قراءة عبارة السوري الأبيض عبر عدسة فانون: نقد نسوي ضد اللونية

رزان غزاوي

2022 / 8 / 25


قراءة عبارة السوري الأبيض عبر عدسة فانون: نقد نسوي ضد اللونية

Untitled (1957) – José de Almada Negreiros
الكاتبة: رزان غزاوي

فصل من كتاب:

Fanon today : revolt and reason of the wretched of the Earth / Nigel C. Gibson, Daraja Press, 2021

“إن رجال السياسة الذين يخطبون، ويكتبون في الصحف الوطنية، يجعلون الشعب يحلم. صحيح أنهم يتحاشون فكرة نسف النظام القائم، ولكنهم في الواقع يبقون في ضمائر المستمعين والقراء خمائر رهيبة تهيئ للنسف. وهم كثيراً ما يستعملون اللغة الوطنية أو لغة القبائل. ومن شأن هذا أيضاً أن يغذي الحلم، وأن يسمح للخيال بالطوف خارج النظام الاستعماري. هذا إضافة إلى أن هؤلاء السياسيين يقولون أحياناً: “نحن العرب، نحن السود” وهذه التسمية المثقلة بالاحتقار في عهد الاستعمار تتلقى بذلك نوعاً من الاحترام والتقديس. إن السياسيين يلعبون بالنار. ومن أجل ذلك رأينا أحد السياسيين الأفارقة يسر إلى جماعة من المثقفين الشباب منذ مدة قصيرة قوله: “فكروا قبل أن تخاطبوا الجماهير، لأن الجماهير تلتهب مشاعرها بسرعة”. هناك إذاً مكر من التاريخ يحصل في المستعمرات على نحو رهيب.”

الإعلانات

الإبلاغ عن هذا الإعلانالخصوصية

فرانتز فانون- معذبو الأرض صفحة 64، ت. سامي الدروبي وجمال أتاسي

مقدمة: فانون والسياسات المجندرة للسوري الأبيض في الانتفاضة السورية

مع هذا الاقتباس التمهيدي الذي استقيته من فانون حول الدور الأساسي للكلمات والمشاعر خلال الاحتجاجات الشعبية، كتبت هذا الفصل مع الأخذ بعين الاعتبار هذا الإرث والدروس المأخوذة من الاحتجاجات السابقة في منطقة جنوب غربي آسيا وشمالي أفريقيا (SWANA). وتحديداً، كتبت هذا الفصل مع نيتي نقل الدروس المماثلة المستفادة من احتجاجات العقد الماضي إلى الأجيال الآتية في المنطقة وفي العالم بناءً على تجربتي كمدونة معتقلة سابقة، ومنظِّمة نسوية، ومدرّسة كويرية غير ثنائية في أوقات التظاهرات الشعبية والثورات المضادة والحرب والمنفى. في هذا الفصل أكتب عن أهمية الكلمات والعبارات والمشاعر في التظاهرات الشعبية لعام 2011، مركِّزة على الانتفاضة السورية ومصطلح “السوري الأبيض” على وجه التحديد- المصطلح الذي يتزايد استعماله بين الناشطين ومجتمعات اللاجئين في المنفى. أحاجج أن مصطلح “سوري أبيض”، الذي استعمل في البداية من قبل المثقفين السوريين لبناء جسور مع نضالات السود من خلال إعادة تسمية وتأطير المجتمعات، التي تعيش في ظل الدولة السورية وحلفائها أشكالاً مختلفة من الاضطهاد في “المناطق المحررة”، تحت تسمية “السوريين السود”، في حين سمّوا السوريين الذين يعيشون ويستفيدون من الدولة “سوريين بيض”. وفي حين ما زالت هذه هي توجهات المثقفين ونواياهم، سرعان ما استعمل هذا المصطلح للتشهير والتنمر في مجتمعات الناشطين والمثقفين العضويين وفي اللغة اليومية المستخدمة. في هذا الفصل، سأقدم وصفاً إثنوغرافياً، ووصفاً إثنوغرافياً ذاتياً لكيف يمكن للتنظير غير النقدي للمثقفين حول من هو السوري “الجيد” و”السيء” أن يحمل في طياته بكل سهولة مصطلحات تنمرية تُستخدم تكتيكياً ضد الأصوات الثورية غير المنضبطة في الانتفاضة. أحاجج في هذا الفصل معتبرة أن مصطلح “سوري أبيض” قد استعمل بشكل ممنهج من قبل الشخصيات الاعتبارية، والمثقفين العضويين، وناشطي المجتمع المدني ضد الأفراد الذين لا يتطابقون مع السائد، وخاصة ضد أولئك الذين يطالبون بشكل مختلف من الاحتجاج عن ذلك المهيمن.

أصنف نفسي كناشطة مدونة “من الداخل”، ومنظِّمة نسوية كويرية قاعدية في سوريا منذ عام 2005. كما أموضع نفسي كشخص استعمل ضدها مصطلح “سورية بيضاء” مرتين من قبل شخصيات عامة وناشطين سوريين ذكور. كما أنني أعكس محادثاتي ومقابلاتي مع ناشطات نسويات ومحليات اللواتي جرى إفقاد مصداقيتهن من الحركة بسبب اتخاذهن مواقف غير مطابقة ومعادية للعسكرة بحيث نعتن بأوصاف عديدة منها: رماديات، انفصاليات، وأقلويات، كوسيلة لإفقاد مصداقيتهن في الحركة وكاستراتيجية للتقليل من شأن مطالبهن ووجهات نظرهن حول شكل تقرير المصير في سوريا. خلال قيامي بذلك، سأعتمد على أعمال فانون لتحدي مصطلح “سوري أبيض” لسببين: السبب الأول، خلال محادثاتي مع العديد من الناشطات والكاتبات من مجتمعات الناشطين/ات، قالوا/ن لي إن هذا المصطلح مستوحى من فانون، تحديداً كتابه: بشرة سوداء، أقنعة بيضاء. ففي حين لم يظهر لي ذلك في بحثي المكتبي ولا من خلال قراءة مراجعات لكتابات المثقفين [لكتاب فانون] التي صادفتها خلال عملي البحثي على هذا الفصل، فاخترت قراءة مصطلح “سوري أبيض” من خلال فانون آملة أن يقدم هذا الفصل قراءة بديلة لفانون للقراء/القارئات السوريين/السوريات حول مصطلح “سوري أبيض”.

السبب الثاني لاختياري فانون، هو أفكاره المهمة حول دور المثقفين، الدور الحاسم في أوقات الاحتجاج، وإدراكه لمشاعرهم. بالإضافة إلى أعمال فانون، سأحاول تطوير نقد نسوي مناهض للونية كمساهمة نظرية والتزام نشاطيّ ومساهمة في النقاش حول مصطلح “سوري أبيض” وسواه من المصطلحات المستعملة بشكل غير نقدي من قبل المثقفين لوصف نضال الشعب في سوريا كـ”عبيد” بوجه الاستبداد. خلال قيامي بذلك، سأستخدم منهجيات نسوية للفت النظر إلى المشاعر التي تنتج عن التنمر ضد النسويات القاتلات للبهجة والناشطين/ات المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجندري، وعابري/ات للنوع الاجتماعي، وغير المطابقين لثنائية الجندر والكويرين/ات (LGBTNBQ) الذين يوصمون على أنهم “عدوانيون/ات” و”غاضبون/ات”، و”سوريون/ات بيض”، و”أسديون/ات” لإدانتهم/ن لـ “نكات الاغتصاب” و”ثقافة الاغتصاب” داخل مجتمعات الناشطين السوريين في المنفى.

مستندة إلى عمل كارلين بورشيم بلاك – Carlin Borsheim-Black حول التربية النسوية المناهضة للعنصرية (2015)، أعرّف النقد النسوي المناهض للونية بأنه شكل من أشكال القطع للغة الملونة اليومية داخل مجتمعات الناشطين السوريين والتي تقوض مناهضة السود و/أو تديم عمى اللونية/العرقية والخطاب الما بعد عرقي. هذه اللغة والمصطلحات اليومية الملونة مبنية على افتراضات مختلفة. أولاً، إنها تفترض أن “الشعب في سوريا” هو مجموعة واحدة متجانسة الأمر الذي يديم التصورات التجريدية على أن “الشعب السوري” هو “الرجال النمطيون العرب السنّة”. ثانياً، تفترض هذه المقارنة غير النقدية بين السوريين العرب والسود أن السوريين السود ليسوا موجودين، لذا فإن المقارنة نفسها تجسد التمييز العنصري في وقت تسعى إلى تفكيكه. الافتراض الثالث الذي تبرزه هذه المقارنة هو فكرة أن مجتمعات منطقة الـ SWANA تتشارك نضالاً وهي “أمة عربية” واحدة، وذلك لا يشكل فقط تجسيداً لإرث أيديولوجي قومي عربي إقصائي اجتاح المنطقة (ربما من ناحية استراتيجية حصل ذلك) منذ التحرر الوطني من الاستعمار الأوروبي، ولكن كذلك تطيح بكل النضال التاريخي للمجتمعات المحلية في منطقة الـ SWANA مثل الكورد والسريان والنوبيين والأمازيغ وغيرهم. لذلك، في حين أستعمل مصطلح SWANA كإطار بديل عن تسمية “العالم العربي” أو “الشرق الأوسط” في هذا الفصل، لا تدّعي هذه التسمية أن منطقة SWANA هي كيان موحد، ولا أقترح أن يكون لها كياناً مشتركاً في النضال على الرغم من التشابهات والصلات التاريخية. والمساهمة التي أقدمها للنقاش حول قراءة فانون في سوريا؛ فكرة أن الكفاح المسلح للشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي يمكن مقارنته مع النضال من أجل التحرير من الاستبداد في سوريا اليوم. هنا، كثيراً ما يستشهد المثقفون السوريون بفانون باعتباره “منظِّراً للعنف”، ما أعرضه هنا قراءة مختلفة لفانون ليس فقط كمنظِّر وثوري كان دائم الانتقاد للكفاح المسلح، ولكن الأهم من ذلك، أنني قرأت فانون كمفكر دقيق ومميِّز ومنظِّر للعواطف في أوقات الاحتجاجات.

من خلال هذه الدروس المذكورة أعلاه تعلمت شخصياً من ملجأي من الوباء [الكوفيد- 19] في شيكاغو وكشاهدة ومتابعة عن كثب لاحتجاجات حياة السود مهمة والتغطيات المباشرة على موقع انستغرام، كذلك الندوات التي قدمها/تها قادة/قائدات الحركة، أموضع نفسي في هذا الفصل كنسوية محتجة غير سوداء كويرية غير مطابقة لثنائية الجندر ملونة وكمدرِّسة، آملة أن يكون هذا الفصل مفيداً للأجيال الآتية من المتظاهرين/ات في المنطقة وفي جميع أنحاء العالم حيال مسائل التنمر والتشهير والاحتجاجات النسوية والكويرية، وأخيراً، حول مفهوم التضامن العابر للقوميات.

ظهور المصطلحات الثورية والمعادية للثورة في الانتفاضة السورية

منذ اندلاع الانتفاضات في تونس ومصر وبقية منطقة SWANA مع بداية العام 2011، ظهرت كلمات ومصطلحات جديدة. صورت هذه المصطلحات الحقائق الجديدة التي فرضتها الحركات الشعبية الاحتجاجية على مستوى يومي، ولكن كذلك من خلال تجارب العنف والقمع الذي شنته الدولة (Neggaz, 2013; Taheri, 2011). وثقت بعض المصطلحات أشكال العنف الجديدة التي ظهرت كردة فعل على الانتفاضة. فباتت مثلاً كلمة شبيح تستعمل بالإنكليزية بدلا من كلمة thugs. والشبيحة هم مجموعة من المدنيين الموظفين من قبل الدولة لشن هجمات على المتظاهرين في الأشهر الأولى من عام 2011. وكان ذلك يحصل خلال ثوانٍ قليلة؛ لذلك بدّل المتظاهرون من تكتيكات تظاهراتهم معتمدين على المظاهرات الطيّارة؛ والتي تعني احتجاجاً سريعاً يردد شعارات تهدف إلى زعزعة الوضع المهيمن الذي فرضه الخوف من الشبيحة. إذاً، كانت المظاهرة الطيّارة شكلاً احتجاجياً رداً على الشبيحة. أصبح مصطلح شبيحة مهيمناً لأنهم كانوا منتشرين في كل الأمكنة، في كل احتجاج، وزاوية، ومتجر، وكلية جامعية، وكل حيّ. فباتت الكلمة بالتالي لغة يومية معتمدة داخل مجتمعات الناشطين السوريين وسواها. بالإضافة إلى كلمات مثل حاجز وحربية وفصيل وصديق وقناص وكيماوي.

مع ذلك، لم تكن كل الكلمات والمصطلحات المستعملة لها نوايا أو أهداف تحررية؛ فظهرت مصطلحات جديدة لتوصيف، أو بالأحرى استهداف مجتمعات أو أشخاص داخل الانتفاضة في سوريا. ليس فقط لمهاجمة وجهات نظرهم، ولكن لإفقادهم مصداقيتهم داخل الحركة الاحتجاجية. شملت هذه المصطلحات على سبيل المثال لا الحصر التالي: “إنفصاليون” عند استهداف الكورد في سوريا غير المتطابقين بآرائهم حول مستقبل سوريا. كما استعملوا عبارة “أقلوي” ضد الأشخاص المصنفين من “الأقليات” ولهم آراء غير متطابقة معهم حول الانتفاضة. واستعملوا عبارة “رماديين” مع أولئك المصنفين غير ثوريين بما فيه الكفاية، مثل المعادين للعسكرة أو التدخل التركي في بعض مراحل الحرب والانتفاضة. (1) لذلك، أحاجج في هذا الفصل بأن عبارات مثل “إنفصالي” و”أقلوي” و”أكثري” و”رمادي” و”سوري أبيض”- وهو عبارة يزعم بأنها مستقاة من كتابات فانون- كأشكال تنمرية ثورية استعملت كتعبئة بهدف إسكات المتظاهرين “المؤخرنين” الذين عبروا عن مواقف سياسية غير متطابقة.

مستندةً إلى دراسة دراسة إثنوغرافية ذاتية ودراسة إثنوغرافية رقمية للمواجهات والكتابات في وسائل التواصل الاجتماعي السوري، ومقابلات أجريتها مع أشخاص نُعتوا بمصطلح “سوريين بيض”، أحاجج أنه في حين استعمل مصطلح “سوري أبيض” لأول مرة من قبل المثقفين السوريين واللبنانيين لوصف الحلفاء مع المسؤولين في الدولة السورية ونظامها والمستفيدين من هذه العلاقة- أو ما أسماه فانون في كتابه معذبو الأرض “المثقفون الاستعماريون” أو البرجوازية الاستعمارية”، مع ذلك بات المصطلح يستعمل كيفما اتفق وضد أشخاص هم جزء من الانتفاضة ويشاركون في التنظيم مشاركة فعالة في المجتمع المدني السوري. إضافة إلى ذلك، أحاجج أن عبارة “سوري أبيض” استعملت في أغلب الأحوال ضد النساء والأقليات والممثلات السياسيات. من المهم التفكير بكل عناية بالعبارات والمصطلحات في الأزمنة الثورية والحركات الاجتماعية المسلحة، كما قال فانون في الاقتباس الذي استعملته في بداية هذا الفصل.

منهج نسوي مناهض للونية

“لقد كان السود في شيكاغو لا يشبهون النيجريين والطانجانيكيين إلا من حيث أن هؤلاء وأولئك جميعاً كانوا يعرفون أنفسهم على أساس التعارض بينهم وبين البيض”.

فرانتز فانون- معذبو الأرض صفحة 175، ت. سامي الدروبي وجمال أتاسي

لماذا تهمّنا هذه المصطلحات كمدرسين/ات وناشطين/ات وكتاب/كاتبات ومثقفين/ات ومنظمِّين/ات وفنانين/ات؟ أولاً، هناك ضرورة ابستمولوجية لمعالجة السياسات المهيمنة لهذه الكلمات والجمل، لأنها أمثلة لغوية وبلاغية عن الطائفية اليومية، والعنصرية المعادية للكورد، وكراهية النساء، في الحوارات اليومية على وسائل التواصل الاجتماعي والحياة السياسية للناشطين الثوريين (Fanon, 2004). لطالما كان الحداد والحزن في المجتمعات المؤخرنة، الألم وليس الآخرين (Butler, 2004; 2010)، عرضة للهجوم من العديد من المعارضة السورية (التي تقدم نفسها كعربية)، والمثقفين والشخصيات العامة، بسبب إدانتهم لغزو عفرين من القوى الموالية لتركيا حتى الأحداث الأخيرة. (2) معالجة هذه المصطلحات والعبارات والكلمات والصور والتأثيرات والمنطق اليومي التمييزي إزاء الأقليات العرقية والدينية والجندرية السورية، أمر مهم للمشروع الثوري، لأن هذا التفكير والنقد الذي يأتي من داخل الحركة هو فرصة للمشروع الثوري للتأسيس لمنهج ثوري نسوي معادٍ للطائفية ومناهض للعنصرية واللونية، ولغة وثقافة سياسية بديلة عن مشروع الدولة. ثانياً، تعكس هذه المصطلحات كذلك لغة ملونة تعكس مناهضة للسود في اللغة العربية والكتابات الثقافية والفكرية (Abulhawa, 2013; Al Chahhal, 2013; ARM, 2011; Sidqi, 2015). بعد احتجاجات حياة السود مهمة عامي 2013 و2020، من الضروري للمفكرين والكتاب والمعلمين والفنانين ومنظمي المجتمع السوري أن يتنبهوا لمعاداة السود والاستيلاء على نضالات وأفكار السود في المجتمعات والكتابات العربية وفي الـ SWANA. لذلك يساهم هذا الفصل في إنتاج لغة ثورية مناهضة للونية في الحركة الاجتماعية السورية.

لقد تطلب الأمر بعض الوقت لكتابة هذا الفصل بعد مرور فترة من التفكير والتساؤل في المنطق الإبستيمولوجي الكامن وراءه، كما فكرت في القضايا الأخلاقية للكتابة عن ذلك بالانكليزية، ونشره في كتاب قد لا يكون متاحاً للقراء المقصودين [ليس بعد الآن :)]، وعلى نفس المستوى من الأهمية، كيف يمكن الكتابة بـ”موضوعية” عن موضوع أثر بي على مستوى شخصي (Tuck and Fine, 2007). كتبت هذا الفصل من موقعية مناهِضة للتدخل الإنساني ومعادية للعسكرة- جرى وصمي بأني “سورية بيضاء”، ثلاث مرات في أحداث منفصلة، ليس من قبل غرباء، إنما من قبل أصدقاء وأصدقاء مشتركين على وسائل التواصل الاجتماعي والحياة الواقعية. بكلمات أخرى، هذا الفصل هو “شخصي” بمعنى أنني لم أختبر فقط تسميتي بهذا الوصم من قبل غرباء، إنما من أفراد من مجتمعي وأصدقاء من داخل الثورة السورية. من هنا، أموضع الصداقات كمساحة للتفكير العلمي النقدي، والتعليم التربوي، وتنظيرات العنف اليومي، وثقافات مجتمعات الناشطين والشبكات والمجتمعات الافتراضية (Mehta, 2017). بالإضافة إلى ذلك، خلال عملي الميداني الإثنوغرافي الرقمي بين عامي 2016 و2019، إلى جانب العديد من المقابلات الافتراضية التي أجريتها في ذلك الوقت مع نسويات سوريات وفلسطينيات، قيل لي أن مستعملي مصطلح “سوري أبيض” قد يكون قد ألهمهم فانون بذلك. لست قادرة على تأكيد هذه الادعاءات التي قالها من حاورتهن/م، فاعتقدت أنها فرصة جيدة لقراءة المصطلح من خلال فانون. فبعد كل شيء، هو اعتبر أن تكون أبيضاً هو ضمانة للامتياز الطبقي في المستعمرات. في كتابه معذبو الأرض، كتب فانون “أنت غنياً لأنك أبيض، أنت أبيض لأنك غني” (Fanon, 2004). في كتابه بشرة سوداء أقنعة بيضاء، كتب في الفصل الثاني عن رغبة مايوت كابيسيا بأن تصبح بيضاء “الشخص الأبيض هو إذا كان لديك مبلغاً من المال” (Fanon, 1970). في هذين المثلين، يعتبر البياض مسألة أساسية في الوصول إلى السلطة والموارد. في القسم التالي سأوضح كيف استخدم مصطلح “سوري أبيض” و”سوري أسود” في اللغة اليومية بين مجتمعات الناشطين واللاجئين.

ثلاثة استخدامات لمصطلح “السوري الأبيض في الحركة الاجتماعية السورية

“نجور، بمساعدة من محاميه وجمعية تطوعية سورية تعبّأت لمساعدته في قضيته، أقاما دفاعاً قضائياً في الدفاع عن بياضه. أيد القاضي الذي ترأس الجلسة ادعاء نجور بأن السوريين هم من القوقاز وبالتالي من البيض وأقر حقه بالجنسية. وبذلك أصبح نجور أول متقدم للحصول على الجنسية، من بين جميع المجموعات العرقية، والذي ينجح في التقاضي بشأن وضعه كشخص أبيض في محكمة فيدرالية أميركية”.

سارة غولتيري- Sarah Gualtieri، بين العرب والبيض، العرق والإثنية في الشتات الأميركي السوري المبكر

قبل مناقشة الاستخدامات البارزة لمصطلح “سوري أبيض” من قبل المثقفين السوريين واللبنانيين، والشعراء وخبراء الإعلام، أود التشديد بداية على أن المصطلح نفسه له عدة معان في سياقات ومناطق جغرافية مختلفة. يخبرنا الاقتباس من كتاب سارة غولتيري (2009) قصة إحدى هذه المعاني من خلال تتبعها لجريمة قتل المهاجرة الأميركية السورية نولا وفاني رومي عام 1929 في فلوريدا. في كتابها هذا، وجدت غولتيري أنه على الرغم من الأحكام القضائية التي اعتبرت السوريين من “البيض” بهدف تجنيسهم، لكن “بياضهم” هذا، بقي بحسب غولتيري “غير مستقر” أو “تحت الاختبار” خاصة في الوعي الجنوبي للونية (Gualtieri, 2009: 113). قال زعيم الجالية الأميركية السورية، سلوم مكرزل، عام 1929، أن جريمة القتل كانت “من أتعس أيام حياة السوريين في أميركا” (وردت في Gualtieri, 2009: 114). تضيف غولتيري أن قتل رومي كان “أزمة بياض السوريين” (Gualtieri, 2009: 134). كانت لحظة أدرك فيها الكثيرون، بحسب كلمات غولتيري أنهم “كانوا بين بين” و”ليسوا بيضاً تماماً” (Gualtieri, 2009: 134). أكثر من ذلك، تجادل غولتيري أن الأميركيين السوريين قد حاولوا إبعاد أنفسهم عن السود والآسيويين “ضمن خطاب حول العرق يرمي، من بين أمور أخرى، إلى حماية حدود الهوية” (Gualtieri, 2009: 134). هذا التاريخ هو تذكير جيد لمن طلب الحصول على صفة أبيض للأميركيين السوريين كيف أن صفة أبيض في الولايات المتحدة قد لا تستمر بالنسبة للسوريين حتى بواسطة الوسائل القانونية. في سوريا، وتحديداً خلال الحركة الاجتماعية عام 2011، ظهر مصطلح “سوري أبيض” ضمن استخدامات متعددة. أدناه سألقي الضوء على ثلاث طرق بارزة استخدم فيها المصطلح والتي لاحظتها في السنوات الأخيرة في كتابات المثقفين، ووسائل التواصل الاجتماعي ضد النسويات، أو في الحياة اليومية لمجتمعات اللاجئين والمجتمع المدني.

1. مفهمة المثقفين لـ”سوري أبيض” كـ”أسدي”

في بعض الكتابات سواء على الفايسبوك أو في المواقع الالكترونية والصحافية يدل مصطلح “سوري أبيض” إلى شخص يتمتع بامتيازات، امتيازات طبقية وصلات مع الدولة. بعبارات أخرى، بات النقاش حول العرق مجازاً للطبقة والامتياز من خلال استعمال مصطلح “أبيض”. المخرجة السورية، مايا أبيض، التي نشرت نصاً حول العنصرية السورية من خلال استعمال مقاربة شبيهة لـ”سوري أبيض” من دون الانخراط بمسألة العرق أو أي مفهمة لمصطلح “أبيض” في السياق السوري. مع ذلك، فإن مقالها كان من بين عدد قليل من المقالات المعترفة بالنزعة الخفية بين بعض السوريين في استعمال هذا المصطلح بين أوساط الطبقة الوسطى الدمشقية (أبيض، 2018). استعمل الصحافيون والكتاب والمثقفون وناشطو المجتمع المدني السوريون واللبنانيون هذا المصطلح في سياقات مماثلة وبمعنى مماثل. (3) في هذا الإطار، نلاحظ مثالاً لما حذر منه فانون في الاقتباس السابق؛ ذكر مصطلح ينتقد سوريين بشكل موجز من دون تدقيق نقدي. وبذلك جرى محو مسألة السواد ومناهضة السواد تماماً واستبدالها بخطاب سلطة الطبقة والدولة/النظام، حيث بات البياض شكلاً من أشكال الطبقة (العليا) المدعومة من سلطة الدولة، ويكون “السوريون البيض” العالم الأول داخل الدولة السورية التي يحتكرها ويديرها النظام. في المقابل، يتحول “السود” إلى ثوار فقراء محاصرين ومقصوفين هم ومجتمعاتهم. من خلال القيام بذلك، تستمر معاداة السود. يرى فانون في هذا المحو تطبيعاً أبيض:

“إن الشعب يكتشف أن الاستغلال الظالم يمكن أن يكون زنجياً أو عربياً. وهو يندد عندئذ بالخيانة، ولكن يجب أن نصحح هذا التنديد. فالخيانة ههنا ليست وطنية بل اجتماعية؛ ينبغي لنا أن نعلم الشعب أن يندد باللصوص. والشعب في مسيره الشاق إلى المعرفة العقلية، يترك أيضاً تلك النظرة التبسيطية التي كان يتميز بها إدراكه للمتسلط. إن النوع يتجزأ الآن أمام بصره. إنه يلاحظ من حوله مستوطنين لا يشاركون في تلك الهستيريا الإجرامية، ويختلفون عن سائر أبناء جلدتهم”.

فرانتز فانون- معذبو الأرض صفحة 121-122، ت. سامي الدروبي وجمال أتاسي

إضافة إلى ذلك، في كتابه بشرة سوداء أقنعة بيضاء يفترض فانون في تحليله للعنصرية حول الجسد كمشهد للأخرنة العنصرية (Fanon, 1970). وتبعاً لتمييز المنظرة النسوية الكويرية، تيريزا دو لوريتس، فإن فانون يشكل الجسد باعتباره “الأساس المادي لتشكيل الذات”:

قيمة نص فانون، ربما ما يجعله اليوم أكثر راديكالية، قد تغيب عن الذهن؛ هو بالتحديد تأكيده المصر أيضاً على التأثير الذاتي والجسدي للعنصرية، وإدخال القوالب النمطية العنصرية في النفس الفردية وما يترتب على ذلك من سيطرة على الأنا الجسدية. لأنه يتحقق في الجسد “تأثيراً حقيقياً” للسردية والأفعال العنصرية، وبالتالي يتشكل ما يسميه فانون تجربة معاشة. (Lauretis, 2002: 57)

بحسب فانون، تكمن الأخرنة في الجسد، “في التجربة الحية للأنا الجسدية”، بحسب كلمات لوريتس. الأحاسيس الجسدية، والتأثيرات، وردات الفعل، ومساحات المشاعر (Ahmed, 2004) هي التي دفعت بفانون إلى إضافة “السوسيو-تطورية” sociogeny إلى الأطر النظرية للتحليل النفسي. بما يتعلق بالأنا الجسدية، دو لوريتس تحاجج بأن كتاب فانون بشرة سوداء وأقنعة بيضاء يعلمنا درساً مهماً عن العنصرية عادة ما يغفل من خلال التركيز على العنصرية الخطابية. بالفعل، يصف فانون تأثير ومساحة النظرة البيضاء المتمركزة على الجسد في مشهد الأم الطفلة في كتاب بشرة سوداء أقنعة بيضاء. يركز تحليل فانون على النظرة البيضاء إلى الجسد وكيف ينتج عنها إحساساً بالغربة والاغتراب الناجم عن النظرة البيضاء. استناداً إلى الحجج المستعملة أعلاه، أحاجج أن مصطلح “سوري أبيض” يستعمل في هذا السياق بطريقة تمحو السواد ومعاداة السود لتصبح مسألة طبقية ويمكن التخلص منها. عند هذه النقطة، تذكر الشاعرة النسوية الكويرية السوداء، أودري لورد، النسويات الكويريات من غير السود بأن نضالهن يختلف عن نضال السودوات (Lorde, 1997).

2. التطبيق العملي لـ”سوري أبيض”: تكنولوجيا ثورية معادية للنساء

في حين كان الاستعمال الأول مجرد مفهمة مجردة لما يمثل “السوري الأبيض”، نرى هنا الممارسة العملية لهذه المفهمة “الفضفاضة”، حتى أستعمل كلمات فانون. استخدم هذا المصطلح في مواقف تعسفية عديدة، مثل، بعد التعبير عن رأي غير مطابق سياسياً، أو ضد الأشخاص الذين لا يتوافقون مع “الطريقة (إقرأ/ي: المجندرة) للتواصل الاجتماعي”، أو لإجراء بحث أكاديمي. استناداً إلى الأساليب الإثنوغرافية الذاتية الرقمية، والكتابات على وسائل التواصل الاجتماعي، والتاريخ الشفهي مع ناشطتين اللتين وصفتا بـ”سوريتين بيضاويتين” و”رماديتين”، لمعارضتهما العقوبات ضد سوريا أو لمعارضتهما الدعوات لفرض المزيد من عسكرة الانتفاضة في واحدة من الاجتماعات. نقطة انطلاقتي في هذا الشكل من استعمال مصطلح “سوري أبيض” هي مع الممثلات السياسيات اللواتي يتم تصويرهن كغنيات وقويات وغير مرتبطات بنضالات الشعب الثوري على الأرض، إنما يتم تخيلهن “منفصلات” يشغلن مناصب عليا. ومن المفارقات، أن المرأتين اللتين قابلتهما ناشطات قاعديات من أقليات دينية وإثنية، في حين أن المتنمرين عليهما هم من المثقفين والشخصيات المطابقة لجندرهم النمطي. مثل آخر لاستعمال مصطلح “السوريات البيضاوات” حين وجه ضد عضوات المجلس الاستشاري النسائي (4) الذي عينه ستيفان دي ميستورا لأن بيانهن أوصى برفع العقوبات المفروضة على الإمدادات الطبية.

في هذا الإطار، أعتبر أن كراهية النساء كانت مقنعة بالحديث عن “الطبقة كطريقة لإفقاد المصداقية السياسية للممثلات السياسيات السوريات. وهذا بالضبط ما حذر منه فانون في المقطع الذي اقتبسته في بداية هذا الفصل. بالفعل، أدرك فانون أهمية دور المثقفين خلال الاحتجاجات والثورات المضادة والحاجة إلى أن يكونوا مدركين ذاتياً من الكتابة “الفضفاضة” التي يمكن أن تكون مضرة بالمجتمعات المهمشة حتى ولو كان المصطلح المستعمل كان مقصوداً به أن يكون ضد اضطهاد الدولة. ومنذ أن استعمال مصطلح “سوريات بيضوات” كان ضد النساء في أغلب الأحوال، على المثقفين السوريين قراءة كتابات النساء السوريات والعمل النسوي المناهضة للعنصرية والعابرة للقوميات عند الكتابة عن اضطهاد الدولة.

كما حصلت حادثة أخرى عام 2016-2017 عندما نشرت مجموعة من الشخصيات العامة السورية على وسائل التواصل الاجتماعي صورة لامرأة سورية تحمل العلم السوري الرسمي، وتعرضت لـ”نكات تدعو لاغتصابها” كنوع من العقاب على “سياساتها المؤيدة” للنظام. وطالبت النسويات باعتذار علني عن المنشور المسيء والذي من شأنه التحريض على الكراهية والعنف ضد المرأة التي حددت هويتها من خلال نشر صورتها فضلا عن عنوانها في التعليقات على المنشور. كان رد الناشطين الأصدقاء وصم النسويات بأنهن “سوريات بيضاوات” على مواقع التواصل الاجتماعي. وبدلاً من تحدي هذه المنشورات علناً، قام بعض المفكرين السوريين بالتنظير لمصطلح “سوري أبيض” كما أعجبوا (ليّكوا) بالمنشورات المتواطئة مع حملة التشهير ضد النسويات في مواجهة حملة الكراهية الرقمية المستعملة لـ”نكات الاغتصاب” ضد “المؤيدات”. أعتبر أنه من دون النسويات الثوريات القاتلات للبهجة (Ahmed and Bonis, 2012)، ستكون الحركة النسوية في سوريا مفتقرة إلى أي شكل من أشكال الإدانة لثقافة الاغتصاب داخل الحركة الثورية السورية. كما لم تصدر النسويات المتأنجزات بياناً يدين أو يدعم النسويات اللواتي تعرضن للتنمر من قبل المثقفين والناشطين على حد سواء. وهذا ما أدى إلى عزل بعضهن، وتعييرهن، وإقصائهن ليس فقط من الفضاءات النشاطوية، إنما أيضا من الحركة النسوية المتأنجزة. وأخيراً، كانت الدعاوى القضائية شكلاً آخر من أشكال الترهيب لأي نسوية أو امرأة تتحدث ضد “ثقافة الاغتصاب”، والتحرش الجنسي داخل المعارضة والحركات الثورية في سوريا.(5)

3. السوريون البيض كأخرنة السوريين داخل الحركة السورية

على سبيل المثال: لقد اعتبر السوريون العرب آلام المجتمعات الكوردية بأنها “أسدية” أو “بيضاء” وقد كرروها طوال مراحل الحرب وحتى وقت قريب، وهي ملاحظة أبدتها ناشطتان نسويتان قابلتهما بين عامي 2016 و2018 وقد وصفت كل واحدة منهما بأنها “رمادية” و”أقلوية” و”سورية بيضاء” خاصة بعد أن عبّرتا عن انتقاداتهما لعسكرة الانتفاضة.(6) كما صمت الثوار الذين يعتبرون أنفسهم من “الأغلبية” (أي من العرب السنة) إزاء سياسات الرئيس التركي إردوغان العدوانية والعنصرية والتوسعية ضد المجتمعات الأصلية غير العربية في شمالي سوريا، وخاصة ضد المجتمعات الكوردية، دلَّ على سياسات مناهضة للثورة داخل الحركة السورية؛ مثل الطائفية والعنصرية المناهضة للكورد بين الصحافيين والمثقفين السوريين ودعاة حقوق الإنسان داخل المجتمع المدني السوري.(7) بكلمات أخرى، أُطلق على من ينتقد هذه السياسات المهيمنة “سوري أبيض” أو “رمادي”.

أبعد من السوري الأبيض: فانون والعواطف في زمن الاحتجاجات

لطالما استشهد الباحثون عن سوريا وغيرها من الحركات الاجتماعية العنيفة بفانون لتحديد مواقع عنف التابعين من خلال سيرورة إنهاء الاستعمار من المستعمرين. في الأقسام السابقة أوضحت سبب إشكالية مصطلح “سوري أبيض” كمفهوم وتطبيق، وهذا ما حذر منه فانون المثقفين والأحزاب المستعمرة من اعتماد كتابات وخطب مثيرة مع قليل من الشرح والتوجيه. في محاولة من التعلم من إرث فانون باعتباره ثورياً من عدسة مناهضة للعسكرة، سأسلط الضوء أدناه على مجالين شعرت بارتباطي بعمل فانون وكان لهما صدى في نفسي كمتظاهرة تطورت خلال العقد الماضي من مؤيدة لعنف الطبقة التابعة في فلسطين ولبنان، وفي سوريا حتى عام 2013، في كفرنبل، عندما أدركت ويلات هذا الواقع. حيث انتصر التطبيق العملي على أيديولوجيتي وهكذا أصبحت متظاهرة مناهضة للعسكرة؛ من خلال موجة مستمرة من الغضب والاغتراب ومناهضة الحرب، كلها في الوقت عينه، كما حاجج فانون، كما سأوضح لاحقاً في هذا القسم.

مشاعر الغضب والاغتراب

إحدى الأشياء التي أذهلتني عند قراءتي لكتاب فانون “معذبو الأرض” هو تنظيره لـ: 1. مشاعر الاغتراب عن الذات (Fanon, 2004: 15)؛ 2. الضغط من أجل “الموضوعية”؛ و3. الشعور بـ”الغضب” (Fanon, 2004: 17) و”الجنون” (Fanon, 2004: 34). في هذا الفصل، أقرأ فانون كمعلم وكاتب ثوري وثّق حياة الناس، ومشاعرهم وأمراضهم في حياتهم اليومية خلال نضالهم من أجل تقرير المصير من الاستعمار. اعتراف فانون بأهمية مشاعر الغضب والجنون للمستعمرين للوصول إلى حد الإدراك بأنهم أحرار. عندما تتحقق لحظة الإدراك، ينتعش الخيال والأحلام. أدت مشاعر الاغتراب والغضب إلى “الأحلام العضلية” خلال لحظة الإدراك والخيال. وبحسب فانون:

“إن أول شيء يتعلمه السكان الأصليون هو أن يلزموا أماكنهم، وألا يتجاوزوا الحدود. لذلك كانت الأحلام التي يحلمها السكان الأصليون أحلاماً عضلية، أحلام فعل، أحلام هجوم وعدوان. أنا أحلم بأنني أثب، بأنني أركض، بأنني أتسلق. أحلم بأنني أضحك، بأنني أجتاز نهراً بقفزة، بأن طائفة من السيارات تطاردني ولا تدركني. إن المستعمَر، أثناء الاستعمار، لا يفتأ يحرر نفسه من الساعة 9 مساءً إلى الساعة 6 صباحاً”.

فرانتز فانون- معذبو الأرض صفحة 51-52، ت. سامي الدروبي وجمال أتاسي

المقطع أعلاه له صدى مع فكرة “الأحلام العضلية” وكيفية ارتباطها بالحرمان من الخيال. ذكّرني هذا المقطع فوراً بما قاله صديق عزيز لي؛ التقيت به في كفرنبل حيث عشت وعملت لمدة سنة كمدرّسة، ما زلت أتذكر وجهه عندما قال لي: “في الحقيقة لم أكن أعرف أن هناك شيئا اسمه الحق بالحقوق، لم أكن حتى أعرف أنها موجودة، جعلتني الثورة أدرك بوجود شيء اسمه الحقوق، وأن لي الحق بها. لم أكن أعرف ذلك من قبل”. ما أسميه حالة الذعر من العسكر في سوريا (نص مرتقب، غزاوي، 2023)، والخوف الدائم من المراقبة والاعتقال في البلاد طوال عقود- كل ذلك تسبب بثقافة الرقابة الذاتية، والتي بدورها خلقت إحساساً بالاغتراب عن الذات كأشخاص غير سود ملونين نعيش في ظل ديكتاتورية عسكرية، والمختلفة عن الاغتراب الذي يتحدث عنه فانون عند السود. مفهمة فانون للاغتراب، ومشاعر الغضب، وإصراره على الحلم- كلها دروس يمكن للناشطين والمنظمين في سوريا وSWANA استنتاجها عند قراءة فانون اليوم بعد الحركات الاجتماعية التي اندلعت في تونس عام 2011 والتي مازالت مستمرة بأشكال مختلفة حتى اليوم. إن مشاعر الاغتراب والغضب التي وصفها فانون بشأن المستعمر قد “راكمت” غضباً (Ahmed, 2014)، والذي، كما حاجج فانون، أدى بالشعوب المستعمرة العربية والسوداء للتأكيد على “إنسانيتهم الجديدة” (Munif, 2013).

على غرار تصريح صديقي الذي بدأ يتخيل حقوقه ومطالبه، وما تبدو عليه عملياً في الحياة اليومية لحركة اجتماعية في كفرنبل، يتحدث فانون عن مشاعر الغضب والاغتراب بطريقة يتردد صداها في هذه اللحظة والذاكرة التاريخية اليوم في المنفى. ولكنه ليس رجلاً مسلحاً واختار ألا يكون كذلك. اختار عبد أن يكون عاملاً في مجال الخدمات اللوجستية؛ مسهلاً التواصل في القرية بين عمال الإغاثة والعائلات المحتاجة. كما كان جسراً بين منظمات حقوق الإنسان والمعتقلين السابقين. عمل عبد كان غير مرئي، في حين تأثيره على المجتمع والمجتمع المدني بشكل عام معترف به من قبل العديد من متتبعيه على حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي. عبد هو واحد من الأشخاص الضروريين للثورة ولكن لا يلاحظهم الباحثون حول سوريا اليوم. كتب فانون واصفاً الأفعال الثورية في الحياة اليومية على الشكل التالي:

“فتقديم الطعام للمجاهدين، والقيام بأعمال الحراسة والمراقبة، ومساعدة الأسر المحرومة مما يقيم الأود، والنهوض بأعباء زوج قُتل أو سجن، تلك مهمات ملموسة يدعى إليها الشعب أثناء كفاح التحرير”.

فرانتز فانون- معذبو الأرض صفحة 55، ت. سامي الدروبي وجمال أتاسي

هناك الكثير من الرسائل- الدروس التي يمكن للناشطين اللاعنفيين استخراجها من كتابات فانون، وهي مشاعر الغضب والاغتراب والتعرف إلى الذات والتخيل. لذلك أختلف مع العديد من الباحثين حول سوريا الذي استشهدوا بفانون حول العسكرة أو لابتكار مصطلح تنمري وإقصائي مثل مصطلح “سوري أبيض”.

دروس من فانون في معارضة العسكرة

كمتظاهرة مرت في مراحل وتفكير متنوع حول العسكرة، وكمراهقة نشأت أعرّف نفسي كفلسطينية، فإن الكفاح المسلح كان جزءاً من التحرير الذي آمنت به بالأساس. هذه هي روح أسلافي التي علمتني انتقاد خطابات الشيطنة الغربية للمجتمعات المستعمرة عندما تُقرر حمل السلاح للدفاع عن عائلاتها وأراضيها. هذا هو بالضبط الرابط الذي قمت به من خلال قراءة فانون لأنه كان مؤيداً لحق الناس بتقرير مصيرهم عن طريق العنف من المضطهدين العنيفين، وفي الوقت عينه، ناقداً شديداً للعسكرة. في الواقع، يميز فانون بين نوعين من العنف: عنف التابع من أجل تقرير مصيره، وعنف العسكرة. لا أريد أن أطيل الحديث عن هذه النقطة لأنها خارج نطاق تركيز هذا الفصل، ولكن أود فقط الإشارة إلى أنه في السياق السوري اليوم، يشار إلى فانون عموماً كمنظّر للعنف وقد ركز بعض الباحثين والمثقفين على كتابين هما معذبو الأرض وبشرة سوداء وأقنعة بيضاء ولكن تجاهلوا كتاب استعمار يحتضر [عنوانه بالفرنسية والعربية: العام الخامس للثورة الجزائرية] (فانون، 1994) حيث أوضح ذلك بوضوح، سأقتبس منه مطولاً لمواجهة القراءة المهيمنة لفانون التي ترى فيه كمنظّر للعنف:

“كلا، فليس صحيحاً أبداً أن الثورة قد ذهبت في هذا المجال إلى الحد الذي بلغه الاستعمار.

ولكننا لا نقر، رغم ذلك، بشرعية ردود الفعل المباشرة من قبل مواطنينا. إننا نفهمها، ولكننا لا نستطيع أن نبررها ولا ننبذها.

ولأننا نبتغي جزائراً ديمقراطية ومتجددة ولأننا نعتقد بأنه لا يمكن للمرء، أن ينهض ويتحرر في ناحية ما وينحط في ناحية أخرى، فإننا، والقلب يعتصر ألماً، ندين الأخوة الذين اندفعوا في العمل الثوري بشراسة تكاد أن تكون فيزيولوجية، يولدها ويرعاها اضطهاد موغل في القدم.

إن الناس الذين يدينوننا أو الذين يأخذون علينا تلك الحواشي السوداء في الثورة، يجهلون مأساة الرجل المسؤول، المريعة، الذي يجب عليه أن يوقع عقوبة ضد وطني مذنب قام مثلاً بقتل خائن مشهور، دون أن يكون قد تلقى الأمر بذلك، أو لأنه ارتكب جرماً دون الرجوع إلى مدونة قانونية وإنما بالاستناد إلى الضمير وحده الذي يختلج به صدر كل فرد بما يجب عمله وما يجب أن يكون ممنوعاً، ليس رجلاً جديداً في جماعة المعركة. لقد سبق له أن قدم، منذ عدة شهور براهين لا تدحض، في نكران الذات والوطنية والشجاعة. ومع ذلك فيجب أن يحاكم. ويجب على المسؤول، الممثل المحلي للتنظيم القائد، أن يطبق التعليمات. وعليه أحياناً، أن يكون هو المدعي أيضاً، باعتبار أن أعضاء الوحدة الآخرين لم يتقبلوا عبء اتهام هذا الأخ أمام المحكمة الثورية.

إنه ليس من السهل قيادة كفاح شعب بأقل قدر ممكن من الأخطاء، شعب زعزعته بقسوة، مائة وثلاثون سنة من السيطرة، ضد عدو مصمم وشرس مثل الاستعمار الفرنسي”.

فرانتز فانون- العام الخامس للثورة الجزائرية صفحة 12-13، ت. ذوقان قرقوط

الاحتلال المستمر لمنازل الكورد في عفرين اليوم من فصائل عربية هو تذكير يومي بأن العسكرة في الشرق الأوسط المعاصر تنطوي على تمويل ورعاية دول عديدة لمسلحين بهدف تحقيق مكاسب محلية وإقليمية ضد خصومها. ورغم ذلك، فإن قصة عفرين هي تذكير لكنها ليست قصة كل شمالي سوريا، فانون يجادل بشكل مشهور:

“لكن قادة الثورة يدركون يوماً بعد يوم أن الكره لا يمكن أن يكون برنامجاً. إنك لا تستطيع أن تركن إلى الخصم الذي يعرف دائماً كيف يتخلف من المآزق، وأن تطمئن إلى أنه سيضاعف جرائمه”.

فرانتز فانون- معذبو الأرض صفحة 117، ت. سامي الدروبي وجمال أتاسي

بصفتي مدرّسة للغة العربية والانكليزية في المناطق المحررة بشمالي سوريا، وخاصة في إدلب عام 2013، اختبرت وعشت مع العسكرة على مستوى يومي بصفتي امرأة غير محجبة. تلقيت في البداية الكثير من الأسئلة من أعضاء الجيش السوري الحر لماذا أنت “كامرأة مسلمة سنية غير محجبة”. لقد أرادوا التأكد من أنني “لست علوية” و”مؤيدة للنظام وجاسوسة له”. لا أسمي نفسي علمانية لأن للعلمانية السياسية تاريخ مختلف وقمعيّ على نفس القدر في تاريخ سوريا، كما هو الحال مع الإسلام السياسي (بدءاً من جماعة الإخوان المسلمين). في حين أن اعتراضي لهذا التصنيف كـ”مسلمة سنية” حتى يسمح لي أن أكون غير محجبة، إلا أنه كان أسهل طريقة لزملائي الذي كانوا معي خلال هذه اللقاءات. “إنهم لا يفهمون علمانيتك رزان”، اعتاد الراحل رائد فارس على القول لي. “سيفعلون ذلك مع الوقت، أما الآن، في زمن الحرب، عليك أن تكسبي معركة كل مرة”. لم يكن رائد مجرد ناشط، إنما كان قائداً مجتمعياً. فقد صمم مشاريع البلدة بأكملها، وحلّ العديد من مشاكل الناس، وخلق فرص عمل، رائد فارس كان حركة، وحركته ما زالت حية حتى اليوم. مع ذلك، لا أتفق معه. لكني أتفهم حتى أنه لم يكن لديه الطاقة للعمل على إقناع الجيش السوري الحر في كل مرة لمجرد أنني شعرت بأن ذلك كان إحدى مساهماتي في الثورة. نشاطي اليومي، إذا أردتم/ن. أن أكون غير “سنية” وغير محجبة وأن يقبلوا بي على هذا الأساس. لقد نجحت طوال الوقت الذي كان يسيطر فيه الجيش السوري الحر على المنطقة حتى أواخر 2013 وبداية عام 2014 عندما بدأت القاعدة وداعش بالهيمنة على الانتفاضة واحتلال الشمال والمجتمعات التي تعيش إلى جانب مئات الآلاف من المهجرين داخل البلاد.

خلاصة: نحو أخلاقيات نسوية ثورية مناهضة للتنمر

في هذا الفصل حاولت التفكير في المصطلحات الثورية التي صيغت في البداية لنقد ما يسميه فانون “البرجوازية الاستعمارية” أو “السياسي المعتدل” ولكن جرى استعمالها فعلياً ضد النسويات في الحركة من خلال تنمر الثوار الذكور على قضايا تتعلق بالعقوبات والعسكرة، ثقافة الاغتصاب والتحرش الجنسي. كما جادلت كذلك بأن المصطلح بات مهيمناً ويستعمل في اللقاءات اليومية داخل مجتمعات اللاجئين السوريين كآلية تنمر ضد السوريين “المؤخرنين”. من خلال تحديد الطرق الضارة والمختلفة التي استعملت بهدف إقصاء بعض الأصوات والمطالب من الحركة. أدعو المثقفين إلى الأخذ بنصيحة فانون وتجنب المقارنات المتسرعة وتشريع التنمر عند صياغة مصطلحات لوصف الناس، وعدم تعزيز الهيمنة والعنف، والعمل والكتابة والتنظيم ضد ثقافة التنمر داخل الحركة خاصة تلك الموجهة ضد الأصوات والمطالب غير المطابقة.

في القسم الثاني من هذا الفصل، عرضت 3 دروس من كتاب فانون معذبو الأرض للمتظاهرين السلميين في الـ SWANA وسواها، بحجة أن الأنشطة الثورية اليومية هي عمالة غير مرئية ولكنها جزء أساسي من الحركة كما أكد فانون عن حق. لذلك، أدعو الباحثين والأكاديميين حول سوريا إلى قراءة فانون بعناية.

الهوامش:

1. مقابلة مع ناشطة نسوية [كل المقابلات مجهّلة، بطبيعة الحال، للأسباب التي يوضحها هذا الفصل- الملاحظة من المترجم] عبر المسنجر، تموز/يوليو 2019.

2. جزء من الرأي العام السوري المرتبط بالانتفاضة السورية لطالما كان مؤيداً لأردوغان بسبب سياساته “المرحبة باللاجئين السوريين” إضافة إلى دعمه العسكري ضد روجافا. تغير هذا الموقف من أردوغان في السنوات الأخيرة تجاه سياساته المعادية للاجئين السوريين وترحيله لهم في صيف عام 2019.

3. على سبيل المثال يمكن قراءة مقالات منشورة في الصحف باللغتين الانكليزية والعربية كتبها هؤلاء الكتاب: عمران 2018؛ الحاج صالح، 2016؛ الحاج صالح، 2019.

4. للمزيد من المعلومات عن المجلس النسائي الاستشاري يمكن زيارة موقعه: https://specialenvoysyria.unmissions.org/.

5. مقابلة مع ناشطة كانت قد أطلقت حملة ضد التحرش الجنسي وسط مجتمعات الناشطين، عبر المسنجر، أبريل/نيسان 2020.

6. مقابلة مع ناشطة نسوية سورية غير عربية وغير مسلمة ولاجئة في أوروبا، عبر المسنجر، أيار/مايو 2020.

7. مقابلتان مع ناشطتين كورديتين سوريتين في أوروبا، عبر المسنجر.

المراجع

Abyad, M. 2018. ‘Racism, Sectarianism or Sexism? On Damascus and the Syrian Demographic Barcode | SyriaUntold | حكاية ما انحكت.’ Accessed September 8, 2020, https://syriauntold.com/2018/10/03/racism-sectari- anism-or-sexism-on-damascus-and-the-syrian-demographic-barcode/.

Ahmed, S. 2014. Cultural Politics of Emotion. Edinburgh University Press.

Ahmed, S., and Oristelle, B. 2012. ‘Feminist Killjoys (and Other Willful Subjects).’ Cahiers du Genre 53 (2): 77–98.

Al Haj Saleh, Y. 2016. ‘The World in Syria/ Syria in the World.’ ,2020 ,8 Accessed September .الجمهورية.نت https://www.aljumhuriya.net/ar/35336.

.الحوار المتمدن ’.Fascist in Damascus and Other Fascists‘ .2019 .——— Accessed July 22, 2020, http://www.ahewar.org/debat/ show.art.asp?aid=634990.

Alkhazen, J. 2013. ‘Syria the Victim.’ The National Coordination Committee for Change. Accessed July 22, 2020, https://syrian- ./سورية–الضحية/2013/11/07/ncb.com

Badrakhan, A. 2019. ‘The State’s Position on Sex: What Is Lawful to White People Is Not Lawful to Black People.’ حرية برس. Horrya Press. Accessed July 22, 2020, https://horrya.net/archives/116246.

Borsheim-Black, C. 2015. ‘”It’s Pretty Much White”: Challenges and Opportunities of an Antiracist Approach to Literature Instruction in a Multilayered White Context.’ Research in the Teaching of English 49: (4) 407-429.

Butler, J. 2004. Precarious Life: The Powers of Mourning and Violence. London: Verso.

_______. 2010. Frames of War: When Is Life Grievable? London: Verso. Case, K. A. 2016. Intersectional Pedagogy: Complicating Identity and

Social Justice. Routledge.

Fanon, F. 2004 [1961]. The Wretched of the Earth. Translated by Richard

Philcox. New York: Grove Press.

_______. 1970. Black Skin, White Masks. Paladin London.

_______. 1994. A Dying Colonialism. Grove/Atlantic, Inc.

Freire, P. 2018. Pedagogy of the Oppressed. Bloomsbury Publishing USA. Gualtieri, S. 2009. Between Arab and White: Race and Ethnicity in the

Early Syrian American Diaspora Book. Berkeley: University of California Press.

Hooks, B. 2014. Teaching to Transgress. Routledge.

Lorde, A. 1997. ‘The Uses of Anger.’ Women’s Studies Quarterly 25(1/2):

278-285

Mehta, A. 2017. ‘Right-Wing Sisterhood: Everyday Politics of Hindu

Nationalist Women in India and Zionist Settler Women in Israel-Pales-

tine.’ PhD thesis, SOAS University of London.

Munif, Y. 2013. ‘Frantz Fanon and the Arab Uprisings: An Interview with

Nigel Gibson.’ https://www.jadaliyya.com/Details/26906.

Neggaz, N. 2013. ‘Syrias Arab Spring: Language Enrichment in the Midst of Revolution.’ Language Discourse & Society 2(2): 11–31.

.القدس العربي ’.Sidqi, B. 2015. ‘The Black Syrian and the Sleeping Racisms Accessed July 31, 2020,

./السوريون–السود–واستيقاظ–العنصريات–ال/https://www.alquds.co.uk

Taheri, A. 2011. ‘The “Arab Spring” Has Toppled Some Despots and Enriched the Arab Political Vocabulary. But What Are Its Limits and What Should Western Democracies Do to Help It Achieve Its Objectives?.’ American Foreign Policy Interests 33 (6): 273–277.

Tuck, E., and Michelle, F. 2007. ‘Inner Angles: A Range of Ethical Responses to/with Indigenous/Decolonizing Theories.’ In Ethical Futures in Qualitative Research: Decolonizing the Politics of Knowl- edge, edited by Denzin, N. K., and Giardina, M. D., 145–168. Left Coast Press.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة