسوية الفرنسية في القرن الماضي واستنجدت بالأدب وعلم النفس لتعلل موقفها بانه علينا أن ندع النساء وشأنهن ليرتحن من هذا التدخل المفروض على أرحامهن والذي تغذيه مجتمعات التلصص .أما الكاتبة النسوية فرانساوز فيريجيس فهي تطرح مسألة اللامساواة بين الأعراق في كتابها "أرحام النساء .العرق .الرأسمالية .النسوية "وتشير الى تدخل النزعة الاستعمارية الذكورية في أرحام ذوات البشرة الملونة وأشارت الى ان أطباء فرنسيين عمدوا إلى إنهاء حمل ألاف النساء في جزيرة رينويون الفرنسية وهي فضيحة اندلعت عام 1970 لان الاجهاض كان الغرض منه الحد من التاثر في هذه الجزيرة وهو ما يعيدنا الى تاريخ تجارة الرقيق والعنصرية المصاحبة لها وتشير الكاتبة أيضا الى ان هذا الارث كان قد دفع الى المطالبة برفع اليد عن ارحام النساء البيض بالأساس في فترة الستينيات والسبعينيات في فرنسا في القرن الماضي.
عن التحليل النفسي والعودة لتاريخ الطب
يبدو الطب النفسي كمن يحفر في قارة بعيدة فسغموند فرويد وجاك لاكان على سبيل المثال كانا يسيجان الرحم باللاوعي لستخلصا ان الحياة قبل الولادة منطقة مجهولة وربما مظلمة جدا بل انه لا يمكن النجاة منها بالنسبة للجنسين مهما تقدما في العمر وتوجه المحللة النفسية كارين هورني سهامها لكتابات فرويد التي تشيع عقدة القضيب لدى المراة لتقارنها بعقدة افتقاد الرجل للرحم وحسده المفضوح من هذا الكيس الصغير الذي يرمز الى الخصب وديمومة النسل البشري على الأرض وأكدت على انه أمر نفسي وثقافي واجتماعي وذهب المؤرخ روبرت .اس .ماكلفين الى تأكيد حجتها بأن حسد الرحم عامل اساسي وقوي في انعدام الأمن لدى الرجال أمام السمات الانجابية والبيولوجية للمرأة وقد يدفع حسد الرحم الرجال الى تحديد هويتهم في مواجهة النساء فالرجل الحقيقي لا يجب أن يكون امرأة وبالتالي يقومون بالسيطرة اجتماعيا على على المرأة كتعويض نفسي عما يعجزون عنهم بيولوجيا وهو تفسير ارتاحت له المناديات بكف يد الرجل عن جغرافيا لا يفهم ماهيتها ولا يحق له بالتالي الحديث عنها بكل تلك الوثوقية في مجالات الطب ومختلف الانشطة البشرية الاخرى كالفن والأدب . لكن ماذا لو استعدنا تاريخ الرحم في الطب ؟ فيطالعنا استنتاجات منها الضحك والعطس ورغم أن الأمر ليس مزحة لكن من بين الاقتراحات الطبية التي لقيت رواجا قديما لكبح هيستريا وسياحة الرحم المتجول في جسد المرأة فقد كان أبقراط أب الطب يعتقد أن هذا العضو ينتج أبخرة سيئة ويجب معالجته بالحمل ليطمئن الجميع الى صحة المرأة وجودة مزاجها أما الطبيب الروماني أويانوس القابادوقي فكان يؤكد أيضا على ان الرحم يتجول من تلقاء نفسه في جميع الاتجهات داخل جسد المرأة وقد يصطدم بالكبد والطحال وارتفاعه الى الأعلى يسبب الخمول والوهن والدوار وأوجاع الأوردة الجانبية للرأس أما انخفاضه نحو اسفل الجسد فيسبب أختناقا في الكلام واصدار أصوات غريبة ويؤدي الى الموت المفاجئ .
اذا كان أرسطو يعتبر الأنثى ذكرا مشوها فان الحل المطروح في اليونان القديمة كان أن يبقى الرحم منشغلا بالحمل و لضمان هدوءه وبقائه في مكانه الصحيح كان الحل يتمثل في ممارسة الجنس بانتظام وكان جالينوس قد أشار الى أن الرحم المتجول وما ينتج عن ذلك من تقلبات في مزاج المراة يعود الى توتر الأغشية المحيطة به وهذا أمر يسحبه قليلا من مكانه الطبيعي ويسبب انقباضا وذهب أيضا الى ان الرحم يختنق بسبب تراكم دم الحيض أما العلاقة الجنسية التي لا ينتج عنها الاخصاب فهي ستبقي البذور المتحرة في الرحم لتتعفن وتفسد الأعضاء الأخرى بأبخرتها السامة .أما الطبيب البيزنطي بول ايجينا فقد اهتدى الى حل لعلاج هذه المعضلة وهو دفع المرأة التي تعاني من هذه الأعراض الى ان تعطس لتخرج من أنفها الأبخرة القاتلة واما بالنسبة للأطباء المسلمين الذين وصل اليهم الارث الطبي القديم فقد اتبعوا نظرية الأرحام المتجولة وضررة معالجتها بالبخور للحد من الروائح الخبيثة التي يرسلها الرحم .وتقول الباحثة في تاريخ الطب القديم هيلين كينغ أنّ الأرحام المتجولة كانت "مسؤولة عن النزعة اللامعقولة عند المرأة وصار الرحم وسيلة لشرح الأمراض النفسية وانتشرت سمعته كعضو خبيث يسبب الأذى داخل الجسد بأكمله .
وفي القرن الثامن عشر تحولت الهيستيريا الكلمة التي اشتقت من اليوناينة للدلالة على الرحم- من مرض عضوي الى مرض نفسي وانتقلت الى الدماغ وانتشرت في أروبا العلاجات التي تطارد الأرحام الجامحة المسببة لهذا الاختلال النفسي والسلوكي ولتصبح في القرن التاسع عشر أمراضا تعالج باستخدام المياه والتنويم المغناطيسي وحرق الأعشاب واستعمال أجهزة طبية اهتزازية .كما تم اعتماد علاج تعديل سلوك المرأة المريضة بالضحك وادخال بعض التعديلات على حلاتها المتسمة بالاكتئاب والحزن والفوضى .
أوديب وألكترا يستوطنان الرحم ما الحل ؟
عام 1952 انتزعت كلمة هيستيريا من معجم الطب النفسي للجمعية الأمريكة للطب واستبدلت بمصطلحات أخرى وقبلها أعلن فرويد أن الرجال يصابون أيضا بهذا المرض وان عقدة أوديب تندرج تحت هذا المبحث الذي يؤسس الجانب اللاواعي في سلوكنا وأكد فرويد أنه عانى شخصيا من هذا المرض وأنه يأتي من الدماغ وليس الأرحام المعطلة .
بينما يؤكد سيلفيان ميسونييه "استاذ علم النفس الاكلينيكي في جامعة ديكارت /باريس أن لنا بيتا رحميا ويطرح سؤالا اذا كنت ستموت الآن ويحمل بك مرة أخرى هذه الليلة أي رحم امرأة ستختار أن تقضي في رحمها الليالي التسع الأولى من حياتك ؟
تطلبت الاجابة عن هذا السؤال الاستعانة بعالم النفس رولاند ديفيد لينغ الذي كان يرى أن الاختلالات النفسية هي نتيجة للأحاسيس التي يعيشها الشخص وتعود علاقتنا بالرحم الى نسخة جذرية وعامة بين البشر جاءت من الخيال الأعلى للعودة بذلك الى لفظة الرحم بالعربية والعبرية." "rahim/rahmanin"
البطن الأمومي وهو جمع امتلاء . فالمرء لا يختار من يلده ومن هذا الجانب يمكن فهم كلام فرويد لتفسير الشعور بالرهبة والكرب فهي مزيج من الوحدة ووهم الألفة اذ كتب سنة 1919 "يدخل الأرض الأصلية القديمة للرجل –اي الكائن البشري –الصغير .المكان الذي عاش فيه كل شخص اول مرة ".هناك اختيار موطن الرحم للهروب من الموت والولادة من جديد ويؤكد فرويد على أن الحب هو الحنين لهذا الموطن وهناك فقدان لهذا الجزء أثناء الولادة وأعتبر ان الحياة قبل الولادة قارة مظلمة .ويفسر الطبيب فرانسوا رانسييه المتخصص في أمراض السلوك الجنسي كلام فرويد بقوله ان الرحم والمهبل ووجه الام هي موضوع الحب الاول لدى الطفل .فهنا ك رغبة لدى البنت في اكتشاف عضو الاخصاب لدى البنت وهو ما يطلق عليه عقدة القضيب .شعور بمحاولة تملك الاب ويقابله عقدة اوديب لدى الطفل كره وتملك للام وقد كتب جاك لاكان ان الرجل يواجه الاخصاء والمرأة تواجه الحرمان .فالرحم يسمح بالتخصيب والانجاب ويضمن وظيفة الدورة الشهرية وهو ما يطلق عليها لاكان "نزيف الحرمان "رمز الحاجة "الذي يدل على فراغ الارحام وهو مع ذلك عنصر اساسي في تحديد هوية الأنثى .انه الدم الفاسد الذي يجب ان يطرد خارج الجسد ليحافظ على الصحة والتجدد .
" .
ماذا لو كان الرحم مركزا للتوازن النفسي والاجتماعي ؟
في أكتوبر 2011 دعت الناشطة في مجال الطب والطاقة البديلة ميراندا غراي عبر البريد الالكتروني متابعيها من النساء في كل أنحاء العالم الى تبجيل الرحم واعتباره نعمة تشمل بركاتها الجميع وضرورة اعطاء أهمية قصوى لدورة القمر التي تعد سببا في توازن المرأة وكانت تقصد الدورة الشهرية للنساء وتكامل عملها مع الطبيعة .ومعروف ان ملايين النساء يتابعن عبر الوسائط الالكترونية ما تنشره وقد دعت مرة أخرى عام 2015النساء الى اقامة طقوس تطهرية الغاية منها تجديد صلتهن بالطبيعة وبارواح الجدات عبر انشاء شبكة تواصل مع أرحام الأسلاف من أجل شفائهن من الذكريات الأليمة التي مررن بها عبر العصور وكذلك ذكريات النساء اللاتي يتابعن العلاجات التكميلية وطقوس التأمل مما يساهم في توازنهن النفسي في عالم يعج بالطاقات الذكورية التي تعيق شفاءهن . وأنتجت
العلامة التجارية للفوط الصحية
libresse
شريطا قصيرا عام 2020 يحكي عن رحلة الرحم من وقت البلوغ الى انقطاع الطمث وكان مزيجا من الصور المتحركة والتجارب الحياتية الهدف منه مزيد توعية الجنسين باهمية هذا العضو في خلق التوازن بين صورة المرأة ككائن هش وقوي في الان نفسه
أما شريط ماري ماندي "الرحم الاصطناعي ليست بطن أحد " والذي تدوم مدته 53 دقيقة / عرض عام2016
فهو يغرق المشاهد في عالم يتناقص فيه الوقت الذي يقضيه الجنين داخل الرحم ويتقلص بين رحلة التخصيب في المختبر وعتبة الاطفال الخدج .ويطرح فرضية امكانية الحمل خارج الرحم خاصة وان الابحاث تجرى على مشيمة اصطناعية ويطرح السؤال هل يمكن لعالمنا ان يتقبل اطفالا يتم انجابهم دون الاعتماد على الارحام وفي حاضنات عالية التقنية وبالتالي الانضمام الى سردية تتماهى مع اعنف تخيلات الدوس هيكسلي بعالم جديد يتطلب شجاعة قطع الصلة بالارحام دون الحاق الضرر بالأطفال .
ومقابل هذه النزعة الى انتزاع وظيفة الرحم البيولوجية نجد أن هناك كتابا صدر سنة 2016 بفرنسا تحت عنوان "رسالة الى رحمي "شاركت في كتابته ا16امراة تحدثن عن معاناتهن مع أمراض الرحم والولادة والقصص العالقة بالذاكرة وتحدثن عن حريتهن امام خيارات المشاركة او الاعلان عن قصصهن الحميمة مع ارحامهن وكن من اعمار وخلفيات اجتماعية وفكرية مختلفة .وعللت ناشرة الكتاب الصحفية والناشطة الحقوقية والسياسية مارلين شيابا انه ليس من السهل ان تكتب الى كائن لاتراه الا عبر رسوم تخطيطية
.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة