الإجهاض: قديم قدم البشرية

جوديث أور

2022 / 10 / 31

الكاتبة: جوديث أور

الفصل الثالث من كتاب:

Orr, Judith (2017) Abortion Wars: The Fight for Reproductive Rights, Policy Press.

لقد حاولت النساء بكل نشاط التحكم بخصوبتهن لآلاف السنين. يحاول مناهضو الإجهاض إخبارنا أن الإجهاض غير طبيعي ومقيت، ولكن، في الواقع، كان جانباً ضرورياً ومقبولاً من حياة النساء طوال التاريخ. منذ المجتمعات المترحلة الأولى التي لم تستطع إعالة الأطفال إلا بقدر ما يستطيع حمله الكبار جسدياً للرأسمالية الحديثة، استعملت النساء كل الوسائل الممكنة لهن لفصل الجنس عن الإنجاب (Cashdan, 1985). فقط عندما بدأت المجتمعات الزراعية الأولى في بناء مجتمعات أكثر استقراراً، وباتت تربية المزيد من الأطفال أمراً ممكناً. لبعض الوقت، كان تزايد عدد الأطفال علاوة للمجتمعات المستقرة، لأنها أنتجت المزيد من اليد العاملة للزراعة (Harman, 1999). ساعدت هذه التغييرات على التمكن من زيادة كمية الانتاج الزراعي، ولأول مرة توليد فائض يزيد عن الاحتياجات اليومية، وكل ذلك كان له آثار جذرية على المجتمعات البشرية المستقبلية طوال آلاف السنوات، من بينها تطوير الهرميات والطبقات والنخب لأول مرة (Flannery and Marcus, 2012). بدأ هذا المسار بتشكيل أساس إقصاء النساء إلى المجال المنزلي (Empson, 2014). بعض أشكال اضطهاد النساء كان سمة من سمات كل مجتمع طبقي تلاه.





تظهر الأدلة أنه مهما كان النظام الاقتصادي، أو حالة المعرفة العلمية أو المعرفية أو القانونية، ومهما كانت خياراتهن خطيرة أو محدودة، فقد حاولت النساء إنهاء الحمل غير المرغوب (Mclaren, 1984 Shorter, 1984). منذ ما يقارب 3000 سنة في مصر القديمة، كانت النساء تخلط مزيجاً من براز التماسيح المخمر أو تضع العسل على المهبل كوسيلة لمنع الحمل (Fryer, 1965 Draper, 1972, p60). هذه النصيحة إلى جانب وصفات المجهضين (المواد التي تسبب الإجهاض)، على قصاصات من الأوراق القديمة التي تسمى بردية كاهون لأمراض النساء، على اسم المدينة القديمة حيث اكتشفت؛ تلقي الضوء على ما يعرفه الناس عن البيولوجيا وكيف حاول التحكم بها. في الواقع، هذه الوثائق هي نسخ من كتابات طبية أقدم تظهر أن النساء اختبرن عدة مواد للسيطرة على الخصوبة منذ أوقات أقدم. عكست العديد من المواد المركبة والطقوس المرتبطة بمنع الحمل والإجهاض الأفكار الخرافية والسحرية، لكن الناس استعملوها لأن العديد من النباتات والمكونات الطبيعية الأخرى كان من الممكن أن يكون لها التأثير الحقيقي. مثلا، يتكرر استعمال بعض النباتات مثل ورق الأكاسيا والتمر لعدة آلاف من السنوات، وقد ثبت على أنها تحتوي على مكونات تحد من الخصوبة (Riddle, 1992).

جرت الإشارة إلى نبتة تسمى “عفة” في العديد من النصوص المصرية اليونانية لخصائصها المضادة للخصوبة. بحيث قيل إن تناول أوراق منه مع نوع من أنواع النعنع يؤدي إلى الإجهاض (Riddle, 1992). ما زالت الزيوت ومنتجات شجرة العفة تسوق اليوم لتنظيم الدورة الشهرية وموازنة التغيرات الهرمونية عند النساء. كما جرى توثيق محاولات منع الحمل والإجهاض جيداً في المجتمع الروماني القديم (Dowsing, 2000). تصف إحدى كاتبات أمراض النساء في القرن الثاني الوصفات الطبية، من بينها وصف “طرد جنين عمره ثلاثة أشهر من دون أي صعوبة” عبر استعمال نباتات تجعل النساء يتقيأن أو لها تأثير مسهّل. حتى أن الحكومات الرومانية اضطرت إلى وضع قوانين ومكافآت مادية لضمان إنجاب العديد من الأولاد (Riddle, 1992).

كانت الانقسامات الطبقية موجودة في هذه المجتمعات الثقافات طوال آلاف السنوات، لذلك لم تكن النساء مجموعة متجانسة. يمكن لأقلية من النساء في العالم القديم احتلال مكانة عالية- كان بإمكانهن امتلاك الممتلكات والطلاق وأن يصبحن “كاهنات” قويات (Harman, 1999). كان بإمكانهن استعمال العلاجات الطبية والأطباء الأكثر تقدماً في أي وقت. كان أطفالهن ورثة مهمين للثروة والسلطة. النظام العبودي في روما القديمة كان يعني أن بعض النساء امتلكن عبيداً أو كان بإمكانهن تشغيل خدم أو نساء لرعاية كل جانب من جوانب احتياجات أطفالهن. لكن العبيد، سواء من النساء أو الرجال، كانوا مجرد قطعة من الممتلكات وأي طفل سينجبونه سيكون ملكاً لمالكهم. كانت تجربة الولادة والقدرة على التحكم بالخصوبة لمثل تلك النساء مختلفة للغاية عن تجربة أسيادهن.

يستعمل بعض معارضي الإجهاض عبارة في قسم أبقراط القديم كدليل على أن الأطباء يجب عدم إجراء عمليات إجهاض. ويأتي القسم من الطبيب اليوناني الذي يحمل نفس الاسم والذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، وما زال الأطباء يتلونه حتى اليوم. ولكن حتى في زمن أبقراط نفسه، لم يفسر القسم على أنه ضد الإجهاض. تحذر العبارة المحددة في القسم من استعمال مادة “مدمرة” للإجهاض، والتي كانت تعتبر خطيرة في ذلك الوقت. لم يصدر هذا الحكم بشأن النباتات والمشروبات العشبية والمركّبات، التي كانت ممارسات شائعة ومقبولة. العديد من طرق الإجهاض كانت خطرة وكانت عبارة بكل بساطة عن إيذاء جسم النساء بضربات عنيفة لإنهاء الحمل. عام 1960، قدم الأنثروبولوجي جورج ديفيرو تقريراً عن دراسات حول طرق إنهاء الحمل غير المرغوب في أكثر من 300 مجتمع ما قبل الصناعة في كل أنحاء العالم. فيعدد فيه روايات عن تسلق النساء على الحبال وقفزهن من فوق، أو دفن أنفسهن حتى الخصر، أو وضع حجارة ساخنة أو حتى رماداً ساخناً على بطونهن. استعملت بعض المجتمعات، الإينويت في ساوث ساوند، طريقة من طرق التلاعب بالولادة. كما أفاد استعمال أدوات حادة- مثلاً ضلوع الفقمة أو كلب البحر المغطاة أحياناً بجلد الفقمة بهدف إنهاء الحمل (Devereux, 1960).





اللافت للنظر أنه عبر مراجعة الأدلة التاريخية والسجلات التاريخية المكتوبة الأولى، هناك معرفة مشتركة متبادلة تتضمن النصح والمهارات التي يعاد إنتاجها حول كيفية تجنب أو إنهاء الحمل غير المرغوب. تتكرر بعض المواد مثل النعنع والمر وحشيشة الدود والزعتر في العصور الوسطى، وظهرت في قارات مختلفة طوال مئات السنين (Mclaren, 1984 Riddle, 1992 Koblitz, 2014). في الواقع كانت هذه المواد العشبية فعالة جداً وما زالت مستعملة حتى يومنا هذا. في بعض الحدائق العامة في أوروبا، كان لا بد من وضع بعض الشجيرات، التي كانت تستعمل في العصر الروماني، خلف الزجاج أو السياج لمنع النساء اليائسات للإجهاض من استعمالها في أواخر القرن الـ 19 (Shorter, 1984).

اعتبر الخيط الرفيع ولكنه الصلب- أول دليل على التحكم في الخصوبة حتى العصور الوسطى- جزئيا بعد ترجمة النص العربي إلى اللاتينية في العصور الوسطى. كانت الثقافات الأوروبية تلاحق التطورات التي حصلت قبل فترة طويلة في الشرق، حيث حصلت بعض أهم التطورات في الطب في العالم. يظهر المؤرخ جون ريدل (1992, p127) أنه في كتابات أوائل الكتاب الطبيين المسلمين “تتعدد الأدلة على الاستعمال المتواصل لوسائل منع الحمل عن طريق الفم والمجهضات في المراحل المبكرة من الحمل”.

العصور الوسطى

مثقلة بالأطفال وإيجارات الأملاك؛

ما يمكن ادخاره مما يصنعنه من الغزل الذي ينفقنه على الإسكان،

كذلك على الحليب والطعام لصنع الغذاء لأطفالهن الذين يصرخون طالبين الطعام

اللواتي هن أنفسهن يعانين من الجوع الشديد،

وويلات الشتاء، والاستيقاظ في الليالي لهز الأسرّة،

كذلك، تمشيط الصوف، ورقعه وغسله، وفرك النسيج وبكرة الخيطان والتقشير السريع

من المؤسف أن أصف أو أكتب بالقوافي

ويل النساء اللواتي يعشن في الأكواخ.

(Layland and Economou,1996, p820)

تصف هذه الأبيات المأخوذة من قصيدة من القرن 14 كتبها ويليام لايلاند ظروف النساء في العصور الوسطى. شهدت هذه العصور هيمنة وسيطرة الكنيسة على كل جانب من جوانب المجتمع؛ كان ينظر إلى الملوك على أنهم معينين من الله. كانت الكاتدرائيات الضخمة في تلك الفترة تعبيراً مادياً عن هيمنة الكنيسة بحيث إنها بنيت لنشر الرهبة والخوف. تسلسلت السلطة هرمياً بدءاً من سلطة الكنيسة وصولاً إلى اللوردات الإقطاعيين. امتلك الأخيرون الأقنان وسيطروا على حياة وعمل الجماهير، عاش 90 بالمئة من الأوروبيين من العمل الزراعي. سنت القوانين القمعية والعقوبات على القطاعات الأفقر من المجتمع لضمان خضوعها، كل ذلك جرى تبريره بواسطة الأيديولوجيا التي اعتبرت هذه الهرمية أمراً طبيعياً وهبة من الله. تعرضت النساء لتدقيق كبير (Rowbotham, 1977)؛ كانت حياتهن وجنسانيتهن وخصوبتهن هدفاً دائماً للرقابة من آباء ورهبان الكنيسة؛ جرى تفسير الإدانات المستمرة للإجهاض ومنع الحمل على أنها علامات على انتشارهما (McLaren, 1984).





كانت حياة النساء مقيدة بكل الطرق. كان متوقعاً منهن أن يبقين عذروات إلى أن يتزوجن؛ الجنس خلال الزواج كان وحده النشاط الجنسي المقبول، وكان له هدف وحيد- الإنجاب. كان على النساء في كل المجتمع الخضوع بكل الأمور لرب الأسرة الذكر. النساء اللواتي كن جزءاً من المحكمة الملكية أو من اللوردات كن يتمتعن بكل وسائل الراحة، مع أفضل نظام غذائي وحياة مريحة مع الخدم والقابلات الطبية، ولكنهن كن ما زلن تحت سيطرة “سيد” المنزل. كان من المفترض أن تقبل الفلاحات حياة الإنجاب المستمرة بمجرد زواجهن. في حين كان التوليد خطراً على حياة كل النساء، لكن بالنسبة للنساء الفقيرات كان ذلك بالغ الخطر. اعتمدت النساء على “النساء الحكيمات”، اللواتي كن يعملن كقابلات غير شرعيات وقدمن خليطاً من الخرافات والفولكلور والمعرفة العملية بالولادة، والجرعات والمركّبات التي يمكن استعمالها كمواد للإجهاض أو وسائل منع الحمل.

إن المعرفة الشعبية الثرية التي اكتسبتها أولئك النساء عن أجساد النساء والولادة والحمل كانت مهددة بصعود الطب كمهنة جامعية يمارسها الرجال بشكل أساسي. غالباً ما ترك الأطباء الذكور “صحة النساء” واعتبروه مهمة من مهام المجتمعات المحلية للاعتناء بهن، ما عنى أنهم لم يعرف الكثير منهم على الإطلاق عن العديد من عوامل تحديد النسل المستعملة. كتب جون ريدل: “يعرف كتّاب عصر النهضة عن تحديد النسل أقل ما يعرفه أسلافهم من العصور الوسطى، والإسلامية والكلاسيكية” (1992, p157). ولكن على الرغم من تراجع هذه المعرفة الشعبية، لكنها لم تختفِ بشكل كامل. مع نهاية عام 1886، نصَّ قاموس أسماء النباتات (بشكل خاطئ ولكن بشكل واضح مع ذلك) على أن السرو (savin) “اشتق اسمه من قدرته على إنقاذ شابة من العار” (Riddle, 1997, p240). إن الإشارة إلى “العار” لافتة ومثال على تنامي المواقف الرقابية تجاه النشاط الجنسي للنساء. وهي جزء من تاريخ الوصم المرتبط بالنساء اللواتي رفضن قبول أن الحمل المستمر مرتبط بنشاطهن الجنسي.

يهيمن الرجال بشكل أساسي على تأليف السجلات الطبية من العصور الوسطى، ولأن النساء كن ممنوعات من الوصول إلى الفرص التعليمية التي تطورت داخل الجامعات والأكاديميا. واحدة من النساء القليلات اللواتي كتبن بعض المصادر تعطي صورة عما كان يعلمه الناس العاديون وما استعملوه للتحكم بالخصوبة في أوروبا خلال تلك الفترة. كانت هيلغارد بينغن رئيسة دير ألماني، ومن إنجازاتها الكثيرة كتاباتها عن العلوم والطب. وعلى العكس من الأكاديميين الذكور في تلك الفترة، لم تستشهد بالنصوص القديمة؛ وبدلاً من ذلك، جاءت معظم معرفتها من ملاحظة حياة الناس في محيط الدير وكيف استعملوا نباتات وأعشاب مختلفة. كانت كتاباتها مليئة بالوصفات المختصة بالخصوبة؛ مثلاً، وصفت كيف يمكن أن يسبب زيت الزيتون الإجهاض، وقدمت أول إشارة مكتوبة إلى حشيشة الدود كمسبب للإجهاض (Riddle, 1992).

كان للعديد من هذه الوصفات بالغ الأثر على الحمل وأوجاع الحمل والنزيف. بعضها كان مجرد نوع من أنواع السموم، فبالتالي يجب قياس الكميات المستعملة لتجنب تناول جرعة قاتلة. لطالما كانت المعرفة والاختبارات الشعبية أمراً حيوياً، وهذا ما يفسر اعتماد العديد من النساء في الماضي على نصائح “النساء الحكيمات”- إذا لم تكن على معرفة بكيفية تحضير المركّبات أو الزيوت أو المشروبات المصنوعة من هذه الأعشاب والنباتات، فيمكن أن تعرض حياة الناس بسبب سم قاتل للخطر أو من دون أي تأثير على الإطلاق. مع ذلك، كان ينظر إلى هؤلاء النساء ومهاراتهن على أنها تحدٍ لسلطة الكنيسة والمؤسسة المسيطرة على حياة النساء، وكانت الكثيرات منهن عرضة للاضطهاد. وبلغ هذا الذعر الأخلاقي القاتل ذروته الذي عمّ كل أوروبا لعدة مئات من السنوات منذ القرن الـ 16، حيث قتلت حوالي 50 ألف امرأة اتهمن بممارسة “السحر”. وخلّف “صيد الساحرات” هذا، وموجة العنف التي ولدها، مناخاً من الخوف من تحدي النساء لقيود المجتمع بأي شكل من الأشكال. أدينت ما يقارب 200 امرأة بممارسة السحر في المقاطعات الشرقية من انكلترا في الـ 1640ات، وعلى الرغم من أن آخر إعدام لساحرة قد جرى عام 1685 بقي القانون ساري المفعول لـ 50 سنة مقبلة (Harman, 1999).





ثورة صناعية

مزقت الثورة الصناعية طرق [العيش] القديمة ودفعت بالملايين إلى المصانع والمراكز الصناعية الجديدة بدءاً من الـ 1760ات. في بريطانيا، محور هذا الكتاب، أجبر الفلاحون على ترك الأراضي التي عملوا فيها بسبب نظام التسييج والإفقار. كانت المشقة التي تحملوها عندما أجبروا على العمل في المصانع في ظروف سيئة لا يمكن تصورها. الانتقال من المجتمع الإقطاعي، والريفي بشكل أساسي، لم يكن سلمياً. فقد تضمن ذلك ثورة في العلاقات الاقتصادية التي أدت إلى اضطراب كامل في البنى السياسية والأيديولوجية المسيطرة. لقد تحدى البرلمان النظام الملكي، والذي كان وقتها يمتلك سلطة مطلقة، فسقطت كل الحقائق القديمة. جرى تدمير العائلة الفلاحية الممتدة بشكل كامل ووجدت الطبقة العاملة المتشكلة حديثاً نفسها في ظروف معيشية مزدحمة وغير صحية في وسط أحياء فقيرة مترامية الأطراف في المدن. جرى تسجيل هذه الظروف المعيشية في تقارير مفتشي المصانع، وتعليقات السياسيين والبيانات التحريضية والروايات من بينها لتشارلز ديكنز وإليزابيث غاسكيل. رواية غاسكيل “الشمال والجنوب” كانت تجري في مدينة خيالية اسمها ميلتون وترمز إلى مانشستر، حيث عاشت الكاتبة في بداية القرن الـ 19. صورت الرواية نتائج الظروف الخطرة والوسخة على عائلات بكاملها كانت تعمل في مصانع القطن.

في المصانع الحقيقية، وجد/ت النساء والرجال والأطفال أنفسهم يعملون لساعات طويلة في ظروف رهيبة لكسب ما يكفيهم للبقاء على قيد الحياة، فماذا كان يعني ذلك لخيارات المرأة الإنجابية؟ بالنسبة للنساء اللواتي عملن في أصعب المهن اليدوية، كان إنجازاً كبيراً أن يحملن بشكل صحي وسليم طيلة فترة الحمل. أدت ظروف العمل إلى حصول حالات من الإجهاض أو ولادة أجنة ميتة أو في سن الرضاعة. وجدت التحقيقات في ظروف العمل أن النساء يلدن في المصانع لأنه إذا لم يذهبن إلى العمل فلن يحصلن على راتب. كما وصف فريدريك انغلز في كتابه القوي عام 1845، حالة الطبقة العاملة في انكلترا، الذي كشف الكثير عن مواقف العاملات عندما يلدن مباشرة:

“إذا لم ترغم أولئك النساء على استكمال العمل خلال أسبوعين، فإنهن ممنونات، ويحسبن أنفسهن محظوظات. عادت العديدات منهن إلى العمل بعد 8 أو حتى بعد 3 إلى 4 أيام. في إحدى المرات سمعت أحد المصنعين يقول: “إذاً لم ترجع فلانة بعد؟ كم الوقت بقيت في المنزل؟” “أسبوع”. “كان يجب أن تأتي منذ فترة طويلة” عليها أن تبقى ثلاثة أيام فقط” بطبيعة الحال، إن الخوف من الخروج، والخوف من الجوع يدفعها إلى المصنع على الرغم من ضعفها بسبب آلامها”. (Engels, 1973, pp175–6)

عندما عادت النساء إلى المصانع بعد الولادة، يعملن لمدة 13 ساعة أو حتى أكثر في اليوم، وكن يتركن أطفالهن مع أخريات وغالباً ما يخدرنهم لمنعهم من البكاء من الجوع. كانت النساء يائسات لتجنب الحمل المستمر، رغم ذلك كانت وسائل منع الحمل الفعالة غير متاحة لأغلبية السكان. كانت أغلفة موانع الحمل الأولى قد انوجدت منذ القرن الـ 16. كانت مصنوعة من العديد من المواد، من بينها أمعاء الأغنام والجلد والكتان المربوطة بشريط، إلا أنها كانت خياراً للأغنياء وحدهم (Knight, 1977). لم يكن أمام أغلب الناس سوى القذف خارج الرحم أو تتبع دورة الرحم والتي غالباً ما أسيء فهمها (Bland, 2002). ولكن عندما بدأ انتاج الواقي الذكري بكميات كبيرة وبات متاحاً على نطاق كبير كان ذلك بعد عام 1844، عندما صنعت الطريقة الجديدة، الفلكنة vulcanisation، المزيد من المطاط المرن، إلا أن التكلفة كانت خارج متناول العديد من الفقراء والطبقة العاملة.





كان الإجهاض حقيقة يومية حيث حاولت النساء تجنب الإنجاب المستمر، ودفعت الظروف النساء إلى قتل الأولاد كوسيلة أخيرة عندما فشل كل شيء آخر. في عمل ليونيل روز الكلاسيكي حول هذا الموضوع، حيث وصف كيف أن بعض القابلات اللواتي يلدن مولوداً ميتاً “جرى تقديرهن لحظهن الجيد” (Rose, 1986, p88). لاحظ أحد الأطباء عام 1870 أن “عدد الأطفال الذين ماتوا خلال أيام الغسيل كان لافتاً” (Rose, 1986, p89). تظهر سجلات الطب الشرعي في أواخر الـ 1920ات أنه “لم يكن غير مألوف العثور على بقايا الأطفال المحشوة بمداخن أو مدفونة تحت ألواح الخشب (Dyhouse, 2013, p97). من الصعب تخيل الظروف الصعبة التي دفعت النساء إلى ترك أولادهن يموتون. من المستحيل كذلك، حساب عدد الأطفال الذين ولدوا ميتين بسبب الاستعمال الواسع النطاق لمواد الإجهاض الفاشلة. في مثل هذه الظروف، قد تخبئ النساء أجسادهن خوفاً من الملاحقة. فقد صدر قانون بقي نافذاً بين عامي 1624 و1803 ينص على أن المرأة غير المتزوجة التي عثر عليها مع طفل ميت كانت- بحسب القانون- مذنبة بقتل الطفل ما لم تتمكن من إثبات العكس (Rose, 1986). كانت العقوبة هي الإعدام.

أدت التغييرات الهائلة التي أحدثتها الثورة الصناعية إلى ترك عالم حديقة-مطبخ القابلة، بكل ما تحتويه من نباتات طبية وأعشاب. وباتت الحبوب والسموم والمواد الكيماوية الجديدة التي أصبحت متاحة هي ما توصلت إليه النساء لاستعماله للإجهاض. عاش الناس في ظل ظروف صعبة للغاية لدرجة اعتقد العديد من المعلقين أن العائلة كمؤسسة لن تعيش بين العمال. كان عمل العمال ضرورياً للصناعات المتوسعة، ولكن الاستبلاشمنت اعتبر حياتهم وسلوكهم “الجامح” و”الشرير” يشكل تهديداً لمجتمع مستقر ومنتج (Pinchbeck, 1977). فكان أصحاب العمل والمؤسسة السياسية والكنيسة عازمين على فرض النظام على الطبقة العاملة المتزايدة.

فرض النظام عنى كذلك قمع محاولات النساء السيطرة على خصوبتهن. كان تجنب الحمل غير المرغوب فيه تحدياً أساسياً لتعاليم الكنيسة التي أصرت على أن الجنس ليس للذة إنما لإنجاب الأطفال. والنساء اللواتي في ظروف مختلفة قد يرغبن بإنجاب الأطفال توليّن خصوبتهن بأيديهن، حتى إن شكّل ذلك خطراً على حياتهن. كان البديل- الحمل وتربية الأطفال في ظل التصنيع المتسارع- صعباً للغاية.

الجريمة والعقاب

أول إجراء أساسي لمنع الإجهاض كان مع إقرار قانون إطلاق النار والطعن الخبيث عام 1803، والذي غالباً ما يسمى قانون إيلنبورو باسم وزير العدل الذي اقترحه وقتها. وتضمن بنداً بخصوص الإجهاض إلى جانب الجرائم المتنوعة الأخرى، مثل إشعال النار “في البيت أو الحظيرة أو مخزن الحبوب…”. لقد أزال افتراض ذنب النساء بوأد أطفالهن وعامل الإجهاض كأي جريمة أخرى. إنما جعل الإجهاض قبل “حركة الجنين الأولى”، عند الشعور بحركة الأجنة- قانونياً لأول مرة. هذا التمييز في لحظة حركة الجنين الأولى كان مهماً لأن النساء الحاملات هن من يحددنه، وليس الطبيب أو أي شخص آخر. حتى الكنيسة لفترة من الزمن لم تتعاطَ مع إنهاء الحمل في الأسابيع الأولى بجدية كما تعاطت معه بعد حركة الجنين الأولى. ولكن عنى القانون الجديد أن النساء اللواتي يجهضن قبل حركة الجنين الأولى يعاقبن بالإبعاد، أو الجلد أو السجن. كانت عقوبة الإجهاض بعد حركة الجنين الأولى هي الإعدام (Greenwood & Young, 1976). جرى تعديل هذا الأمر لاحقاً لإلغاء عقوبة الإعدام والتمييز بين ما قبل حركة الجنين الأولى وبعده، إلى أن حظر قانون الهجمات على الإنسان الصادر عام 1861 كل أنواع الإجهاض، والمجهضين- ولأول مرة- النساء اللواتي يجهضن. وقد صدّر هذا القانون إلى كل أنحاء الامبراطورية البريطانية من إيرلندا إلى استراليا، وهذا القانون ما زال ساري المفعول حتى يومنا هذا في أغلب أنحاء المملكة المتحدة.





كانت القوانين الجديدة جزءاً من حملة لردع النساء من استعمال العلاجات المنزلية والمساعدة الذاتية في المجتمع بدلاً من الخضوع لسلطة مؤسسة طبية متنامية في السلطة. وكانت تلك تطورات متناقضة، حيث أرغمت النساء على الدخول في وضع كان عليهن الاعتماد على نساء أخريات في المجتمع للحصول على الاستشارة والتدخل بشأن وسائل منع الحمل. لا ينبغي أن يكون الافتقار إلى الحصول على التدخل الطبي الاجتماعي أمراً رومانسياً. بسبب المخاطر الكبيرة للعلاج الذاتي، كان يمكن للعديد من نساء الطبقة العاملة في القرن الـ 19 والـ 20 الذهاب إلى الطبيب لو أتيح لهن ذلك، وإذا اعتقدن أنهن سينلن نصيحة مشجعة. حتى هؤلاء النساء اللواتي طلبن نصيحة الأطباء غالباً ما رفضوا تقديمها (Knight, 1977).

مع ذلك، وبغض النظر عما قررته الكنيسة أو الدولة، فإن الإجهاض- الذي كان شائعاً في القرن الـ 18- بقي كذلك خلال القرن الـ 19. حتى بعد عام 1803، أغلب النساء كن ما زلن يعتقدن أنه من القانوني إنهاء الحمل حتى حركة الجنين الأولى (Rose, 1986). في الواقع، ادعى بعض المؤرخين (Knight, 1977) أنها كانت أكثر وسائل منع الحمل انتشاراً لنساء الطبقة العاملة. أجرت الكنيسة الكاثوليكية تغييراً في وجهة نظرها بأهمية حركة الجنين الأولى عام 1869، عندما أصدر البابا بيوس التاسع مرسوماً أن الروح التي تدخل الجنين، تبدأ مع الحمل مباشرة (Riddle, 1992, p162). وهذا ما جعل جميع عمليات الإجهاض في أي وقت حصلت جريمة بحسب الكنيسة والدولة على حد سواء، ومع ذلك علم المسؤولون عن أعداد النساء اليائسات اللواتي كن لا يعلمن أنهن يخالفن القانون عندما أنهين حملاً غير مرغوب فيه. كان هذا مفهوماً خاطئاً منتشراً في القرن الـ 20 (Knight, 1977). كان من الصعب مراقبة أفعال النساء، حيث كان سهلاً الحصول على عوامل الإجهاض مثل حبوب الرصاص والبارود الممزوج بالسمنة أو المياه المنقوعة فيها المسامير أو العملات المعدنية.

منذ أواسط القرن الـ 19، شهدت بريطانيا بداية انخفاض حاد في حجم الأسرة. لم يكن هذا التراجع مصادفة. يتفق معظم الباحثين على أن ذلك يعود بشكل جزئي إلى الارتفاع الكبير في عمليات الإجهاض، على الرغم من القوانين المتشددة. فتضاعفت الملاحقات خلال العقد الأول من القرن العشرين، وتضاعفت من جديد في العقدين التاليين (Lewis, 1984). أصبح الإجهاض شائعاً لدرجة أن الشركات المنعدمة الضمير وجدت فيه وسيلة لتحقيق الأرباح، ونمت صناعة تجارية هائلة. كان هذا الأمر يستهدف بشكل أساسي النساء الميسورات، وبسبب عدم شرعيته أعلن عن هذه الشركات بعبارات ملطفة. من بين هذه : “إلى السيدات فقط، زو لايدي مونتروز المعجزة لا مثيل لها لكل أمراض النساء. نزيل كل العوائق والمخالفات، وسوى ذلك من الجهاز النسائي من خلال جرعات قليلة” (Lewis, 1984, p17). جرى بيع الآلاف من هذه المنتجات في الصيدليات ومحال الأعشاب وعبر البريد. وكانت في أحسن الأحوال غير فعالة، وفي أسوأ الأحوال خطرة، إلا أنها كانت منتشرة بشكل كبير. ويشير إعلان ثانٍ إلى التالي: “تحب العديد من النساء الاحتفاظ بصندوق بمتناولها” (Knight, 1977, p61)، الأمر الذي يوضح أن النساء استعملن مثل هذه العلاجات باستمرار وليس فقط في حالات الطوارئ القليلة. في الواقع، علّق أحد المراقبين بأن بعض النساء لم يخاطرن أبداً “فقد استعملن “المسهلات العنيفة” شهرياً من دون شكّ” (Holdsworth, 1988, p98).





أثيرت قضية النساء اللواتي اشترين هذه المنتجات من خلال قضية ابتزاز الأخوين كريمز السيئة السمعة عام 1899، حين باع الإخوة الثلاثة “علاجات نسائية” عبر إعلانات الصحف، وأرسلوا رسائل ابتزاز إلى 10 آلاف امرأة، مدعين وجود دعوى قانونية ضدهم، وأنهم يمكنهم تجنب الاعتقال إذا أرسلت كل واحدة منهن جنيهين. وكان المبلغ كبيراً، حتى بالنسبة لنساء الطبقة الوسطى، ولكن الخوف من الانفضاح، لدرجة أنهم جمعوا 800 جنيه استرليني في الأيام التي تلت تلقي النساء الرسائل والتي سبقت عثور الشرطة على الإخوة واعتقالهم (Knight, 1977 Francombe, 1984).

الطبقة والخصوبة

تعيش النساء من الطبقات العليا والوسطى في عالم مختلف عن غالبية النساء، اللواتي يحملن حالات الحمل المتعددة عندما كانت وسائل منع الحمل باهظة الثمن وعمليات الإجهاض غير ناجحة. من دون شك كانت القوانين والأخلاق تتحكم بأجساد النساء الثريات وخصوبتهن، ولكن كما كان الحال بالماضي كان باستطاعتهن الوصول إلى إجراءات منع الحمل والإجهاض الأكثر أماناً في تلك الأوقات. عندما عملت مارغريت سانغر، الناشطة في مجال تحديد النسل، كممرضة في نيويورك في بداية القرن الـ 20 لاحظت أن “الغنيات يعلمن الحيل… في حين لدينا الكثير من الأطفال” (Alaimo, 2000, p112). في حين كان القانون يضغط على نساء الطبقة العاملة، جرى استعمال الأيديولوجيا المحيطة بدور النساء في المجتمع لفرض نموذج العائلة المثالية على العمال. وهذا يعكس رؤية الطبقة الوسطى الفكتورية، حيث يكون الرجال المعيلون والنساء ربات البيوت العفيفات. هذا النموذج استعمل بطريقة يبقي النساء (والرجال) مطيعين، وأصدرت أحكاماً أخلاقية على أولئك غير المتلزمين (Gordon, 1990). في الواقع، كان نفس النظام الذي فرض هذا النموذج يجعل مستحيلاً على الجماهير العمالية أن يكون لديها الخيار للاستمتاع بأي نوع حياة شخصية أو خاصة. العائلة المثالية لم تكن خياراً متاحاً لأغلب العمال. شكلت الطبقة الثرية المفاهيم المسيطرة للجنس في المجتمع. كانت الحرية الجنسية لنساء الطبقة العاملة، وما زالت، تعتبر خطيرة وتحتاج إلى الضبط. قيل للنساء إنه عليهن الالتزام بدورهن المحدد المتجسد بالحفاظ على “قدسية” العائلة والزواج، من دون الاعتراف بالواقع القاسي على وجودهن.

جرى وصف حياة نساء الطبقة العاملة في وثيقة صادرة عام 1915 بعنوان: “الأمومة”، تجعل القارئ يقشعر بدنه. إنها مجموعة من المقابلات مع نساء نشرتها رابطة التعاونيات النسائية. لفهم دافع الإجهاض الخطير، من الضروري تقدير المعاناة والعبء الجسدي الكبير للأمومة والولادة عندما تعاني النساء من سوء التغذية والإرهاق المشحون بالخوف. وصفت إحدى النساء كيف أن طفلها “تمزق مني حرفياً” (p116). وامرأة أخرى: “أشعر أن وضع النساء حقاً أسوأ من الوحوش” (p48). إحدى النساء أفادت عن معرفتها بثلاث نساء توفين بعد تناولهن مواد مجهضة (p169). نجت صديقة أخرى فعليا وهي أم لـ 7 أطفال بعد تناولها دواء لإنهاء الحمل. عندما التقيا بالشارع قالت لها: “لن أنجب المزيد منهم، ولن أهتم إن مت” (p169).

كان الأطباء قلقين حيال الآثار الجانبية لبعض أنواع المواد المجهضة في حال تزايدت أعداد النساء اللواتي يستعملنها. مثلا، قدّم عدد من المقالات في المجلة الطبية البريطانية في بداية القرن الماضي روايات عن ارتفاع في الوفيات بسبب التسمم بالرصاص- ولكن على عكس حالات تفشي الرصاص في الماء، فإن ذلك أصاب النساء فقط. اكتشف الأطباء أن النساء قد تعلمن ذلك في المصانع التي تستعمل الرصاص المسبب للإجهاض، ولذلك بدأن باستعماله للإجهاض، وكتب الأطباء عن كيفية انتشار استعمال الرصاص في مناطق في جنوب يوركشاير، وخاصة في المناطق “الصناعية الكثيفة السكان” (Hall and Ransom, 1906). وخلصوا إلى أن المعرفة بأثر الرصاص على الحمل، وتناقل ذلك شفهياً، بحيث استغرق الأمر أكثر من عقد لتنتشر [المعرفة] إلى ثلاث أو أربع مقاطعات من التجربة الأولى. حتى مع تزايد استعمال الرصاص كمسبب للإجهاض، ما زال الأطباء قلقين بشأن نشر المخاوف “هناك خوف من أن النشر سيؤدي إلى نشر الشر، بدلاً من التخفيف منه” (Hall and Ransom, 1906).





ولكن في حين كان الاستابلشمنت وبعض الناشطين يستنكرون بأبوية أو ارتعاب للمدى الذي تذهب إليه النساء لتجنب أو وضع حد للحمل، نظمت نساء الطبقة العاملة أنفسهن. ومن المثير للاهتمام أنه في بعض المناطق والقطاعات الصناعية كانت العائلات الصغيرة هي الشائعة. وحصلت نقاشات عديدة حول ما هي أسس العائلة الصغيرة، ولم يتفق الجميع على الأسباب التي تقف خلف التغيرات (Mclaren, 1978 Roberts, 1999). أظهرت إحدى الدراسات في برادفورد أن نسبة الولادات قد تراجعت بعد إقرار التشريع المقيد لعمالة الأطفال عام 1877 (Fryer, 1965). أظهرت دراسات أخرى أن العائلات كانت أصغر في المناطق حيث النساء يتقاضين أجوراً لقاء عملهن (Gittins, 1982). تحدث أحد الأطباء عام 1906 عن الخبراء “المرتاعين” من تزايد استعمال المجهضات “في مناطقنا الصناعية” (Rose, 1986 p134). وأفاد طبيب آخر أمام لجنة برلمانية في القرن الـ 19: “عندما يجتمع الأفراد في المصانع أعتقد أن الوقاية من الحمل، على الأرجح تكون معلومة من الجميع ويمارسها الشباب من بينهم” (Barker and Drake, 1982, p153).

في تقريرها المنشور عام 1914 حول انكلترا شمالي همبر، أفادت إثيل إلدرتون، الناشطة في مجال تحسين النسل، كيف كان الإجهاض شائعاً-خاصة في المناطق العمالية المُدنية. أكد تقريرها أنه في المناطق التي كانت تلتقي فيها النساء ويتحدثن بشكل جماعي، تبادلن فيها تجاربهن. كانت المشورة حول ما الذي يمكن أن يؤخر الدورة جزءاً من ذلك. أتاح العمل الجماعي في المصانع حافزاً اقتصادياً وفرصة للحصول على أفعل وسيلة من زملاء العمل. وهذا الأمر استمر طوال عقود. وصفت المنظِّمة في حملة حقوق الإجهاض، أليس جنكينز، مصنعاً عام 1938 حيث تدفع العاملات إلى “نادي الإجهاض” للاعتناء بأنفسهن إن احتجن للمساعدة لإنهاء الحمل (Hall, 2005). وُصفت الإجراءات المستعملة من قبل العاملة في مصنع للمربى في غريمسبي خلال الـ 1930ات، بيتي براون:

“إذا كنت حاملاً، فستخبرك امرأة عجوز بأن تذهبي إلى الصيدلية للحصول مقابل شلنغ على منتجات لتناولها مع الجن [مشروب كحولي]. وعلى الأرجح بأنها ستجعلك مريضة جداً. اعتادوا القول استمري بتناوله حتى يتزايد المرض. وإذا كنت يائسة للغاية، يقولون استعملي إبرة حياكة ولكن يجب أن يكون لديك دائماً زجاجة من ليسول- Lysol بسبب تسمم الدم وستموتين خلال ساعات في حال حصل ذلك”. (Humphries, 1989, p78).

وصفت نفس المرأة كيف ماتت صديقتها بعد اتباعها لنصيحة تقضي بحمل ثقل إلى أعلى الدرج والقفز من أعلى درجة (Humphries, 1989, p78). بذلت نساء الطبقة العاملة أقصى جهودهن للاعتناء ببعضهن البعض، ولا يزال الاعتماد بين النساء المحليات مستمراً في الكثير من الأحيان للحصول على المشورة والمساعدة العملية في إجراء عمليات الإجهاض حتى تغيير القانون عام 1967. وغالباً ما كان ينظر إلى المجهضين على أنهم ليسوا شريرين إنما حلفاء مهمين. وغالباً ما رفضت النساء تسمية مجهضاتهن في المحاكم، وحتى عند وفاتهن بسبب إنهاء فاشل للحمل. وعندما حكمت المحكمة على “السيدة لي” بالسجن لمدة 5 سنوات عام 1930، أفادت جريدة غلوستر عن خروج “مظاهرة كبيرة” دعماً لها ولاحظت أن المتظاهرين قد استهجنوا تصرف أحدهم بعد تقديمه لأدلة ضدها، وعندما رأوهم عند نافذة المحكمة، فصاحت الجماهير: “انزلوا يا كلاب!” (Francombe, 1984, pp71–2).





لم ينظر إلى هؤلاء المجهضات على أنهن يستغلّن النساء، إنما على العكس يساعدنهن على حل مشكلة. مايا وودسايد (1966) قابلت 44 امرأة في سجن ه.م. هولواي من اللواتي حكم عليهن بإجراء عمليات إجهاض غير قانونية خلال الـ 1960ات. وجدت أن كل النساء متزوجات أو كن متزوجات، وأن الغالبية لديهن أطفال. أفادت العديدات منهن عن دعم حصلن عليه من النساء اللواتي “ساعدنهن”، من بينها واحدة أرسلت لها “الورود والهدايا من قبل زملائها قبل أن تذهب إلى المحكمة” (Woodside,1966,p37). ولكن، كان هناك من مارس/ت الإجهاض، من النساء والرجال، الذين استغلوا وضع النساء لربح المال. والأسوأ من ذلك، القاتل المتسلسل سيء السمعة جون كريستي في 10 ريلينغتون بلايس الذي قدم نفسه كمجهض جرى شنقه في نهاية الأمر لقتله العديد من النساء عام 1953، وذلك بعد 3 سنوات على شنق رجل بريء لواحدة من جرائم القتل [المتسلسلة]. مع ذلك، وبسبب التابو المفروض حول الإجهاض خلال الـ 1950ات، فإن حقيقة أن كريستي كان يمارس الإجهاض كان مخفياً إلى حد كبير كعنصر من عناصر القضية في ذلك الوقت (Jones and Pemberton, 2014).

لم يكن لدى نساء الطبقة العاملة والفقيرات سوى الشوارع الخلفية لأنه لم يكن باستطاعتهن المقامرة على العلاجات شبه التجارية. لكن من انتمين إلى الحركة العمالية كن في وضع يسمح لهن بالتنظّم جماعياً. على سبيل المثال، قبل الحرب العالمية الأولى، نظمت نساء الطبقة العاملة في روثيرهيث، جنوب شرقي لندن صفوفاً في التحكم بالنسل، التي كانت ما زالت مستمرة خلال الـ 1920ات (Fryer, 1965). لقد منحهن تنظيمهن الطبقي قوة جماعية، وكان لهن النصيب الأكبر في تغيير القانون.

نضالات جديدة

اتسمت بداية القرن العشرين بالمقاومة والانتفاض. احتشدت النساء في حركة الحق بالاقتراع، كما تزايد النضال العمالي الراديكالي الذي سمي “الاضطرابات الكبرى” وتحدى الحكم البريطاني في إيرلندا من قبل حركة متزايدة تطالب بالاستقلال (Dangerfield, 1997). هذه النضالات السياسية والصناعية لم تكن مختلفة عن نضال النساء للتحكم بخصوبتهن؛ فقد تبادلوا/ن التأثير، من النضال المستمر. يضع المؤرخ ستيفان برووك (2013) النضالات من أجل التحكم بالنسل في قلب السياسات الطبقية والتنظيم الاشتراكي منذ مطلع القرن الماضي. كانت النساء في قلب النضالات الصناعية لـ “النقابوية الجديدة” خلال الـ 1880ات، والتي شهدت تنظيم العمال في الصناعات التي لم تشهد تنظيمات نقابية سابقة. تصدرت عاملات مصنع الكبريت في شرقي لندن الطريق خلال عام 1880، من خلال إضراب هائل كشف ظروف عملهن البالغة الصعوبة وقدرتهن على تحديها (Raw, 2011). سنرى أن هذه النضالات، وتجربة التوظيف الجماعي لملايين النساء في حربين عالميتين، كان لها بالغ التأثير. فتزايدت توقعات النساء من حياتهن، إضافة إلى تساؤلاتهن المتزايدة عن مكانتهن في المجتمع.

بدأت أولى حركات تحديد النسل المنظمة في نهاية القرن الـ 19 وبداية القرن الـ 20. ولكن الحجج المتعلقة بتحديد النسل لم تأتِ من فراغ على الإطلاق، ويمكن أن تلعب دوراً متناقضاً. يمكن فرض تحديد النسل عبر العنصرية والتحيز ضد الطبقة العاملة، أو اختياره كتعبير عن الاستقلالية الذاتية وتخفيف جدي للمعاناة. لذلك يجب أن تكون الحقوق الإنجابية متعلقة بحق النساء بالاختيار والاستقلالية بجسدها. في بعض الأحيان، أدى عدم فهم حدود الاحتيار الحقيقي إلى انتقاد النشطاء لسلوك النساء. على سبيل المثال، دفع بعض نشطاء تحديد النسل في بداية القرن الماضي إلى الشكوى من أن نساء الطبقة العاملة يبدو أنهن يفضلن الإجهاض على التدابير الوقائية، وكان ذلك في وقت عارض فيه العديد من دعاة تحديد النسل الإجهاض. لكن في الواقع لم يكن الأمر متعلقاً بالتفضيل بقدر ما كان متعلقاً بالخيارات المحدودة التي فرضتها الأيديولوجيا والطبقة على النساء الأفقر. لم تكن وسائل منع الحمل متاحة أو ميسرة التكلفة. في المقابل، كان الإجهاض مطلوباً فقط إذا كانت المرأة حاملاً فعلياً. كذلك، بالنسبة للكثير من نساء الطبقة العاملة كانت وسائل منع الحمل تحمل معها الشعور بـ”الفجور”: فاستعمالها يعني أنك مارست الجنس كثيراً من أجل المتعة فقط. لذلك كانت بعض النساء يتجنبنها بسبب ارتباطها بالعمل الجنسي، بحسب رأيهن، إذا استعملن وسائل منع الحمل فلن ينظر إليهن على أنهن محترمات (Brookes, 2013). هذا القلق لم يكن من دون أساس؛ على سبيل المثال، أدان أحد النواب خلال الـ 1930ات تحديد النسل باعتباره “معرفة الشراميط” (Jenkins, 1960, p49).





لم تكن غالبية الناشطين الأوائل مدفوعين بتمكين النساء من التحرر الجنسي. كتبت المؤرخة لوسي بلاند (2002) عن تطور منظمات تحديد النسل من نهاية الـ 1870ات، بدءاً مع إطلاق العصبة المالتوسية، التي كانت ترى في إقناع الطبقات المتعلمة حول الحاجة للتحكم بنسل الشعب كأولوية بدلاً من إعطائهم النصح العملية أو التحريض وسط الطبقة العاملة. استندت وجهة نظر محددي النسل والمالتوسيين التي شكلت هذه الحركة المبكرة على أفكار توماس روبرت مالتوس، على الرغم من أن الكثيرين من الحركة المالتوسية لم يوافقوا على كل أفكاره. حاجج مالتوس أن سكان العالم يتنامون بأضعاف مضاعفة وبالتالي يزيدون عن حجم الموارد، التي كانت تنمو فقط حسابياً. ادعى أن أعداد الشعب يجب تحديدها. أما علم تحديد النسل فقد غذى الاعتقاد أن بعض الأشخاص أو الفئات الاجتماعية متفوقة وراثياً ويجب تشجيعها على “التكاثر”، في حين يجب عدم السماح لمن هو أدنى وراثياً- وغالباً من عرق مختلف أو طبقة مختلفة عن طبقتهم/عرقهم- لهم بالإنجاب. مثل هذه الأفكار لمحددي النسل باتت هي الأفكار المهيمنة في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية خلال القرن الـ 20. مثلا، كان التشريع الذي يجرّم النساء اللواتي ينجبن خارج نطاق الزواج محدداً للنسل. وفي الولايات المتحدة، أدى التشريع المحدد للنسل إلى التعقيم الذي أمرت به الدولة في السابق للنساء الفقيرات والسوداوات والنساء من السكان الأصليين، والذي بقي نافذاً حتى الـ 1970ات (Schoen, 2005 Nelson, 2003).

غالباً ما كانت مواقف العديد من الناشطات من الطبقة الوسطى إزاء النساء المفقرات ونساء الطبقة العاملة مشبعة بوجهات نظر أبوية حول فقرهن وظروفهن السيئة، وفي أسوأ الأحوال، التعصب الأعمى المطلق. بعض الناشطات من أصحاب الامتيازات المؤيدات للحق بالوصول إلى التحكم بالنسل، من بينهن ماري ستوبس في بريطانيا ومارغرت سانغر في الولايات المتحدة، عبرن في بعض الأوقات عن الأحكام المسبقة في ذلك الوقت. على سبيل المثال، اشتكت ستوبس “أن المجتمع يسمح للمرضى، والمهملين عرقياً، والمبذرين، والمهملين والضعفاء والأدنى والأسوأ في المجتمع بإنتاج عشرات الآلاف من الأطفال المشاغبين والأقل شأناً (in Weeks, 1981, p190). بالطبع، لطالما رفض هذا الرأي في المراكز التي تحمل اسم ماري ستوبس، والتي تتصدر مراكز رعاية الصحة الإنجابية الداعمة والمتعاطفة لجميع النساء.

حتى بالنسبة للناشطات اللواتي لم تكن مواقفهن مشابهة، نادراً ما كانت مسألة تحرر النساء مسألة مركزية. كانت مخاوفهن مرتبطة بتخفيف العبء المستمر على النساء الفقيرات. لكن افتقار النساء إلى المال لم يكن كافياً لتفسير لماذا تريد النساء التحكم بخصوبتهن. وكما قالت إحدى الناشطات: “حتى إذا عشنا في قصر باكنغهام فنحن لا نريد مولوداً جديداً كل عام” (Brookes, 2013, p86). بعيداً عن رفض الدور التقليدي للنساء كأمهات وبانيات للأسر، جرى التأكيد مراراً على هذا المثال الأعلى من قبل العديد من الناشطات في مجال تحديد النسل، واللواتي جادلن بأن الوصول إلى وسائل منع الحمل هو صنع أمهات أفضل لأطفال أقل.

في المقابل، رأى بعض الناشطين الوصول إلى وسائل التحكم بالنسل كجزء من نضال أشمل من أجل مجتمع أكثر مساواة، مثل البلشفية ألكسندرا كولونتاي في روسيا، التي كتبت أن الوصول إلى الإجهاض الآمن هو “حق ديمقراطي أساسي للنساء” (Porter, 2013, p333). في بريطانيا، كان هناك أقلية ترى أن القضية تندرج ضمن تحرر النساء. أشارت لوسي بلاند إلى أعضاء العصبة الذين كانوا يعتبرون التحكم بالنسل مسألة نسوية وأولئك الذين دعموا إيصال المعلومات إلى نساء ورجال الطبقة العاملة. في ذلك الوقت، كان مجرد توزيع منشورات حول التحكم بالنسل إلى جماهير الطبقة العاملة يعتبر خطراً؛ وقد تعرض الناشطان آني بيسانت وشارلز برادلو إلى المحاكمة عام 1877 لنشرهما مثل هذه المعلومات (Fryer, 1965). أليس فيكيري، كانت عضوة في العصبة التي أشارت إليها بلاند، كانت شاهدة دفاع في محاكمتهما. كانت أول كيميائية بريطانية، وواحدة من أصل 5 نساء فقط نلن في بريطانيا شهادة الطب عام 1880 (Bland, 2002). حاججت ستيلا براون، الكندية المولد، ومؤسسة الحزب الشيوعي في بريطانيا، “أن التحكم بالنسل هو جهد حاسم للنساء في تقرير مصيرهن” (Hall, 2011). الناشطة التي اعتبرت أن التحكم بالنسل هو مسألة مرتبطة بتحرر النساء وجنسانيتهن كانت عضوة العصبة المالتوسية جاين هوم كلابيرتون. فقد أعلنت موقفها في كتيب نشر عام 1900، بعنوان ماذا تريد النساء؟ حيث علقت “الجماع الطوعي والممتع والصحي… نادر الحصول نسبياً” (Bland, 2002, p211). كتبت المؤرخة شايلا روبوثام كذلك عن النساء اللواتي تحدين علماء تحسين النسل؛ وأشارت إلى تناقضات النساء اللواتي رأين القضية مسألة حرية فردية بحتة. مثلاً، تستشهد بكتابات الاشتراكية النسوية تيريزا بيلينغتون-غريغ عام 1915 أن الطفل غير المرغوب فيه “كان انتهاكاً شديداً للحقوق الشخصية للأم” (Rowbotham, 2010, p102). في المقابل، اعتبرت روبوثام أن النساء المتجذرات في تقاليد الحركة العمالية واليسار يرين الإنجاب كمسألة “شخصية واجتماعية في الوقت عينه” لا يمكن استخلاصها من مسألة الطبقة (Rowbotham, 2010, p102).





قاوم الاستابلشمت نضالات النساء الهائلة من أجل الحصول على الحق بالاقتراع بكل الوسائل. حيث اعتقلت المناضلات في حملة الحق بالاقتراع، وسجنتهن وأجبرتهن على تناول الغذاء حين أضربن عن الطعام (Foot, 2012). ضمت حركة الحق بالاقتراع ناشطات من أصحاب الامتيازات مثل إيميلين بانكهورست وابنتيها كريستابيل وسيلفيا، إضافة إلى الآلاف من العاملات اللواتي أردن الحصول على الحق بالتصويت لهن ولزملائهن العمال، الذين كانوا كذلك محرومين من هذا الحق. أصيبت سيلفيا بخيبة أمل من تكتيكات الحملة التي قادتها والدتها وشقيقتها، وذهبت إلى شرقي لندن للتنظيم في أوساط الفقيرات والعاملات. هناك، أنشأت عيادة أمومة وحضانة، إلى جانب العديد من الخدمات التي كانت تقدمها. في الوقت عينه، رأت المناضلات في حملة الحق بالاقتراع، من أوساط الطبقة العاملة مثل العاملة سيلينا كوبر، في التصويت جزءاً من نضال أوسع لطبقتهن، من بينها النضال من أجل الوصول إلى التحكم بالنسل (Liddington and Norris, 2000).

دفع اندلاع الحرب العالمية الأولى هذه النضالات إلى الهامش. دعمت أغلب الناشطات من الطبقات العليا الحرب، وعارض العديد من مناضلي/ات الطبقة العاملة في حملة الحق بالاقتراع الحرب لأنهم/ن رأوا/ين أن الناس العاديين سيعانون من أسوأ النتائج. مثل المناضلة في حملة الحق بالاقتراع والاشتراكية حنة ميتشيل، التي أعلنت: “الحرب هي في الأساس صراع من أجل السلطة، والأرض والتجارة، تخاض دائماً بواسطة العمال، الخاسرين دوماً “(Klein, 1997, p27). ولكن مهما كانت الآراء من الحرب، فقد لعبت دوراً في تحويل حياة النساء، حيث انضمت مليونا امرأة إلى سوق العمل للحلول مكان الرجال الذين ذهبوا إلى المعركة (Marlow, 1998). وفوق كل ذلك، انضمت مئة ألف امرأة إلى صفوف الجيش البريطاني. أمنت الحكومة الحضانات في مصانع الأسلحة المهمة لضمان خروج النساء إلى العمل؛ بحلول عام 1917، جرى افتتاح أكثر من 100 [حضانة] في كل أنحاء البلاد. (1) لم يسبق أن حصل مثل ذلك في بريطانيا من قبل.

أدى تزايد عدد العاملات في المصانع إلى تغييرات أخرى. مثلاً، لا تستطيع النساء اللواتي يعملن في القنابل ارتداء أي معدن، لذلك تخلين عن [ارتداء] الكورسي، وكان الشعر الطويل قد بات في آخر أيامه، لذلك اتجهت النساء إلى اختيار الأزياء والتسريحات المريحة، لذلك باتت التنانير الطويلة غير مريحة، وأصبحت السراويل وحتى تلك القصيرة، شائعة. لم تكن النساء اللواتي خرجن من الحرب مختلفات عن الإدوارديات في سنوات ما قبل الحرب فقط، إنما كن مختلفات بعمق من نواح عديدة. لقد أدينت وظائف كان يعتقدها الناس، ومن بينهم النساء، أنها ملائمة للرجال فقط. اختبرن الحرية المادية والشخصية التي لم يكن بإمكانهن إلا تخيلها قبل الحرب، عندما كانت 1،7 مليون امرأة عالقة في العمل المنزلي- وهي ذروة لم يسبق لها مثيل. كانت إيثيل دين إحدى هؤلاء النساء. عملت في مصنع للذخيرة في وولويتش أرسنال في لندن، حيث قالت: “عندما تكونين [تعملين] في الخدمة [المنزلية] لا يمكنك الخروج ساعة تشائين. وعندما تعملين في المصانع سيصبح لك وقتك، أليس كذلك؟ مساء تعودين إلى البيت، أينما كنت، ويمكنك الخروج ساعة تشائين”. عانت النساء من التمييز في العمل- تقاضت العديدات منهن أجوراً أقل من أجور الرجال. في بعض الحالات، ناضلن من أجل المساواة على الرغم من الضغوط لمواصلة إمدادات الحرب. مثلا، نشبت إحدى النزاعات حول مكافآت الحرب عام 1918، قادت العاملات الإضراب في الحافلات والترامواي في لندن من أجل المساواة مع الرجال وربحن المعركة. مثل هذه التجارب دفعت المؤرخة برباره درايك إلى الكتابة أنه عام 1920 تعلمت النساء دروساً قيمة خلال الحرب، والأهم: “قوة التنظيم… وقيمة عملهن”. (Drake, 1984, p108).

في نهاية الحرب، وجدت العديد من النساء مطرودات من وظائفهن التي عملن فيها وذلك حتى يحل الرجال العائدون من الحرب فيها. أعربت العديدات عن عدم رضاهن حيال فقدانهن لفرصة كسب أجر والعيش باستقلالية. ولكن حياة النساء لم ترجع بالكامل إلى ما كانت عليه قبل الحرب. فقد جرى توسيع الحق بالاقتراع ليشمل أقلية من النساء المالكات أو اللواتي يحملن شهادة جامعية وفوق الـ 30، كذلك لكل الرجال فوق الـ 21، وذلك لأول مرة (Rowbotham, 1999). منعت نساء الطبقة العاملة من الحق بالاقتراع لعقد إضافي- كل النساء فوق الـ 21 سنة نلن حقهن بالاقتراع فقط عام 1928. وامتد تسييس العاملات وتجربتهن في سنوات الحرب ليشمل النضالات من أجل الوصول إلى التحكم بالنسل في السنوات ما بين الحربين العالميتين. أخذت نساء الطبقة العاملة مسائل التحكم بالنسل ورعاية الأطفال وحقوق النساء إلى أماكن العمل والنقابات. لم تكن تلك مسائل “شخصية” بالنسبة لهن؛ ولا يمكن حلها شخصياً أو من خلال تبني نمط حياة جديدة، عبر توظيف للمربيات أو الدفع للحصول على إجهاض أقل خطورة. أصبحت منظمات النساء من الطبقة العاملة المحرك للتغيير في هذه القضايا لأن النضال الجماعي كان الطريق الوحيد الذي يحقق للنساء التغيير الحقيقي.

في المؤتمر السنوي للعاملات عام 1924، شكلت 200 مندوبة مجموعة التحكم بالنسل. وقد أعلنّ: “شكلنا اليوم مجموعة التحكم بالنسل للإعلان بشكل واضح أننا نعمل داخل ومع حزب العمال ولا نتشارك آراء المالتوسيين أو المطالبين بتحسين النسل الذين يعتبرون أن الفقراء هم من مرتبة أدنى” (Hoggart, 1996, in Digby & Stewart, 1998, p145). في السنة التالية بعد الإضراب العام سنة 1926، السيدة لوثر (لا يوجد في السجلات ما يشير إلى اسمها الكامل، وهذا بحد ذاته له بالغ الدلالة)، وهي زوجة عامل منجم من دورهام، تحدثت في مؤتمر حزب العمال داعيةً إلى توفير وسائل التحكم بالنسل من قبل المجالس المحلية (Rowbotham, 1977a). وقد قالت أن النساء يستحقّن الدعم بسبب الدعم الذي قدمنه لإنجاح الإضراب، وحاججت: “إن حمل طفل أخطر بأربع مرات من العمل في منجم للفحم” (Rowbotham, 1977, p43).

خلال الـ 1920ات، أنشئت بعض العيادات للتحكم بالنسل التي أدارتها المتطوعات. افتتحت ماري ستوبس عيادتها الأولى في لندن عام 1921، وكما اشترت عربة يجرها حصان وحولتها إلى عيادة متنقلة. جالت ستيلا براون بانتظام في الأرياف للحديث إلى نقابات النساء، والفروع المحلية لحزب العمال، والتعاونيات حول الإجهاض والتحكم بالنسل، وقدمت لهن محاضرات “نظرية وعملية” (Brooke, 2013, p49). ناضلت مجموعة التحكم بالنسل طويلاً حتى يدعم حزب العمال تقديم الاستشارات حيال التحكم بالنسل في عيادات السلطات المحلية. لم يتخذ أي إجراء لغاية عام 1930، حين كان للسلطات المحلية الحق لأول مرة تقديم الاستشارات حول التحكم بالنسل. هيمن على تلك المناقشات في الحملة مواضيع مثل الحاجات الطبية للنساء وسلامتهن وظروف أفضل للولادة ورعاية الأمومة. ولكن السبب وراء هذا النزاع كان ما كمن وراء الحجج أن الأسئلة حول الجنس والاستقلالية ودور النساء كأم. مثلا، كانت الناشطات يجدن صعوبة بالإشارة إلى حياتهن الشخصية، حتى لا يبدين راديكاليات للغاية أو مشجعات للحب الحر والتخالط الجنسي.

حققت ناشطات التحكم بالنسل انتصاراً هاماً آخر عندما صوتت النقابة التعاونية للنساء عام 1934 لإصلاح قانون الإجهاض بحجة:

“في ظل ارتفاع معدل وفيات الأمهات والشرور الناتجة عن ممارسة الإجهاض غير الشرعي، يدعو المؤتمر الحكومة إلى مراجعة قوانين الإجهاض عام 1861 عبر ملاءمتها مع الظروف والأفكار الحديثة، وبالتالي جعل الإجهاض عملية شرعية يمكن أن تجرى في ظل نفس الظروف كأي عملية جراحية أخرى” (Francombe, 1984, p67).

على الرغم من الحاجة إلى الإجهاض الآمن والقانوني كبديل من المخاطر المتزايدة في الإجهاض غير الشرعي، إن مسألة حقوق النساء وحريتهن كانت جزءاً من النقاش. (Gaffin and Thomas, 1983, p107).

أطلقت جمعية إصلاح قانون الإجهاض (ALRA) عام 1936 من قبل النساء اللواتي كن ناشطات في هذه القضية لبعض الوقت، من بينهن ستيلا براون، جانيت شانس وأليس جينكينز (Francombe, 1984 Lewis 1984). كانت العديدات منهن متجذرات في الحركة العمالية “وشبكات المنظمات الاشتراكية، والنسوية والعمالية النسائية” (Brooke, 2013, p101). ضمت الجمعية كذلك الأطباء/الطبيبات والمحامين/ات والناشطين/ات الاجتماعيين/ات الذين/اللواتي اعتقدوا/ن أنه حان الوقت لتغيير القانون. وقد أدى الضغط إلى تغيير القانون بعد 30 سنة. حاولت الجمعية اجتذاب الناشطين العماليين إلى صفوفها وروجت لعضوية مقابلة بنس واحد؛ انضم 739 شخصاً من هذه الفئة بحلول العام 1939. وزعت منشورات تتساءل: “هل تريد تغيير قانون الإجهاض؟” والتي كانت موجهة إلى النساء والرجال (Brooke, 2013, p101). تحدثت العديدات من نساء الطبقة العاملة في المؤتمر التأسيسي للجمعية. واحدة منهن ممرضة كانت قد كسبت دعماً محلياً عندما طردت من وظيفتها كزائرة صحية في إدمنتون لتقديمها نصائح حول التحكم بالنسل عام 1922. وأوضحت أنها تعتبر الإجهاض مشكلة طبقية، قائلة: “النساء الفقيرات اللواتي يعشن تحت وطأة الخوف وهن يحاولن دائماً تصحيح أوضاعهن. المرأة العاملة تريد الإجهاض. لماذا لا تستطيع الفقيرات ذلك؟ دعوا الفقيرات يحصلن على ما حصلت عليه الثريات فعلياً” (in Widgery, 1975).

عام 1937، وتحت الضغط لمعالجة مسألة الإجهاض، أنشأت الحكومة اللجنة المشتركة بين الإدارات حول الإجهاض للنظر في “انتشار الإجهاض، والقانون الحالي المتعلق به، والنظر بنوع الخطوات التي يمكن اتخاذها بما خص الإجهاض، سواء بتعزيز تنفيذ القانون أو الحد من وفيات الأمهات وأمراضهن المتعلقة بهذه المسألة” (Brookes, 2013, p105). وقد نشرت تقريراً عام 1939، يظهر مدى انتشار الإجهاض السري: حيث يجرى بين 110 ألف و150 ألف عملية إجهاض سنوية، و40 بالمئة منها لأسباب إجرامية”. تكشف الأسئلة التي طرحها نرمان بيركيت، رئيس اللجنة، خلال التحقيق عن الكثير من الآراء المعاصرة كالتقرير نفسه. في هذه المسألة، سأل رئيسة جمعية إصلاح قانون الإجهاض، جانيت شانس: “هل فكرت بعدد المرات التي أصبح فيها الطفل الـ 14 أو الـ 15 في العائلة رجلاً عظيماً؟” أجابت: “هل سألت نفسك كم تتزايد نسبة وفيات الأمهات بعد ولادة الطفل الخامس؟” (In Potts et al., 1977, p287). دوروثي تورتل، كانت المرأة الوحيدة من الطبقة العاملة في الجلسة، وهي كانت زعيمة حزب العمال في مجلس شورديتش وابنة نائب حزب العمال جورج لانسبوري. وقد أنتجت ما سمته عضوة الجمعية جانيت شانس تقرير الأقلية الشجاعة حول واقع نساء الطبقة العاملة وتجاربهن وحاجتهن إلى التغيير (Hindell and Simms,1971). دوروثي تورتل أصبحت نائبة رئيسة جمعية إصلاح قانون الإجهاض بعد الحرب العالمية الثانية.

من جديد، أدى اندلاع الحرب [العالمية الثانية] إلى تراجع الحملة. عنت الحرب أن مسألة قانون الإجهاض قد وضعت جانباً، ولكن في الواقع تزايدت عمليات الإجهاض. من جديد كذلك عادت النساء من جديد إلى الوظائف التي كانت محصورة بالرجال بأعداد تجاوزت ذروة الأرقام التي سجلت في الحرب العالمية الأولى. ما يصل إلى 75 بالمئة من العمال الجدد كانوا من النساء المتزوجات، انضم ما يصل إلى 3 مليون امرأة وأرملة في نهاية المطاف إلى القوى العاملة ممثلات ضعف ما كان عليه الوضع قبل الحرب. أكثر من 100 ألف امرأة انضممن إلى فروع مختلفة من الصناعات العسكرية، وأكثر من 80 ألف امرأة انتسبن إلى جيش الأرض العامل في المزارع في كل أنحاء البلاد. (2) وقد فتح ذلك عالماً جديداً للغاية بالنسبة لملايين النساء. وبهدف تأمين عمل المصانع بكامل طاقتها، أنشأت الحكومة حضانات، وبعضها بقي يعمل على مدار الساعة. كما افتتح 2000 مطعم حتى يستطيع العمال تناول الطعام بأسعار متهاودة، كما جرى تأمين موزعي الأكل لتوزيع الطعام على طوابير العاملات في مصانع الأسلحة (Longmate,2002). تزايدت المدارس التي تلقت الحليب والطعام المجانيين. فجأة وجدت الدولة الموارد اللازمة للقيام ببعض أعباء أدوار النساء في الأسرة لأنها بكل بساطة تحتاج إلى عمالة نسائية لكسب الحرب. عملت النساء لساعات طويلة بكثافة، في مهن متعبة ووسخة وخطيرة في بعض الأحوال، ولكنهن كسبن المال وتمتعن بحرية شخصية وجنسية غير مسبوقة. بالنسبة للكثيرات اللواتي لا يملكن المال لشراء وسائل منع الحمل الموثوقة ومعقولة التكلفة، أدى ذلك إلى تزايد عدد حالات الحمل غير المرغوب فيه. تزايد عدد النساء المتزوجات اللواتي أجهضن خلال الحرب، وتزايد عدد الأطفال “غير الشرعيين” لتصبح النسبة ثلث الولادات بحلول العام 1945 (Humphries and Gordon, 1994).

عندما انتهت الحرب، أغلقت الحضانات أبوابها وتوقف الدعم الذي كانت الحكومة حريصة على تقديمه للنساء للتخفيف من أعباء العمل المنزلي. وقد طردت العديدات حتى يعود الجنود للعمل في وظائفهم. كما شجعت الناس على رؤية العائلة والمجال المنزلي وكمركز لحياتهن ومسؤولياتهن. ولكن من جديد، كان مستحيلاً إعادة حياة النساء إلى الوراء بالكامل (Roberts, 1995). لن يكون عالمهن هو نفسه أبداً. عنت الطفرة التي حصلت بعد الحرب أن العديد من النساء قد انجذبن إلى العمل الصناعي ونظام التعليم المتوسع. هذه التطورات كشفت عن فجوة متنامية بين الطريقة التي جرى التعامل فيها مع النساء وتوقعاتهن المتغيرة باستمرار، والتي أدت إلى افتتاح نضالات جديدة غيرت في المشهد السياسي للقرن الـ 20.

لا تزال تجارب النساء منذ آلاف السنوات، وحتى المناضلات الأوائل واللواتي وثّقن التجارب المعيشية لنساء الطبقة العاملة، صالحة ليومنا هذا. لقد علمونا أنه لا يمكن للنساء أن يلعبن دوراً كاملاً في المجتمع ما لم يتحكمن بخصوبتهن. كما أظهرن أنه، بغض النظر عن القانون والمعرفة الطبية، حرمت نساء الطبقة العاملة دائماً من أفضل خدمات للتحكم بالنسل والإجهاض التي كانت متاحة للثريات القادرات على الدفع. بحلول الـ 1960ات، بات الضغط لتغيير القانون أمراً لا مهرب منه.

الهوامش:

1. http://www.iwm.org.uk.

2. http://www.iwm.org.uk/history/what-was-the-womens-land-army http://www.nationalarchives.gov.uk/womeninuniform/wwii_intro.htm.

المراجع:

Alaimo, S, (2000) Undomesticated ground: Recasting nature as feminist space, Ithaca, NY: Cornell University Press.

Barker, TC and Drake, M (eds) (1982) Population and society in Britain, 1850–1980, London: Batsford Academic and Educational.

Bland, L (2002) Banishing the beast: Feminism, sex and morality, London: Tauris Parke Paperbacks.

Brookes, B (2013) Abortion in England 1900–1967, London: Croom Helm.

Cashdan, E (1985) ‘Natural fertility, birth spacing, and the ‘‘first demographic transition’’’, American Anthropologist, 87:3, 650–3.

Devereux, G (1960) A study of abortion in primitive societies: A typological, distributional, and dynamic analysis of the prevention of birth in 400 pre industrial societies, London: Thomas Yoselo Ltd.

Digby, A and Stewart, J (1998) Gender, health and welfare, London: Taylor & Francis.

Dowsing, S (2000) Contraception and abortion in the early Roman Empire: A critical examination of ancient sources and modern interpretations, MA Thesis, Ottawa: University of Ottawa.

Drake, B (1984) Women in the trade -union-s, London: Virago.

Draper, E (1972) Birth control in the modern world: The role of the

individual in population control (2nd edn), London: Penguin.

Dyhouse, C (2013) Girl trouble: Panic and progress in the history of young women, London: Palgrave Macmillan.

Empson, M (2014) Land and labour, London: Bookmarks Publications.

Engels, F (1973) The condition of the working class in Britain,

London: Lawrence and Wishart.

Flannery, K and Marcus, J (2012) The creation of inequality, London: Harvard University Press.

Foot, P (2012) The vote: How it was won and how it was undermined, London: Bookmarks.

Francombe, C (1984) Abortion freedom: A worldwide movement, London: HarperCollins.

Fryer, P (1965) The birth controllers, London: Secker & Warburg.

Gaffin, J. and Thoms, D (1983) Caring & sharing: The centenary history of the Co-operative Women’s Guild, Manchester: Co-

operative -union-.

Gittins, D (1982) Fair sex: Family size and structure, 1900–39, London: Hutchinson.

Gordon, L (1990) Woman’s body, woman’s right, New York: Penguin.

Greenwood, V and Young, J (1976) Abortion on demand, London: Pluto Press.

Hall, A and Ransom, WB (1906) ‘Plumbism from the ingestion of diachylon as an abortifacient’, British Medical Journal, 1:2, 356, 428–30.

Hall, LA (ed) (2005) Outspoken women: An anthology of women’s writing on sex, 1870–1969, London: Routledge.

Hall, LA (2011) The life and times of Stella Browne: Feminist and free spirit, London: IB Tauris.

Harman, C, (1999) The people’s history of the world, London: Bookmarks Publications.

Hindell, K and Simms, M (1971) Abortion law reformed, London: Peter Owen.

Hoggart, L (2010) Feminist principles meet political reality: The case of the National Abortion Campaign, https://www.prochoiceforum.org.uk/al6.php

Holdsworth, A (1988) Out of the doll’s house: The story of women in the twentieth century, London: BBC Books.

Humphries, S (1989) Secret world of sex: Sex before marriage – the British experience, 1900–1950, London: Sidgwick & Jackson.

Humphries, S and Gordon, P (1994) Forbidden Britain, London: BBC Books.

Jenkins, A (1960) Law for the rich, London: Victor Gollancz.

Jones, L and Pemberton, N (2014) ‘Ten Rillington Place and the changing politics of abortion in modern Britain’, Historical Journal, 57: 4, 1085–109.

Knight, P (1977) ‘Women and abortion in Victorian and Edwardian England’, History Workshop Journal, 4, 57-68.

Klein, Y Ed (1997) Beyond the home front: Women’s autobiographical writing of the Two World Wars, New York: New York University Press.

Koblitz, AH (2014) Sex and herbs and birth control: Women and fertility regulation through the ages, Seattle: Kovalevskaia Fund.

Layland, W and Economou, GD (1996) William Langland’s Piers Plowman:The CVersion (The Middle Ages Series), Philadelphia: University of Pennsylvania Press.

Lewis, J (1984) Women in England, 1870–1950: Sexual divisions and social change, Brighton: Harvester Press.

Liddington, J and Norris, J (2000) One hand tied behind us: The rise of the women’s su rage movement, London: Rivers Oram Press.

Longmate, N (2002) How we lived then:A history of everyday life during the Second World War, London: Pimlico.

Marlow, J (1998) The Virago book of women and the Great War, London: Virago Press.

McLaren, A (1984) Reproductive rituals: Perceptions of fertility in Britain from the 16th century to the 19th century, London: Methuen Young Books.

Nelson, J (2003) Women of color and the reproductive rights movement, New York: New York University Press.

Pinchbeck, I (1977) Women workers and the Industrial Revolution 1750–1850, London: Frank Cass and co.

Potts, M, Diggory, P, Peel, J (1977) Abortion, New York: Cambridge University Press.

Porter, C (2013) Alexandra Kollontai, Pontypool: The Merlin Press.

Raw, L (2011) Striking a light: The Bryant and May Matchwomen and their place in history, London: Continuum.

Riddle, JM (1992) Contraception and abortion from the Ancient World to the Renaissance (3rd edn), Cambridge, MA: Harvard University Press.

Riddle, JM (1997) Eve’s herbs:A history of contraception and abortion in the West, Cambridge: Harvard University Press.

Roberts, E (1999) Women and families: An oral history, 1940–1970, Oxford: Blackwell.

Rose, L (1986) Massacre of the innocents: Infanticide in Britain, 1800–1939, London: Routledge & Kegan Paul Books.

Rowbotham, S (1977) A new world for women: Stella Browne, socialist feminist, London: Pluto Press.

Rowbotham, S (1977a) Hidden from history: 300 years of women’s oppression and the fight against it (3rd edn), London: Pluto Press.

Rowbotham, S (1999) A century of women, London: Penguin Books.

Rowbotham, S (2010) Dreamers of a new day: Women who invented the twentieth century, London: Verso.

Shorter, E (1984) A history of women’s bodies, London: Penguin.

Schoen, J (2005) Choice and coercion: Birth control, sterilization, and abortion in public health and welfare, New York: University of North Carolina Press.

Weeks, J (1981) Sex, politics and society, London: Longman.

Widgery, D (1975) ‘Abortion: the pioneers’, International Socialism (1st series) 80: July/August, 6–11, https://www.marxists.org/archive/widgery/1975/07/abortion.htm.

Woodside, M (1966) Abortion in Britain: Proceedings of a conference held by the Family Planning Association at the University of London -union-, London: Pitman Medical Publishing.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة