من نيرة إلى سلمى.. العنف ضد النساء لا ينتهي

مصطفى عبد الغني

2022 / 8 / 12

مصطفى عبد الغني و محمد مختار

بالأمس حدثت واقعتان في منتهى البشاعة لامرأتين؛ إحداهما قُتِلَت فيها زوجة على يد زوجها في منزلهما في دار السلام بعد تعديه عليها بالضرب، بحسب شهادة الجيران. والأخرى في الزقازيق، حيث قُتِلَت طالبة في كلية الإعلام، وهي سلمى بهجت، على يد زميلها بنفس الكلية إسلام فتحي بعدة طعنات أفضت إلى وفاتها. ومن قبل الواقعتين، شهدنا خلال الفترة الأخيرة حوادث بشعة لقتل نساء، مثل واقعة قتل الطالبة بآداب المنصورة نيرة أشرف على يد القاتل المدعو محمد عادل أمام بوابة الجامعة في يونيو الماضي، وقتل الصحفية شيماء جمال على يد زوجها القاضي بمجلس الدولة أيمن حجاج.

قُتِلَت سلمى لأنها قررت الانفصال عن القاتل، مثل نيرة من قبل التي قُتِلَت هي الأخرى لأنها رفضت الزواج من قاتلها، الذي قرر مطاردتها في كل مكان وترهيبها هي وأهلها. قُتِلَت نيرة برغم اتخاذها الإجراءات القانونية التي من المفترض أن تحميها منه، وأبلغت الجهات الأمنية بتحرير محضر عدم تعرض ومحضر آخر في مباحث الإنترنت، لكن كل ذلك قوبِلَ بالتجاهل مثل مئات البلاغات المقدمة من النساء في مصر في مواجهة العنف الصادر ضدهن. كان غياب الأمن والتقصير في حماية النساء من العنف وتجاهل تهديدات القاتل سببًا مباشرًا أيضًا في وقوع الجريمة التي قهرت قلوب من تابعوا القضية، وعلى رأسهم أهل الضحية.

ليست هذه الجرائم هي الأولى من نوعها، وللأسف هناك الكثير من الجرائم التي ربما لا نسمع عنها حتى، وأحيانًا تقع دون محاسبة للجناة. بعد يوم واحد من مقتل نيرة في يونيو، شهدنا قتل أخ لشقيقته بـ7 طعنات في الرقبة بسبب أنها انفصلت عن زوجها، وفي فبراير شهدنا مقتل الطبيبة آلاء من زوجها الذي ألقى بها من الشرفة، وكانت تتعرض للضرب منه دائمًا، وهناك أيضًا بسنت خالد التي أنهت حياتها إثر الابتزاز الإلكتروني التي تعرضت له من قِبَلِ شباب في بلدها، والقائمة تطول.

ليست حالات فردية
بحسب تقرير “مؤسسة إدراك للتنمية والمساواة” عن مرصد العنف القائم على النوع الاجتماعي ضد النساء، رُصِدَت خلال شهر أبريل الماضي 73 جريمة عنف ضد نساء وفتيات؛ منها 29 حالة قتل للنساء والفتيات من أعمار مختلفة، و22 حالة منهم كانت قتل على يد شريك حالي أو سابق أو فرد من أفراد الأسرة. كل هذه الجرائم وقعت منذ أقل ثلاثة أشهر فقط قبل قتل نيرة.

وفي تقرير لسنة 2021 من نفس المؤسسة، رُصِدَت 813 جريمة عنف؛ منها 214 جريمة قتل لنساء وفتيات بسبب عنف أسري على يد فرد من الأهل، و51 جريمة قتل لنساء وفتيات من أغراب -ليس من أسر الضحايا- بسبب التحرش، والاغتصاب، والسرقة، ورفض الزواج، وأيضا رُصِدَت 78 جريمة شروع في قتل لنساء وفتيات؛ منها 67 جريمة شروع في القتل من الأسرة أو من شريك أو شريك سابق، و11 جريمة شروع في قتل من خارج الأسرة.

رُصِدَت هذه الجرائم خلال العام الماضي من محاضر أو من الصحف المصرية أو من بيانات المكتب الإعلامي للنيابة العامة والإدارية، وهذا يعني أنها لا تعبر بالضرورة عن الحقيقية لعدد الحالات والجرائم التي قد تصل للآلاف من حالات الانتهاك التي تقع بشكل يومي ضد النساء ولا يُبلَغ عنها مثل الحالات والشكاوى التي يتلقاها المجلس القومي للمرأة أو التي تُنشَر على وسائل التواصل الاجتماعي.

تنتشر في المجتمع الثقافة الذكورية بشكل واسع، تلك التي تضطهد النساء وتحرمهن من الكثير من الحقوق وتمارس التمييز ضدهن وتحط من شأنهن في قوالب وأدوار اجتماعية وكأنهن ملكية خاصة، وهكذا يجري التحكم فيهن من الملبس إلى أسلوب المعيشة إلى معاقبتهن إذا خرجن عن الشكل المتعارف عليه اجتماعيًا. هذا بالإضافة إلى التمييز ضد النساء في الأجور وفرص العمل والترقيات، إلخ.

هذه هي الثقافة التي وصلت بنا إلى أن نشهد وقائع في مثل بشاعة ما حدث لسلمى ونيرة، اللتين قُتلتا لمجرد رفض كل منهما الرجل. وهذه هي أيضًا الثقافة التي جعلت أحد جيران قاتل نيرة يتحدث بكل أريحية عن أنه “بني آدم طبيعي ماكناش بنسمع صوته غير وهو بيضرب أمه أو اخواته”، كأن هذا أمرٌ طبيعي.

البحث عن “ضحية مثالية”
مع كل واقعة، نشهد الكثير من التعليقات حول شكل وملبس وسلوك الضحية، مثل تعليقات عبد الله رشدي، أو تلك التي أدلى بها مبروك عطية منذ فترة وجيزة والتي قال فيها إن البنت يجب أن تخرج بيتها “لابسة قفة عشان محدش يتعرض لها”. أقل ما يوصف به حديث مبروك عطية أنه تبرير للعنف والجريمة ولكل جريمة تُرتَكَب في حق النساء بحجة أن ملبسهن هو السبب. المجرم هو المسئول عن جريمته لأنه قرر أنه من حقه التعدي على غيره، وأي حديث يختلق أعذارًا له ويلقي باللوم على الضحية ليس إلا تدليسًا وتبريرًا يساعد على استمرار دائرة العنف الموجه ضد النساء في المجتمع.

إن التحرش والاغتصاب، ناهيكم عن الضرب والقتل، هي جرائم عنف تتعرض لها النساء من طبقات وخلفيات وفئات عمرية مختلفة. والإحصاءات الدالة على تعرض النساء، حتى المنقبات منهن والفتيات الصغيرات، للتحرش وغيره من الجرائم، لهي أبرز دليل على أن هذه الجرائم جرائم عنف تتعلق بفرض السيطرة وممارسة العنف.

إن الاستحقاق في التعدي على النساء والعنف ضدهن قضية تشمل المجتمع بأسره، والخطاب الذي يحاول البحث عن ضحية مثالية تتفق مع أفكاره ورؤيته ويفتش في نوايا وشكل وملبس الضحايا قبل التعاطف معهن ودعمهن والتنديد بما يُرتَكَب في حقهن من جرائم لهو خطاب قذر.

الدولة شريكة في الجريمة
يتصور البعض أن الأزمة أزمة مجتمع ولا علاقة للنظام الحاكم بها، لكن في الحقيقة النظام شريك في جرائم القتل والعنف التي تتعرض لها النساء يوميًا في مصر. في واقعة قتل نيرة أشرف، كانت هناك الكثير من البلاغات ضد الجاني لمنعه من التعرض لها وتهديدها، ورغم ذلك لم يكن هناك تحرك ضده لحماية نيرة، حتى انتهى الأمر بقتلها في وضح النهار أمام الجامعة.

هناك تاريخ طويل لأجهزة السلطة من التقصير في حماية النساء، وتجاهل بلاغاتهن ضد العنف والتهديد الذي يتعرضن له. وتتعامل الأجهزة الأمنية مع شكاوى النساء على أنها ليست أولوية، لأن بالطبع كل الموارد والإمكانيات الأمنية موجهة للقمع السياسي ومعاقبة المعارضين وفرض سيطرة النظام. أما الوقائع التي يحدث أن تلقي الشرطة فيها القبض على متهم بالتحرش أو العنف على سبيل المثال، فليست إلا أمثلة شديدة الندرة في وسط بحر من الحالات التي تتجاهلها الداخلية رغم البلاغات والمحاضر أحيانًا.

يحافظ النظام الحاكم على الأوضاع كما هي، بل ويكرِّسها من خلال العديد من الممارسات. هذا النظام الذي كان رأسه هو الذي أشرف على جريمة كشوف العذرية في مارس 2011، لن يكون أبدًا مناصرًا للنساء وحقوقهن، مهما ادعى عكس كده. النظام الذي حبس فتيات التيك توك عشان من أجل الحفاظ على ما يسمى بـ”قيم الأسرة المصرية”، وفي نفس الوقت قضاؤه يقضي بأحكام مخففة على من يقتل أخته أو زوجته تحت مسمى “جريمة شرف” هو نظام متواطئ.

أصدر النظام عفوًا رئاسيًا لهشام طلعت مصطفى، الذي كان محبوسًا في جريمة قتل سيدة أيضًا ولا يستحي أن يكرمه الآن ويحتفي به كرجل أعمال “وطني” و”شريف”. النظام الذي ارتكب مذبحة في وضح النهار ويستخدم العنف ويهدر القانون ضد آلاف المعتقلين السياسيين مسئول بشكل مباشر عن ارتفاع معدلات العنف بالشكل المفزع الذي نشهده اليوم والذي تتأثر به بأكبر قدر الحلقات الأضعف في ميزان القوة في المجتمع، مثل النساء والأطفال والأقليات أيضًا.

لقد رأينا على مدار السنوات الماضية كيف تمكن النظام من تعبئة قطاعات واسعة من الطبقة الوسطى على الدفاع عن العائلة والأخلاق والأمن، والتحريض ضد النموذج الآخر والمختلف من المرأة الذي ظهر مع الثورة، حيث المرأة باعتبارها طالبة وعاملة ومناضلة، لصالح نموذج رجعي للمرأة كأم وبنت وزوجة دورها ينحصر في حماية الأسرة وبالتالي “الوطن” من الانهيار. وبالطبع يتماشى التيار الإسلامي تمامًا مع هذا النوع من الدعاية، فهو يشارك السلطة في رجعيتها وعدائيتها للمرأة، فيعيد إنتاج هذه الدعاية بصورٍ دينية وأخلاقية مختلفة.

هذه هي أيديولوجية الطبقات الرأسمالية الحاكمة التي تخدمها هي نفسها، وهذا هو الأساس في تحقير المرأة في المجتمع الرأسمالي؛ أنه يراهن تابعات للرجال، ومن هذا التحقير تنبع كافة مظاهر اضطهاد النساء.

تغليظ القوانين وأحكام الإعدام ضد الاعتداءات على النساء وحدها لا تكفي على الإطلاق، لأن هناك بالفعل قوانين ضد الانتهاكات لكن لا تُفعَّل في أغلب الحالات، وستظل حبرًا على ورق إن لم تقف وراءها قوة اجتماعية من النساء لتنفيذها بالفعل، ومنع مظاهر اضطهاد النساء من الأصل. هذا إلى جانب العمل على بناء حركات جماعية مناهضة لكل أشكال اضطهاد المرأة، وأولى خطوات ذلك هو النقاش المفتوح بين الحركات النسوية والمهتمين بالدفاع عن حقوق النساء لتوحيد الصفوف في المعركة الحالية والمعارك المقبلة. وبالإضافة إلى ذلك، لابد من مواجهة التيارات الرجعية التي تحاول تشويه كل ما يتعلق بالدفاع عن حقوق المرأة واصفين إياه بأنه “هدمٌ للمجتمع” وما إلى ذلك، وكأن المجتمع الذي يقتل ويغتصب ويتحرش بالنساء هو مجتمع مثالي المفترض الحفاظ عليه بدلًا من تحديه وتغييره جذريًا.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة